النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: مما كتب عن النقد الأدبي

  1. #1 مما كتب عن النقد الأدبي 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36
    قضايا نقد الأدب العربي الحديث:
    حضوره، تأثيره، مرجعياته، آفاقه

    حصاد "النور": سبع عشرة مشاركة، حضر فيها الموضوعي والشخصي

    ماهر منصور
    **********
    كانت النور تطمح من خلال تبني صفحتها الثقافية لملف (قضايا نقد الأدب العربي الحديث: حضوره، تأثيره، مرجعياته، آفاقه..) أن يستطيع المساهمون فيه تقديم أجوبة عن كثير من التساؤلات والهواجس التي تؤرق المبدعين وغيرهم ممن يهتمون بهذا الجانب الثقافي الهام، فهل استطاع الملف أن يجيب عما ذهب إليه الملف؟
    سبع عشرة مشاركة، قدمت على مدار ثلاثة عشر عدداً، تباينت في درجة اقترابها من موضوع الملف، فأجاد البعض عرضاً وتحليلاً، وسقط البعض في هوة الخطاب المدرسي وهاجس الشخصي لا الموضوعي، استطاعت أن ترسم ملامح لمحاور متعددة عن النقد الأدبي من خلال المشاركات التي تنوعت مضامينها لتجوب آفاق النقد الأدبي العربي باحثة عن تقاليده، متعمقة في بعض فنياته، كاشفة ثغراته وآفاقه المستقبلية وعلاقته مع الإبداع من جهة، وعلاقته مع الآخر الغربي من جهة أخرى، لتشكل في مجملها مجموعة من الاستنارات التي سنحاول استعراضها، على نحو موضوعي من خلال قراءتنا الموجزة هذه:
    يرى صادق عبد الرحيم: (أن العلاقة ما بين المبدع والناقد قد باتت موسومة، في وقتنا الراهن، بالخصومة)، وتساءل إن كان (يدخل في هذه الخصومة ما يتحدث به بعض المبدعين لا كلهم عن غياب النقد؟ وهل يدخل في هذه الخصومة ما يتحدث به بعض النقاد لا كلهم عن تدني الإبداع؟ أم أن الحديث عن غياب النقد وحضوره، وتدني الإبداع وارتقائه، قضية قائمة بذاتها لا علاقة لها بالخصومات الأدبية؟)
    وهو الأمر الذي رجحه الأستاذ عبد الرحيم، واتفقنا معه إلى حد كبير عليه، إلا أننا لا يمكن لنا أن نسقط في أي حال من الأحوال (الخصومة الأدبية) وما هو شخصي فيها وما ترتب عليه من علاقة شائكة بين الناقد والمبدع بدت واضحة في اختلاف الرؤى والأفكار المطروحة في المشاركات، التي سنحاول أن نعرض لبعضها كما وردت بأقلام أصحابها، تاركين للقارئ العزيز تبني خيارته، مع العلم أن لنا خياراتنا أيضاً، فرضت حياديتنا بوصفنا معدين للملف، أن لا نجاهر بها.
    1ـ إشكالية العلاقة بين الناقد والمبدع
    - محمد عزام: مطالب الأدباء لا تنتهي، فكل أديب يريد من كل النقاد أن يكتبوا عنه، وعن تجربته الأدبية، وأن يجعلوه قدوة وأنموذجاً، وإلا فإنهم مقصرون!!

    - نبيل سليمان: من كتب (قزّيطة) في الرواية أو الشعر أو القصّة مثل من تكاثرت (قزّيطاته)، يطيشه ألاّ يأبه النقد به، ويطيشه أن يرميه النقد في سلة المهملات، ويطيشه أن يلتفت إليه النقد إذا كان في (القزيطة) ما يُلتفت إليه، فتبدأ الشكوى من تعالي النقد أو صمته، ويبدأ التباهي بتلك (القزيطة) كأنها يتيمة العصر.

    ـ د.محمد جمال الطحان: الاستفزاز الأول الذي يقترفه بعض المبدعين هو عدّ الناقد مشروع مبدع فاشل، مما يؤدي إلى استنهاض حفيظة الناقد فيحرص على معاملة النص بأسلوب عدائي حتى قبل أن يطلع عليه.

