نقد المنطق الأرسطي - محمد انعيسى
والسؤال الذي يطرح نفسه هو : اذا كان أرسطو قد وضع قواعد للمنطق ، الا يمكن ان تكون هذه القواعد تاريخية ؟وبالتالي فان ما وضعه أرسطو ليس منطقا مطلقا؟لذا فان باب الانتقاد مفتوح في وجه أرسطو.هذا ما سنركز عليه اذن،وسنحاول ما امكن ابراز مكامن الخلل في المنطق الأرسطي ،ونرى كيف عالجه مجموعة من المفكرين .
3ـ نقد المنطق الأرسطي
نقد المنطق الأرسطي لا يعني ضرب كل ما انتجه أرسطو عرض الحائط ،بل يعني بالدرجة الاولى قراءة هذا المنطق قراءة علمية وكشف الخلل طاله وبالتالي السير قدما وتجاوزه واعطاء منطق بديل لهذا المنطق .
يقول الدكتور علي الوردي في كتابه مهزلة العقل البشري :لا يجوز لنا على أي حال أن ننكر ما للفلسفة القديمة من فضل في تقدم الفكر البشري ،ولكن اعترافنا بهذا لا يمنعنا من التطور بافكارنا حسب مقتضيات الزمان الجديد.
هذا هو حال الفكر عبر التاريخ ،وكل مفكر جاء بافكار جديدة ماهي الا نقد لأفكار مفكر آخر ،أو تجاوز لافكار كانت سائدة ربما عمرت لقرون.وبما ان أرسطو قد اجتهد وقدم للانسانية منطقا عاد بالفضل الكبير على تقدم الفكر ،فان اجتهاده هذا كان تاريخيا مما فتح الباب لمفكرين آخرين للاجتهاد ،وبالتالي ما توصل اليه هؤلاء المفكرين قد انطلقوا من منطق أرسطو كقاعدة خلفية للتوصل الى آرائهم الجديدة.
ان اهم نقد موجه للمنطق الأرسطي هو انه منطق يعتمد على القياس ،أي أن المعارف الوروثة تدخل بالضرورة في بناء هذا المنطق ،كما ان المقدمتين الكبرى والصغرى قد انتقدت بشدة ،وسنقف عند كل مبدأ بتفصيل ،لنتوصل في الاخير الى انتقاد عام لآراء أرسطو حول العالم.
ـ نقد القياس عند أرسطو :
هناك مجموعة من المفكرين الذين تهجموا على مذهب القياس عند أرسطو ،وجملة انتقاداتهم تدخل في اطار كون أن مذهب القياس ينبني أساسا على معطيات التجربة الانسانية اليومية ،وفي هذا الصدد يؤكد أحد المفكرين المعا صرون وهو بوزانكيت بقوله (انها مسلمات أو صفات عامة للواقع المعلوم ..وان العقل استمدها من التجربة).
وبوزانكيت يقصد بلا شك المقدمتين الكبرى والصغرى .
مثلا عندما نقول استنادا الى مذهب القياس عند أرسطو ان جميع المعادن تذوب بالحرارة ،فان حكمنا هذا مبني على أساس التجربة اليومية ،وليس على مبدا علمي محض، اذا اننا لم نتفحص جميع المعادن في كل زمان وكل مكان لنتاكد من صحة ادعائنا ،لكن من يضمن لنا عدم وجود معدن لا يذوب بالحرارة ؟بل ان العلم قادر على اكتشاف معادن أخرى في المستقبل لا تنطبق عليه معلوماتنا التي استنتجناها من معارفنا الموروثة.وحتى نوضح فكرتنا أكثر فاكثر لا بأس ان نأخذ نفس المثال الذي اعتمده أرسطو في مذهب القياس :
كل انسان فان مقدمة كبرى
سقراط انسان مقدمة صغرى
اذن سقراط فان نتيجة
لناخذ المقدمة الكبرى ولتنتفحصها جيدا، كل انسان فان هذا ما تعودنا عليه من تجربتنا اليومية ، بل أننا نعرف ان جميع الناس معرضون للموت ،لكن هل بمقدورنا ان نبرهن علميا على ان جميع الناس معرضون للموت؟ طبعا لأن اطارنا الفكري محدود ،بل معارفنا المكتسبة تحول دون تقبل فكرة وجود انسان غير معرض للموت. يقول علي الوردي في حديثه عن منطق القياس :(والنقد الذي يوجه على هذا القياس أنه يعتمد في أساسه على المقدمة الكبرى.واذا علمنا ان المقدمة تستند على البديهيات المألوفة اتضح لنا تفاهة هذا القياس برمته ).
بالاضافة الى مجموعة من المفكرين قد تهجموا على منطق القياس عند أرسطو ،ذكرهم ويل ديورانت في كتابه قصة الفلسفة حيث يقول:(ان وجه الصعوبة كما أشار الى ذلك رجال المنطق من أيام بيرو الى ستيوارت ميل ،تكمن في ان المقدمة الكبرى في القياس تاخذ النقطة المراد اثباتها قضية مسلمة بها..