من كتاب الاسلام فى مواجهة الايديولجيات المعاصرة للدكتور عبد العظيم المطعنى ص 132
ولد تشارلز داروين فى انجلترا يوم 12 فبراير 1809م وتوفى عام 1882م فهو من مفكرى القرن التاسع عشر الذى كان له اثر بعيد المدى فى تطور الفكر العلمانى فى القارة الاوربية وقتذاك .
وقد اصدر داروين كتابه (اصل الانواع) عام 1859م ، وذهب فيه الى ان انواع الاحياء –جميعا- وهى النبات والحيوان والانسان لم يخلق كل نوع منها خلقا مستقلا . بل كان لها اصل واحد هو الخلية البسيطة (البروتبلازم) ثم ظهر الحيوان الدودى ثم الشوكيات ثم النشويات . ثم ظهرت صور جديدة من الحيوان دل وجودها على وقوع انقلاب خطير فى سير الحياة واصبح لهذه الصورة حبل متين تدرج بواسطة التطور الى تكوين الفقار ، فوجدت الفقاريات واللافقاريات . ثم نشات البرمائيات كالضفادع ثم تدرج سلم التطور من البرمائيات الى الزواحف كالحيات . ومنها شات الطيور وذوات الثدى . ومن ذوات الثدى نشات القردة ومن القردة نشات البشريات او الانسان (1)
ويمضى داروين فى شرح نظريته فيرى ان الانواع وجدت على الطبيعة متاثرة بالظروف الخارجية المحيطة بها ، وانها –اى الانواع- اخذت تتطور عن طريق الصراع وطلبا للبقاء . وان الطبيعة كانت تبقى الاصلح وتزدرى غير الاصل وهذا هو ما يسمى مذهب النشوء والارتقاء ب (الانتخاب الطبيعى) اى اختيار الطبيعة لبقاء الاصلح وانقراض غيره من الدنايا .
وانت ترى ان التطور عند داروين بدا من نقطة هى (البروتويلازم) وهو الصورة البدائية للحياة . وانتهى عند نقطة هى (البشريات او الانسان) وانتهى داروين الى ان الانواهع الحالية على اختلافها يمكن ان تفسر باصل واحد او ببضعة اصول تمت وتكاثرت وتنوعت فى زمن مديد بمقتضى قانون (الانتخاب الطبيعى) او (بقاء الاصلح) وهو القانون اللازم من (تنازع البقاء) (2)
وداروين لم يكن اول من ذهب الى هذه الفكرة فقد قال بها قبله كثيرون ومنهم من عمم فكرة التطور هذه حتى شملت نوعى الكون وهما : المادة غير العضوية . والمادة العضوية بانواعها الثلاثة : النبات والحيوان والانسان وممن ذهب هذا المذهب (التطور العام فى العضويات وغير العضويات) هربرت سبنسر (1820-1903) وهو من معاصرى داروين . ومن قبل سبنسر هاملتون (1788-1856) وعمانويل كانت (1724-1804م)
فالفكرة كانت مطروحة قبل داروين وفى ايام حياته ، ولكن داروين تحاش القول بالتطور العام واقتصر على احد شقيه ، وهو تطور الكائنات العضوية . ولهذا الاختيار عند داروين سبب احسن استاذنا العقاد فى الحديث عنه او : الكشف عنه ، وخلاصة ما ذكره العقاد يفهم منه ان داروين صرف عن القول بالتطور العام خشية الوقوع فيما وقع فيه سبنسر والقائلون به لانهم صدموا بعدم معرفة الاصول الاولى المؤثرة فى تطوير الكون فلم يجروا على تفسيرها ولم يجرؤا على انكارها !
ولذلك ارتضى سبنسر ان يقف التطويرون العامون بالمعرفة الانسانية عند الاثار الظاهرة التى يدركونها ، وان يحجموا عما وراءها بما لا يدرك لا بالعقل ولا بالحواس . فالمعرفة الانسانية عند التطويريين العامين نوعان : نوع مدرك لانه ظاهر ونملك وسائل ادراكه ونوع غير مدرك مع انه موجود ولكننا لا نملك الوسيلة الموصلة اليه ؟!
النوع الظاهر هو المؤثرات الطبيعية فى الكائنات العضوية وهو ما اقتصر عليه داروين
اما النوع غير الظاهر فهو يتلخص فى هذا السؤال المزدوج :
(ماذا خارج الكون كله يرجع اليه تطور الكون منذ البداية الاولى ؟ وكيف يتفق القول بالتطور والقول بالابدية التى لا اول لها ولا اخر اذا قيل ان الكون موجود بلا ابتداء ولا ختام ؟)(3)
وهذه وقفة ناقدة وذكية تمدح للاستاذ العقاد . وارجو من القارىء ان يحتفظ بها ريثما نعود بعد قليل .
ومن المستحسن بعد ان بينا فى ايجاز محور نظرية داروين ان نعرض لصلتها بالفكر العلمانى وتطوره من خلال اثارها على العقل والثقافة فى اوربا بعد ذيوعها .
اثر الداروينية فى القارة الاوربية :
أولا : عند العلماء :
انساق فريق من علماء وراء بهرج هذه النظرية وتعصب لها ايما تعصب فهذا جيمس جنز يقول عنها : (ان فى عقولنا تعصبا يرجح التفسير المادى للحقائق)(4)
ويقول سير ارثر كيث (ان نظرية النشوء والارتقاء غير ثابتة علميا ، ولا سبيل الى اثباتها بالبرهان ، ونحن لا نؤمن الا بها الا لان الخيار الوحيد –بعد ذلك- هو الايمان بالخلق المباشر ؟. وهذا مالا يمكن حتى التفكير فيه .
فتامل –عزيزى القارىء- هذا القول المتعسف . فارثر كيث يعترف بكل وضوح ان نظرية داروين لا يمكن اثباتها علميا وان اثباتها عن طريق البرهان ايا كان مصدره علميا او عقليا مستحيل .
وهذا الاعتراف كاف فى اسقاط النظرية لو كان السير كيث ممن يعقلون ؟!
ولكنه يصرح بضرورة الايمان بها اضطرارا .. ولاى سبب يا ترى ؟! ان السبب افصح عنه الكاتب : انه الفرار من الايمان بالخلق الخاص المباشر . وهذا الايمان –يقود الى الايمان بالله العظيم خالق كل شىء. ولذلك فر منه السير كيث وارتمى فى اوهام الداروينية كما ترى ؟!
الى هذا الحد الزرى الغى السير كيث عقله ؟ ومن اجل اى شىء ؟ من اجل اختيار الكفر والالحاد . فرارا من الايمان بالخالق العظيم المدبر .
ثانيا : عند عامة الناس :
تركت نظرية داروين فى المحيط العام الاوربى اثارا سيئة للغاية وماتزال اوربا غارقة الى الاذقان فى اثار الداروينية فى الاعتقاد والسلوك حتى ولو كانت غير ملاحظة عند التطبيق ، ومن ابرز اثارها السيئة ما ياتى :
1- خلق موجة من الالحاد وبلبلة الاذهان والكفر بما ورد فى الكتاب المقدس من قصة خلق ادم وحواء . واعتقاد ان الجنة التى كانا فيها وهم من الاوهام .
2- نفى الغاية والقصد : كانت التعاليم الدينية تعد الناس بحياة اخرى يجازى فيها المحسن على احسانه والمسىء على اساءته . فجاءت الداروينية تقول لهم : انهم ثمرة من ثمار تطور الطبيعة ، ولم يخلقهم اله لعبادته فيجازى المحسن بالاحسان والمسىء بالاساءة . واصبح من العبث الايمان بان الانسان مخلوق لغاية وقصد فالطبيعة هى الخالقة وهى لا تريد ان تعبد وليس عندها ثواب ولا عقاب .
وقد زاد هذه النكسة اقوال العلماء المرجحة للنظرية . فهذا جوليان هلكسلى يقول : (من المسلم به ان الانسان فى الوقت الحاضر سيد المخلوقات ، ولكن قد تحل محله فى السيادة) القطة او الفار (6)
ونتج عن هذا كله ان فقد كثير من الناس الثقة فى الحياة واصيبوا بذهول قاتل لان الانسان انما يعيش بالامل ويحيا من اجل غاية اسمى ومقصد حسن يثير لديه كل الطاقات .
3- تولد شعور عند الناس بان الانسان حيوان لا غاية له ولا هدف يسعى اليه . فماذا يفعل –اذن- وقد اهتز ايمانه بفكرة الخالق المدبر المطلع على السراء . وقيل له : ان خالقه هو المادة ، وقوانينها هى النافذة فيه وهو لا يرى فى المادة الا الصمت المطلق والعجز المطلق .
4- وتولد عن الداروينية فكرة التطور غير المقيد باية ضوابط عدا تحكم الطبيعة غيرالعاقلة التى تخبط –كما يقول داروين نفسه- خبط عشواء . فعملية الخلق الطبيعية عملية حتمية لا تدبير فيها ، والتطور نفسه قلق مضطرب ، فليس بعيد ان يهود الانسان قردا او ضفدعة او ما شئت من الكائنات الدنيا !
ولذلك ظهرت الاباحية والتفسخ الخلقى وعبادة الملذات قبل فوات الاوان ما دام الانسان لا يرى فى الكون حقيقة ثابتة . بل الاشياء رهينة التطور المزعوم .