    - أحمد تيناوي: ضمن ما نراه من أطر نقدية رائجة، نستطيع القول إن المسافة الشخصية في علاقة الناقد بالنص تبنى على تنحية المعرفي ـ الموضوعي، وتستعيض عنها بالمعرفي ـ الشخصي؟ ليفقد كل منهما (المعرفي والنقدي) مبررات وجودهما: أولاً كمصطلحين أساسيين في صياغة مشروع نقدي عربي، وثانياً كوظيفة مرجعية تتحد وفقها رؤية علمية لا تعنى بدوافع أنا الناقد أو ذاته وعلاقته بالكاتب سلباً أو إيجاباً.

    ـ خليل موسى: الكتابة عن الأحياء عندنا ورطة نقدية راعبة... باختصار شديد عليك في الكتابة عن الأحياء إما أن تضع لسانك في جيبك وتكون إمعة لا غير، أو أن تتلقى السهام، وإذا كنت إمعة ما كنت ناقداً، وأنت إزاء أمرين أحلاهما مر، ولذلك فإن الكتابة عن الأموات أسلم عاقبة، وإن كنت أيضاً لا تسلم من أقربائهم وذويهم.

    2- غياب النقد وتخلف الإبداع
    - د. نضال الصالح: أعدُّ غياب النقد الجاد، والمخلص للحقيقة، والمعبّر عن مخزون معرفيّ كافٍ بمعنى الممارسة النقدية ونظريات الأدب وإنجازات النقد، سبباً رئيساً بحقّ في غلبة الكتابات الناحلة فنياً على الكتابات التي تستحق شرف الانتماء إلى الإبداع.

    ـ جمال عبود: لا يستنهض النقد الجيد بالضرورة نصوصاً إبداعية جيدة، كما أن الأعمال الجيدة لا تستحضر بالضرورة نقداً جيداً، مع ذلك يبدو أن نهوض أحدهما يتزامن مع صحوة الآخر وانتعاشه، والسبب في اعتقادي ليس نابعاً من علاقة تبادلية بين الاثنين بالضرورة، وإنما من طبيعة (المناخ) الصحيح والمعافى، والذي هو شرط لنهوض الأدب والفن والاقتصاد والسياسة.... وبعيداً عن التبادلية، في التأثر و التأثير، أحب أن أعتقد بوجود تكاملية بين الإبداع والنقد.

    ـ د. سعد الدين كليب: القول بغياب النقد يبدو قولاً مجانياً أو قولاً لا ينهض من استقراء لواقع النقد وإسهاماته. أو أنه قول يتطلب من النقد ما ليس من اختصاصه وقضاياه....

    يمكن أن يوجد أدب عظيم دون نقد، ويمكن أن يوجد نقد عظيم دون أدب عظيم معاصر له، ومرد ذلك إلى أن كلاً من الأدب والنقد نشاط مستقل عن الآخر، فالأدب نشاط جمالي، أما النقد فنشاط عقلي في الدرجة الأولى.

    ـ حسني هلال: إن الناقد، على ما في حضوره من فائدة مرتجاة، لم يكن غيابه في يوم من الأيام، لينفي مبدعاً موجوداً أو ليلغي إبداعاً قائماً، لأن الإبداع الحق هو ما يحمل داخله أسباب حياته.

    ـ ثائر زكي الزعزوع: لم تعد القضية قضية إبداع بحاجة إلى نقاد، بل هي قضية خلل عام، وغياب النقد أو انزوائه ساهم في تعزيز هذه الحالة وترسيخها، وتثبيت دعائمها.

    ـ د.رضوان قضماني: سيغيب النقد إذا غاب الأدب، وإذا عانى الإبداع الأدبي أزمة فإن النقد أيضاً سيعاني هذه الأزمة، وإذا كان الإبداع العربي يعاني ما يسميه بعضهم (أزمة النقد) أو (فوضى النقد) فهي (أزمة) أو (فوضى معرفية) تنبع من الحالة التي يعيشها المثقف العربي عموماً في ظرفه الموضوعي المرتبط بثقافة سائدة، هي ثقافة سلعة ومستهلك ومنتج.

    ـ جبر الشوفي: كلما غاب النقد الجاد، أو ضعف، وتشتتت مذاهبه، ازداد الأدب هزالاً وعزلة عن حياتنا...

    ـ محمد شويحنة: العملية حقاً ليست سبقاً في الوجود وفرض التأثير، إذ إن ما يحصل هو تبادل التأثير بين العمليتين، الإبداع الأدبي والنقد، النقد يطور أدواته وتعامله وفق ما يستجد في الحداثة الأدبية، والأدب يقيس نفسه بالمنظور النقدي العلمي المنظم...

