مَكْتبَة أبي شَامَة الْمَغربي الْخَاصَّةِ بأدَب السِّيرَةِ الذاتِيةِ
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
|
مَكْتبَة أبي شَامَة الْمَغربي الْخَاصَّةِ بأدَب السِّيرَةِ الذاتِيةِ
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
Last edited by أبو شامة المغربي; 13/07/2010 at 07:18 AM.
بسم الله الرحمن الرحيم
مكتبة أدب السيرة الذاتية
***
"الطريق إلى مكة"
تمت مؤخراً إعادة طبع كتاب رحلة محمد أسد إلى الإسلام "الطريق إلى مكة" للمرة التاسعة، وهو كتاب يهم الكثير من القراء المهتمين بالاسلام.
مؤلف الكتاب هو ليوبولد ويس، وهو اسم رجل ولد يهودياً في النمسا عام 1900م.
هذا الرجل ترك النمسا عام 1922م في رحلة صحافية إلى أفريقيا وآسيا.
- عام 1926م اعتنق الإسلام وصار اسمه محمد أسد.
- عام 1954م نشر كتاباً بالانجليزية عن رحلته الروحية (والجسمانية): الطريق إلى مكة.
ترجمة الكتاب العربية الجميلة صدرت في الخمسينات عن دار العلم للملايين (بيروت) بتوقيع عفيف البعلبكي.
الكتاب ما زال يطبع منذ ذلك الحين - (الطبعة الثامنة صدرت في سنة 1994م)، وقد صدر أخيراً في طبعة إنجليزية أخرى، وتعد استعادة كتاب محمد أسد اليوم (وهو من عيون أدب الرحلات وأدب السيرة الذاتية الروحية الكلاسيكية) مفيدة، في ظل الحركة المتبادلة بين الشرق والغرب: الكتب التي تعرض الإسلام وحياة المسلمين تحتل قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في الغرب.
"الطريق إلى مكة" يشبه رواية في بنائه الهندسي المحكم وانتقاله بين الأزمنة وأسلوب سرده الأنيق للشخصيات والأماكن.
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
Last edited by أبو شامة المغربي; 13/07/2010 at 07:19 AM.
ابن الجوزي مترجماً لنفسه
حنان بنت عبد العزيز سيف
بحث قيم يتناول ترجمة عالم إمام من أئمة المسلمين، والجديد في هذه الترجمة أنها مما ذكره ابن الجوزي عن نفسه متفرقاً في كتبه ومؤلفاته، فجمعته الباحثة ثم قسمت الدراسة إلى أربعة أقسام: الأول: ترجمة ابن الجوزي نفسه. الثاني: مشيخة ابن الجوزي. الثالث: صِلاته بعلماء عصره وأعيان زمانه. الرابع: أحداث عاصرها ابن الجوزي.
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
Last edited by أبو شامة المغربي; 13/07/2010 at 07:21 AM.
التَّرَاجمُ وَالسِّيرُ
للاطلاع على الرابط الآتي:
التراجم والسير
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
Last edited by أبو شامة المغربي; 13/07/2010 at 07:25 AM.
في طفولتي
دراسة في السـّيرة الذّاتيـّة العربيـّة
تأليف: تيتز رووكي
ترجمة: طلعت الشـّايب
بقلم: فاطمة ناعوت
كتاب صدر حديثاً عن المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، هو أطروحة الباحث السويدي "تيتز ووكي" التي نال بها درجة الدكتوراه من جامعة ستوكهولم عن الأدب العربي عام 1997، وقام بترجمته على هذا النحو الرفيع "طلعت الشايب"، الذي قدّم للمكتبة العربية عددًا من أهم الكتب الغربية، أذكر منها مثالا لا حصرًا: "الحرب الباردة الثقافية"، "صدام الحضارات"، فكرة الاضمحلال في التاريخ الغربي"، و"حدود حرية التعبير"، و"المثقفون "، عدا العديد من الروايات المهمة والمجموعات الشعرية والقصصية.
في هذا الكتاب، "في طفولتي In My Childhood"، غاص المؤلف السويدي في عمق التجربة العربية الأدبية بوصفها حقلا شديد الثراء والتنوع ليرصد ملامح طفولة عدد من الأدباء العرب مستلّةً من سيرهم الذاتية كما كتبتها أقلامُهم، فيقدم لنا فوتوغرافيا تحليلية نفسية لطفولة عشرين مبدعًا عربيًا في تاريخ العرب الحديث منذ عام 1929 حتى عام 1988.
يُعتبر أدب السيرة الذاتية جنسًا أدبيًا واسع الانتشار في الأدب الغربي، بينما مازال لا يمثل كتلةً واضحة المعالم في أدبنا العربي، ربما في رأيي لأسبابٍ تتعلق بسقف الحرية الإبداعية والفكرية التي يتحرك تحته القلم العربي حتى الآن، لأن هذا الجنس الأدبي تحديدًا لا يقوم في المقام الأول على تعرية الذات وتسليط الضوء عليها وحسب، بل على كشفٍ كاملٍ لمرحلةٍ زمنية بعينها قد تشمل جيلين، بكل مفرداتها من شخوصٍ وواقعٍ اجتماعيٍّ وسياسيٍّ وثقافيٍّ وبيئيّ.
فأدب السيرة الذاتية - وإن نُعتَ بالذاتية - إلا أنه يشمل ضمنًا حياةَ (الآخر) والمحيط ومن وجهةِ نظرٍ آنيةٍ أيضًا، أي أن آليات الوعي الجديدة والمكتسبة للكاتب (الآنية لحظة الكتابة) هي العين الراصدة للماضي مما قد يشكّل لونًا من الكشف الحميم لمنظومة كاملة قد تتجاوز الأنا الخاصة للكاتب صاحب السيرة لتتخطاه إلى الآخر سواء كان هذا الآخر ذاتًا بشرية أو مجتمعًا أو سلطة أو منهجًا فكريا لبيئة وحيّزٍ زمنيّ بعينه وهذا في رأيي ما سبب انحساره في أدبنا العربي.
جريًا على نهج التخصص الدقيق الذي تبناه العلم في الزمن الحديث، يسلط الكتابُ شعاعًا كثيفًا من الضوءِ على مرحلة بعينها من حياة المبدع موضوع التطبيق، وهي مرحلة الطفولة، بوصفها أهم مراحل تكّون الإنسان فكريًا ونفسيًا والتي فيها تتشكل البذور الأولى لرؤيته المستقبلية للعالم والوجود وبوصفها الإرهاصةَ الأولى لتشكّل قلم المبدع فيما بعد.
وهنا يقف الكتابُ على مساحةً أكثر رحابةً من مجرد كونِه رصدًا روائيًا لحياة كاتب، بل يتجاوز هذه الأرض إلى ما يتماهى مع التحليل النفسي الدقيق للشخصية الإنسانية ، انطلاقًا من تعقدات واشتجارات الطفولة الأولى للمرء بوصفها مقدماتٍ لتوالٍ.
ويمكن اعتبار هذا التناول لمرحلة الطفولة في حياة شخصية عامة، جنسًا أدبيًا مستقلاً وموازيًا لأدب السيرة الذاتية الشهير.
يلمح الكتاب إلى وعي العرب القدامى بهذا اللون الأدبيّ واهتمامهم بتسجيل التراجم الشخصية لحياة المفكر والأديب والشاعر، مثلما ورد في نصوص ابن سينا، وكتاب العِبَر لابن منقذ وغيرها، مما يناقض الزعم الغربي أن هذا الجنس الأدبي محضُ اختراعٍ غربيٍّ صافٍ، ومن أشهر من تبنى هذا الزعم "جورج جاسدوف" الذي نفى وجود أدب سيرة ذاتية خارج نطاق الثقافة الأوربية ، بل و يُرجع وجودها في حضاراتٍ أخرى كما عند المهاتما غاندي مثلا إلى الغرب أيضَا الذي صدّرها إلى بقية الجنس البشريّ ذاك الذي ما كان لقدراته الذهنية أن تدرك هذا الوعي بتدوين الذات.
ومما لا شك فيه أن تلك الرؤية المتطرّفة ذات الطابع العِرقيّ الكولينياليّ، إنما تظلُّ محضَ رؤيةٍ فرديةٍ ناجمةٍ عن عدم اطلاع وافٍ على منجز الأدب العربي قديمه وحديثه.
تتصدر الكتاب مقدمةٌ مهمّةٌ لأستاذ علم الجمال "رمضان بسطاويسي"، يفند خلالَها مفهومَ لفظة "الهويّة" بالمعنيين الاصطلاحيّ والدلاليّ قديمًا وحديثًا، على المستويين الذاتي والجماعي (هويّة الفرد وهويّة الوطن) وعبر المتغيرات السياسية والاجتماعية والتكنولوجية وتحت مظلّة العولمة المهيمنة على الواقع العالمي الحديث، يرسم بسطاويسي بانوراما تشريحية لتطوّر دلالة تلك اللفظة تاريخيا.
