كيف يصنع "مجلس العلاقات الخارجية" السياسيين والصحافيين المؤثرين!
طارق حداد

ترجمة: هيثم مزاحم - الميادين نت
فهم مدى تأثير "مجلس العلاقات الخارجية"، فإن 10 من 11 من كبار صانعي السياسة الخارجية في إدارة الرئيس جورج بوش (الأب) كانوا أعضاء في المجلس، كما كان الرئيس نفسه عضواً. وقام الرئيس بيل كلينتون، وهو عضو أيضاً في المجلس، بتعيين 15 من صانعي السياسة الخارجية من أعضاء هذا المجلس من إجمالي 17.



في سياق مقالته التي شرح فيها ملابسات استقالته من مجلة "نيوزويك" الأميركية، كشف الصحافي البريطاني طارق حداد أن محرر الشؤون الخارجية في "نيوزويك"، ديمي رايدر، قد لعب دوراً جوهرياً في منع نشر مقالته التي بينت عدم صحة مزاعم منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بشأن قصف مدينة دوما السورية بغاز السارين.

ويشير حداد إلى أن رايدر نادراً ما قام بأي تحرير لمقالات الشؤون الخارجية أو قام بأي تحرير لمواد على الإطلاق. ففي خلال الشهرين اللذين قضاهما حداد في "نيوزويك"، وجد أن مشاركة ديمي في "المنشورات" بضع مرات فقط، معتبراً أن هذا غريب لأن معظم المحررين ينشرون قصصاً عدة في اليوم. بدلاً من ذلك، كانت مساهماته الأكثر نشاطاً في نظام المراسلة بتغريدات مضحكة أو مقالات في سلسلة الرسائل "العامة".

ويضيف حداد أن الأوقات الوحيدة التي بدا أن ديمي رايدر متورط فيها هي عندما عمل على مراجعة تحقيق حداد بشأن استخدام القوات التركية الفسفور الأبيض خلال غزوها لشمال سوريا، إذ اتخذ قراراً بعدم نشر أي شيء حول مزاعم التجسس الأصلية لعضو الكونغرس الأميركية إلهام عمر ورفض محاولات حداد لنشر تسريبات من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

وكشف حداد أن رايدر تحدث معه سابقاً كيف شارك في تأسيس مجلة "972 +" وهي مجلة إسرائيلية ليبرالية بدأت عملها بتغطية العدوان الإسرائيلي على غزة 2008-2009.

وقد شعر حداد بالحيرة عندما رفض ديمي نشر مقالته حول منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي تضمنت أقوى دليل على فبركة الأكاذيب حول استخدام سوريا لهذه الأسلحة.

وقد بدأ حداد بالبحث بشكل أعمق قليلاً في خلفية ديمي رايدر، حيث كانت ثمة قطعة مفقودة.

فقد عمل ديمي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية من عام 2013 حتى عام 2016 – وهي المنظمة الشقيقة لمركز الأبحاث الأكثر انتشاراً، مجلس العلاقات الخارجية (CFR). قد يتساءل البعض عن سبب هذا الأمر ، لكن مجموعة الضغط هذه - وهي الأكبر والأقوى في الولايات المتحدة - يطلق عليها اسم "مركز أبحاث وول ستريت" لسبب ما، كما يشرح كتاب لورنس شوب الذي يحمل العنوان نفسه.

لفهم مدى تأثير هذه الهيئة البحثية، أي "مجلس العلاقات الخارجية"، يقول حداد إن 10 من 11 من كبار صانعي السياسة الخارجية في إدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش (الأب) كانوا أعضاء في المجلس، كما كان الرئيس السابق نفسه عضواً فيه. وقام الرئيس بيل كلينتون، وهو عضو أيضاً في المجلس، بتعيين 15 من صانعي السياسة الخارجية من أعضاء هذا المجلس من إجمالي 17 عضواً في فريق سياسته الخارجية. وعيّن الرئيس جورج دبليو بوش (الإبن) 14 عضواً من أعضاء المجلس كصناع سياسيين بارزين وكان لدى باراك أوباما 12 عضواً من المجلس، مع خمسة آخرين يعملون في مناصب سياسية محلية.

كما أن الفرع الأوروبي للمجلس مؤثر للغاية كذلك، كما يوضح رسم نشر على موقع المجلس على الإنترنت عن الأعضاء الحاليين. فقد خرج من أعضاء الفرع الأوروبي 19 رئيس دولة أو رئيس حكومة، 26 وزير خارجية و8 وزراء آخرين، و35 مسؤولاً أوروبياً شهيراً، و11 مسؤولاً بارزاً، و44 برلمانياً أوروبياً، وأربعة مفوضين أوروبيين، و19 سفيراً، و43 من كبار رجال الأعمال، وعشرات الأكاديميين والصحافيين والمؤثرين وقادة المجتمع المدني.

وتجدر الإشارة إلى أن رئيس مجلس الإدارة الحالي لـ"مجلس العلاقات الخارجية" هو ديفيد روبنشتاين، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لمجموعة كارلايل - المجموعة التي وصفت نفسها سابقاً بأنها "مستثمر رائد في الأسهم الخاصة في مجال الطيران والصناعات الدفاعية".

وكان وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر أحد أشهر مخرجات "مجلس العلاقات الخارجية"، وهو رجل وصفه كريستوفر هيتشنز بأنه أكبر مجرم حرب على الإطلاق في أميركا إذ لا يمكن تلخيص قائمته الطويلة من الجرائم ضد الإنسانية سريعاً.