    3ـ المناهج النقدية الغربية وقضايا التأصيل والمعاصرة
    ـ نبيل سليمان: غلب لدى كثيرين الانبهار بالإنجاز النقدي للآخر، وغلبت التبعية، وضمر الحوار مع تلك النظريات، وبالتالي ضمرت الإفادة منها، غير أن ذلك بدأ يأخذ مساراً آخر منذ عقدين على الأقل، فلم يعد كل ما أنتجه الآخر مقدساً بالمطلق أو مدنّساً بالمطلق...

    ـ د.ممدوح الفاخوري: المشكل ـ كما يبدو وكما سبق القول ـ في التهالك على تطبيق معايير النقد الغربي الحديث بحذافيرها وبكل ما فيها، من غير النظر إلى الفرق بين أدب أمة وأمة، وظروف أمة وأمة، وبيئة أمة وأمة.

    ـ صادق عبد الرحيم: ذهب فريق من النقاد، الذين يعتقدون بأن النقد علم، إلى استيراد المناهج النقدية من الخارج، كاستيراد النظريات العلمية، أو بالات الألبسة الجاهزة، وعكفوا على تنظيرها، عكوفهم على استبدال أشكال الأرقام، أو تغيير المقاسات، لتدخل في دائرة فهمنا، وتصبح على مقاسنا.

    ـ أحمد تيناوي: نحن، كما غيرنا من شعوب معولمة، لا نستطيع أن ننتج فلسفتنا الخاصة، (لأننا في الواقع نفتقد إمكانية الحراك بجميع أبعاده)، دون أن نستعير من الآخر ـ المعولم، أدواته المتقدمة جداً...

    ـ د.خليل الموسى: النقد العربي الحديث منذ عصر النهضة ذو مرجعيات غربية وما زال، ولا أرى في ذلك عيباً أو خللاً، ومقولة بعض النقاد في إقامة نظرية عربية معاصرة فيها كثير من الادعاء والزلل.

    ـ د.رضوان قضماني: لا بد من نظرية نقدية تنبع من الأجناس الإبداعية الجديدة وتبحث في جمالياتها ومكوناتها بعيداً عن الادعاءات النظرية، في محاولة لتحديد هويتها الإبداعية والثقافية، وهي محاولة تعتمد على الاجتهاد والبحث والاستقصاء، وتقوم على جدل خلاق مع الثورة النقدية الغربية، سعياً إلى إبداع صيغة حضارية تحقق التوازن الفاعل بين الخصوصية وتمثل إنجازات الآخر في إطار هذه الخصوصية.

    ـ محمد شويحنة: بعض الاتجاهات مازالت منشغلة بمحاولة تطويع النظريات والمناهج النقدية الغربية لفهم الظواهر الأدبية العربية، وخطورة الأمر أن نظريات النقد الغربية قد تطورت باستمرار في سياق تاريخي واجتماعي ثقافي مغاير للسياق العربي بل تمت باستمرار عملية التواصل ما بين الناقد والمبدع دون أن يتخلف أحدهما عن الآخر.

    في مقابل اختلاف الرؤى الذي جاء موزعاً ما بين ما هو موضوعي وما هو شخصي كما بدا واضحاً في المحاور الثلاثة السابقة، التي عنت بإشكالية العلاقة مع الآخر، مبدعاً كان أم ناقداً، اتفقت معظم المشاركات على عدة محاور أخرى تطرقت لقضايا إعداد الناقد الجيد وكيفية التعامل النقدي مع النصوص، وما تعانيه الساحة النقدية من اختلاطات لا علاقة لها بالنقد، فضلاً عن انحسار دور الجامعات فيها:

    1- إعداد الناقد الجيد
    ـ نبيل سليمان: يأتي إعداد الناقد بالعلم أولاً، وبالممارسة ثانياً، وبالقراءة والحوار والنزاهة والشجاعة أولاً وثانياً.

    ـ محمد عزام: إذا أردنا إعداد الناقد الجيد فعلينا أن نتأكد أولاً من أنه يمتلك الموهبة التي من ثم نغذيها بالمران والدربة.... وبعد هذا كله وقبله يجب أن تتوافر الرغبة واللهفة والمطالعة الدائمة.

    ـ إسكندر نعمة: كل ناقد غير معفي إطلاقاً من تحصيل ثقافة إنسانية شاملة، بل هو مطالب أن يكون موسوعة عصرية حضارية ضاربة في أعماق الفن والفكر التراثي والمعاصر...

