دراسة البيئات السياسية والاجتماعية والأحداث التاريخية والصراعات العقدية ، ومدى انعكاسها على الكاتب وبالتالي على النص.
كيف جمع النص أولاً وما الأيدي التي تناولته ، وما النسخ التي اشتمل عليها؟
ثانياً: النقد الأدنى ( ويشبه النقد الداخلي في مناهج الدراسة الأدبية):
وجوب دراسة لغة ما يسمى الكتاب المقدس ( العبرية) لفهم المعنى المقصود دون تدخل من المترجمين.
لا يؤخذ النص ككل بل يحلل إلى أجزاء ويدرك كل جزء على حدة.
تجمع العبارات في أقسام رئيسة وتفرز العبارات الواضحة من العبارات المبهمة والمعارضة لفظياً، مع تطبيق قاعدة الحقيقة والمجاز اللفظي لا المعنوي في شأن هذه العبارات.
التحليل الداخلي الدقيق للنص للعثور على الأخطاء والاختلافات والتناقضات مثل:
الأخطاء الطبيعية والرياضية.
أن يذكر الحديث في أكثر من موضع بشكل مختلف من حيث تحديد الزمان والمكان والعناصر زيادة كانت أو نقصاً.
إثبات شيء في موضع ونفيه في موضع آخر.
ذكر قاعدة شرعية في موضع ونفيها في موضع آخر.
هـ- ورود لفظ لا يمكن أن يكون قد استعمل بهذه الدلالة إلا في عصور لاحقة.
و- تباين الأسلوب الأدبي بين أجزاء النص.
ملاحظة تطور الفكر العقدي من عصر إلى آخر ، لاكتشاف اختلاف تواريخ كتابة أجزاء النص.
القرآن وقواعد النقد الأعلى والأدنى:
وكانت أول محاولة لتطبيق قواعد النقد الأعلى والأدنى على القرآن الكريم هي ما قام به المستشرقون في شأن ترتيبه حسب النزول . وقد توسع المستشرق الألماني تيو دور نولدكه في دراسة النص القرآني لترتيبه زمانياً حسب نزوله، فاتجه إلى تقسيم السور المكية من القرآن الكريم إلى ثلاث فترات يتميز أسلوب النص القرآني في كل منها عن الآخر، كما يزعم.

(1/9)

ولاشك أن نولدكه متأثر في ذلك بمنهج نقد ما يسمى الكتاب المقدس، والذي كتبت أسفاره – كما تبين بالدراسة الفاحصة – على فترات متباعدة تفصل بينها أحياناً عشرات بل مئات السنين. يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي معلقاً على صنيع نولدكه: " فيما يخص الأسلوب، فلو كان مفيداً في التمييز بين الفترات الطويلة فلن يفيد فيما يتعلق بالتمييز بين التتابع التاريخي للسور في فترة قصيرة في الواقع أن كل الفترة المكية لا توفّي إلا 12 سنة من 610 –622م، فبأي حق ندعي إذاً التمييز بين أسلوب كاتب خلال 12 سنة فقط؟ ناهيك عن استطاعتنا التمييز في تلك الفترة بين ثلاث فترات قصيرة" ويختم بدوي قوله : " إنه من الشطط – إن لم يكن من الكذب – أن نزعم استطاعتنا ترتيب السور تاريخياً في الفترة المكية حسب الأسلوب(1).
وقد أدرك عدد من كبار المستشرقين عدم جدوى تطبيق قواعد النقد الأعلى والأدنى على النص القرآني . يقول المستشرق الإنجليزي آربرى في ذلك:
" أنا ألحّ على الرأي القائل بأن عملاً خالداً كالقرآن لا يمكن أن يفهم بصورة أحسن لو أخضعناه لتجربة النقد الأدنى، إنه أمر خارج عن الموضوع أن تتوقع أن المواضع المطروحة في السور المستقلة سوف تنظم بعد عملية إحكام رياضي بعض الشيء لتشكل نموذجاً منطقياً.
إن منطق الوحي ليس منطقاً مدرسياً ، فليس هناك " قبل" وبعد" في رسالة النبي، عند ما تكون هذه الرسالة صادقة فإن الحقيقة الدائمة لا يمكن أن تحصر داخل إطار زمني أو مكاني، ولكن كل لحظة تعرض نفسها بشكل كلي مطلق"(2).
__________
(1) دفاع عن القرآن ، ص 107-108، وللدكتور بدوي آراء أخرى في نقد نولدكه ، انظر ص 107.
(2) من مقدمة أربرى لترجمة القرآن الإنجليزية ، الطبعة الأولى ، 1955، انظر: أحمد سمايلوفيتش، فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر، طبع مصر 1980م ، ص 173 – 174.
(1/10)