الهوية في مقابل الآخر، استقلالها واكتفاؤها الذاتي وغناؤها عن الآخر، أم تحققها وانبثاقُ وجودها من خلال الآخر ،حيث يستحيل تحقق الذات وخلق هوية ما إلا عبر الآخر ،فيما يحقق كيانا مكتملا أو منظومة حياتية ذات جسد وروح.
وتناقش تلك المقدمة أزمة الهوية ووجوب ابتداع صيغة جديدة للهوية الذاتية تتناغم مع روح العصر وفي ذات الوقت نابتة من جذور الهوية الجماعية لا استيراد أو استعارة هوية جاهزة من الغرب مما يخلق مسخًا شائه الملامح.ويشير بسطاويسي إلى تفاقم أزمة الهوية والقومية في العالم بأسره خاصة بعد أحداث سبتمبر الأخيرة والتي نرصد فيها محاولة القوة المهيمنة العالمية لخلق هوية استهلاكية فقيرة الأصالة والتفرد.ويشير الكتاب إلى أن رصد مرحلة الطفولة ملمحٌ شائع في أدب السيرة الذاتية العربية مثلما يتبين من معظم عناوين تلك الأعمال على غرار "طفلٌ من القرية"، "أيام الطفولة"، "رجوعٌ إلى الطفولة"،"سفر التكوين"، و"الأيام" الجزء الأول لعميد الأدب العربي.
يرصد الكتاب نماذجه التطبيقية في الفترة الزمنية ما بين عام 1929 حتى عام 1988م، أما تاريخ البدء فمرهونٌ بصدور "أيام" طه حسين، حيث صدر جزؤها الأول عام 1929م .
"الأيام" كانت نقطة البدء للانطلاق، بوصفها أول سيرة ذاتية عربية حقيقية، بل إن الكثير من الكُتّاب قد ساروا على درب "طه حسين" محاولين تحقيق مثل النجاح الذي حققه كما يؤكد المؤلف، وأما توقيت النهاية لحيز الزمن المرصود فارتبط بتوقيت ظهور نصٍّ للكاتب اللبنانيّ محمد قرة علي بعنوان "سطور في حياتي".
يتوقف الكتاب إذًا قبل العقد التسعيني من القرن الماضي، على الرغم من ثراء التسعينيات بالكثير من أدب السيرة الذاتية العربية، الأمر الذي جعل من الصعوبة بمكان تضمين ذلك العقد داخل متن الكتاب نظرًا لزخم تلك الحقبة وثرائها بهذا الجنس الأدبي، غير إن الكاتب قد ضمن معظم هذه الأعمال في حيّز الإشارة.
أما الكُتّاب العشرون الذين تضمنهم الكتاب بالدرس والتحليل خلال تلك العقود الستة فقد قسّمهم المؤلف إلى ثلاث مجموعات أو أقسام حسب التراتب الزمني:
ستة كُتّاب يمثلون الجيل الأول من كُتاب السيرة الذاتية، وهم من مواليد القرن التاسع عشر.
كُتّاب سبعة من مواليد بداية القرن الماضي وحتى عام 1920م، وهم من مثلوا الجيل الثاني من منتجي السيْر الذاتية.
ثم الجيل الثالث، مواليد ما بعد عام 1920 وما يزال معظمهم معاصرين، ويعني هذا التقسيم الزمني أن الكُتّابَ هؤلاء قد تزامنت طفولتهم مع انتهاء الإمبراطورية العثمانية أو عاصرت الاستعمار، وأن إنتاجهم الأدبي قد شهد المجتمع العربي قبل الحديث أو باكورة المجتمع الحديث، وهي مرحلة التحول من مجتمعٍ زراعيٍّ تقليدي إلى مجتمعٍ شبه صناعيّ، هذا إلى جانب كونها مرحلة نضال سياسيّ غايته الاستقرار الوطنيّ.
على أن الشاهد أن تلك السيْر الذاتية قد تمّ رصدها بعينٍ شاهدت نهاية القرن التاسع عشر أو بداية القرن العشرين، أي بعين ما بعد الاستعمار حيث مخروط الرؤية أكثر شمولية ورصدًا للحقبة كاملة مما يسمح بمزيد من الرصد والتأمل الدقيق للحدث.
هذا التوتر الناجم عن اشتباك الآنين:( آن القصِّ وآن الخطاب) هو ما خلق تلك الدراما الفنية وأثرى التجربة روائيًا.
يتكون الكتاب من عشرة فصول، فيأتي الفصل الأول ليحدد أهداف السيرة الذاتية كأحد الأجناس الأدبية التي تنقل للقارئ خبرةً ثقافية وحياتية حيّة تمت صياغتها في قالبٍ أدبي حيث يتوقف مدى التواصل بين النص والقارئ على مدى قدرة هذا الأخير على التقمص والتوحد الرمزي مع الكاتب مما يخلق خيطًا من التواصل بين أفراد المجتمع ونقل الخبرات وحث المرء على تأمل حياته والبحث عن المشتركات بين التجارب الإنسانية.
بينما يتناول الفصل الثاني تعريفًا مفصلا للسيرة الذاتية، فيبين أن ثمة نوعين، الأول شمولي عام والآخر محدد ذاتي، فيما يأتي الفصل الرابع الذي يحمل عنوان (التطوّر التاريخي) ليقدم ما يشبه الموسوعة المتخصصة أو المعجم التحليليّ لكثير من المفردات التي كثيرًا ما تلتبس في ذهن القارئ غير المتخصص لتقاطعها واشتباكها مع أدب السيْر الذاتية.
يتناول هذا الفصل الفروق بين مصطلحات من قبيل السيرة الذاتية Autobiography وسيرة الحياة Biography والترجمة الشخصية والذاتية، واليوميات Diaries، والمذكرات Memories وغيرها من أشكال الكتابة التي تندرج تحت أدب السيرة الذاتية كلونٍ أدبي قائم بذاته، ويرصد لنا المؤلف كذلك في هذا الفصل التطور التاريخي للسيرة الذاتية في الأدب العربي بعد أن يتتبع نشأة وتطور هذا المصطلح تاريخيا.
يدرس الفصل الثالث العلاقة بين السيرة الذاتية والرواية حيث كثيرا ما تخرج السير الذاتية في عباءة الرواية، بل وكثيراً ما يُكتب هذا على غلافها – كما في "الوسية" التي كتب على غلافها الأمامي رواية والخلفي مذكرات وداخل المتن سيرة ذاتية - حيث غالبا ما يلتقيان في الحبكة والسرد الروائي، غير أن الكاتب غالبًا ما يميز مشروعه عن طريق ما يسمى بفضاء السيرة الذاتية، أي درجة صدق الكاتب مع تجربته الشخصية وهو ما يميزه القارئ بسهولة عن طريق مقارنة أسماء الشخوص مع واقع تاريخي معروف لديه.
نرى أن الرواية تعمد على الصدق الرمزي أو الخيالي بينما تعمد السيرة الذاتية على صدق الكتابة الذاتية.
في الفصل الخامس يرصد المؤلف بعض النماذج التي كتب لها الاستمرار في الأدب العربي مثل التراجم الشخصية وبعض النصوص التي تعبر عن تحول في المفهوم العربي لأدب السيرة الذاتية نتيجة التأثر بالكتابة الغربية، فيقارن بين مدى وعمق تأثير التراث العربي التقليدي على السيرة الذاتية العربية الحديثة من ناحية، وأثر الأعمال الغربية من ناحية أخرى.
يتناول الفصل السادس ملمحا جديدا ميّز السيرة العربية الحديثة وهو الاهتمام برصد مرحلة الطفولة التي غابت عن الكتابة الأوتوبيوجرافية الكلاسيكية ، وهذا الملمح نرصده أيضا في الأعمال الغربية ،هذا ونلحظ غياب أو تغييب مرحلة المراهقة أو تفتح الجسد عن معظم الأعمال.
يتناول هذا الفصل أيضا بدايات أو مفتتحات العمل وكذا نهاياته، فيرصد الكتاب أن معظم البدايات تنطلق إما من لحظة الميلاد البيولوجي للكاتب أو لحظة توهج الذاكرة الأولى أو ما يسميها "كو" الضوء الأول للوعى أي نقطة وعى الطفل بالوجود والعالم بأبعاده المادية والاجتماعية.