    ـ جمال عبود: إن عملية إعداد الناقد قائمة، ولكن يجب أن نعيد النظر في نظامها وبنيانها، وليس فقط في وسائلها وأدواتها، فالزعم أنها أزمة وسائل وأدوات... تمييع للموضوع، والصحيح هو أنها (آلية إنتاج هذه الأزمات وتعويمها على السطح)، والمطلوب إيقاف هذه (الآلية) والخروج من ثقافة الأزمة وعندها تهون كل الأزمات...إن لم تتلاشَ فعلاً.

    ـ حسن الصفدي: يتعذر أن يكون طريق الناقد إلى النجاح والتألق عبر الخضوع للأفكار المسبقة وإصدار أحكام ناجزة تستند إلى قناعات جامدة/ دوغمائية.

    ـ جبر الشوفي: ولا بدّ للناقد من أن يكون بريئاً من الهوى، مرهف الحساسية، قابلاً للمراجعة، والاختلاف.

    2- التعامل النقدي الأمثل مع النصوص
    ـ محمد جمال الطحان: ما المانع من دراسة النص بنيوياً ونفسياً ووصفياً.. من حيث ارتباطه بالزمان وبالمكان وبالكاتب، ثم من حيث فصله عنها أو عن بعضها، لنتمكن، في النهاية، من استيعاب أبعاده كافة؟

    ـ صادق عبد الرحيم: النص النقدي الأكثر حضوراً ـ في اعتقادنا ـ هو النص الذي لا يلوي عنق النص الإبداعي لصالح المنهج الذي انطلق منه.

    ـ جبر الشوفي: تبدو مشروعية النقد الأدبي، كموقف من الإبداع لا المبدع، بل كمرجعية فنية وعلمية تتمحل الوسائل، لتكشف في النص مستويات حضوره الجمالي والمعرفي.

    3ـ الاختلاطات التي تعانيها الساحة النقدية
    ـ خليل الموسى: قد استسهلت فئة من الناس النقد، وكأنه بحر الرجز، فدخلوا إليه من الباب الواسع، ولم يمروا بصفحة أدب القراء. وكلنا يعرف كيف يدخل الفاتحون المدن الصغيرة، وكثير من هؤلاء يحتاج إلى دورات محو أمية.

    ـ محمد شويحنة: الساحة النقدية العربية تعج بالكثير من الهشاشة في التناول والاستسهال بل التسطح في فهم التيارات النقدية المعاصرة. وعدم تتبع المصطلحات في مظانها الأصلية، بما يتضمنه ذلك من دلالات فلسفية ونقدية هامة، أو محاولة تطبيقها بآلية ساذجة والتعامي عما يحمله النص العربي من خصوصية مستمدة من سياق آخر غير السياق الأجنبي.

    4- انحسار دور الجامعات
    ـ جمال عبود: لا نكاد نرى حضوراً حقيقياً للجامعة خارج أسوارها، ولا نرى حضوراً حقيقياً للإبداع ومشاركة للمبدعين داخل أسوار أية جامعة... إلا فيما ندر واعتماداً على جهود فردية متواضعة جداً، ومحدودة الأثر جداً.

    ـ محمد شويحنة: يكاد دور الجامعة ـ إلا فيما ندر ـ ينحصر في الجانب التعليمي النقلي لا الإبداعي شيئاً فشيئاً.... وبدأ الأستاذ الجامعي يتحول بقوة إلى مجرد ملقن للعلم لا مبدع فيه، يوجه أو يوافق طلابه على تناول موضوعات بائتة أو ميتة أو منشغلة بموضوعات جزئية في أدب عصر من العصور.

    بالعموم: الملف حول النقد خطوة جيدة نأمل أن يكون قد أثار القضايا المتعلقة بهذا الركن الأكثر أهمية في ساحة الإبداع، عبر ما قدم من مشاركات نجد أنها كانت على تنوع جيد، ولكن هناك محاور لم تعالج تماماً، نأمل استكمال الثغرات فيها في محاولات قادمة.

