منتخبات من كتب التُّراث ...


من طرائف كتب التُّراث العربيّ والإسلاميّ :



أكثرُ الناس يقرؤها بالفَتْح :



قرأ الخليفة المتوكل يومًا، وبحضرته وزيره الفتح بن خاقان:
(وما يُشْعِرُكُم أَنَّها إذا جاءت).
فقال له الفتح: ‏ ‏ يا سيدي، (إنّها إذا جاءت) بالكسر. ‏ ‏
ووقعت المشاجرة، فتراهنا على عشرة آلاف دينار، وتحاكما إلى يزيد بن محمد المهلَّبي الشاعر ـ وكان صديقًا للمبرّد ـ فلما وقف يزيد على ذلك خاف أن يَسْقُطَ أحدهما، فقال: ‏
‏ واللّه ما أعرف الفرق بينهما. وما رأيت أعجب من أن يكون باب أمير المؤمنين يخلو من عالم متقدم. ‏
‏ فقال المتوكل: ‏ ‏ فليس ها هنا من يُسأَل عن هذا؟ ‏ ‏ قال: ‏ ‏ ما أعرف أحدًا يتقدم فتى بالبصرة يُعرف بالمبّرد. ‏
‏ فقال: ينبغي أن يُشْخَص. ‏ ‏ فلما أُدْخِل المبّرد على الفتح بن خاقان، قال له: ‏ ‏ يا بصريّ، كيف تقرأ هذا الحرف (وما يُشْعِرُكم إنها إذا جاءت لا يؤمنون) بالكسر، أو (أنها إذا جاءت) بالفتح !!؟ ‏
‏ قال المبرد: ‏ ‏ (إنها) بالكسر.
وذلك أن أول الآية :
(وأَقْسَموا باللّه جَهْد أَيمانهم لئن جاءَتهم آية لَيُؤْمِنُنَّ بها، قُل إِنما الآيات عند اللّه وما يُشْعِرُكم)،
ثم قال تبارك وتعالى :
يا محمد .إنّها إذا جاءت لا يؤمنون) باستئناف جواب الكلام المتقدم) ‏ ‏ قال الفتح: صدقت ‏
‏ ثم ركب إلى دار أمير المؤمنين، وعرّفه بقدوم المبرّد، وطالبه بدفع ما تخاطرا عليه فأمر المتوكل بإحضار المبرد.
فلما وقعت عينه عليه قال: ‏ ‏ يا بصريّ، كيف تقرأ هذه الآية: (وما يُشْعِرُكم إنها إذا جاءت) بالكسر، أو (أَنَّها إذا جاءت) بالفتح؟ ‏ ‏ قال المبّرد: ‏ ‏ يا أمير المؤمنين، أكثر الناس يقرؤها بالفتح. ‏
‏ فضحك المتوكل وضرب برجله اليسرى، وقال: ‏ ‏ أَحضر يا فتحُ المال. ‏ ‏ فقال: إنه واللّه يا سيدي قال لي خلاف ما قال لك.
‏ ‏ فقال المتوكل: ‏ ‏ دعني من هذا. أحضر المال !!! ‏
‏ وخرج المبرّد، فلم يصل إلى الموضع الذي كان أُنْزِلَه حتى أتته رُسُل الفتح. فلما أتاه قال له: ‏ ‏ يا بصريّ، أوّل ما ابتدأنا به الكذب !!!! ‏
‏ قال المبرّد: ما كذبتُ. ‏ ‏
فقال: كيف وقد قلتَ لأمير المؤمنين إن الصواب:
(وما يُشْعِرُكم أَنها إذا جاءت) بالفتح !!؟ ‏
‏ فقال: ‏ ‏ أيها الوزير، لم أقل هكذا، وإنما قلت:
أكثر الناس يقرؤها بالفتح. وأكثرهم على الخطأ.
وإنما تخلَّصتُ من اللائمة، وهو أمير المؤمنين. ‏
‏ فقال الفتح: أحسنت !!!! ‏




( من كتاب : طبقات اللغويين والنحويين ؛ لأبي بكر الزُّبيديّ الأندلسيّ )