غير أن الانطلاق من لحظة الميلاد الفعلى أو البيولوجي تظل الأكثر شيوعا بين كُتّاب السيرة الذاتية العربية، فيرصد المؤلف ثمان حالات من بين عشرين بدءوا بهذا المفتتح التقليدي.
يتناول الفصل الثامن "أوطان مُتخيّلة" الطفولة بوصفها مشاهد وصورا متخيلة شديدة الالتصاق بالمكان كأحد مفردات العمل الأدبي.
فالمكان الذي نشأ فيه الطفل يتم رصده من خلال هذه العين الصغيرة التي تختلط فيها الواقع بالخيال بارتباك الأبعاد بهوية الفرد وهوية المكان.
بينما يناقش الفصل التاسع الفقر كأحد أهم القيم التي تم رصدها في تلك الأعمال حيث ارتبطت الطفولة في معظم الحالات بظروف قاسية عاشها هؤلاء الكتاب.
في حين تشترك معظم الأعمال في النهاية التقليدية مثل مشاهد الرحيل أو الفراق.
يتناول الفصل العاشر من كتاب "في طفولتي" قيمة الحرية كهدف رئيس يصبو إليه أدب السيرة الذاتية من خلال الضلوع في صراعات مع ألوان السلطة بدءًا بالسلطة الأبوية في أسرته الصغيرة بوصفها النواة الأولى للمجتمع المقبل للطفل.
فالسلطة القمعية التي تسم معظم الأسر العربية سيما القديم منها والاشتباك في الصراع معها يعكس الحلم الجماعي بمجتمع أكثر حرية وأكثر مساواة.
يحلل هذا الكتاب كل القيم السابقة وغيرها الكثير من خلال التطبيق الأكاديمي على عشرين نموذجاً من أدب السيرة الذاتية العربية منها: "الأيام" لطه حسين بجزأيها الأول والثاني وبينهما فاصل زمني يمتد لعشر سنوات 1929-1939، "قصة حياة" للمازني 1943، "طفل من القرية" لسيد قطب 1946، "حياتي" لأحمد أمين 1950-1952، "أيام الطفولة" لإبراهيم عبد الحليم 1955، "اسمع يا رضا" لأنيس فريحة 1956، "في الطفولة" لعبد المجيد بن جلون 1957،1968 ،"سبعون" لميخائيل نعيمة 1959،"سجن العمر" لتوفيق الحكيم 1964،" على الجسر" لبنت الشاطئ 1967 ، "مذكرات جورجي زيدان" 1968 ،"بقايا صور المستنقع" لحنا مينا 1975-1977 ،"معي" لشوقي ضيف 1981، "عينان على الطريق" لعبد الله الطوخي 1981 ،" الخبز الحافي" لمحمد شكري 1982 ، "الوسية" لخيليل حسن خليل 1983، "لمحات من حياتي" لنجيب الكيلاني 1985، "رحلة صعبة رحلة جبلية" لفدوى طوقان 1985، "البئر الأول" لجبرا خليل جبرا 1987، "سطور من حياتي" لمحمد قرة على 1988.
المصدر
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
Last edited by أبو شامة المغربي; 13/07/2010 at 08:06 AM.
"هَذِهِ حَيَاتِي .. سِيرَتِي وَمَسِيرَتِي"
أحمد ديدات
يشتمل هذا الكتاب على السِّيرة الذاتية للشيخ
أحمد ديدات
للتنزيل على الرابط التالي:
هذه حياتي
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
Last edited by أبو شامة المغربي; 13/07/2010 at 08:00 AM.
الكتابات الذاتية
المفهوم، التاريخ، الوظائف والأشكال
صدر في طبعة أولى هذه السنة عن دار أزمنة للنشر والتوزيع كتاب:
"الكتابات الذاتية: المفهوم، التاريخ، الوظائف والأشكال"
لمؤلفه توماس كليرك وقد قام بترجمة الفصلين الأولين الشاعر والمترجم المغربي محمود عبد الغني الذي أكد في تقديمه للكتاب أنه "مرافعة نظرية من أجل قول الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة، في التصاق تام بقضايا السيرة الذاتية وما تطرحه من رؤيات وبنيات نصية في معرض تقديمها لصورة الذات والآخر".
كتاب الناقد والباحث الفرنسي توماس كليرك ضم في الأصل ثلاث مباحث أساسية:
- الكتابة الذاتية : إشكالية المفهوم والتاريخ.
- أشكال ووظائف الكتابات الذاتية.
- كيف نحلل الكتابات الذاتية.
وقد اعتبر المترجم محمود عبد الغني الفصل الأول مدخلا نظريا هاما مطبوعا بالفهم الدقيق لجنس السيرة الذاتية نصا وتاريخا "إضافة الى ارتكازه النظري على ما يمكن تسميته بالثقافة النظرية لصنوف الأدب الذاتي"بالتالي لا ينفي المترجم الحس الديداكتيكي على هذا الفصل الذي كرس من خلاله توماس كليرك جهده لإضاءة السيرة الذاتية.
ويعود الدافع الى ترجمة فصلي هذا الكتاب الى "الفقر النظري والنقدي الذي يطبع تلقي السيرة الذاتية في الأدب المغربي والعربي "فإضافة الى قلة الإصدارات في هذا الباب، تظل الرؤية العالمة لهذه النصوص مرتبطة بمبدأ الاستصغار الجمالي، وقد أكد المترجم محمود عبد الغني أن فصلي الكتاب الأول والثاني يعتبر" مرافعة شيقة عن مفهوم، تاريخ، أشكال ووظائف الكتابات الذاتية التي بقيت طيلة تاريخ الأدب معرضة للإدانات الأدبية والثقافية والدينية".
1- الكتابة الذاتية: إشكالية المفهوم والتاريخ
ينطلق توماس كليرك من المفهوم الإشكالي للمصطلح ، فهو يعتبر أن السيرة الذاتية مفهوم ملتبس، ليقدم جرذا يتأمل من خلاله ولادة وتطور المفهوم، فالوجود الكلي لـ "السير ذاتي" يقدم مفهومين استطاع توماس كليرك تحديدها في اعتبار السيرة الذاتية جنسا أدبيا، والسيرة الذاتية قادرة أن تتحدد "كنموذج للقراءة بطبيعة النصوص".
يستخلص توماس كليرك أن المصطلح يطرح مشاكل، مادام يتم خلطه بفكرة عامة جدا عن الأدب، ورغم جدة وحداثة هذا الجنس الأدبي إلا أن التأمل النظري كان موجودا حتى قبل اجتهادات فيليب لوجون، ولو أنه بقي محصورا في دراسات ذات طبيعة موضوعاتية أو تاريخية لكن تحديد فيليب لوجون الذي أمسى كلاسيكيا تحديد يكشف أهمية تاريخية.
ويتابع توماس كليرك تدقيق هذا التحديد مع إدخال التصحيحات التي وردت عند لوجون نفسه، ولعل أولاها أن السيرة الذاتية حكي "تمنح لذة شبيهة بلذة الرواية الكلاسيكية حيث يتناوب السرد والوصف، والمشاهد والتحليلات، البورتريه والتحقيقات" بالتالي لكلمة حكي معنى يضعها كمقابل ل"الرواية" مع اختلاف الحس التخييلي الغائب في الأولى، وإضافة للحكي فهي فعل استرجاعي والطابع "الاسترجاعي للسرد يشكل إحدى مفاتن الحكي السير ذاتي".
النقطة الثالثة هي النثر والتي تشكل علاقتها مع السيرة الذاتية نقطة تقاطع أخرى مع الرواية، ويعتبر توماس كليرك السيرة الذاتية " أكثر من جنس أدبي إنها نمط من الخطاب"، لكنه يتساءل في تثبيته لهذا المفهوم عن الحد لملاءمته، ما دام سؤال الهوية السردية يظل مطروحا ، واعتبارا أن السيرة الذاتية جنس أدبي "مرجعي" فإن اختلافها الجوهري عن التخييل يمر "عبر الإحالة على ضمير متكلم ملموس، وليس على شخصية متخيلة"، مما يفرض اعتبارات حاسمة في عملية تلقي الأدب.
لكن ثمة صعوبات يطرحها توماس كليرك حول عملية "التلوين الذاتي"، ويقترح خلالها قراءة "النص الموازي" كاسم علم مؤسس، كما أن اعتبرا السيرة الذاتية جنس أدبي له قصد مرجعي ولعل هذا الميثاق كفيل بفهم طبيعة الميثاق الثالث الذي يتمثل في مشكل الحقيقة.