وإلى هذا الرأي نفسه يذهب المستشرق السويدي" تور أندريه" صاحب كتاب: " محمد : حياته وعقيدته " ، فقد عارض هذا المنهج العقيم الذي سلكه بعض المستشرقين في البحث، مبيناً أن جوهر النبوة لا يمكن تحليله إلى مجموعة من آلاف العناصر الجزئية. ومهمة الباحث – في رأيه – أن يدرك في نظرة موضوعية كيف تتألف من العناصر والمؤثرات المختلفة وحدة جديدة أصيلة تنبض بالحياة(1).
لقد ألمح كل من آربرى وتورأندريه ، فيما نقلناه عنهما بالفقرتين السابقتين ، إلى عيوب تطبيق منهج النقد الأعلى والأدنى على دراسة النص القرآني ، وحصرا تلك العيوب في طريقة تحليل النص إلى أجزاء صغيرة وفق أصول الكم الرياضي والكيف المنطقي والترتيب الزماني، وتنبّها إلى أن النص القرآني يعلو على هذه المعايير كلها، وهذا كله حق بلا جدال.
لكن الملاحظ أن أحداً من هذين المستشرقين الكبيرين لم يشأ أن يعترف صراحة بالحقيقة الجوهرية والنقطة المبدئية في الأمر كله ، وهي أن تطبيق هذا المنهج على القرآن الكريم فاسد من كل الوجوه، لأنهم يدرسونه لا باعتباره وحياً إلهياً وكتاباً منزلاً من عند الله بل باعتباره نصاً تاريخياً من صنع بشر، ومن تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، فمنهج النقد الأعلى والأدنى إن صح تطبيقه في دراسة العهدين القديم والحديث مما يسمى الكتاب المقدس ، بل وفي سائر النصوص التاريخية التي هي نصوص بشرية،فلا يصح تطبيق معاييره على نص ينتمي إلى مجال آخر وميدان مختلف غير المجال البشري المحدود. ومن هنا يتبين لنا فساد المنهج الذي يطبقه المستشرقون في دراساتهم القرآنية من حيث المبدأ.
__________
(1) نقلاً عن الدكتور التهامى نقرة: القرآن والمستشرقون ، مقال في كتاب : مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، الجزء الأول ص 21-57، مكتب التربيةالعربي لدول الخليج ، 1405هـ (1985م).
(1/11)

ولا يمكننا – بطبيعة الحال – أن ننتظر من المستشرقين خلاف ذلك لأنهم إن سلموا بأنه منزل من عند الله لوجب عليهم التصديق به والإذعان له، ولزمهم اتباعه ، ولأنهم لن يفعلوا وتأبى قلوبهم فكان لابد لهم من الحكم سلفاً بأن مصدر القرآن بشرى لكي يطبقوا عليه منهجاً يصلح للتطبيق على النصوص البشرية.
وفي هذا العار كل العار للعلم والمعرفة ، لأن مقتضى النظر العلمي ألا يدخل الإنسان على الموضوع بفكرة سابقة وإلا فسد مخرجه بفساد مدخله ، وفسدت نتائجه بفساد مقدماته وهو آفة العلم الكبرى التي لا علاج لها.
لقد ناسب هذا المنهج حالتهم وراقهم لأن من شأنه أن يعفيهم من الحرج – أمام مواطنيهم من الغربيين على الأقل ، ويحقق لهم – باسم العلم والموضوعية – أغراضهم في الطعن على الإسلام ورسوله، والتنفيس عن هذا العداء للإسلام والحقد على رسوله مما ورثوه ورضعوه منذ طفولتهم وسيطر، على عقولهم وتسبب في عمى بصيرتهم.
(1/12)

