منازل القمر وما قيل فيها من سجع




هاني الضليع


مع أيام الشتاء الباردة، نتذكر قصصا وأسجاعا حول نجوم منازل القمر وعلاقتها بالفصول طالما رددها أجدادنا ثم انتقلت إلينا جيلاً بعد جيل؛ فمواسم الأمطار هي مواسم خير في بلاد الشام والحجاز واليمن، ولشحها في بعض الأماكن والبقاع كشبه الجزيرة العربية وصحراء الشام، اهتم البدو وأهل الحضر بها وبنوئها، وربطوا ظهورها بأحوال الطقس ونزول المطر والبرد والحرارة.




فالعرب لم تعرف البروج التي عرفتها الحضارات الأخرى، ذلك أن معظم العرب كانوا بدوا رحلا يتبعون مواقع الماء والكلأ، فتعلموا السفر بالنجوم، وراقبوا حركتي الشمس والقمر، وأطلقوا على النجوم التي ترى خلف القمر كل يوم منازل القمر، وعددها 28 منزلة تبدأ بمنزلة الشرطين ببرج الحمل.

وراقبوا حركة الشمس، فوجدوا أنها تنزل في هذه المنازل كذلك، ولكن بدلاً من أن تفعل ذلك كل يوم كالقمر، فإنها تنتقل من منزلة إلى أخرى كل 13 يوما، ويعرفون ذلك وقت الفجر بمراقبة النجوم الغاربة فيعرفون المنزلة التي تقع فيها الشمس لحظة شروقها، وبينهما 14 منزلة على الدوام.

وتتكون ليالي الشتاء الطويلة من تسعين ليلة، قسمها العرب قسمين: أربعين يوماً وخمسين يوماً، فالأربعون التي عرفها أجدادنا وما زلنا نرددها حتى يومنا هذا بالأربعينية أو المربعانية، وهي أشد أيام الشتاء برودة، وتتكون من ثلاث منازل قمرية: النعائم والبلدة وسعد الذابح.





منازل الشمس في فصل الشتاء



وتبدأ مربعانية الشتاء مع الانقلاب الشتوي، وهو 22 ديسمبر/كانون الأول حين تدخل الشمس منزلة النعائم ببرج القوس، وهي مجموعة من ثمانية نجوم، أربعة تدعى النعام الوارد لأن العرب شبهتها بنعائم وردن نهر المجرة للشرب منه، وأربعة صادرة عن النهر بعد أن شربت منه وارتوت. وفيها يقول الساجع: إذا طلعت النعائم، أيقظ البرد كل نائم، وكبرت العمائم، وماتت البهائم، وهذا كناية عن شدة البرد.

وفي الرابع من يناير/كانون الثاني تدخل الشمس منزلة البلدة، وهي منطقة فارغة بين برجي القوس والجدي ويزداد الطقس برودة، ويقول الساجع: إذا طلعت البلدة أُكلت القشدة، وقيل للبرد اهدأ.

ثم تأتي منزلة سعد الذابح، ويكاد يكون أكثر المنازل شهرة، وهي نجمان متقاربان في برج الجدي، وتدخله الشمس يوم 17 يناير/كانون الثاني، ولبرودته واحتمال هطول الثلوج فيه فإن الكل يلزم بيته حتى كلاب الحراسة فإنها لا تغادر دفء بيوت أصحابها، ولهذا يقول الساجع: سعد الذابح ما بخلّي (لا يترك) كلب نابح.

وفي القصة أن رجلاً أوصى ابنه المسافر (سعداً) بأن يحتاط في ملابسه، لكنه لم يستجب، وبينما هو في طريقه تساقط الثلج وتجلدت الطريق مما اضطره إلى ذبح ناقته والاختباء فيها حتى انقضت فترة البرد الشديد ليتابع بعدها مسيره، فسمي سعد الذابح.

وبخروج الشمس من سعد الذابح تنتهي مربعانية الشتاء لتتبعها الخمسينية المكونة من أربع منازل هي: سعد بلع وسعد السعود وسعد الخبايا والفرغ المقدم.


الكوكبات النجمية



وسعد بلع أولى هذه المنازل، وتنزل فيها الشمس يوم في الثلاثين من يناير/كانون الثاني، وفيها تبلع الأرض الماء، ويبدأ ظهور العشب، خاصة إذا طلعت الشمس، ولذلك يقول الساجع: إذا طلع سعد بلع، وصار في الأرض لمع، وهي لمعة الحشائش عند أول ظهورها.

وفي 12 فبراير/شباط تدخل الشمس منزلة سعد السعود، ببرج الدلو، وفيها يبدأ البرد بالانحسار نسبياً وتذوب الثلوج وتسير المياه في الأرض، وفيها يقول الساجع: إذا طلع سعد السعود نضر العود، ولانت الجلود، وذاب كل مجمود، ودارت الميّه (الماء) في العود.

وعلى الرغم من ذلك يبقى فبراير/شباط شهر التقلبات، ففيه يمكن أن تطلع الشمس حارة ويمكن أن ينقلب الطقس إلى ثلوج، ولهذا يقول المثل: شباط بيشبط وبيخبط وريحة الصيف فيه.

ثم يأتي آخر السعود، وهو سعد الخبايا أو سعد الأخبية، وفيه تدخل الشمس يوم 25 فبارير/شباط، وهي أربعة نجوم على شكل مثلث يتوسطه نجم رابع، وتشبه في تشكيلتها رجل البطة. وفيها تبدأ الخبايا كالهوام والأفاعي بالخروج، إذ يبدأ الطقس الدفء. وفيها يقول الساجع: في سعد الخبايا بتطلع (تخرج) الحيايا (الأفاعي)، وتتفتل (تغزل شعرها) الصبايا.


أما آخر المنازل الشتوية وآخر منازل خمسينية الشتاء فهي منزلة تدعى الفرغ المقدم أو الفرغ الأول، وهما نجمان يقعان في كوكبة نجمية اسمها مربع الفرس على شكل مربع كبير شبهته العرب بالدلو وله عرقوتان (يدان) يحمل بهما، والفرغ الأول هو عرقوة الدلو العليا، وهناك فرغ مؤخر يمثل العرقوة الأخرى، وتظهر في السماء أسفل من أختها لذا تدعى السفلى. ولم يشتهر عند العرب أية مقولات بشأن هذه المنزلة لأن الدفء يكون قد حل وانقضى معها فصل الشتاء وموسم البرد.
وللعرب في السماء قصص كثيرة وحكايات ممتعة، بسببها حملت أكثر نجوم السماء أسماءها العربية التي تكتب بالأحرف اللاتينية، وذلك بفض العلماء العرب والمسلمين الذين حفظوا هذه القصص والأشعار في كتبهم التي ترجمتها أوروبا بعد ذلك ونقلت ما فيها من علوم، فحظيت السماء بأكثر من 260 اسم نجم عربي، ولكل منها قصة تستحق الرواية.