إن المرجعية وتطابق السارد – المؤلف – الشخصية الرئيسية إضافة للحقيقة التي تتخذ عدة أشكال، لكن، انطلاقا من أي تاريخ يمكن أن نبدأ الحديث عن السيرة الذاتية ؟ إن توسع الكتابة الذاتية كشكل عام "لمركزة الفرد في ذاته"، ولعل إصرار توماس كليرك على جرذ ومناقشة هذه المنظورات المختلفة والمرتبطة أساسا بالسيرة الذاتية جعله يتجه لمختلف الانتقادات التي وجهت لهذا الجنس "الغير تخييلي" كمقولة العجز الجمالي، ويفرد الباحث بابا لهذه الانتقادات التي أطر مرجعياتها داخل النقد الفكري والايديولوجي والنقد الجمالي.
2- الكتابات الذاتية: أشكال ووظائف
يعتبر توامس كليرك الكتابة الذاتية أوسع وأشمل من السيرة الذاتية وفي دراسته لأشكالها ووظائفها تأكيد لأحقيتها الأجناسية الأدبية وفي وظائفها المتعددة تمظهر لهذه المقولة، من خلال الطرق التي تضيء هذا الفعل الأجناسي متمثلة في قول الصدق ، جعل الخطاب ممكنا بحكم التركيز على قول الحقيقة التي "تعتبر أفضل وسيلة لاستضافة القارئ"، ومن مظاهرها أيضا وظيفة فضح الأوهام، وبعدها الخطابي وقهرها للزمن.
إن معرفة الذات هي أحد الأهداف الرئيسية المتبعة من طرف الكاتب كتاب السيرة الذاتية، وتمثل وظيفة التواصل بعدا آخرا يفيد في إيصال التجربة الخاصة الى الآخر، ويركز توماس كليرك على دور القارئ كبعد "بلاغي وتحديد قانوني للنص".
ويختتم الفصل الثاني بتحديد مختلف أشكال الكتابة الذاتية رغم أنها لا تستجيب جميعها لنفس أنماط الكتابة ، ويركز توماس كليرك هنا على المذكرات، اليوميات، والتخييل الذاتي، وإذا كان الشكل الأول قد اعتبره مالرو "مذكرات مضادة" بحيث اعتبر السيرة الذاتية "ركام بئيس من الأسرار"، فإن اليوميات journal intime هي "نصوص موضوعية في المظهر"، الشكل الثالث اعتبره الباحث مزجا بين السيرة الذاتية والتخييل.
عموما يشكل كتاب توماس كليرك "الكتابات الذاتية: المفهوم التاريخ الوظائف والأشكال"، والذي قدمه الى اللغة العربية الشاعر والكاتب محمود عبد الغني مدخلا عميقا لإعادة إضاءة هذا الجنس المثير للجدل الذي هو السيرة الذاتية.
المصدر
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
ظاهرة استعجال الأدباء الشباب في كتابة سيرهم الذاتية..!!
علي بن سعد القحطاني
السيرة الذاتية تعد وثيقة مهمة يحررها المبدع في مراحل متأخرة من حياته، وفيها يرصد تجاربه المبكرة والمواقف السلبية أو الإيجابية التي تعرض لها طيلة عمره، وعن الخلاصة التي توصل إليها من خلال عكوفه في محراب العبقرية والإبداع، إلا أن القارئ يلحظ وعلى وجه أخص ظهور المدونات في العالم الرقمي واستعجال الأدباء الشباب في تدوين سيرهم الذاتية سواء كانت منجمة أو فصولاً كما هو مشاهد في بعض المواقع الثقافية على شبكة المعلومات (الإنترنت)، وهناك من ينوي كتابتها بشكل مفصل في كتاب مستقل.
و(الثقافية) تطرح هذه القضية على الأكاديميين والمثقفين للاستئناس برؤاهم حول مغامرات الأدباء الشباب لخوض غمار السيرة الذاتية واستعجالهم تدوين ذكرياتهم.
المصطلح
في البداية أحالنا الدكتور صالح بن معيض الغامدي في مناقشاتنا ل(ظاهرة استعجال الأدباء الشباب لكتابة سيرهم الذاتية) إلى تعريف مصطلح السيرة الذاتية، وكونها تعني الكتابة عن الحياة أو حول جزء معتبر من سني الحياة، وظاهرة التعجل في كتابة السيرة الذاتية معروفة في الثقافات على المستوى العالمي، وليست خاصة بأدبائنا في العصر الحديث، بل هناك في تراثنا القديم من كتب سيرته مرتين: مرة موجزة ومرة مطولة كالسيوطي وهناك نماذج أخرى.
انفعالية
وعن تقييمه لتلك السير أشار الدكتور صالح الغامدي إلى أن الكتابة المبكرة عن تلك التجارب من قبل الأدباء الشباب قد تكون كتابة انفعالية بالحدث، أما لو كتبت في مراحل متأخرة من حياتهم؛ أي بعد عشرين أو ثلاثين سنة من تلك الأحداث والتجارب التي عاشوها فإنها سوف تكتب بطريقة موضوعية وناضجة، وأوجز الدكتور صالح بن معيض الغامدي ملاحظته لتلك السير المبكرة في ثلاث نقاط:
1 - من أهمها أن كون المبدع لا يستطيع أو غير مقتنع أو راضٍ بما وظفه من حياته في إبداعه الأدبي سواء أكان من خلال الشعر أم القصة أم الرواية..؟ ويرى المبدع أن السيرة قد تكون أكثر تعبيراً عن حياته وعن شخصيته.
2 - تبدو لأبعاد (السير ذاتية) للشخصية الأدبية في الشعر أقل وضوحاً وبروزاً منها في الرواية والقصة، ولذلك عندما تكتب رواية فيقال أحياناً: إنها (رواية سير ذاتية) لكن لا يقال: (قصيدة سير ذاتية)، وأغلب من يتورط في هذه الظاهرة هم الشعراء.
3 - السيرة الذاتية في وقتنا الحاضر من أكثر الأشكال الأدبية إغراءً وتشويقاً وانتشاراً (موضة) وجاذبية للقراء، وهذا يغري الأدباء بالتعجل في كتابة سيرهم الذاتية.
الإرهاصات
فيما يرى الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الحيدري أن تلك المقالات الذاتية لبعض الكتاب لا يمكن تصنيفها في مصطلح (السيرة الذاتية) بل يمكن وصفها بأنها نواة للسيرة الذاتية المقبلة للأديب، ودعا إلى تشجيع الأدباء الشباب والأخذ بأيديهم لمزيد من التجويد والإتقان، فقال:
تطرح (المجلة الثقافية) سؤالاً مشروعاً عن مغامرات الأدباء الشباب لخوض غمار السيرة الذاتية، واستعجالهم تدوين ذكرياتهم وتجاربهم في هذا الصدد، وقد وصفت السؤال بأنه مشروع؛ لأن كتابة السيرة الذاتية أو أجزاء منها ترتبط في الأذهان بكبار السن والمشاهير، ويكاد يوصف العمل السيري بأنه العمل الأخير للأديب والمتوج لأعماله.
وهذه الخصيصة للسيرة الذاتية بوصفها جنساً أدبياً هي التي تميزها عن باقي الأجناس الأخرى التي نستنكر الإبداع فيها من الشباب، بل نشجعهم ونأخذ بأيديهم لمزيد من التجويد والإتقان.
ومع اهتمامي بجنس السيرة الذاتية، فإنني لم أقرأ عملاً حتى الآن لأديب شاب، وربما قصدت (الثقافية) بعض المقالات الذاتية لبعض الكتاب التي تنشر هنا أو هناك، وفيها قص لبعض التجارب والمواقف، وهذه لا يمكن أن نصنفها في حقل السيرة الذاتية التي تعني التأريخ لحياة إنسان وفق تسلسل زمني مع العناية بالشرط الأدبي.
على أنه يمكن وصفها بأنها نواة للسيرة الذاتية المقبلة للأديب، وبوابة أولى للولوج في إطار السيرة الذاتية إذا تمكن كاتبها في المستقبل من تطويرها وإضفاء لحمة على أجزائها، بحيث تشكل سيرة ذاتية مترابطة.
وليس لنا أن نستنكر على الأدباء الشباب أن يخوضوا هذا اللون من الأدب، ويمكنهم أن يستفيدوا من شكل اليوميات لتكون أساساً متيناً لسيرهم الذاتية في المستقبل دون تخمين واعتماد على الذاكرة التي يصفها حمد الجاسر - رحمه الله - بأنها خوانة!!
السيرة الذاتية في المملكة منطقة لا تزال بكراً أو أشبه بالبكر، وأراهن شخصياً على كتاب الرواية والقصة المبدعين في أن يقدموا لنا في القادم من الأيام أعمالاً تضاهي الأعمال العربية المتميزة، أو تتفوق عليها.
