من نصاحب اليوم !!؟؟؟...
يا أمير المؤمنين , اِحذرْ جُلساء السّوء واتخذ جليساً صالحاً يذكرك بمصالح رعيتك إذا غفلت , والنظر في أمورهم إذا لَهوْت , فإنَّ هذا أنفع لكَ ولهم وأكثر في الثواب والأجر .
يا أمير المؤمنين : لا تكنْ كما قال الله فيه : (( وإذا قيلَ له اتّق الله أخذته العزّة بالإثمِ فحسبهُ جهنم ولبئسَ المهاد )) , فقال له أمير المؤمنين : زدْني
فقال : (( إن الله تعالى قد أقاد لكَ العباد وجعل أمرك فيهم مطاعاً, وكلمتك فيهم نافذة , وأمرك فيهم ماضياً , وما ذلك إلا لتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر , وتعطي من هذا المال الأرملة والمسكين والسائل واليتيم , يا هارون تفكَّر قليلاً كيف يكون جوابك عندما تُسْأل عن أمور رعيتك في ذاك الموقف الرهيب إذا حضَرْت ويداك مغلولتان إلى عنقك ,وجهنّم محيطة بكَ ,والزبانية بين يديك تنتظر ما يؤْمر بكَ , فلّما سمع هارون الرشيد هذه العظات بكى بكاءً شديداً )
عالمُ من علماء المسلمين تشرق الحكمة من لسانه ,والإخلاص والصدق في قوله ..
عالمُ يقف أمام هارون الرشيد يوم تولى الخلافة دون خوفٍ ولا وجل , وهو يريد أن يُسْدي له النُصْح بعيداً عن الرياء والنفاق ...
عالمُ درس في مدرسة الحبيب فنالَ منها الحكمة وتعلّم فيها الخير والرشد والنصح ....
إنها والله تلك الصحبة الصالحة .. تبدو لمن أراد أنْ يسكن فيها كالماسة والجوهرة المتألقة في معدنها النفيس ..
إنها كوكبُ مضيءُ في فلكٍ واسع , وشعلةُ متقدةُ لا تَدْعه إلاّ أنْ يكونَ لها ذُؤَابة نورٍ وهدي وصلاح....
تُرى أين نبحث عن هذا المعنى النفيس , والجوهرة المضيئة !!؟؟؟؟....
والله لن نجدهما إلاَ بصحبة الأخيار , والبعد عن مصاحبة الأشرار !!..
رسول الله وخاتم الأنبياء والمرسلين يعلّمنا في مدرسته العظيمة فيقولُ لنا :
( خياركم مَنْ ذكّركم بالله رؤيته , وزادَ في عملكم منطقه , ورغّبكم في الآخرة عمله )
هذه هي مدرسة النبيّ الأميّ الحبيب !!...
مدرسة محمد تهذب الروح, وتصقل العبقرية, وتنتج قلبا كبيرا ووجدانا حيا للإنسانية جمعاء لمن أراد أن يدخلها ويتعّلم منها !!...
ما أحوجنا اليوم إلى هذا الزاد الروحي , والفيض الغزير الذي لا يمكن له أن يَنْضبَ ويجف !!...
ما أحوجنا إلى هذه العقيدة المؤمنة الثّابتة , لتزّكينا وتطهّرنا من الآثام والذنوب والخطايا !!....
ما أحوجنا اليوم إلى مجالسة الصالحين الأخيار , وسماع أخبارهم , والإقتداء بهم , وسماع النصح منهم...
لنسأل أنفسنا بصدق :
َمنْ نُصَاحِب اليوم !!؟؟؟....
نُصَاحِب من يقتل أولادنا , ويشرّد أهلنا, ويهتك حرماتنا, ويسرق أموالنا !!؟؟...
نُصَاحِب من يُريد أن يدنّس كتاب الله ربّنا , ويعتدي على الحبيب نبينا !!؟؟...
ُنصَاحِب من يُريد أن ينشر الفساد والفسق والفجور , بحجة تحرير شبابنا !!؟؟...
ُنصَاحِب من يُنَافق ويخادع, ويقف يداً واحدةً مع أعداء الله ,والحبيب رسولنا !!؟؟...
ألم نسمع قول الله تعالى :
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ ياٰلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً* ياٰوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً}[سورة الفرقان 28-28 ]
هَلْ كان هذا القول مقصوراً على أميّة بن خلف !!؟؟...
لم يكن قول الله تعالى مقصوراً عليه , لئلا يكون هذا الوعد مخصوصاً ,بل كان عاماً ليعلم كلّ واحد منا أنّ مُصَاحبة الأشرار, وجلساء السّوء يتبّرأ منهم الله وملائكته ورسله !!....
وشتّان ما بينَ صُحبة الأخيار , وصُحبة رفقاء السّوء الأشرار !!....
{الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ* ياٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ}[ الزخرف 67-68 ]
صورةُ رديئة لأصحاب السوء يكمن فيها الخوف والعذاب , والأسى والندم وهم يتلامون مع بعضهم البعض , تقابلها صورةُ ندية ومشرقة لأصحابِ الخير والهدي والتناصح !!.....
اجتماعُ الأخيار كان على الهدى والتنا صح فيما بينهم .. بينما هؤلاء أصحاب السّوء كان اجتماعهم على نشر الفساد والرذيلة.......
علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعلّمْنَا من منطقِ حكمتهِ , وطلاوة حديثهِ ,وصدق كلمتهِ فيقول :
( لا تَصْحب الفاجِر فإنّه يزيّن لكَ فعله ويودّ لو أنّكَ مِثْله )
بِئْسما والله الصاحب الساحب !!..
بِئْسما مَنْ أَهْلكه هواه وهو يُصَاحب الأشرار ويترك الأخيار !!!..
خيار النّاس هم إذا لقيتهم كان عفيفاً في قوله , وصادقاً في نُصْحه , ومُحباً لأخيه ...
سيدنا عمر رضي الله عنه فاروق الأمة يقول :
(( ولولا مُجَالسة أقوام ينتقونَ أطايبَ الكلام كما يُنْتقى أطايبُ التّمر ما أحببتُ البقاءَ في الدنّيا )
هَلْ هناك أجمل من الصّحبة الصّالحة , وهي تسبح في فضاء النّفس مع سبحات اللذّة الروحية !!؟؟؟؟
هَلْ هناك أجمل من الصّحبة الصّالحة وهي تشرق بكلماتها لتضيء لنا القلوب, وتَسْعد بها الأرواح !!؟؟..
هَلْ هناك أجمل من هذه الصّحبة الصّالحة التي تعيننا على ذكر الله , وتذكّرنا بالله إذا نسينا !!؟؟...
وهَلْ هناك أجمل من الصّحبة الصّالحة التي يفيض من ينبوع فيضها لغة الصدق والوفاء والحبِّ !!؟؟...
ففي الصّحبة الصّالحة تظهر قوّة الأفعال , ومناعة الحُصون , وجِرْأة العُظَماء ...
الصّحبة الصّالحة تضرب على أوتار القلب والروح لمسة الصدق والوفاء , وتسقي أغراسها من ماء ينبوع طيب الكلم !!....
النّفس والله لا يمكن لها أن تسمُو وترتفع إلاّ إذا وجدت منْ يَرْعاها , ويرشدها لطريق الهدي والخير والصلاح !!.....
بقلم : ابنة الشهباء