ولست أشك في أن إصرارهم على نفي صفة " كلام الله " عن القرآن الكريم من حيث المبدأ هو الأمر الذي أوقعهم في سلسلة الأخطاء التي ارتكبوها في سائر كتاباتهم والتي حاول المتأخرون منهم التماس الأعذار فيها للمتقدمين(1)، والمآزق العلمية والمنهجية التي أوقعوا أنفسهم فيها ولم يجدوا منها مخرجاً(2) ، والجرأة والتبجح والتعالم بالتقول على أسلوب القرآن حتى قال أحد الباحثين العرب(3) : فمن أين لأعجمي ادعاء أن القرآن فيه ركاكة في اللغة… هذا القرآن الذي أصبح فيما بعد مقياس اللغة العربية… إلى أن يرث الله الأرض من وعليها ، فلو أني اتهمت أسلوب جوته الشاعر الألماني بالركاكة لسخر الناس مني، رغم إلمامي باللغة الألمانية ، وإجادتي لها لدرجة التأليف بها، فكيف بمستشرق يفهم العربية باستعمال القواميس..إلخ؟
__________
(1) انظر: دائرة المعارف الإسلامية ، مادة القرآن ، القسم الخاص بحروف المقطعات.
(2) أيضاً، القسم الخاص بالقصص القرآني ، انظر في الموضع نفسه تفسيرهم لوجود تفاصيل في القصص القرآني لم ترد في التوراة والإنجيل ، ويعدهما المستشرقون مصدراً لهذا القصص.
(3) أعنى به الدكتور السيد محمد الشاهد، في كتابه : التوحيد والنبوة والقرآن في حوار المسيحية والإسلام ، نقلاً عن الدكتور ثابت عيد ، الإسلام في عيون السويسريين ، ص 198.
(1/13)

ولو أنهم ردوا القرآن الكريم إلى مصدره الإلهي الحق، واتصفوا بروح التواضع والإنصاف (الذي يلبسون مسوحه ويتظاهرون به أمام الناس خداعاً ومخاتلة) ولم يدخلوا على البحث بفكرة سابقة وإصرار أكيد لكانوا قد سلموا من ذلك كله، ولكن كيف يمكنهم ذلك؟ هل يخشون أنهم لو دخلوا على البحث بروح محايدة فافترضوا ضمن فروضهم – كما يقتضيه النظر العلمي – أن القرآن وحي من الله سيقودهم ذلك إلى التسليم به؟ واضح أنهم فعلوا ذلك لأنهم نفوا هذا الفرض تماماً ونحوه بعيداً، فلم يشيروا إليه من قريب أو بعيد إلا على سبيل التوهين والاستهزاء، لكن هذا الفرض ظل حاضراً في أذهانهم دائماً لأن كل جهدهم (العلمي!!) كان منصرفاً إلى البرهنة على نقيضه، ومباركة كل محاولة تبذل للزعم بأنه من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم.
وتتوالى سلسلة الفساد التي بدأت من تلك المقدمة الفاسدة المتعسّفة – كما ذكرنا – لتضرب كل قاعدة اتخذوها أساساً لنقدهم،فقد ألزمهم نفي كون القرآن كلام الله اتباع ما يلي:
الشك في الراوي: محمد صلى الله عليه وسلم، الذي يؤكد أن القرآن وحي أوحي إليه من الله تعالى وما دام الأمر ليس كذلك( كما يقرره المنهج وكما يزعمون) فلابد من اختلاق الأكاذيب حول سيرته وأخلاقه وغايته، وجمع كل المفتريات في القديم والحديث وحشدها للقدح في ذلك كله، وبذر بذور الشك في نبوته صلى الله عليه وسلم.
(1/14)