كان المتاجر بالبشر جيفري إبستين عضواً في المجلس في الفترة من 1995 إلى 2009. وفي حملة للعلاقات العامة، أعلن "مجلس العلاقات الخارجية" مؤخراً عن قراره بالتبرع بمبلغ 350،000 دولار للمساعدة في مكافحة ضحايا الاتجار الجنسي، أي ما يعادل التبرعات التي تلقاها من إبستين.

ولأولئك الذين يرغبون في معرفة المزيد عن تأثير "مجلس العلاقات الخارجية" على مر السنين، هناك المزيد في هذه المراجعة المنشورة في مجلة العلوم السياسية American History.

ولكن ماذا عن تأثير "مجلس العلاقات الخارجية" على الصحافة؟

يقول حداد إن ما اكتشفه عند البحث في هذا الموضوع غير مقبول بالنسبة إليه. فقد علم أنه بصرف النظر عن عدد كبير من الصحافيين البارزين الذين يحملون عضوية المجلس، فإن المجلس يقدم منحاً دراسية للصحافيين للعمل مع ممثلي وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين. وتشمل قائمة الزملاء التاريخيين كبار المراسلين والمحررين من صحيفة نيويورك تايمز وواشنطن بوست وصحيفة وول ستريت جورنال وقناة سي إن إن، من بين وسائل إعلامية أخرى فضلاً عن "نيوزويك".

فريد زكريا هو أبرز عضو في "مجلس العلاقات الخارجية" ينضم إلى صفوف مجلة نيوزويك. بعد أن قضى فترة في جامعة يِل وهارفارد،أصبح زكريا في سن الـ28 رئيس تحرير مجلة "فورين أفيرز"- وهي مجلة تصدر عن المجلس. ثم أصبح رئيس تحرير مجلة "نيوزويك" الدولية في عام 2000 ، قبل أن ينتقل إلى رئاسة تحرير مجلة "تايم" في عام 2010.

فندما كتب كينيث بولاك، محلل الاستخبارات في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، كتاباً بعنوان "العاصفة المتوعدة: قضية غزو العراق"، أشاد زكريا بالعمل ووصف بولاك بأنه "أحد كبار الخبراء في العالم بشأن العراق".

أعمدة زكريا في "نيوزويك" قبل الحرب مثيرة للجدل. يقول بعض عناوين مقالاته في وقت مبكر من عام 2001: "لنكن واقعيين مع العراق"، "حان الوقت لتولي أمر الحاقدين على أميركا"، البعض الآخر "حان الوقت للقيام بما فعله أبي" ، و"غزو العراق، لكن مع الأصدقاء".

ومن المثير للاهتمام، أنه بمجرد أن بدأت الحرب في عام 2003، احتلت مجلة "فورين أفيرز" حيث يكتب زكريا حتى يومنا هذا، المرتبة الأكثر نجاحاً في التأثير في الرأي العام بحسب شركة إيردوس ومورغان البحثية. كما حققت أعمدته الجائزة في عام 2005 ومجدداً في عام 2006. أما نتائج السنوات الأخرى فهي غير معروفة.

وخلال البحث عبر موقعي LinkedIn وTwitter، اتخذ العديد من الأفراد المدرجين في قائمة الصحافيين المسار نفسه الذي سلكه فريد زكريا. فهم يكملون شهادات "الدبلوماسية" التي تمولها وزارة الخارجية من جامعات مرموقة - مثل هارفارد ويِل وجورجتاون وجون هوبكنز أو في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن (SAOS) قبل صقل خبراتهم في المنشورات أو مراكز الأبحاث الممولة بواسطة "مجلس العلاقات الخارجية" أو مؤسسات المجتمع المفتوح. وبمجرد إظهار طاعتهم غير المشكوك فيها، فإنهم يتدفقون ببطء للعمل في المنظمات الرئيسية أو الشؤون الخارجية.

ويخلص حداد إلى أن حكومة الولايات المتحدة في تحالف بشع مع أولئك الذين يستفيدون أكثر من الحرب، وأن مخالبها في كل جزء من وسائل الإعلام - الدجالين، الذين لهم صلات بوزارة الخارجية الأميركية، يجلسون في غرف الأخبار في جميع أنحاء العالم. أما المحررون، الذين لا توجد لديهم اتصالات واضحة بهذا النادي، فلم يفعلوا شيئاً للمقاومة. فهم يقومون معاً بتصفية ما يمكن أو لا يمكن الإخبار عنه في الإعلام، ويتم الحظر التام للقصص غير المريحة. نتيجة لذلك، تموت الصحافة بسرعة، وأميركا تتراجع لأنها تفتقر إلى الحقيقة.

وقد أظهرت أوراق أفغانستان، التي نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" هذا الأسبوع، دليلاً إضافياً على ذلك. فبسبب معلومات مغلوطة، تم هدر تريليون دولار وقُتل ألفا أميركي - ومن يعرف عدد الأفغان الذين قتلوا. ونشرت الصحف قصصاً لا حصر لها حول هذا الفشل المطلق. ومع ذلك، لن تخبرك أي منها بكيفية إلقاء اللوم عليها.

ويختم حداد قائلاً: "تتكرر نفس الأخطاء، والوضع أصبح أكثر خطورة. ويحتاج الصحافيون الحقيقيون والناس العاديون إلى استعادة الصحافة".

صحافي يستقيل من "نيوزويك" بسبب أكذوبة الهجوم الكيميائي في دوما