لمحبي الشعر قصيدة بعنوان:
صعودٌ في الألق
بقلم الدكتور أحمد أديب أحمد
==================


إشراق:
-------
رَمَتْ بسهامِها الغَضَّة امتِثالاً
رَنَتْ نضَّاحةَ الوجهِ الطُّفولي
رشيقُ العِطرِ من جَفنٍ يَلُوحُ
ويَروي الخَدَّ بالوردِ الكَحِيلِ:
/هَاكَ صَوتي دافئًا بالياسمينِ
يَذكُرُ العهدَ..
يُصلِّي كالحزينِ..
قُمْ فنَمْ في الأفقِ حَدِّي يا حبيبي..
وَارْوِ عنِّي للنُّجومِ.. ما نَحيبي..
.. عندما تَمتَدُّ رَاحًا في ضُلوعي..
تَغرُبُ الدنيا.. فأشْرِقْ باليقينِ.../


*
صعود:
-------
كم مَرَّةٍ أثلجتِ صَدري بالحمامِ..
ورشقتِنِي
بِغُنَا الغمامِ..
أرشدتِني
كيف السَّبيلُ إلى عينِ العيونِ...
ووَهَبتِني
مقدارَ قلبي
من شُجوني..
علَّمتِني
كيف أسفارُ الورودِ
ستنتهي نحوَ الغيومِ..
وتَرُشُّني من فَيضِها
عبقَ السَّماء....


*
رؤية:
-------
أراكِ..
فأهدي خيالي لِطَيفِ المقامِ
وألهو ربيعًا بكلِّ السَّلامِ
وأجثو أَفيضُ..
بلَحظِ الكلامِ..
عبيرًا يُزَّفُّ..
لروحِ اليمامْ..


*
سماء:
-------
أنتِ.. مثلُ زنَّارِ الضَّبابِ...
ينحني جرحًا مثلَ السَّرابِ..
تغادرينَ مع صَمْتِ أوتاري الخجولْ
وتضحكينَ
كشعاعِ اللَّوزِ في خَبْءٍ بعيدْ
يا ليتَ شِعري يستوي
بين أهدابَ الزَّمان
لِيُسَوِّي من جانحيكِ
عَبَقًا يُزَنِّرُ عُودي الحزينَ..
من أجفانِهِ..
من خُدودِهِ..
إلى الأكاليلِ التي على مِرفقيهِ
غَدَتْ قيودًا وسَلاسل...
......
وأضلُعِي
باتَتْ تصحو وتغفو..
كعينِ الوردِ
في نَبضِ الفَراشِ..
وروضِ الموجِ
في كَنَفِ البِحارِ..
وهذا سُكَّرُ البوحِ...
هَديَّةْ
يُحَلِّي بُحَّةَ الموجِ النَّديَّةْ
لأرْشُفَ من عيونٍ خَمرةً لي
وأرشقَ بالمُنى حُلُمَ التَّجلِّي
كأنَّ الوجدَ قَدْ رَقَّى مَقامي
أو النَّحلاتُ قد زارَتْ منامي
وهامَ من كفِّي حَنانُ طيرٍ
وأشرقَتْ نفسي مثلَ الغمامِ...


*
صلاة:
-------
طيورُ الهمِّ في قلبي تزورُ
مقامَ الوردِ من يومِ اجتباني
على أوراقِهِ ذاكَ الخريفُ
مُدَثِّـرًا عُريي بالأقحوانِ
وهامَتْ في فضاءاتِ التَمَنِّي
نَدَيَّةُ..
وَجهُها قمرٌ طَواني
فَرُحْتُ أدورُ في فَلَكِ الخيالِ
لَعلِّي أهتدي
صَوبَ المُحالِ
فَغَشَّانِي مُرامي بالرُّجوعِ
وَزَنَّرَتْ قلبي
عِشقًا شَجاني
وَرَنَّمَ من سَحابِ الكونِ يزهو
رَغيدًا ضَارعًا..
فَيضُ الجِنانِ
فأينعَ مُشرِقًا من ذُبُولِهِ وَجهي
وصارَ الوجدُ للأزهارِ حَانِ
وَشَفَّ اللَّحنُ في صَدري رَفيفًا
يا ليتَ صَوتي يُمطِرُني أغاني...