طالما أن النص من صنع بشر – كما يزعمون – فلابد من حصره في حدود الطاقات والتصورات البشرية، وما يخرج فيه عن دائرة قدرة العقل البشري والمدركات الحسية يدخل في نطاق الأسطورة ويصبح من حق الباحث – اعتماداً على عقله وحواسه وعلى أصول المنطق والمعرفة المتراكمة التاريخية والعلمية – أن يرفض أي حقائق تتجاوز الواقع المادي المحسوس ، كالغيبيات والعقائد، ويبدو كل ما يتجاوز الواقع المادي خرافة غير قابلة للتصديق. وهذا يعني الطعن في ما ورد بالقرآن من غيب كالمسائل : الألوهية(1) والوحي والملائكة واليوم الآخر والجنة والنار ، وما يخرج عن نطاق التاريخ الإنساني المدون..إلخ.
محاولة إبراز أثر البيئة والزعم بتأثير ما راج بين العرب قبل عصر النبوة من مقولات يهودية ونصرانية ووثنية على النص والتدليل على ذلك بأكاذيب شتى واضحة البطلان – كما سنذكر فيما بعد – والتماس المشابهات بين ما ورد بالنص القرآني وكل من التوراة والإنجيل من ألفاظ وقصص. وحين يعييهم البحث عن أي تشابه في الألفاظ يشتطون في الكذب والاختلاق، أما القصص فحين انتابهم اليأس من العثور على أصول لقصص عاد وثمود في العهد القديم(2) شك بعضهم في هذه الأقوام أصلاً، بينما ردّها آخرون إلى أثر المرويات الشفوية التي كانت رائجة في البيئة العربية قبل عصر النبوة، ولا دليل لهم عليه.
__________
(1) انظر ما ورد في دائرة المعارف الإسلامية ، مادة القرآن ، ص 425 عن آية الكرسي، وقول كاتب المادة إن لفظي العرش والكرسي ينطويان على " دلالات أسطورية" ، كما يزعم ، وانظر أيضاً ص 423 كلامه على الشهب المرسلة ونفخ الصور يوم القيامة ، وطوفان نوح.
(2) فسر الأستاذ عباس العقاد سكوت العهد القديم عن عاد وثمود بأنه محاولة منهم للتعفية على كل رسالة إلهية في أبناء إسماعيل . ( العقاد : إبراهيم أبو الأنبياء ، ص 119).
(1/15)

النظر إلى الآيات الشريفة بحسبانها مرتبطة بزمان معين ومشدودة الوثاق بظروف البيئة والعصر الذي نزلت فيه، لا باعتبارها أحكاماً نهائية مطلقة خارجة عن إسار الزمان والمكان قد اكتسبت صفة الديمومة والخلود ( كما لاحظ المستشرق آربرى في تصريحه السابق في ص 10-11) وقد أدت بهم هذه النظرة إلى الفشل الذريع الذي منيت به محاولاتهم المتكررة لتقييد النص القرآني بقيود تاريخية وترتيبه حسب الزمان(1).
التحوّط من كل الروايات التي قالها المسلمون والأحكام التي استخلصها علماؤهم، والقدح فيها باعتبارها أقوالاً وأحكاماً منحازة غير محايدة في الموضوع فضلاً عن أنه لا دليل عقلياً عليها. وإنما يقتصر منها على أجزاء ما بها من أقوال وأحكام تسند ما يذهبون إليه حتى ولو كانت ظاهرة البطلان، ولكن يعتدّ بها لأنها إنما صدرت عن المؤمنين بالقرآن أنفسهم ومؤيّديه.
__________
(1) وربما كان هذا هو الأساس في زعمهم أن الإسلام " كان حدثاً تاريخياً في حينه لم يكتب له الامتداد في التطبيق الواقعي، أو لم يعد صالحاً للتطبيق " ، محمد قطب : المستشرقون والإسلام ، طبع مصر 1420هـ (1999م) ،ص 60.
(1/16)