    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد : مما كتب عن النقد الأدبي 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36
    النقد تابع للإبداع، يحلله، يفسِّره، يقيّمه...!
    النص في النهاية لغة تحتاج إلى تحليل بنيانها وعلاقاتها ومستوياتها.
    *************
    محمد عزام
    *************
    النقد ليس غائباً، والنقاد ليسوا مقصّرين، ولكن استقبال المناهج النقدية الحداثية يحتاج في مرحلة أولى إلى التنظير، ثم تلي ذلك مرحلة التطبيق والاهتمام بالإبداعات الأدبية، على الرغم من أن مطالب الأدباء لا تنتهي، فكل أديب يريد من كل النقاد أن يكتبوا عنه، وعن تجربته الأدبية، وأن يجعلوه قدوة وأنموذجاً، وإلا فإنهم مقصرون!!
    وإذا كان قد أصبح لدينا ـ في عصر الاستهلاك ـ (مطرب) لكل مواطن، فإن الأدباء يطالبون بـ (مطرب) عفواً (ناقد) لكل أديب، و(ما في حدا أحسن من حدا)، ومن الواضح أن هذا أمر عسير، لأن صنع الناقد أصعب من صنع الأديب، بوصف الأديب ناقداً وزيادة، وهذه الزيادة امتيازه النقدي عن الأديب.
    أما أن تخلُّف الإبداع سببه غياب النقد، فهذا أيضاً كلام مردود، لأن النقد تابع للإبداع، يحلله، ويفسره، ويقيمه، ولكن الذي يحصل اليوم هو أن المبدع صار يجري وراء الناقد بدلاً من أن يكون العكس، مما جعل الناقد يضع شروطاً قاسية في نقد الإبداع، يستمدها من المناهج النقدية الغربية، وحين يحاول تطبيقها على الإبداع العربي يظهر الشرخ واضحاً بين النظرية والتطبيق.
    وأكبر مثال على ذلك هو أن نقادنا الحداثيين صار لهم أكثر من ربع قرن يستوردون المناهج النقدية الحداثية كالألسنية والأسلوبية والبنيوية...إلخ ويوضحون مفاهيمها ومصطلحاتها، ولكننا لم نجد أديباً عربياً أبدع أدباً بنيوياً أو سيميائياً أو تفكيكياً، على الرغم من أن هذا الإبداع موجود في الأدب الغربي، فلماذا قصّر أدباؤنا عن مثل هذا الإبداع؟
    قد تكون حجتهم أن هذه مناهج نقدية وليست مذاهب أدبية، وجوابنا هو أن الأدب الغربي أبدع فيها، ومصداق ذلك إبداع الناقد فيليب سولرز في البنيوية، وجاك دريدا في التفكيكية.

    وقد تكون حجتهم هي أن نقادنا لم يفهموا هذه المناهج بعد، بل يهضموها، فكيف نطالب الأدباء بأن يبدعوا فيها؟ والجواب واضح: إذا كانت الرومانسية والرمزية والسريالية قد أنتجت نقداً وأدباً متميزين، فلم لا ينسحب هذا على المناهج النقدية الحداثية؟!

    تتسم مرحلتنا النقدية الراهنة باستيراد المناهج النقدية الحداثية الغربية، وهذا الأخذ هو دليل تلاقح فكري ضروري، وليس تبعية مطلقة، مادمنا نهضم هذه المناهج، ثم نعيد إبداعها، بمعنى أننا نبيّئ هذه المناهج في بيئتنا وتربتنا، ونلقي عليها من سماتنا وخصائصنا، فتصبح ملكاً لنا.
    وبهذا فإن البنيوية العربية مثلاً ليست هي البنيوية الفرنسية تماماً، وكذلك السيميائية، والتفكيكية، وهذا التحوير ليس مثلبة، بل تطويراً للمنهج النقدي، وقد قام به رواد النهضة الأدبية والنقدية: طه حسين، والعقّاد، ومندور...إلخ، حين لم يلتزموا تماماً بتحولات المناهج النقدية الغربية (المنهج التاريخي، والنفسي، والاجتماعي)، بل عدلوا فيها بما يناسب أدبنا وفكرنا. وهذا هو المطلوب من نقادنا المعاصرين اليوم، أن يجمعوا بين الحداثة والتراث، والمعاصرة والأصالة، ليس على أنهما نقيضان متصاقبان، بل على أنهما متكاملان، كوجهي الورقة الواحدة، وهي الطريق التي سلكها الفكر العربي منذ مطلع عصر النهضة حتى اليوم، الأخذ من الغرب الحداثي، ومن التراث النقدي، فهو الطريق الوحيد الذي يحمينا من التبعية المطلقة للغرب، ولا تفقدنا هويتنا القومية حين تجعلنا متمسكين بجذورنا التي تمنحنا ملامحنا الخاصة.
    إن ثنائية (إمّا... أو) يجب أن تزول من تفكيرنا، فليس مفروضاً علينا أن نختار أحدهما، بل كليهما: أن نأخذ من التراث ما نحتاجه، وما يناسب العصر، ونأخذ من الآخر ما يناسبنا، وما نحن بحاجة إليه، فليس من المعقول أن نغلق نوافذنا أمام رياح ثقافات العالم، لأن العزلة موت، وليس من المعقول أيضاً أن نجعل هذه الثقافات العالمية تقتلعنا من جذورنا.

