"المدنية ليست شيئاً مجبولاً في فطرة الإنسان، كلا ولا هي شيء يستعصي على الفناء؛ إنما هي شيء لا بد أن يكتسبه كل جيل من الأجيال اكتساباً جديداً، فإذا ما حدث اضطراب خطير في عواملها الاقتصادية أو في طرائق انتقالها من جيل إلى جيل فقد يكون عاملاً على فنائها. إن الإنسان ليختلف عن الحيوان في شيء واحد، وهو التربية، ونقصد بها الوسيلة التي تنتقل بها المدنية من جيل إلى جيل."
ول ديورنت
المدنية التي يقصدها هنا ديورنت هي الحضارة
لا يمكن لحضارة أن تقوم بدون أساس مدني
فالشحم يبنى على اللحم واللحم يبنى على العظم
والشحم هو علامة الجمال لدى الشعراء
وفي المجتمع فالفلسفة والعلم والأدب والموسيقى وشتى العلوم لا يمكن أن يقوم لها قائمة بدون البناء المدني وكما إنها أي الحضارة لا تورث من جيل إلى جيل كما يورث المال، وكما يفنى المال إن لم يكن صاحبه عاقلاً مجتهداً ستفنى الحضارة بلا ريب ، ولذلك من سنن الله في الأرض أن تنتقل الحضارة من أمة لأمة كما ينتقل الماء من الأرض المرتفعة للأرض المنخفضة وتبقى العلوم التي تفيد الإنسانية جمعاء محض انتقال بين الأمم ، فإن تكاسل جيل عن صونها وحمايتها والبذل لها والاشتغال بالترف والمجون والتبذير فمن الطبيعي أن يهرب العلماء وتهرب العقول لدول أخرى فالمنتج الحضاري هو أمر يخص البشرية جمعاء لا بلد بعينه.