السيرة التخييلية
يتحدث القاص سعيد الأحمد عن تجربته في كتابة السيرة التخييلية، إذ ما يزال يصر على رأيه أنه من المبكر جداً على أدبائنا أن يكتبوا سيرهم الذاتية، ويقول: أعتقد أن أدباءنا غير مهيئين لكتابة السيرة الذاتية في الوقت الحالي، وتجاربهم التي خاضوها لا تستحق التوثيق كسيرة مستقلة، ولدينا إشكالية تكمن في جُبن الكُتاب المحليين في كتابة سيرهم الذاتية وتحسسهم من المجتمع الذي ربما يحاكمهم ويدينهم في بعض المواقف الصريحة والمعلنة، بالإضافة إلى تخبط الأكاديميين واختلافهم في ماهية المصطلحات وتعريفها.
وأشار القاص سعيد الأحمد إلى تجربته في مجال (المدونات) وقال: أنا أؤمن بكتابة السيرة التخييلية، ولدي عملان في مسودتين في ذلك، الجزء الأول: تتناول سيرة حياتية لشخص متخيل من صباه إلى عجزه، تحكي عن شخص يتلقى تعاليم ربانية في البيت ثم يصادف الشيطان في مدرسته على باب فصل أولى جيم الدراسي، وتبدأ تلك الشخصية في خوض هذه المعركة ما بين الله بكل جمالياته وما بين الشيطان وما يحمل من قبح في داخله، ويبدأ يكتشف الفتى أن هناك كثيراً من الأشياء لا تنتزع إلا بالقوة، وهذا الجزء يقع في خمسين صفحة.
أما الجزء الثاني من السيرة التخييلية، فهو تنقل الشخصية ما بين الحياة المعاشة اليومية والحياة المتخيلة في ذهنه، لذلك يتخيل أنه يمر بتجارب حياتية ومواقف حدثت في أكثر من عصر.
اللحظة الإبداعية
ويرى الأستاذ عبدالله السمطي أن كتابة الأدباء الشباب لسيرهم الذاتية يعد أمراً طبيعياً في هذا العصر الذي يموج بوفرة شبكات الاتصال وانتشار وسائط المعرفة، كما أن تلك السير تعبر عن اللحظة الإبداعية الآنية، ويقول:
يتمثل توجه بعض الأدباء الشباب إلى كتابة سيرهم الذاتية في هذا البحث الذاتي، والتأمل الذاتي الكثيف الذي أخذ يطغى بوجه عام على مختلف الكتابات الإبداعية في الشعر والقصة القصيرة والرواية.. إن هذا التوجه يأتي بوصفه صدى للكتابة الذاتية التي تنأى عن القضايا الكبرى، وعن سطوة الإيدلوجيا، والدعاية الحديثة العابرة، والمناسباتية. من هنا فإن كتابة السيرة الذاتية تعد تعبيراً عن هذه اللحظة الإبداعية التي نحياها، إن هذه الكتابة تأتي لأن التجربة الذاتية التي يعايشها المبدع اليوم حافلة بمختلف الأحداث المتدفقة، لقد منحت التقنية وعصر الاتصال اللحظة الراهنة عشرات الأحداث اليومية، ثمة تدفق للأحداث والوقائع والأخبار بشكل طاغ، ثمة تنقل للأمكنة والأزمنة والهواجس عبر المخيلة والحواس، وعبر القراءة والاطلاع الذي بات ميسراً جداً من خلال وسائط المعرفة والاتصال المتعددة، هذا كله جعل الثقافة تتسم بالكثافة، وبالوفرة المعلوماتية، وجعل الكاتب والأديب والمثقف محملاً بعوالم من الرؤى والتأملات والأسئلة، ومن هنا فإننا لا نستغرب هذا التوجه لدى الشباب لكتابة تجاربهم الذاتية، أو سيرهم الذاتية، فما يتم تلقيه وتحصيله اليوم أكبر وأكثف وأوفر مما تم تلقيه وتحصيله لدى أجيال سابقة، ووفرت شبكات الاتصال وانتشار وسائط المعرفة في الصحف والدوريات والكتب والمطبوعات عوالم شتى من المعارف.
إن ما يحدث من كتابة مبكرة للسير الذاتية هو أمر طبيعي، ومحبب خصوصاً أنها تطلعنا على تجارب شابة مكثفة في قراءة الحياة الشخصية المبدعة للمجتمع، وللمواقف، والأحداث المختلفة، بغض الطرف عن نوعية هذه القراءة أو تلك، كما أن عهد السير مهمة للكشف عن العناصر الإبداعية والثقافية التي يسعى القارئ أو الناقد للوصول إليها لدى مبدع ما، أو تضيء له أسئلة عن مرحلة محددة.
السير الذاتية التي قد يكتبها الشباب أمر طبيعي، بل وضروري في هذا العصر المتسارع، بأحلامه، وخيالاته، واختراعاته، وثقافاته.
الذاكرة
كانت للشاعر أحمد اللهيب تجربة في كتابة السير الذاتية بعنوان: (أنا والرحيل والرياض) نشرت في الموقع الإلكتروني (جسد الثقافة)، والذي دعاه إلى كتابتها كما يقول: ربما أخشى أن تنخرم الذاكرة، وأن تتساقط أوراق العمر دون أن أسجل شيئاً من حياتي!! كانت (أنا والرحيل والرياض) المنشورة في جسد الثقافة تاريخاً زمنياً مختلفاً من حياتي، الزمان والمكان والأحداث كلها مختلفة عن سابقها وعن لاحقها، ولذا كانت الكتابة عن تلك المرحلة التي قضيتها في الرياض وهي تمتد إلى (عشر سنوات) ضرورة ملحة في نظري، لأن الأحداث التي عشتها بين متناول ذاكرتي، وعهدي بها قريب، ولذا بادرت بتسجيلها، وهي أيضاً تنفيس لخواطر ومشاعر أحببت أن أذكرها، وأن أقدمها لقارئ كما هي بصدق وشفافية، دون أن يأكل الدهر عليها ويشرب، أو يطمرها سريان العمر والنسيان، فتصبح أثراً بعد عين. ومن جانب آخر كانت تلك السنين العشر مسرحاً لأعمال كثيرة وأدوار متباينة، وهي جديرة بالحضور والتسجيل، ولعلها تكون نواة لسيرة ذاتية كاملة أكتبها عن مراحل مختلفة وأضعها فيما بعد بين دفتي كتاب.
الإنترنت
يشير الأستاذ صلاح القرشي إلى أن انتشار المواقع الثقافية في شبكة المعلومات أسهم في نشر كثير من السير والمدونات، إذ يقول:
ربما يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى أن مسألة كتابة السيرة الذاتية أو كتابة نتف من المواقف الشخصية والمشاعر والعواطف في مراحل مختلفة من العمر هو أمر له علاقة بانتشار الانترنت والمدونات وسهولة النشر.
لكنني لا أعتقد هذا.. بل أرى أن هذا النوع من الكتابة موجود منذ القدم.. بل إن وجود ما سمي باليوميات أو المذكرات هو أمر قديم جداً.
وعلى المستوى المحلي لعلي أتذكر بعض كتب الأديب والشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل.. (هكذا علمني وورد زورث) و(الفنون الصغرى)..
في مثل هذه الكتابات امتزجت السيرة الشخصية مع الطرح الأدبي والفكري فشكلت قيمة أدبية ممتعة وجميلة..
المسألة في نظري تكمن في الموهبة قبل كل شيء.. وفي كيفية تقديم السيرة نفسها.. رغم أنني أفضل أن يقدم الكاتب أو الأديب أو الفنان نفسه من خلال أعماله الأدبية، من خلال قصصه أو رواياته أو قصائده او أعماله الفنية. ثم يمكن له بعد ذلك أن ينشر سيرته الذاتية أو الأدبية كما فعل ماركيز في (عشت لأروي).
لكننا أيضاً يجب أن ننتبه إلى أن توفر وسيلة النشر السهلة والمباشرة لابد له أن يساهم في خلق أنواع ونماذج أخرى من الكتابة..
هكذا وجدت المدونات الشخصية وتحولت من خلالها تلك الدفاتر الشخصية التي يخبئها الإنسان في مكتبه إلى سير تنشر للجميع.. ولم تعد السيرة الذاتية مقصورة فقط على المشهورين والناجحين بل بإمكان أي شخص أن يسجل حكايته الخاصة.. وينشرها.
لكن كيف يمكن تقييم مثل هذه السير، وهل لها أن تشكل إضافة إلى الأديب أو إلى الأدب..؟ هذه في نظري مسألة أخرى يحكمها الزمن نفسه.