    إن التلاقح الفكري مطلوب، وإن الأخذ من الآخر ليس عيباً ولا منقصة، وإلا أصبح فكرنا آسناً، ولنا في نقادنا القدامى أسوة حسنة، فقد استفادوا من تراث اليونان، والرومان، والهند، وفارس دون عُقد أو مركبات نقص، ودرسوا كتابي (الشعر) و(الخطابة) بعد أن عربوهما، وهذا تعبير عن التفتح الحضاري الذي اتصفت به العقلية العربية في عصورها الذهبية.

    إن العلم والمعرفة ليسا ملكاً لأحد، وإنما هما مشاعان للجميع، والتواصل ضرورة حياتية ملحة، وقد برهن نقادنا الحديثون والمعاصرون على أنهم من أكثر الناس تفتحاً واستعداداً للاستفادة من تيارات المعرفة المختلفة، وحملت تجربتهم مؤشرات ناجحة وجاءت متجاوبة مع الاتجاه الذي يبديه أدبنا من أجل إقامة توازن بين هويته القومية والانتماء إلى الأدب العالمي المعاصر، لأنه لا يمكن تبني العزلة الثقافية في عصر الاتصالات والفضائيات والحاسبات، ولأن العزلة أصبحت مستحيلة حتى لمن يريدها.
    وإذا كان ما يأتينا من الغرب ليس خيراً كله فإنه بالمقابل ليس شراً كله، بالإضافة إلى أن (العلم) لا هوية له، فلا يمكن القول إن هذا علم غربي وذاك علم صيني أو آسيوي. إضافة إلى أن (الغرب) تغيرت مواقعه فلم تعد أوربة هي وحدها التي تنتج الحضارة، بل أصبح هنالك اليابان والشرق والولايات المتحدة، وإذاً فقد أصبح (الغرب) شمالاً وشرقاً وأصبحت الحضارة عالمية لا غربية فقط.
    ولكن المرء يشعر اليوم أن المرحلة قد تجاوزت الدعوة إلى الانفتاح والمعاصرة، وأن المطلوب هو الإسهام الجدي في دفع النقد الأدبي العربي الجديد باتجاه التوازن والفاعلية، ولن يكون ذلك إلا بالعمل على (تأصيل) المناهج النقدية الحداثية الغربية في تربة واقعنا وإن تطوير مشروع نقدي خاص بنا إنما يقوم على الاتصال بالآخرين من ناحية وبجذورنا النقدية من ناحية أخرى. وقد أصبح هذا ضرورة بقاء لأنه سيكون (هويتنا) الواقية أمام الهجمة الإمبريالية التي تريد تدويل العالم وعولمة الشعوب المهددة بمحو شخصيتها وثقافتها القومية، وهذا ما يفرض علينا إيجاد (نظرية عربية) بديلة في النقد الأدبي تقوم على (التأصيل) ولكنها لا تعني العزلة أو رفض الآخر، كما أنها لا تعني هجر جذورنا الضاربة في أعماق الوعي العربي، إن الجمع بين (الأصالة والمعاصرة) هو قدرنا، وإن (التأصيل) هو مشروعنا الذي نتجاوز به مرحلة الجمع إلى استنباط ملامح الحداثة في تراثنا النقدي من أجل إبداع منهج نقدي (عربي) جديد.

    النقد الأدبي علم قائم بذاته، والناقد الجيد لا يأتي مصادفة ولا يخلق بين يوم وليلة، والعملية النقدية ليست انطباعاً شخصياً ولا كلاماً ارتجالياً، الناقد الجيد هو الذي يعد نفسه إعداداً جيداً بالتواصل المعرفي والنقدي مع الموروث والآخر، وعندما يختار طريق النقد يكون (القدر) قد اختاره لهذه المسؤولية الجسيمة التي هي (غُرْم لا غُنْم).

