عن الأدب .. وعالم الفتوات

بقلم: محمد جبريل
.....................

روي لي أستاذنا نجيب محفوظ -يوما- أن نشأته في الأحياء الشعبية قد أتاحت له التعرف -بصورة مباشرة- إلي حياة القنوات وما كانت تزخر به من بطولات وخيانات ومعارك لا تنتهي وقد انعكس ذلك كله -بالطبع- في عالم كاتبنا الكبير الروائي منذ بداية ونهاية إلي الحرافيش وبقدر ما كان نجيب محفوظ الطفل يضمر إعجابا بالفتوات فإنه لم يكن يملك إلا الإشفاق علي هؤلاء الذين تجددت وظيفتهم في تلقي الضربات أثناء المعارك المتوالية وكانت قواهم الجسدية هي عنصر امتيازهم الوحيد.
ولأن الفتونة ليست قوة جسدية فحسب إنما هي إرادة وذكاء وقوة شخصية وحسن قيادة للآخرين فقد كان مساعدو الفتوات تكوينا أساسيا في ذلك العالم المثير بدونهم تزول سيطرة كل فتوة علي حي أو مجموعة أحياء وتتحول معاركه مع فتوات الأحياء الأخري إلي خناقات فردية. دون أن يجاوز تأثيرها الفتوات أنفسهم. أما المساعدون. فبالإضافة إلي أنهم كانوا يتلقون الضربات فقد كانوا -في الوقت نفسه- يبلغون الإنذارات ويتلقون الإتاوات. ويضعون أعينهم علي تحركات القنوات الآخرين. وعلي الشرطة في آن معا.
باختصار. فإن مساعدي كل فتوة كانوا هم العامل الأساسي في إبرازه وتقديمه وفرض سطوته. وإن ظلوا علي الهامش دوما في عالم الفتوات.
والحق أن ذلك العالم الاسطوري -كما رواه لي استاذنا نجيب محفوظ- يذكرني بواقعنا الأدبي والفني المعاصر. فما أكثر مساعدي الفتوات في دنيا فنان الشعب سيد درويش. وفي النقلة التي أحدثها الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب. وفي استاذية نجيب الريحاني. وفي أداء أم كلثوم. وفي لوحات محمود سعيد. وتماثيل محمود مختار. وما أكثر مساعدي الفتوات في عالم نجيب محفوظ نفسه بل إن جيل يوسف إدريس بكامله لم يزد دوره عما كان يفعله مساعدو الفتوات في مطالع القرن.. أبدعوا. ولقيت أعمالهم قبولا ورفضا. وذاعت أسماء واختفت. وأثيرت المعارك الفنية والنقدية. ونوقشت الرسائل الجامعية. وصدرت الدراسات وعقدت المؤتمرات والندوات. فلما انحسر المد بدا يوسف إدريس متفردا في الساحة.
لعل المشكلة التي تحياها أجيال ما بعد يوسف إدريس. أن رأيا عاما لم يتكون -بصورة حاسمة- حول اسم محدد فالأسماء تظهر في حياتنا الثقافية كالفلاشات التي تضيء جدا. ثم تختفي بالكيفية ذاتها!
أخشي أن يكون مبدعو هذه الأجيال قد تحولوا جميعا -والظواهر كثيرة- إلي مساعدين- وهنا الحسرة! -لفتوات الأجيال السابقة.
من فتوة هذا الجيل؟!
.........................................
*المساء ـ في 19/5/2007م.