اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. حسين علي محمد مشاهدة المشاركة
* الثأر *
قصة قصيرة، بقلم: محمد جبريل

حى بحرى هو هذه المنطقة التى تمثل شبه جزيرة فى شبه جزيرة الإسكندرية . لا يزيد ـ طولاً أو عرضاً ـ عن كيلو متر واحد . مظهره الأهم غلبة الروحانية . ثمة الجوامع والمساجد والزوايا والصوفية وحلقات الذكر والموالد وغيرها مما يسم الحياة فى بحرى باختلاف مؤكد ، ليس عن بقية أحياء الإسكندرية فحسب ، وإنما عن بقية المناطق المصرية جميعاً . شهر رمضان ـ بالطبع ـ جزء من تلك الروحانية التى تدين لها طفولتى ـ ومحاولاتى الإبداعية فيما بعد ـ بالكثير . الصيام ، صلاة التراويح ، تلاوة القرآن ، المسحراتى ، الكنافة ، القطايف ، حالو ياحالو ، الياميش ، الأضواء ، الفوانيس ، الليل الصاحى ، النهار المتثائب ، السبح ، الأعصاب المنفلتة ، واللهم إنى صايم ، الطرشى ، الفول المدمس ، اللب ، الفول السودانى ، التسالى ، الإذن للأطفال بالسهر مدى شهر كامل ، تقييد الشياطين والجان ، اختفاء العفاريت ..
كنا نسهر إلى موعد السحور . نحمل فى أيدينا ـ عقب الإفطار ـ فوانيس زجاجها ملون ، مصنوعة من الصفيح ، وتضئ بالشمع . أفضل من فوانيس هذه الأيام التى تضئ بالبطارية ! . دعك من وفرة الأمان فى الفوانيس الحالية . ارتعاشة الشمعة قد تحمل الخطر ، لكنها تحمل الحميمية فى الوقت نفسه . نقف أمام دكاكين الحى ، نلوح بالفوانيس ونغنى :
الدكان ده كله عمار وصاحبه ربنا يغنيه
يهبنا صاحب الدكان من الملاليم ما يدخل السعادة إلى نفوسنا ، ربما أضعاف ما نشعر به ونحن نأخذ هبات فى المناسبة نفسها ..
قد يرفض صاحب الدكان ، ويطردنا ، فتعلو أصواتنا :
الدكان ده كله خراب وصاحبه ربنا يعميه
ونجرى ..
وكنا نسلى أنفسنا بما نسميه " شكل للبيع " . ألجأ إلى رشاقة جسدى ـ باعتبار ما كان ـ فأقفز على عنق أحد المارة ممن نتوسم فى ملامحه طيبة . يسقط الرجل ـ بتأثير المفاجأة ـ من طوله ، ويخرج الأولاد من مكامنهم ، وفى أيديهم العصى ، ينهالون عليه بضربات سريعة ، مؤلمة ، ويختفون قبل أن يفيق الرجل من الصدمة ..
تكررت اللعبة ، وطالت عصينا أجساد الكثيرين . مجرد شقاوة عيال يشغلها التسلية وغير المألوف ، وليس إحداث الأذى ..
ثم جاء اليوم الذى كان ينبغى فيه أن ندفع الثمن : قفزت على عنق شاب صعيدى ، ولحقته عصى الأولاد فى سقوطه على الأرض ، واختفينا ـ كالعادة ـ قبل أن يحاول رد ضرباتنا ..
نفض الشاب ثيابه ، ومضى .. وعدنا إلى شكل للبيع وغيرها من الألعاب : الاستغماية ، عنكب يا عنكب ، نطة الإنجليز ، أولها اسكندرانى إلخ ..
قبل السحور ، كان التعب قد هدّنا . جلسنا متجاورين على رصيف الشارع الخلفى لجامع سيدى على تمراز . يغنى أحدنا ، ونردد وراءه ونحن نهز الرءوس :
وحوى يا وحوى .. إيوحه .. وكمان وحوى .. إيوحه ..
فاجأت أولنا ركلة قدم قاسية طوحت به فى قلب الشارع . تزامنت صرخة الولد مع صرخاتنا ، ونحن نتلقى الركلات السريعة المفاجئة من قدم الشاب الصعيدى . أوهمنا أنه مضى بعيداً ، لكنه ظل ـ فى صبر ـ حتى جاءت اللحظة التى اختارها ، فثأر لنفسه !
قص روائي يتولي الراوي الطفل دفة الحكي والمشاركة في صناعة الأحداث بقوم الراوي بالنقل المشهدي للحظات حميمة في تاريخ الصبي الشقي ومغامراته البريئة النص يضعنا مباشرة أمام تراث شعبي مصري بالغ الخصوصية عن شهر مميز له طقوس خاصة خاصة محترمة
الراوي أجاد بذكاء الأحداث وأعادنا أطفالا نلهو الثأر في النهاية خاتمة جيدة ورد فعل تأديبي لهذا الولد المشاغب
تحياتي للقاص وشكرا علي هذا الجهد السردي المميز
سهيلة6/11/2007