    كان الناقد يأخذ بيد قارئه في سياحة بين الآثار الأدبية ليريه عجائب مخلوقات الأدباء وبناياتهم الأدبية، أو يكتفي بالتعبير عن انطباعاته حيال الأعمال الأدبية، وفي أحسن الأحوال كان (يفسّر) الأعمال الأدبية على ضوء بعض العلوم المساعدة، كعلم النفس، وعلم الاجتماع، والتاريخ، والميثولوجيا...إلخ.
    الناقد الحداثي اليوم تجاوز (التفسير) إلى (التحليل) العلمي، الذي يدرس (النص على الصفحة) دون عودة إلى مبدعه أو إلى مرجعيته الاجتماعية أو التاريخية أو ظروفه الزمانية والمكانية. لقد تجاوزنا مرحلة المناهج النقدية السياقية التي كانت تعتمد العلوم المساعدة في (تفسير) العمل الأدبي إلى المناهج النقدية النسقية (الألسنية والأسلوبية والبنيوية) التي تحلل بُنى النص الأدبي ولغته ومستوياته السطحية والعميقة، وهذه هي الدراسة العلمية الحقة التي تضع كل همها في (النص)، والنص وحده دون أن تتشتت في ظروف نفسية، أو آفاق اجتماعية أو تاريخية تبتعد بالقارئ عن المعرفة الحقيقية للنص الذي ما هو في النهاية إلا (لغة) يجب أن تحلل بنياتها وعلاقاتها ومستوياتها.
    وإذا أردنا إعداد الناقد الجيد فعلينا أن نتأكد أولاً من أنه يمتلك الموهبة التي من ثم نغذيها بالمران والدربة، وينطوي تحت هذين معرفة العلوم اللسانية، والمذاهب الأدبية، والمناهج النقدية قديمها وحديثها، وبعد هذا كله وقبله يجب أن تتوافر الرغبة واللهفة والمطالعة الدائمة، فمن دونهما لا يمكن للناقد أن يأتي بالجديد الجدير.

    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد : مما كتب عن النقد الأدبي 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36
    المناهج النقدية في اتجاهين

    د.فاروق مواسي
    ****************

    لست من المتحمسين لمنهج ثابت في النقد، مع أن هناك كثيرين يلحون علي وعلى سواي بالسؤال: أي منهج نقدي تبنيتم في هذا المقال أو ذاك؟
    وقد زعمت (بالمعنى الإيجابي) أنني أنهج منهجًا وسطيًا يأخذ من الأكاديمي الدقة في الاستشهاد والحذر في الأحكام، ويأخذ من الذوقي ذاتية جمالية أستشفها من خلال التجربة، ولست أزعم أنني أشق طريقـًا في المناهج النقدية، لكني أسلك دربًا يبعدني عن جفاف الأول وانزلاق الثاني (أنظر كتابي: عرض ونقد في الشعر المحلي، مطبعة الشرق- 1976،ص3).
    وعلى كثرة ما قرأت كتبًا تتناول المناهج النقدية المتباينة إلا أن مقالة نشرها الدكتور مرشد الزبيدي ( مجلة الأقلام العراقيه، العدد 1-4/1997، ص26 ) وافقتني أو وافقتها – أصح-، فقد أجمل المناهج النقدية في اتجاهين: اتجاه سياقي حيث تدرس النصوص الأدبية في ظروف نشأتها والسياقات الخارجية لها، والتأثيرات التي يتوقع للنص أن يؤثر فيما يحيط به، ويمكن أن يشمل هذا كل الدراسات النقدية التي لا تجعل النص الأدبي وحده مدار اهتمامها –أي أنها تتوسل بوسائل خارجية ليست من داخل النص نفسه.
    ولعل الكاتب استقى هذا المصطلح السياقي"Contextual" من الناقد جيروم ستوليتر حيث تحدث عن الظروف والسياقات الخارجية عن النص، ومن هذه المناهج التي تقع في دائرة السياقية أذكر بعضًا بإيجاز:

    المنهج التاريخي

    حيث الاهتمام بالسياقات الزمنية للنصوص ومنتجيها بعيدًا عن الأحكام والمعايير التي ارتضاها الكلاسيون. ومن رواد هذا المنهج (تين- 1828- 1893) الفرنسي، ومؤثراته الثلاثة هي: الجنس، والبيئة، والعصر.

    المنهج الاجتماعي

    حيث يتساوق وما طرحته فلسفة هيجل (1770- 1831) التي ربطت بين الأنواع الأدبية والمجتمعات، وكانت الواقعية إفرازًا بينًا فيه، كما أن الماركسية تُداخِل فيما بين المنهجين التاريخي والاجتماعي.

