الشبهات المزعومة حول القرآن الكريم
في دائرتي المعارف الإسلامية والبريطانية
إعداد:
د. محمد السعيد جمال الدين
مقدمة
عنيت الموسوعات العالمية بمختلف أنواعها – العامة منها والمتخصصة – بالقرآن الكريم ، فأفرد له بعضها مقالات ومواد مستقلة جرى الحديث فيها عن مصدر القرآن، وكيف جمع، والقراءات المختلفة ، وأجزائه وسوره وآياته، وأسلوبه، وموضوعاته، وترجماته إلى اللغات الحية.. إلخ.
وتحظى هذه الموسوعات بقبول واسع في دوائر المثقفين والباحثين، كما تتميز بالتأثير البالغ في توجيه أفكار الناشئة والشباب، غير أنها تحفل بالكثير من الشبهات والأخطاء حول القرآن الكريم وكذلك حول الرسول صلى الله عليه وسلم وسائر دعائم الدين الحنيف؛ مما يسهم في تقديم صورة مغلوطة ومشوهة عن الإسلام.
ولما كان لابد من تتبع هذه الموسوعات للرد على ما ورد بها من شبهات وتصحيح ما اشتملت عليه من أغلاط بشأن القرآن الكريم ، فقد رأينا الاقتصار على موسوعتين إحداهما متخصصة والأخرى عامة، كل واحدة منهما تعد علماً في مجالها ونموذجاً لهذا المجال :
فأما الموسوعة المتخصصة فهي دائرة المعارف الإسلامية – الطبعة الجديدة –
The Encyclopaedia of Islam – New Edition ، وهي من الموسوعات التي لا غنى عنها للمشتغلين بالدراسات الإسلامية والشرقية.
وأما الموسوعة العامة فهي دائرة المعارف البريطانية
Encyclopaedia Britannica، وهي تتمتع بانتشار واسع في دوائر المثقفين في سائر أرجاء العالم.
وينقسم هذا المقال إلى : تعريف بخصائص الموسوعات العالمية وبيان أهميتها وخطرها، مع التركيز على الموسوعتين المذكورتين، واستخلاص المنهج الذي اعتمده المستشرقون في دراستهم للقرآن الكريم مما ورد في الموسوعتين، وبيان للشبهات الواردة فيهما والرد عليها بمنهج المستشرقين أنفسهم . وينتهي المقال بخاتمة تتضمن جماع النتائج التي توصل إليها البحث.
والله الموفق،،،
الموسوعات: تعريف وتوضيح

(1/1)

تنطوي الموسوعات على أهمية بالغة للباحثين والمثقفين، ويطلق اسم الموسوعات أو دوائر المعارف Encyclopaedia على الكتاب الذي يشتمل على مجموع المعارف الإنسانية في مجالات الثقافة والفنون والعلوم، ويتضمن نبذة مختصرة ومبسطة تتناول معلومات في مختلف المجالات، وينقسم إلى مواد منفصلة يراعى في إيرادها الترتيب الأبجدي" وهي تحاول أن تقدم كل شيء لكل الناس ، والأثر الطبيعي الذي تحدثه بنفس القارئ هو تذكيره بمدى قلة ما يعرفه مما هو محيط به ، فربما دفعه هذا الشعور إلى مزيد من التعلم"(1).
وتحقق الموسوعات فائدة مزدوجة لكل من القراء الراغبين في المعرفة والباحثين، فهي تقدم للقارئ معلومات مجملة عن النقاط الثانوية في الموضوع، والتواريخ، وأسماء الأماكن وغيرها، لكن أحكامها في القضايا الرئيسة لابد أن تكون موثقة(2).
وتذيّل كل مادة من مواد الموسوعة بثبت بأسماء المصادر والمراجع المهمة في الموضوع ، ومن ثم فإن أول ما ينصح به الباحث المبتدئ هو أن تكون المواد المكتوبة في الموسوعات حول موضوعه هي أول ما يرجع إليه للاستعانة بها في اكتشاف أبعاد هذا الموضوع، والتعرف على جهود السابقين في دراسته والمصادر والمراجع المتاحة.
وفي كل مرة يعاد فيها طبع الموسوعة تعاد كتابة موادها لتشتمل على أحدث ما توصل إليه العلم والمعرفة في كل مادة من هذه المواد، وإضافة مواد جديدة لم تشتمل عليها الطبعات السابقة.
__________
(1) انظر مادة
Encyclopaedia في دائرة المعارف البريطانية ، طبعة 1974م.
(2)
J. Barzun and H. Graff; The Modern Researcher , New York , P. 80.
(1/2)

ويمكننا أن نميز بين نوعين من الموسوعات : موسوعات عامة ، وأخرى متخصصة، فأما العامة فتتجه إلى القارئ العادي غير المتخصص أكثر من اتجاهها إلى الباحث المتخصص فتكون أقل تفصيلاً من الموسوعات المتخصصة، ومن ثم فإن موادّها تناسب القارئ المتعجل الذي يريد أن يلمّ بأطراف الموضوع ويحصل فيه على نوع من المعرفة المتميزة دون التعمق فيه(1). وأما الموسوعة المتخصصة فتقتصر على مجال محدد تتناوله من مختلف جوانبه وفروعه دون غيره، كدائرة المعارف الإسلامية التي تعنى بكل ما يتعلق بالإسلام من علوم ومعارف .
وقد عرف العالم الإسلامي تدوين الموسوعات منذ القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) منذ ألف ابن النديم كتابه : الفهرست، ثم تبعه الفارابي فألف " إحصاء العلوم ط وما لبث التأليف الموسوعي أن ذاع وانتشر بفضل الموسوعات الكبرى التي ألفت في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) مثل كتاب نهاية الأدب للنويري، و" صبح الأعشى" للقلقشندي و" مسالك الأبصار" لابن فضل الله العمري.
وفي القرن الماضي ألفت موسوعتان كبيرتان بالعربية هما: " دائرة معارف البستاني" في أحد عشر مجلداً، و " دائرة معارف القرن العشرين" لمحمد فريد وجدى في عشرة مجلدات.
ومنذ القرن الثامن عشر الميلادي عني الأوربيون عناية كبيرة بتأليف الموسوعات الضخمة التي تبلغ كل منها ما يزيد على مائة مجلد كدائرة المعارف الفرنسية الكبرى التي أشرف على نشرها " الأمبر
Alambert والتي بلغ تعداد مجلداتها 166 مجلداً فضلاً عن 40 أطلسا وخريطة، ودائرة دى لاردنر deLardner الإنجليزية والتي تشتمل على 132 مجلداً وقد صدرت أجزاؤها تباعاً منذ سنة 1829 حتى سنة م1846.
__________
(1) المرجع السابق :
J. Barzun and H. Graff
(1/3)

وتعد الموسوعة البريطانية (دائرة المعارف البريطانية) أشهر الموسوعات العامة على الإطلاق ، كما تعد أفضل موسوعة كتبت باللغة الإنجليزية(1) ، وهي توزّع على نطاق واسع في كل القارات ، ويتباهى بتملكها المثقفون في كل أنحاء العالم . وكانت قد طبعت لأول مرة في بريطانيا سنة 1771هـ في ثلاثة أجزاء بإشراف عدد من كبار العلماء البريطانيين في ذلك الوقت، ثم طبعت بعد ذلك عدة طبعات وصدرت طبعتها الرابعة عشرة في شيكاغو (أمريكا) سنة 1929م في 24 مجلداً.
وكانت دائر المعارف البريطانية قد خلت من مادة مستقلة عن " القرآن" في طبعاتها القديمة التي أحيل فيها إلى الرجوع تارة إلى مادة " محمد" وتارة إلى مادة " الأدب العربي " (انظر طبعتي 1890و1926م) حتى أفردت في طبعه سنة 1929للقرآن مادة مستقلة تشتمل على ترجمة لكتاب ألماني بعنوان" موجزات شرقية" نشره المستشرق الألماني تيودور نولدكه (توفي سنة 1930) في برلين سنة 1892(2).
أما طبعة سنة 1974، وهي الطبعة الخامسة عشرة، والتي بين أيدينا الآن فقد كتب مادة القرآن فيها باللغة الإنجليزية
H. R (كذا دون تعريف كاف). وتقع هذه المادة في المجلد الخامس عشر ، في نحو خمس صفحات على عمودين كاملين.
__________
(1)
Cecil B. Williamsm A Research Manual , New York , P. 60 .
(2) وقد كان نولدكه (الذي كتب مادة القرآن في تلك الطبعة ) كما وصفه المستشرق السويسري ستيفان فيلد
Stefan Vild أجهل علماء عصره وأشدهم عداوة للإسلام . (انظر : ثابت عيد: الإسلام في عيون السويسريين، بافاريا ، ألمانيا ، 1420هـ – 1999م. ص218.
(1/4)