الدفاع عن الالحاد :
وقد تطوع كثير من المفكرين الحالمين بزوال الايمان بالله ، بالدفاع عن العلمانية والالحاد ممثلا فى نظرية داروين . يقول لوبون :
(ان الزمان اله لانه هو الذى يولد المعتقدات ، فينميها ثم يميتها .. ان الزمان هو صاحب السيادة الحقيقية فينا وما علينا الا ان نتركه يعمل لنرى كل شىء يتحول ويتبدل (7)
ويقول جون لويس : (نظرية التطور والارتقاء لا تستبعد قوى ما فوق الطبيعة من عملية الخلق فحسب . بل تضع بدل هذه القوى تطور الحياة الطبيعى وقد كان هذا تجديدا مدهشا) (8)
جون لويس –سعيد جدا- لان نظرية داروين لم تكتف بابعاد قوى ما فوق الطبيعة (من عملية الخلق فحسب ولكنها جاءت بالبديل عنها وهو تطور الحياة الطبيعيى المستغنى عن قوة اخرى تؤثر فيه ؟!
ويرجح جوته عوامل استقاء النظرية الى اسباب علمية مادية بحتة فيقول : (ان الدلائل فى تاييد المذهب المادى قد اتت فى الغالب من ثلاثة مصادر : علم الاحياء وعلم النفس والفيزياء ) هذه النظرية قوت الصلة بين النظر القاصر والتفكير الفطير وبين الاغترار بالعلمانية وانها كافية فى تفسير ظواهر الكون واسراره فلا حاجة اذن الى الايمان بالله . اذ لم تدع الى هذا الايمان ضرورة فيما بدا لهم وقتذاك .
دور اليهود فى ذيوع النظرية :
لذيوع نظرية داروين عدة عوامل كالصراع بين الدين والعلم ، وتقلص الفكر الكنسى ، وعنف الثورة الصناعية التى مسخت صورة الحياة فى اوربا وشيوع الاباحية وزعزعة القيم الفاضلة .
ولكن عاملا اخر خطيرا اخذ على عاتقه مهمة الترويج لهذه النظرية لكل وسيلة ممكنة .
يفصح لك عن هذا قول اليهود :
(لا تتصوروا ان تصريحاتنا كلمات جوفاء . ولاحظوا –هنا- ان نجاح داروين وماركس ونيتشه قد رتبناه من قبل . والاثر غير الاخلاقى لاتجاهات هذه العلوم فى الفكر الاممى سيكون واضحا لنا على التاكيد (9)
اليهود ليسوا وراء نظرية داروين فحسب ، بل وراء كل فكر مادى مدمر . فهم وراء ماركس وماديته الجدلية (الشيوعية) ووراء نيتشه فى تمرده على حقائق الايمان(10) ووراء فرويد فى تقديس الجنس . وراء كل فكر ملحد
واليهود لهم هدف خطير فى مثل هذه المذاهب لانهم يحلمون بالسيطرة على العالم . وهى غير ممكنة الا بعد وقوع انتكاسات فى العالم فى مقدمتها تدمير العقائد الدينية ونشر الاباحية وترويج الدعايات للجنس والملذات الرخيصة وتفكيك النظم الاجتماعية والسياسية والاسرية وعلمنة الثقافة والفن والاخلاق والامميون : كلمة يطلقها اليهود على من ليس يهوديا . مسلمين ونصارى وغيرهم من شعوب الارض .
وخلاصة القول فى نظرية داروين :
انها نظرية وان بناها على قواعد علمية –فهى ظنية لاتؤدى الى يقين . وداروين نفسه لم يجزم بصحة مدعياته ، ولذلك تردد كثيرا فى اعلانها تحسبا لما سيكون لها من ردود فعل عنيفة .
ان داروين كان ماديا صرفا ووقع فيما وقع فيه الحسيون من بين يديه ومن خلفه .
ان الايمان بالله والتصديق بنظرية داروين لا يجتمعان فى قلب رجل واحد ابدا لان مدعيات داروين فيها تكذيب صارخ بالخبر الصادق الذى جاء به وحى الله الامين .
هذا وبعرض نظرية داروين على الاسلام يظهر للقارىء بطلانها وزيفها من اقصر الطرق .
---------------
(1) اصل الانواع بتصرف . نقلا عن (موقف الاسلام من نظرية ماركس)
(2) الاسلام والفكر المادى د. احمد الشاعر
(3) الانسان فى القرآن الكريم .ط : دار الهلال
(4) عالم الاسرار لجيمس جنز (189) انظر الاسلام يتحدى (39)
(5) مذهب النشوء والارتقاء (6) نقلا عن الاسلام يتحدى (40)
(6) معركة التقاليد (159)
(7) روح الجماعات (103 – 105)
(8) نظرية التطور واصل الانسان (11)
(9) بروتوكولات حكماء صهيون 106
(10) انظر فى نيتشه : قصة الفلسفة 507 وكانت له اراء جرئية طائشة فى الدين والاخلاق ونظام الحكم. ثم اصيب بالجنون والعمى فى اخر حياته ومات سنة 1900 وهو مجنون ؟!
يتبع