    المنهج النفسي

    وفيه الاهتمام بشخصية الأدباء ودوافع الإبداع؛ يرى فرويد
    (1856-1939) أن الأدب تعبير مقنع يحقق رغبات مكبوتة قياسًا على الأحلام .. هذا يعنى النقد بتفسير الأدب لا الحكم عليه.
    وهناك من يضيف إلى هذا المنحى: المنهج السِيري، والأيديولوجي، والوجودي، والفلسفي، والديني، والأخلاقي، والأسطوري، وغيرها من التسميات طرحًا ورؤية.
    أما المنحى/الاتجاه الثاني فهو النصي (Textual) حيث ينصبّ النقد هنا على دراسة النص بذاته، ويسعى إلى الكشف عن العلاقات التي تتحكم بها من غير أن تعير أهمية كبيرة للسياقات الخارجية، ومن أهم هذه المناهج النصية:

    المنهج الشكلاني

    أسسته عام 1915 حلقة موسكو اللغوية، وكان ياكبسون
    ( 1896-؟) أنشط أعضائها، حيث قال: "إن هدف علم الأدب ليس هو الأدب في عموميته وإنما أدبيته، أي تلك العناصر المحددة التي تجعل منه عملا أدبيًا" (أنظر كتاب صلاح فضل: نظريه البنائية، ص23).

    النقد الجديد

    وقد برز في أمريكا، حيث كان الاهتمام بالشعر من غير أي سياق خارجي، وأبرز نقاده إيليوت ( 1888- 1965) ورتشاردز
    ( 1893-1979) وألن تيت ( 1899- 1979) ورنسوم
    ( 18881974) وبروكس ( 1906- 1990) وهذا الأخير تناول بمثابرة مسألة دراسة القصيدة واستيعاب شكلها الفني.

    المنهج البنائي

    يرى صلاح فضل (1938) أن التعريف الأول للبنائية يعتمد على مقابلتها بالجزئية الذرية التي تعزل العناصر، وتعتبر تجمعها مجرد تراكب وتراكم، فالبنائية تتمثل في البحث عن العلاقات التي تعطي للعناصر المتحدة قيمة وضعها في مجموع منتظم (ن.م، ص195).
    ويتفرع من الاتجاه النصي المنهج التفكيكي وهو بعكس البنائي، يقوض أولا البناء النصي، ثم ينظر في المركبات من جديد لإعادة التشكيل والبناء، وهناك المنهج اللغوي، والبلاغي، والألسني،والأسلوبي، ولا تتوقعوا مني الاستفاضة في هذا المقام.
    لكني أعيب على بعض الباحثين ممن يتشبثون بمنهج ما من غير معرفة دقيقه بمركبات مادته، فالناقد اللغوي مثلا عليه أن يكون خبيرًا في نحو اللغة وصرفها وفصيحها وعاميها قبل أن يقرر هذه لغة عليا وهذه لغة وسطى ، وقبل أن يصول ويجول على حصان اللغة.
    مجمل القول: في النقد اتجاهان سائدان: سياقي ونصي، وفي رأيي أن ليس هناك ضرورة للبقاء في خانة واحدة، فعلى الناقد أن يكتب كما يحس لا كما يتطلبه منهج - أيًا كان، يكتب كما تمليه عليه رسالة الكتابة ( Message)، إذ لا بد للنقد من رسالة، ولا بد من طرح أسئلة: لماذا النقد؟ ومتى؟ لأي شيء أصبو؟ وأين؟ وماذا أبغي هنا؟ وكيف؟ وإلا فإن الناقد – من غير رسالة - يهذي أو يعبث أو يتسلى، أو على الأقل يملأ صفحات " تدوخنا " بمربعات وأشكال وجمل أسهل علينا أن نفهم جملة باللغة الصينية من أن نفهم هذه.





    د. أبو شامة المغربي

    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. النقد الأدبي العربي القديم
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 26/02/2011, 12:07 PM
  2. النقد والناقد الأدبي في رأي محمد مندور
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 26/04/2006, 10:04 PM
  3. النقد والناقد الأدبي في رأي ميخائيل نعيمة
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26/04/2006, 12:22 PM
  4. يسألون عن النقد الأدبي
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06/03/2006, 12:58 PM
  5. تحولات النقد الأدبي
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05/10/2005, 10:49 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •