تنــويه يبري الــذمة!:



على الرغم من كون رواية " الجريمة والعقاب"، كما ورد باكرا، ليست بالرواية البوليسية، ( الأخوة كارامازوف فيها تورية للقاتل )، لكن من الحكمة أيضا أن نقول لمن لم يقرأ الرواية بعد، أن يحترس إن كان من الذين لا يحبون أن يؤخــذوا غيلة!..فمن هنا، سيكون الحديث عن الرواية ( وما بعدها من روايات ) فضائحيــا!

أقصد سيحكيهــا حتى النهاية، ولعله سيقدم أيضا وجهات نظر مطبوخـة قد تلوث تلك التي بعد فطرية فيكم!

وعلى الرغم من كوني أؤكد مسألة روائعية الرواية حتى بعد ذلك، لكني جَبنُـت عن قراءة هذا وغيره حتى اشتريت الرواية وأتممتها ;)



لذلك جرى التنويـــه بالحذر، وقد أعذر من أنـــذر :)







" الجـــريمة والعقــــاب"





نتناول في هذا الجزء رواية دستويفسكي الشهيرة " الجريمة والعقاب" التي تشغل مكانة هامة في تاريخ الرواية الروسية، وينقسم تحليلنا إلى أربعة مقاطع، سنتناول في المقطع الأول الأفكار الرئيسية في الرواية، أما في المقطع الثاني فسنعرض لأهم الأحداث بها، أما المقطع الثالث فسنكرسه للحديث عن شخصية البطل الرئيسي رسكولينكوف الذي أثار حوله جدلا طويلا والذي يعتبر مفتاحا للكثير من القضايا التي تعرض لها الكاتب في روايته، وسنحاول في هذا المقطع أن نتوقف بالذات عند الدوافع المختلفة التي دفعت به إلى الجريمة، أما المقطع الرابع والأخير فسنخصصه لحديث سريع عن الخصائص الفنية للرواية.



الأفكـــار الرئيسية:



تتطرق " الجريمة والعقاب " لمشكلة حيوية معاصرة ألا وهي الجريمة وعلاقتها بالمشاكل الاجتماعية والأخلاقية للواقع، وهي المشكلة التي اجتذبت اهتمام دستويفسكي في الفترة التي قضاها هو نفسه في أحد المعتقلات حيث اعتقل بتهمة سياسية، وعاش بين المسجونين وتعرف على حياتهم وظروفهم.

وتتركز حبكة الرواية حول جريمة قتل الشاب الجامعي الموهوب رسكولينكوف للمرابية العجوز وشقيقتها والدوافع النفسية والأخلاقية للجريمة.



ولا تظهر " الجريمة والعقاب" كرواية من روايات المغامرات أو الروايات البوليسية، بل هي في الواقع نموذج لكل تأملات الكاتب في واقع الستينات من القرن الماضي بروسيا، وهي الفترة التي تميزت بانكسار نظام القنانة وتطور الرأسمالية، وما ترتب على ذلك من تغيرات جديدة في الواقع الذي ازداد به عدد الجرائم، ولذا نجد الكاتب يهتم اهتماما كبيرا في روايته بإبراز ظروف الواقع الذي تبرز فيه الجريمة كثمرة من ثماره. ومرض من الأمراض الاجتماعية التي تعيشها المدينة الكبيرة بطرسبرج ( ليننجراد حاليا ) وهي المدينة التي أحبها الكاتب وبطله حبا مشوبا بالحزن والأسى على ما تعيشه من تناقضات، ولهذا السبب بالذات نجد الكاتب كثيرا ما يخرج بإحداثه للشارع ليجسد من خلاله حياة الناس البسطاء والمدينة الممتلئة بالسكر والدعارة والآلام.

إن حياة الناس البسطاء أمثال البطل الرئيسي رسكولينكوف وأمه وأخته وعائلة مارميلادوف أحد معارف رسكولينكوف وابنته سونيا، تبدو مظلمة وقاتمة يشوبها اليأس والعذاب والفقر وسقوط الإنسان الذي سُدت أمامه كل السبل حتى لم يعد هناك " طريق آخر يذهب إليه" وهي الكلمات التي ساقها الكاتب في أول الرواية على لسان مارميلادوف في حديثه مع رسكولينكوف.

ويجعل هذا الواقع القاسي من مارميلادوف فريسة للخمر ويدفع بابنته سونيا إلى احتراف الدعارة لإطعام أخوتها الصغار الجائعين، ويجعل زوجته عرضه للجنون، كما يدفع هذا الواقع بالشاب الجامعي الموهوب رسكولينكوف إلى الجريمة ويجعل أخته عرضة للإساءة بالبيوت التي تلتحق بخدمتها، إن شخصيات الرواية تبدو مقسمة إلى مجموعتين تمثلان مواقع اجتماعية متعارضة: مجموعة تمثل الشعب المضغوط الذي يطحنه الفقر والحاجة والحرمان، وتتمثل في كل من رسكولينكوف وسونيا وعائلاتهما، ومجموعة أخرى تمثل أصحاب المال الذين تعطيهم ثروتهم "حق" الإساءة إلى المحتاجين، وفي مقدمة هذه المجموعة تبرز المرابية العجوز الشريرة التي تمتص دماء الناس وتقتص منهم والداعر المجرم سفيرديجالوف التي تمكنه ثروته من الإساءة إلى المعوزين بلا رادع ولا عقاب.

وإلى جانب وصف الواقع المعاصر تطرق الكاتب في الرواية من خلال بطله المجرم غير العادي صريع "الفكرة" على نقد الفكر الاشتراكي والليبرالي المعاصر له وانعكست من خلال ذلك مثل دوستويفسكي العليا ومبادئه ونظرته على سبل التغيير وهو ما سنتناوله بالتفصيل عند حديثنا عن رسكولينكوف. ورغم أن دستويفسكي قد رفض شتى الأفكار التي كانت تنادي بالتغيير إلى أنه قد هاجم بشدة الظلم الاجتماعي والمجتمع الذي تعج فيه بكثرة " المنافي والسجون والمحققون القضائيون والأشغال الشاقة"، كما ندد بظروف الواقع الذي تهدر به كرامة الناس والذي تراق به الدماء " التي كانت تراق مثل الشمبانيا" ، وبالإضافة إلى هذه الموضوعات فقد انعكست في الرواية نظرة الكاتب للجريمة كوسيلة من وسائل الاحتجاج ضد الظلم الاجتماعي، كما تجسد فيها تقييم الكاتب للدوافع المختلفة للجرائم والجذور الاجتماعية والنفسية لها وهو ما سنتناوله بإسهاب عند الحديث عن شخصية البطل الرئيسي.



.

.

.

.

.

.



يتبــــــع (أهم الأحداث بالرواية)