تشبثهم بالمفاهيم الغربية في النقد الأدبي كاشتراط " وحدة الموضوع" في كل سورة من السور وتمسكهم المتعسف بضرورة أن يكون موضوع كل سورة موضوعاً موحداً، وبالتالي دراسة البناء الداخلي لكل واحدة من السور بمعزل عن غيرها(1) . وقد سلّم بعض المستشرقين بعدم جدوى أية محاولة تجري في الحاضر أو المستقبل في هذا الاتجاه(2). والملاحظ هنا أن ما يتشبث به المستشرقون من "وحدة الموضوع" في السور لا يتصل من قريب أو بعيد بمسألة " النظم " القرآني وترتيب الآيات ترتيباً توقيفياً لا شبهة فيه(3) . فهذا الترتيب يعد من أبرز دلائل الإعجاز في القرآن الكريم ، وهو " من عمل الوحي يقيناً"(4).
لابد لمن يطبق هذا المنهج أن يتحلّى بمعرفة واسعة بأساليب اللغة العربية وبالتالي التعامل بالقدر اللازم من الفهم والوعي مع النص القرآني. ولما كان المستشرقون يفتقرون إلى مثل هذه المعرفة العميقة فقد وقعوا في أخطاء فاحشة عند التطبيق سيتبين لنا جانب منها بالدراسة الفاحصة لما ورد في بعض أعمالهم بعد قليل.
__________
(1) يقول كاتب مادة القرآن بدائرة المعارف البريطانية : "قلما نجد فكرة واحدة نوقشت مناقشة كاملة في سورة واحدة".
(2) يقول رودي باريت: " ولا يصح أن يظن أن من الممكن مع مرور الأيام توضيح نشأة جميع السور وفهم بنائها الداخلي على أنها وحدة مترابطة الأجزاء " ( البحوث القرآنية ، مقال من كتاب ألمانيا والعالم العربي، ترجمة مصطفى ماهر وكمال رضوان ، بيروت: 1974 ، ص 347-357).
(3) انظر : جلال الدين السيوطي : الإتقان في علوم القرآن ، طبع مصر 1967م، 1 :104 .
(4) عدنان زرزور، علوم القرآن ، طبع بيروت 1404هـ ، ص 106.
(1/17)

محاولتهم وضع نماذج وأطر معيارية لصيغ القرآن وأساليبه الإنشائية والخبرية، وهي المحاولة التي باءت بالفشل وعبّر عنها كاتب مقال القرآن بدائرة المعارف الإسلامية بقوله: إن طبيعة القرآن وترتيبه تجعل من الصعب تصنيف صيغه الأدبية أو تنظيم موضوعاته الرئيسة، وأية محاولة لتصنيف أجزاء القرآن وفق النماذج الأدبية المعيارية تصاب بالانهيار على الفور.
وطالما أنه نص من صنع بشر – كما يزعمون – والبشر لابد له أن يستقي أفكاره وتصوراته من مصادر بعينها، فإنه لابد من رد هذه التصورات التي أطلقوا عليها " غرائب تثير الدهشة" و " أساطير" مما ليس له وجود في التوراة والإنجيل والبيئة العربية قبل نزول القرآن إلى روايات من قصص تقليدية توجد في ثقافات الشرق الأدنى، وقد عدّلت لتتطابق مع النظرة العالمية وتعاليم القرآن (1). ويضربون لذلك أمثلة لا يمكن إن لم يكن من المستحيل – التأكد بأن لها أصولاً في ثقافات الشرق القديم ، لأن البحث في تلك الثقافات لم يرق إلى درجة اليقين بما كانت تشتمل عليه من تصورات وأفكار.
وإذا ورد في النص القرآني ما يثبت العلم الحديث حقيقة وقوعه ويقع في دائرة المعطيات الحسية لابد من المبادرة إلى التشكيك فيه حتى لا يترك للقارئ – أو حتى للباحث المبتدئ – مجرد فرصة التفكير في تطابق الحقائق العلمية مع ما ورد بالقرآن الكريم مما يجعله مختلفاً عن التوراة في هذا المجال. فقد رأينا كاتب مادة " القرآن " في دائرة المعارف الإسلامية حين عرض لقصة نوح – عليه السلام وأشار إلى الطوفان الذي وردت قصته في سورة هود (الآيات 36-48) وأثبت البحث في علوم طبقات الأرض حدوثه – رأينا الكاتب يسارع إلى القول: " وعلى أي حال فهو ليس الطوفان الذي عمّ العالم بأسره، ونسأله : أي طوفان يكون إذاً طوفان نوح؟ فلا يحير جواباً بعد هذه العبارة ولا يقدم دليلاً.
__________
(1) دائرة المعارف الإسلامية ، مادة : القرآن ، البحث الخاص بالقصص القرآني.