السيرة الافتراضية
كما يتحدث الأستاذ حامد بن عقيل عن تجربته في مجال (السيرة الذاتية) الذي يراها عملاً إبداعياً قابلاً للكتابة في أي عصر وعلى يد أي كاتب بغض النظر عن الفئة العمرية التي يكتب فيها ويقول:
لا أدري إن كانت تجربتي (سيرة افتراضية) التي نشرتها في كتابين هي ما يرشحني للمشاركة في هذا المحور. على أية حال، يبدو لي أن هناك علاقة وثيقة، في أذهان العامة، بين مفردة (سيرة) وبين التحولات الزمنية القابلة للرّصد. لكن هذه التحولات، حين ترتبط بدالة الزمن فحسب، تعطي معنى التاريخ الشخصي كفعل كتابي يتجه نحو نشر الأنا على الملأ بأسلوب تسويقي بحت.
بالطبع، مفردة السيرة تحتاج هنا إلى إخضاع طوعي لمعناها القاموسي، وهو ما سيخرجها من حيز ضيّق إلى حيز واسع يعطي عدّة معاني؛ من أهمها: الهيئة، الطريقة، المذهب، الحالة، السلوك. فلا تغدو السيرة مجرد أن يدوّن الكاتب تفاصيل حياته وأعماله، بل تتجه نحو تدوينه للراهن بوصفه حالة (هيئة) طريقة، وهو تدوين إبداعي يخرجها عن مجرد الحفر في الماضي الذاتي إلى تدوين الأنا الآن بكافة تجلياتها الفكرية والإبداعية. ولهذا، لن يكون من الملزم للكاتب أن يبلغ من الكبر عتيّا حتى يكون مؤهلاً لسرد أرشيفه الحياتي والإبداعي، بل سيصبح ملزماً له أن يرافق فعل السيرة مراحل متعددة من حياته فتغدو مراجعة ذاتية لكل مرحلة عمرية مر بها، مع كونها شاهداً على مرحلة اجتماعية وثقافية تتزامن مع وقت إنجاز الكاتب لسيرته.
وعليه، يكون فعل كتابة السيرة فعلاً إبداعياً قابلاً للكتابة في أي عصر وعلى يد أي كاتب بغض النظر عن الفئة العمرية التي يكتب فيها فرهانه هنا هو الإبداع وليس التسويق لذات قرب أفولها، فبالغت في استعادة ماض قد لا يعني للقراء الكثير.
فن وإبداع
ويرى الأستاذ بدر عمر المطيري أن السيرة الذاتية تأتي خلاصةً لمسيرة حياةٍ حافلة بالتجارب والأحداث المختلفة، وهذا ما لا يتوافر عند الأدباء الشباب الذين قد يستعجلون ويسارعون إلى كتابة مدوناتهم ويقول:
كتابة السيرة الذاتية فن وإبداع.. ومنذ القدم ومبدعو الكلمة يحرصون على إطلاع القراء على بعض الجوانب المهمة في حياتهم.. وحتى في عصرنا الحاضر لايزال الشعراء والأدباء.. والمبدعون بشكل عام يدوِّنون سيرهم الذاتية تماماً كما يفعله أساطينُ السياسةِ في كتابة مذكراتهم السياسية اللصيقة بتجاربهم الذاتية.
ومن المتعارف عليه أن السيرة الذاتية تأتي خلاصة لمسيرة حياةٍ حافلةٍ بالتجارب والأحداث المختلفة لهذا تأتي في نهاية المطاف أو حين يشارف العمر على نهايته وقد رأينا بعض المبدعينَ في مشهدنا الثقافي الحاضر يسارعون إلى تسجيل سيرهم الذاتية وهم لمّا يزالون شباباً أغراراً برغم عدم اكتمال نضجهم الثقافي وربما لا يملكون أصلاً شروط وأدوات الكتابة الذاتية و(السِّرُّ) في هذا - كما يظهر لي - (النرجسية) التي تتلبس صاحبها إضافةً إلى شعوره الجاد بضغط الظروف المحيطة به وإحساسه بمضيِّ العمر واقتراب النهاية دون أن يعرف القراء عنه شيئاً.. لهذا يسارع المبدع في الحديث عن سيرته إمَّا على شكل روايةٍ أو قصصٍ قصيرة أو حتى شعراً وقد يكون في هذا الاستعجال فائدة للقراء لكنها فائدةٌ مبتورةٌ إذا لا تكتمل الصورةُ في النهايةِ إلا حين تكتمل قدراتُ المبدع.. القدرات العقليةِ والروحيةِ والتجارب الحياتية التي هي أساس كل سيرة إنسان عظيم يستحق الخلود في فنه وإبداعه.
البوح
ويرى الأستاذ عواض العصيمي أن السيرة الذاتية كان ضمن ما اتهمت به الرواية المحلية في بداية انتشارها ويلحظ أن شبكات الانترنت تحتفي بالمدونات والسير الذاتية للأدباء والكتّاب الشباب ويقول:
موضوع السيرة الذاتية، كان ضمن ما اتهمت به الرواية المحلية في بداية انتشارها، أي منذ سنوات قليلة من الآن، حيث وصف بعضها بأنها مجرد سير ذاتية، وأن كتابها إنما كانوا يكتبون فصولها من تجاربهم الشخصية. غير أن هناك فرق بين كتابة السيرة الذاتية بمعنى الترجمة الذاتية لحياة المؤلف، والسيرة الروائية النصف صادقة كما عبر أندريه جيد، وكما ذكر في كتاب (السيرة الذاتية في الأدب العربي) للدكتورة تهاني عبدالفتاح شاكر. الأولى عرفها الباحث محمد عبدالغني حسن، وهي (أن يكتب المرء بنفسه تاريخ نفسه، فيسجل حوادثه وأخباره، ويسرد أعماله وآثاره ويذكر أيام طفولته وشبابه وكهولته، وما جرى له فيها من أحداث تعظم وتضؤل تبعاً لأهميته). أما الثانية فهي بحسب التعريف الذي نسب إلى أندريه جيد (: لايمكن ان تكون المذكرات إلا نصف صادقة، ولو كان هم الحقيقة كبيراً جداً، فكل شيء معقد دائماً أكثر مما نقوله، بل ربما تقترب الحقيقة أكثر في الرواية). هناك بالطبع تداخل بين السيرة الذاتية، كما تقول المؤلفة، وبين غيرها من الأنواع السيرية، كالتأريخ، والسيرة الغيرية، والمذكرات، واليوميات، والرواية، غير أن هذا ليس موضوعنا في هذه المشاركة المتواضعة.
بناءً على التعريفين السابقين، يمكن تقسيم الكتابات المحلية إلى ثلاثة أقسام. القسم الأول، سيرة ذاتية حافة ومعلنة وظاهرة كما جمعها الدكتور الخويطر في كتابه (وسم على أديم الأرض)، وهذه لا تسمى رواية بالمعنى الحديث للرواية، وإن كانت تدخل في باب الحكي الأدبي. أما القسم الثاني، فيستدعي الكاتب فيه جزءاً من سيرته وجزءاً من خياله فيؤلف من الاثنين تركيبة سردية تقترب من الحقيقة تارة، وتبتعد تارة أخرى، ما يجعلها غير خاضعة بشكل كبير لمفهوم السيرة الذاتية المتعارف عليه، إذ تتداخل الحدود الواقعية والحدود المتخيلة فتبدو كتابة اتكأت في تحبير أحداثها على ذاكرة قد تكون عاشت الوقائع المسرودة، ولكن من دون أن تتنكر لسلطة الذاكرة الروائية القائمة على التخليق الفني وإيقاد المخيلة في عتمة البوح الواقعي. أما القسم الثالث، فشأنه شأن الرواية المنتمية إلى حقل الرواية بمفهومه الإنسان العام، مع التأكيد على نقطة مهمة وهي أن الروائي لابد أن يتسلل منه إلى روايته شيء من ذاته سواء تنبه لذلك أم لم يتنبه له، لكن هذا لا يضع العمل في الإطار السيري الذي نتحدث عنه.
* لماذا الكتّاب الشبان عندهم ذلك الاستعجال في كتابة سيرهم الذاتية؟
- في الواقع، لم ألحظ ذلك الآن، وإن بدت العملية على شكل محاولات قليلة متفرقة (في الانترنت مثلاً)، فإنها على المستوى التأليف الورقي ماتزال غير موجودة، أو هذا ما وصل إليه اطلاعي.
الأصوات الجديدة
ويشير الأستاذ محمد المنقري إلى أن من حق كل شخص أن يعلق صفحات حياته على نوافذ الضوء لاسيما أن رويت بصدق ويقول:
يبدو لي أن الظاهرة انعكاس لكثير من التحولات التي طرأت على مجريات الحياة المعاصرة حيث أصبح الفرد ضمن منظومة من الصراعات المتشابكة متعددة الأطراف لا يعرف بالضبط من يقبض على دفة السفينة، ويدعي كل شخص - مهما صغر دوره - مزيداً من المهام، ويؤدي مجموعة من التحركات لصالح البشرية جميعها فكل فرد يدفع أجزاء من حياته لتحسين فرص الحياة، وتنويع المشهد الجماعي.
وتبعاً لذلك من حق كلِّ شخص أن يعلق صفحات حياته على نوافذ الضوء، ويمنح روحه أشكالاً من الشراكة الجماعية والتآزر مع الآخرين حين تغدو النفس بعيشها ونجاحها وشطحاتها وعنفوانها ونزقها، وربما خيباتها جزءاً من عالم أشمل وأجمل يتدثر بأيقونات الكتابة وفوانيسها.
المرء المعاصر والكاتب على وجه الخصوص خرج من ربقة المؤسسات التقليدية مستفيداً من تقاليد جديدة وافتراضية لتحقيق ذاته بعيداً عن الصواية والتنميط والقولية، وهي إسهامات خدمت الإبداع والمبدعين إلى حد كبير وربما كان من إفرازاتها تعميق ثقة الكاتب بنفسه، ومنحه الفرصة لتقديم ذاته والاعتماد على منجزه الحياتي والفني.
والعالم التقني والالكتروني الراهن يسمح بتعدد الأصوات لكنه في اللحظة نفسها يجعل النبت الأكثر بهجة أمام تحدٍ صعب يتمثل في قدرته على لفت الأنظار في ظل تزاحم شديد وغوغائية أحياناً تدفع إليها حالات الفرحة بالانعتاق من قيود الرقيب وتزايد خفق الأجنحة المحتفلة بالحياة الجديدة.
لا أعرف بالضبط من قال ذات يوم (إن حياة كل إنسان مهما كانت تافهة ستكون ممتعة إذا رويت بصدق) غير أنها شهادة عظيمة في سبيل ترويض الأصابع النقدية التي تصنع القوالب أحياناً، وتبرع في ترويج النجوم، وتصنع التماثيل الثقافية والقمم الأدبية في سياق صناعة النجم وليس الاحتفاء بالنص البارع والأنيق والمحرِّض على الحياة.
التقنين النقدي الجاهز قد يرفض الأصوات الجديدة، أو يرى في حياة الأسماء المغمورة مضيعة للوقت، لكن الكاتب البارع في خلق الفضاءات حين يمتلك القدرة على استضافة الآخرين إلى خزائن ذكرياته وطرقات رحلته اليومية متحرراً من النسق التوثيقي والتاريخي الذي فُرِضَ عليه من بعيد ليتدخل حيناً في إضفاء طعم خاص على بعض التفاصيل،أو تحريك الشخوص باتجاه الحياة التي فقدت منه أو حُرِم منها، أو يترك صفحات عمله فسحة لأشخاص يتوق إليهم يرى فيهم بعض ملامحه الضائعة أو عمره المفقود فيحتفي بهم من جديد وهم يتخلقون في عالمه السردي الذي قد يرى فيه البعض تقريراً نمطياً، أو يوميات عابرة في حياته منشغلين بالتلصص بين الكلمات لإشباع نزوات الترصد لديهم، أو امتثالاً لرؤية تقتدي بالصحافة الصفراء في عَقْد مقارنات بين الحياة اليومية للكاتب وبين نَصّه الإبداعي بهدف الإدانة أو التصنيف، وليس التعامل مع النص باعتباره حياة جديدة تتقلص فيها الفواصل العام والخاص والسري والمعلن والحلم ووعثاء الواقع.
باختصار يمكننا القول: إن كثيراً من الأعمال السردية الجميلة نبعت من السيرة الذاتية وأطيافها، وفي هذه اللحظة وقع بين يدي خبر عن رواية جديدة للمصري علاء الأسواني تحمل عنوان (شيكاجو) وهي امتداد ل(عمارة يعقوبيان) روايته الأولى التي فاضت بكثير من تفاصيل تعكس قدراً من حياة كاتبها وسيرته الشخصية الأمر الذي دفع بعض ساكني العمارة الفعليين إلى رفع قضية عليه ذات يوم بعد كشفه أسراراً من حياتهم اليومية.
فلاشات قصيرة
ويلحظ القاص عبدالواحد الأنصاري إلى أن هناك نزوى لدى الأدباء وعلماء العربية منذ القدم إلى تدوين بعض مشاهد حياتهم مما يروى عن أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي وأبي حيان التوحيدي، كما يلاحظ أن هناك نزوعاً بشكل عام لدى المثقفين والأدباء في شتى العصور إلى تدوين مذكرات عن صباهم وأسفارهم مثل كتابات رفاعة طهطاوي وطه حسين وقبلهما في الأدب الفرنسي جان جاك روسو وغيرهم من معاصريه، كما أن هناك كتابات مماثلة في السيرة الذاتية لمحمد شكري (الخبز الحافي) وعبدالفتاح أبومدين (الفتى مفتاح) وما كتبه (القشعمي) عن سنوات طفولته في كتابه (بدايات).
ونستنتج من كل هذا الركام إن التأخر في تدوين السيرة الذاتية لم يكن من أولئك الكتاب بسبب انتظار منهم متعمد حتى يصلوا إلى مراحل عمرية متقدمة بل الدافع الحقيقي في كتابته هو شيوع الأفتتان بهذا الجنس السردي أو الشبه سردي في العقود الأخيرة.
لذلك لا أستغرب أن يقبل الشباب على حميا هذا الأمر وبخاصة أن كل من كتبوا ذكريات صباهم وشبابهم تمنوا لو أنهم كتبوها قبل ذلك بفترة طويلة.
أما بالنسبة لي فلا يمكن أن أسمي المقالات الأدبية أو المقالات التي كتبتها في مناسبات خاصة لا يمكن أن أعتبرها سيراً ذاتية حتى وإن تضمنت تطويلاً أو تركيزاً على فترة معينة من عمري الماضي (القصير جداً) ومع ذلك فلدي الآن كُتيّب صغير بعنوان (شرفات) عن بعض مشاهداتي التي أعتقد أنها استحقت التدوين، وكل ما تستحق تسميته أنها فلاشات من الذاكرة فقط وليسة كتابة سيرية مقننة أو مقصودة.
المصدر
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
السيرة الذاتية العربية من طه حسين إلى محمد شكري
بيروت - مكتب «الرياض» - جهاد فاضل
في ربع القرن الماضي وُهب لكاتب مغربي اسمه محمد شكري، شهرة واسعة عربية وعالمية، فبعد أن كانت أعماله، ومن أشهرها «الخبز الحافي»، و«الشطار»، و«مجنون الورد»، تُصادر أو تُباع سراً، اعترف المجتمع المغربي والعربي بها وطُبعت طبعات كثيرة، وتُرجمت إلى عدة لغات أجنبية، ولو سئل مثقف مغربي أو عربي عن السبب الذي جعل أعمال شكري تروج كل هذا الرواج، لما أجاب سوى هذا الجواب: وهو أن الكاتب المغربي روى بصراحة ما بعدها صراحة، ما شاهده وما عاشه في حياته الشخصية من حكايات ومآسٍ وانكسارات وهزائم.
لقد اعترف، وسمّى الأشياء بأسمائها، ولم يلجأ لا إلى التقفية ولا إلى التعمية، وإنما تحدث على المكشوف عن ليل طنجة ونسائها ومومساتها، وحفر عميقاً في ذاكرته وفي الطبقة التحتية في مجتمعه، وفي أنه كثيراً ما استيقظ في الصباح عندما أتى عمال المقهى لينظفوه، فوجدوه نائماً تحت إحدى الطاولات، أو أنه وجد نفسه نائماً في العراء أمام مدخل إحدى البنايات، أو وجده وأيقظه من سباته أحد ساكني شققها..
وعلى الرغم من الحملات التي وجهها مسؤولون ومثقفون مغاربة، حريصون على الأخلاق، ضد شكري وكتبه، إلا أن شهرة شكري استمرت في التصاعد حتى فاقت شهرة مفكرين مغاربة آخرين كبار، منهم عبد الله العروي، ومحمد عابد الجابري، وبصرف النظر عن الوصف الذي يمكن أن توصف به «الخبز الحافي»، و«الشطار» و«مجنون الورد»، وهل هي روايات أم حكايات أم قصص، فلا شك أن لها صلة وثيقة بجنس أدبي سجل نجاحات مذهلة عربياً وعالمياً خلال القرن الماضي هو «السيرة الذاتية». فالسيرة الذاتية، سواء عندنا أو عند سوانا، باتت الآن الفن الأدبي الأكثر شعبية ومقروئية في العالم المعاصر قاطبة.