أما دائرة المعارف الإسلامية(1) وهي موسوعة متخصصة فقد قرر مجلس إدارتها أن يضرب صفحاً عن طبعتها الأولى ويعيد كتابة موادها من جديد، فصدرت الدائرة في طبعتها الجديدة بالاسم نفسه وأضيفت إليها عبارة الطبعة الثانية Encyclopaedia of Islam second Edition . وقام بكتابة مواد هذه الطبعة المستشرقون المحدثون وعدد من كتاب الطبعة السابقة ممن ظلوا على قيد الحياة لكي تتضمن خلاصة ما توصل إليه الفكر الاستشراقي الحديث من آراء ونتائج في مختلف الموضوعات الإسلامية . وبدأت مجلداتها تصدر تباعاً من مطبعة بريل، بمدينة ليدن بهولندا منذ سنة 1960م. ثم أعيد طبع هذه الطبعة نفسها مرة أخرى بعد ذلك في سنة 1979.
ويبدو لي أن بعض دوائر المعارف المتخصصة ، وبخاصة دائرة المعارف الإسلامية ، تتوسع في مقالاتها توسعاً يكاد يخرجها عن كونها مجرد إشارات سريعة تتيح أمام الباحث المبتدئ مساحة كافية تعينه على تكوين رأي خاص في الموضوع، بل توشك هذه المقالات أن تكون تقارير شبه كاملة تتضمن الكثير من التقرير والحسم، قلما يجد الباحث فرصة كافية لكي ينفك من تأثيراتها الغالبة وآرائها شبه النهائية ويكون لنفسه رأياً خاصاً في موضوعاتها.
وإذا نظرنا إلى مادة " القرآن " التي كتبها باللغة الإنجليزية
A.T.Welch في الطبعة الثانية المشار إليها، والتي اعتمدنا عليها في كتابة هذا المقال ، نجد أنها تقع في 33 صفحة من القطع الكبير ، ببنط صغير وعلى عمودين كاملين في كل صفحة، مما يساوي كتاباً بأكمله في الموضوع. وقد حشد الكاتب المادة بآراء كبار المستشرقين – القدماء منهم والمحدثين في كل جزئية من جزئيات المقال، الأمر الذي يجعل الباحث المبتدئ لا يملك – في الغالب الأعم – إلا أن يتبنى الخط العام الذي يوحي به المقال.
منهج الدراسات الاستشراقية للقرآن
__________
(1) صدرت طبعتها الأولى في أربعة أجزاء تباعاً من سنة 1911 إلى 1938 كما صدر لها ملحقان. طبعة لندن – لوزان.
(1/5)

على نحو ما ورد بالموسوعات العالمية
حين طالعت مادة " القرآن " بدائرة المعارف الإسلامية التي تضمنت عرضاً شاملاً لدراسات المستشرقين المحدثين منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى الثلث الأخير من القرن العشرين حول القرآن اكتشفت أن هؤلاء المستشرقين قد تأثروا أبلغ التأثر في دراستهم بمنهج تم تطويره لنقد ما يسمّى الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) وكتب أخرى تلحق بهما، فرأيت أن أدرس هذا المنهج، وأستخلص أصوله وقواعده لكي نرى ما إذا كان صالحاً حقاً للتطبيق على القرآن الكريم.
وكان النقد المنهجي للكتاب المقدس قد حقق منذ القرن التاسع عشر حتى وقت قريب نتائج باهرة في نقد العهد القديم ( التوراة وكتب أخرى ملحقة بها) بخاصة ، مما جعل المستشرقين يظنون أن بوسعهم إن عمدوا إلى تطبيق قواعد هذا النقد على القرآن الكريم أن يتوصلوا إلى نتائج مماثلة، ومن ثم استندت دراساتهم للكتاب العزيز على تلك القواعد منذ منتصف القرن التاسع عشر، وانعكس ذلك بوضوح على ما كتب بشأن القرآن الكريم في الموسوعات العالمية.
ومن هنا كان علينا أن نتوقف قليلاً للتعرف على تلك القواعد وتبين الأسس التي ينتهجها المستشرقون في دراساتهم المذكورة.
وكان نقاد ما يسمى الكتاب المقدس من العلماء الألمان بخاصة والأوربيين بعامة قد اعتمدوا في نقدهم للعهد القديم على منهج نقدي أسموه " النقد الأعلى" الذي يهدف إلى دراسة نصوص ذلك العهد على أنها نصوص تاريخية على الباحث أن يطبق عليها كل المعايير التي يطبقها على أية نصوص تاريخية أخرى، بصرف النظر عن أنها نصوص مقدسة (1). استطاعوا به التوصل إلى عدد من النتائج التي لا تقبل الجدل، من أهمها:
__________
(1) انظر: الدكتور محمد خليفة حسن، آثار التفكير الاستشراقي في المجتمعات الإسلامية ، طبع مصر 1977، ص105.
(1/6)

أن موسى – عليه السلام – لا يمكن أن يكون هو الذي كتب الأسفار الخمسة التي يطلق عليها اليهود والنصارى . " التوراة " وينسبونها إليه(1).
أن بعض الأسفار التي تنسب إلى أنبياء بني إسرائيل – مثل سفر أشعياء النبي إنما هي مزيفة ومختلقة ولا يمكن أن تنسب إليه، بل هي من تأليف ثلاثة من المؤلفين عاشوا في أزمنة مختلفة(2).
تم اكتشاف عدة مصادر بشرية للتوراة لكل مصدر منها طابعه الخاص وزمنه الذي وضع فيه(3).
تم اكتشاف مصدر أصلي سابق على المصادر المشار إليها في الفقرة السابقة وقد استعانت به كل هذه المصادر ، يتمثل في التراث الشعبي الشفهي الذي يعتمد على الذاكرة ويتضمن الأحكام والأمثال الشعبية والأساطير(4).
وقد تبين لهؤلاء العلماء أخيراً، وبعد جهد مضنٍ، أن تلك الأسفار مكتوبة بأقلام اليهود، وتظهر فيها الأفكار والنظم المتعددة التي كانت سائدة لديهم في مختلف أدوار تاريخهم الطويل(5).
وطبّق العلماء المنهج نفسه في دراستهم للأناجيل الأربعة (العهد الجديد) وأضافوا بعداً آخر لابد من الرجوع إليه لتفسير جوانب كثيرة غامضة في النصرانية ، وهو الديانات الوثنية في كل من بابل ومصر وفارس وآسيا الصغرى وسوريا واليونان والهند (6).
وقد ميّز أصحاب هذا المنهج بين نوعين من الدراسة:
__________
(1) انظر: الدكتور قنديل محمدقنديل : النقد الأعلى للكتاب المقدس في فكر الغرب وينابيعه الإسلامية ، طبع مصر 1410هـ ، (1989م) ومابعدها.
(2) مولانا أبو الكلام آزاد، ويسألونك عن ذي القرنين ، طبع مصر 1972م، ص 91 وما بعدها.
(3) قنديل: النقد الأعلى ، ص 17 وما بعدها.
(4) أيضاً: ص 22 و ما بعدها.
(5) قنديل : أيضاً ، ص 23 .
(6) قنديل، أيضاً، ص 66 وما بعدها.
(1/7)

الدراسة النقدية العليا ( وتشبه النقد الخارجي في المنهج التاريخي) (1) وهي التي تختص بدراسة الظروف المحيطة بالنص كموقف المؤلف وأهدافه ، والظروف التاريخية والاجتماعية السائدة.
النقد الأدنى ، بمعنى دراسة النص نفسه لتبين التناقض في الأجزاء التشريعية والقصص وغيرها.
ويجري الجهد الآن للمزج بين هذين النوعين(2):
وسأحاول الآن أن استخرج مجموعة القواعد المفصلة التي يقوم عليها هذا المنهج، وذلك من خلال قراءتي للنتائج التي حققها علماء نقد الكتاب المقدس، لنتبين إلى أي حد كان كتّاب الموسوعات أوفياء لقواعد هذا المنهج ملتزمين بأصوله في دراستهم للقرآن الكريم(3).
أولاً: الدراسة النقدية العليا ( النقد الأعلى) :
لابد للباحث أن يستخدم قاعدة الشك المنهجي ، فلا يجزم بشيء يتعلق بالراوي إلا بعد التثبت من ذلك بأسباب قوية.
فيما يتعلق بالراوي لابد من الإجابة عن هذه الأسئلة.
من الراوي، وما سيرته وأخلاقه، وما غايته؟
متى كتب كتابه ، وفي أي وقت ، ولمن كتب؟
مدى تحقق شروط العدالة الأخلاقية والضبط العلمي فيه، فإن وجد نقص في أيهما انتفت الصحة من الرواية.
__________
(1) الدكتور محمود قاسم : المنطق الحديث ومناهج البحث، طبع مصر 1967، ص 477 وما بعدها.
(2) عبد الوهاب المسيرى، موسوعة اليهود واليهودية والصيهونية ، طبع مصر 1999م، 5 :101-105، وانظر أثر الفكر الإسلامي على منهج النقد الأعلى للكتاب المقدس في كتاب : النقد الأعلى للدكتور قنديل محمد قنديل ، ص 224 وما بعدها.
(3) وإن كان بعض المستشرقين أنفسهم يرون أن هذا المنهج لا يصلح أصلاً لدراسة الآداب العربية والإسلامية، انظر محمد خليفة حسن: عرض نقدي لكتاب
The Study of the Middle East, Leonard Binder, New York , 1976 ، مجلة دراسات استشراقية وحضارية ، العدد الأول : 1413 هـ ( 1993م) وانظر ما يلي ص 10 وما بعدها.
(1/8)