كامل مصطفى الشيبي
أستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة بغداد،وأحد أهم الباحثين في شؤون هذه الفلسفة وقضاياها،وما جاورها من شخصيات وآداب وفنون.ولد في بغداد عام 1927م ،ودرس الأدب في جامعة الإسكندرية ، ثم أكمل دراسته العليا في الفلسفة في الجامعة ذاتها،ثم في جامعة كيمبردج التي حصل فيها على الدكتوراه في الفلسفة عام 1961م لينتظم منذ ذلك التاريخ أستاذا في الفلسفة في جامعة بغداد،ثم في جامعات عربية وغربية.
وشأنه شأن الكثير من أبناء جيله من الباحثين والأساتذة الجامعيين ؛ فحياته العلمية توزعت بين اهتمامين أساسين.فمن جانب كانت هناك الدراسات الفكرية والفلسفية التي كان حريصا على أن يبحث ويكتب فيما لم يكتب فيه من قبل ،فجاءت أكثر أكثر من دراسة له في هذا المجال،وفي الذروة منها كتابه:"الصلة بين التصوف والتشيع".ومن جانب آخر كان تحقيق النصوص الذي اتخذ فيه منحى يمكن أن نطلق عليه "جمع المتفرق"فهو لم يأخذ في عمله هذا مخطوطا جاهزا كاملا أو قريبا من الاكتمال فيحققه ،وإنما تنكب الطريق الأصعب والمتمثل في اختيار موضوعات أو شخصيات تمثل ما يمكن أن نعده حياة متطرفة أو واقعا من هذا القبيل ثم البحث عن ثراث هذه الشخصية ،كما فعل مع أشعار الحلاج،بعدما وجد أن المستشرق لويس ماسينيون على اهتمامه الكبير به قد ظلمه بإصداره نصا لأشعاره وجده الشيبي "مليئا بالأخطاء اللغوية والنحوية والتفسيرية"على ماجاء في مقدمة تحقيقه ديوان الحلاج .وهناك جمع النصوص التي صنع منها موضوعات متكاملة بعدما أهملها الباحثون والمحققون المعاصرون.فجمع وحقق "ديوان الدوبيت"الذي كان لصدوره أوائل السبعينات صدى واسع في الأوساط الأكاديمية والمعنية بالأدب القديم،وقد حظي بأكثر من جائزة.وعلى النهج ذاته مضى في جمع "ديوان الكان وكان"وتحقيقه و"ديوان القوما"وكلها فنون شعرية شعبية عرفها الأدب العراقي في فترات من تاريخه.
إلا أن الشيبي انعطف في الحقبة الأخيرة من حياته نحو جانب مثير وطريف في التراث العربي هو المتمثل في الكتابة عن "المهمشين"في هذا التراث والتعريف بالبهاليل الذين أراد أن يجعل لهم شأنهم في عصره بعدما عاشوا على هامش الحياة والأدب في عصورهم فكتب عن "البهلول بن عمرو الكوفي"داعيا إياه برائد عقلاء المجانين .وهو كما قال عن نفسه يوما من حيث الاهتمام بمثل هذه الموضوعات التي لم يقترب منها سواه من الباحثين إنه يحب "الخوض في الموضوعات المجهولة والمهملة التي تستحق الاهتمام وتفتقدها الثقافة".
ويبدو أن رحلة حياته التي انتهت في بغداد قبل أيام انعكست على اهتماماته الأدبية والفلسفية والبحثية فكان الكثير مما كتب بمثابة استجابة ذاتية وعقلية لما عاش وواجه في مسارات حياته .ووجد فيما حقق تمثيلا لجوانب من معاناته ؛إذ حقق ديوان الحلاج في فترة عصيبة من حياته وكتب عن المهمشين والبهاليل وأعاد إلى دائرة الضوء عددا من المنسيين في التراث العربي في حقبة طاوله فيها النسيان والتهميش.ولم يكن كتابه الأخير عن الموت الذي أوصى أن يطبع بعد وفاته سوى استجابة لنداء أعماقه ذلك النداء الذي كان يستجيب له دوما وفي صور مختلفة.
أما هويته الفكرية والعلمية فحددها بالكلام على شخصه ؛فهو -كما قال- ممن"ينفردون بأفكار ومناهج قد تكون غير مرضية لدى الأغلبية التقليدية من الباحثين والسلطات هنا وهناك".إلا أن ذلك لم يكن يعنيه في كثير أو قليل.