*
سلام:
-------
يا شاديًا بِلَحنِ الأندرينِ
كَحِّلِ الجَفْنَ.. بقيثارِ الحنينِ..
وَغَنِّ.. إيهِ غَنِّ..
رُشَّ خَدِّي..
هاتِ أَسْمِعْنِي أنيني...
فطُوبى للَّذي يَهوى مُرامي
ويغدو نَاضحًا بالحُسنِ رَانِ
على خَدَّيهِ أثمارٌ تَدَلَّتْ
وفي أضلاعِهِ لَفْتُ الدِّنانِ
أمسيتَ وجهي مُهدًى للطُّفولةْ
عَذْبًا كعيسى في مَهدِ الحنانِ
غَشَّاكَ قلبي ثَوبًا للجنونِ..
غَشَّيتَنِي بالطِّيبِ..
ذَوَّبْتَ..
عُيوني..
وَرَميتَنِي نجمًا
صَوبَ الجِنانِ..
ونَثَرتَ من ألقِ الرُّؤى طَيرًا
بَلَّ الفَضَا
بالرَّاحِ والألحانِ
وَرَدَدْتَها
من صَوبِ ذاكرَتِي التي
قد أينَعَتْ شَهدًا..
تِلكَ الأماني..
أن أكونَ..
كالخريفِ..
لَيتني مثلُ الخريفِ..
لِتطيرَ من صدري الورودُ..
ويُفيقَ من كَفِّي الغمام...


*
دعاء:
-------
كم بُكائي صارَ هَمسًا
في حُضورِ الأندرينِ
والضُّحى...
بِتُّ اصفِرارًا
بالهوى.. صَوتي أنيني..
ما لِوَهْني من دواءٍ
غيرِ أصداءِ الرَّنينِ
غيرِ بُشرى بالمَعادِ
غيرِ دَمعاتِ الحنينِ
لو فؤادي كان بَحرًا
حَاملاً عشقَ المنونِ
لارْتَمَى في البَسْمِ وجهي
رَاحمًا كلَّ العيونِ
ثمَّ أرسى في الحكايا
ذِكْرُهُ.. مَرَّ القُرونِ...
يا حبيبي..
هل صبَغتَ اليومَ
عَيني بالرِّضى
فوق عرشِ الياسمينِ
عندَ هاتيكَ الرُّبى
صورةٌ منها البَهاءُ
تَصطفي منذ النِّدا..
أنجُمًا رَفَّتْ بِلَيلِ العاشقينَ..
جُوَّدَا...
.. عالمٌ تَهواهُ نفسي
صَفْوُهُ صَفوُ النَّدى
كلما باحَتْ زُهورٌ
لفَّها غُنْجُ الهُدى
قَطَّفتْني من شُجُوني
وَزَّعَتْني للمَدَى...


*
سكون:
-------
تَمُرِّينَ..
على أسرارِ لَحْني..
تَحملينَ الوجدَ في صُرَّةِ بنفسجٍ..
تَرُشِّينها في رِئَـتَيَّ..
تُحيينَنِي..
فلا أعودُ أتنفَّسُ
إلا فضاءً..
أحملُ كاسيَ المترعةَ..
قاصِدًا مائي..
.. إنَّ وَجَعي..
رَنَا
لكلِّ أوجاعِ الغيومِ
فَتَقبَّلي مني المَطَرْ..
وتَزَوَّدي بالعَصْفِ حِينًا
ثمَّ غنِّي في السَّحَرْ..
أَنشِدِي وجعَ الضُّلوعِ
أنشدِي جُرحَ الحنينِ
واصْطَفيني من وُجودي
نحوَ أسرارِ العيونِ
عندما يرتاحُ جفني..
في متاهاتِ السُّكونِ...
==============
من ديوان: نبض لصفصاف الفضاء
2001