ولعل السيرة الذاتية هي بالإضافة إلى ذلك، الفن الأكثر بقاءً بالنسبة لكاتبها، فمن إذا سئل عن أحب كتب طه حسين إلى قلبه، وأكثرها بقاء في سيرة عميد الأدب العربي، لا يجيب أنه كتاب «الأيام»، وكتاب «الأيام» ما هو في الواقع سوى سيرة طه حسين الذاتية التي رواها في ثلاثة أجزاء منفصلة، وفي سنوات متباعدة، ثم جُمعت بعد ذلك في كتاب ضخم حمل هذا الإسم.
وقد كان كتاب السيرة الذاتية هو الأبقى في سيرة كتاب عرب كبار آخرين: فعلى الرغم من كل المعارك التي خاضها عباس محمود العقاد في حياته وفي كتبه، فإن كتابيه «أنا» و«حياة قلم»، هما أجود كتبه لا شيء إلا لأن العقاد خلا إلى نفسه فيهما، وكشف عن مكنوناتها ودواخلها، ودلّ قارءه على الكثير من خيباته وانكساراته.
ولا شك أن لتوفيق الحكيم كتب كتباً كثيرة رائعة في طليعتها «عودة الروح»، و«عصفور من الشرق»، ولكن أجودها بنظر كثيرين، كتابان هما: «زهرة العمر» و«سجن العمر» اللذان روى فيهما الحكيم سيرته الذاتية.
وهناك «حياتي» لأحمد أمين، و«غربة الراعي» لتلميذه إحسان عباس، وهو من أحدث ما كتبه أدباء عرب في هذا الفن، والكتابان آتيان في جعل النفس تتذكر وتبسط بلا تكلف أو تعمية كل ما صادفته وتعرضت له.
ويمكن وصف كتاب «سبعون» لميخائيل نعيمة بأنه أثر نفيس في هذا الفن الكتابي الصاعد، تحدث فيه نعيمة في رحلته في هذه الحياة، وهي رحلة طويلة ممتعة تابع فيها القارئ نعيمة على امتداد سبعين سنة كاملة تبدأ من سنة 1889 وتتوقف سنة 1959م.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن اكتمال «الأيام» لطه حسين بأجزائه الثلاثة قد امتد من العشرينيات إلى أواخر الستينيات، تاريخ صدور الجزء الثالث لأول مرة أمكننا أن نؤكد حقيقة أن «الأيام» رسخ جنس السيرة الذاتية بشكل مثير للانتباه، بحيث شهدت الفقرة الزمنية الفاصلة من بين الجزء الثاني والثالث من الكتاب، ظهور أهم السير الذاتية العربية الحديثة التي عاصر مؤلفوها طه حسين من أمثال سلامة موسى وأحمد أمين والعقاد وميخائيل نعيمة والحكيم، وهو أمر يدعو إلى التأكيد على الفروقات التي ميزت بين أطوار إصدار «الأيام» المختلفة.
فالجزآن: الأول خاصة، ثم الثاني، كانا مقدمة جنس السيرة الذاتية عربياً، وفتحاً جديداً في هذا اللون من الكتابة، أفلم يستفزان همم الجماهير المشغوفة بمطالعة هذين الجزءين؟ ألم يحرّكا تحريكاً قوياً قرائح الكتّاب، فاندفعوا يخلّدون أسماءهم وينشئون الكتب العديدة في هذا الفن؟
أما الجزء الثالث من «الأيام» فقد تحقق انتشاره بين الناس في زمن تمكن فيه من الاستفادة من رواج كتابة السيرة الذاتية، فجاء تتمة للجزءين السابقين عليه، وتكريساً لجنس أضحى في ذلك الوقت تمكناً، في جمهور من القراء أخذ في الاتساع، وله نماذج من الكتابات تُنسب إليه انتجتها نخبة من خيرة أدباء العصر ومفكريه.
إن جنس السيرة الذاتية العربية الحديثة، عندما ينبني على رواية مظاهر الحياة الخاصة، وعندما ينتقل منها إلى ملامسة مظاهر الحياة التاريخية العامة، بما يحيل عليه من وقائع اجتماعية، وما تفيدنا به من إحالات متنوعة على أعلام كانت لهم مساهمات فعّالة في مجالات السياسة والفكر والثقافة، يلتقي ما في ذلك شك بممارسات أدبية قديمة، عربية وأجنبية، أحكم أصحابها تصوير الصلات الكائنة بين الذات الفردية ومحيطها الاجتماعي، وهذه هي بعض العناصر المشتركة بين الكتابات الذاتية العربية القديمة والحديثة، ونتيجة لذلك، فإن السيرة الذاتية الحديثة تذكّرنا، ونحن نقرأها اليوم، بكتب السير والتراجم وبكتب الرحلات، ويخيّل إلينا أن جنس السيرة الذاتية قديم قدم الإنسان العربي، ضارب بجذوره العميقة في أرض التراث.
ولكن لا شك أن اطلاع جيل المترجمين لذواتهم العرب في مطلع القرن العشرين على التيارات الفكرية والأدبية الغربية، واحتكاك أغلبهم بنمط العيش الأوروبي والقيم التي كانت تسوده، قد فتح أعين أبناء هذا الجيل على عالم جديد خلخل تصوراتهم التقليدية، ومكّن أفكارهم من النضج وأثار في نفوسهم حواراً بناءً بين حياتهم الشرقية ومقومات العالم الجديد الذي انتقلوا إليه، فإذا هم نصفان يتنازعان في كائن واحد: نصف ينزع إلى الشرق ويحن إلى قيمه ومثله التي تغلغلت في كيانه، ونصف منصرف إلى الانغماس في حضارة الغرب وفي بضاعته الفكرية والأدبية المغرية، لأن هذا الغرب بات أنموذج التحضر وصورة لمستقبل الإنسانية.
ونحن لو نظرنا في الواقع إلى ثقافة الإعلام العرب الذين كتبوا السيرة الذاتية لوجدنا أن هذه الثقافة عربية وغربية في آن، فالسيرة الذاتية العربية الحديثة إن كان لها جذور في تراثنا، ولها بالفعل مثل هذه الجذور، فلا شك أن مرجعيتها الثقافية والفنية الحديثة هي مرجعية غربية.
لقد احتضن مشروع السيرة الذاتية العربي الحديث، المعضلة الفردية للكاتب كما احتضن المعضلة الاجتماعية، لقد كان يبحث في تأصيل الكيان الفردي وفي إيجاد صيغة أيديولوجية قادرة على تأصيل الكيان الاجتماعي وترميم هويته المتداعية المختلة، ومن ثم اقترن البحث عن الإنسان الأكمل بالبحث عن تأسيس المدينة الفاضلة التي هي في الوقت ذاته العلامة المؤشرة على هذا الكمال، والعالم الذي لا تحقق لأبعاد الإنسان الكامل إلا فيه.ولا شك أن لوحة السيرة الذاتية العربية الحديثة لوحة متعددة الألوان تنبض بحياة جيل كان أبناؤه يلتقون طوراً في آلامهم وأشواقهم، ويفترقون أطواراً أخرى في رؤاهم وقدراتهم علي تمثل حيواتهم وتوظيف تصوراتهم لتطوير مجتمعاتهم، ولكنهم في الحالتين كانوا يسعون جاهدين إلى تأسيس صورة جديدة للإنسان العربي الفاعل في تاريخه، الساعي إلى ترميم حلقات هذا التاريخ المفقودة، فكان عطاؤهم الفكري والأدبي بلا حدّ، وسواء نجحوا أو فشلوا نسبياً في مسعاهم، فيكفيهم فخراً أنهم كانوا منارات أضاءت بأنوارها عصرهم في زمن عصيب اختلطت فيه الطرق، وليس فن السيرة الذاتية الذي أنشأوه إلا دليلاً على أن الأدب العربي الحديث يدين لهم بانبعاثه وتجدده، لذلك لم تنته حياة هؤلاء المترجمين لذواتهم بكتابتهم لسيرهم الذاتية أو بموتهم، بل لعلها بدأت.
المصدر
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
أدب السيرة الذاتية على الرابط التالي:
الكاتبة العربية تقتحم فنا كان مقصورا على الرجال: السيرة الذاتية ونقدها
عبد الرحيم العلام
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
« إصدار جديد في الأدب المَمْدَري بعنوان: طنجة النصرانية (رواية من الأدب المَمْدَري) | "لذة الكتابة على حساب جلد الذات الكاتبة" » |