العلم في القران


أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَالْمُشْتَرَكُ وَالْمُؤَوَّلُ وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَيْضًا الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ وَالْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ مَعْرِفَةُ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِأَرْبَعَةٍ أُخْرَى فِي مُقَابَلَتِهَا وَهِيَ الْخَفِيُّ وَالْمُشْكَلُ وَالْمُجْمَلُ وَالْمُتَشَابِهُ وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَيْضًا الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ وَالصَّرِيحُ وَالْكِنَايَةُ، وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَيْضًا الِاسْتِدْلَال بِعِبَارَتِهِ وَبِإِشَارَتِهِ وَبِدَلَالَتِهِ وَبِاقْتِضَائِهِ وَبَعْدَ مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ قِسْمٌ خَامِسٌ، وَهُوَ وُجُوهٌ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا مَعْرِفَةُ مَوَاضِعِهَا

وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْعلم فِي الْقُرْآن على أحد عشر وَجها: -
أَحدهَا: الْعلم نَفسه. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي هود: (يعلم مَا يسرون
وَمَا يعلنون إِنَّه عليم بِذَات الصُّدُور) {وَمثله} (وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم} ، وَهُوَ عَامَّة مَا فِي الْقُرْآن.
وَالثَّانِي: الرُّؤْيَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم وَيعلم الصابرين} وَفِي بَرَاءَة: {أم حسبتم أَن تتركوا وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم} ، وَفِي سُورَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {حَتَّى نعلم الْمُجَاهدين مِنْكُم وَالصَّابِرِينَ} .
وَالثَّالِث: الْإِذْن. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي هود: {فاعلموا أَنما أنزل بِعلم الله} .
وَالرَّابِع: الْقُرْآن. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَلَئِن اتبعت أهواءهم} {من بعد مَا جَاءَك من الْعلم} .
وَالْخَامِس: الْكتاب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {قل هَل عنْدكُمْ من علم فتخرجوه لنا} .
وَالسَّادِس: الرَّسُول. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {وَمَا اخْتلف الَّذين أُوتُوا الْكتاب إِلَّا من بعد مَا جَاءَهُم الْعلم بغيا بَينهم}
وَالسَّابِع: الْفِقْه. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي الْأَنْبِيَاء] : {ولوطا آتيناه حكما وعلما} {وفيهَا} (ففهمناها سُلَيْمَان وكلا آتَيْنَا حكما وعلما} ) .

وَالثَّامِن: الْعقل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْقَصَص: {وَقَالَ الَّذين أُوتُوا الْعلم وَيْلكُمْ ثَوَاب الله (94 / أ} خير} .
وَالتَّاسِع: التَّمْيِيز. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {وليعلم الْمُؤمنِينَ} {وليعلم الَّذين نافقوا} .
والعاشر: الْفضل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْقَصَص: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتهُ على علم عِنْدِي} .
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: مَعْنَاهُ لفضل عِنْدِي. ويروى أَنه كَانَ أَقرَأ بني إِسْرَائِيل للتوراة الْعلم.
وَالْحَادِي عشر: مَا يعده أربابه علما وان لم يكن كَذَلِك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي حم الْمُؤمن: (فرحوا بِمَا عِنْدهم من

1ـ العلم بلا دين ـ أو الدين بلا علم ـ مرفوض في الإسلام،ولا بد من الجمع بينهما، كما في قوله تعالى:
)ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون ([سورة الأعراف: 52].
)وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ([سورة الحج: 54].
)بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ([سورة العنكبوت: 49].
)شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ([سورة آل عمران: 18].
2ـ دعا الإسلام إلى طلب العلم النافع والمعرفة كما في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
· " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ".
والعلم هنا هو العلم النافع المرتبط بالإيمان؛ حتى لا يتحول العلماء إلى جبابرة كما في قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
· " اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ".
3ـ الإسلام يرفع من شأن العلماء، كما في قوله تعالى:
"قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون "سورة الزمر: 9.
"يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات "سورة المجادلة: 11.
وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
· " العلماء ورثة الأنبياء ".
5ـ العلم في الإسلام يشمل علوم الدين والدنيا، ولقد أشار القرآن الكريم للعلوم الكونية في أكثر من سبع مئة آية.
والعلماء هنا دعاة لإسلامية المعرفة، وليس الجبابرة الذين يتيهون صلفاً وغروراً، ويقولون كما قال قارون:
)إنما أوتيته على علم عندي ([سورة القصص: 78].
ثانياً: المنهج القرآني لبحث وتحصيل العلم والمعرفة:
العلم في القرآن الكريم هو الحق اليقيني الثابت بالبرهان القاطع، كما في قوله تعالى في تعميم شامل لكل المعارف:
)قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ([سورة البقرة: 111].
قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن ([سورة الأنعام: 148].
)إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ([سورة يونس: 36].
2ـ القرآن يؤكد ضرورة المشاهدة الصحيحة باستخدام البصر والسمع والعقل معاً كأساس للمنهج العلمي التجريبي، كما في قوله تعالى:
)ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ([سورة الإسراء: 36].
ويحث على النظر والتدبر في الكون بهدف العلم والإيمان، كما في قوله تعالى: )قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ([سورة يونس: 101].
والتأكيد على المنهج الاستقرائي في النظرة العلمية للبحث عن كيفية تركيب الأشياء، كما في قوله تعالى:
)أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت. وإلى الجبال كيف نصبت. وإلى الأرض كيف سطحت ([سورة الغاشية: 17 ـ 20].
3ـ القرآن الكريم ينهى عن التقليد الأعمى في تحصيل العلم والمعرفة كسلوك حضاري عام، كما في قوله تعالى:
)وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا: حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون ([سورة المائدة: 104].
4ـ يدعو القرآن الكريم دائماً إلى استخدام العقل كأحد أركان العبادة، كما في قوله تعالى:
)إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ([سورة البقرة: 164].
5ـ العلم لا يقف عند حد معين بهدف استمرار التقدم العلمي، كما في قوله تعالى: )وقل رب زدني علماً ([سورة طه: 114].
ولهذا يجب الاستمرار في البحث حتى يأتي اليقين، كما في قوله تعالى:
)لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون ([سورة الأنعام: 67].
ومسيرة العلم لن تتوقف؛ لأن كلمات الله في الكون لا نهائية، كما في قوله تعالى: )قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً ([سورة الكهف: 109].
كما أن العلم البشري محدود، بينما العلم الإلهي مطلق ولا نهائي، فالبشرية رغم العصر الحالي للعلم والتكنولوجي ما زالت على الشاطىء، بينما محيط الكون مملوء بالعلم والمعرفة، كما في قوله تعالى:
)وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ([سورة الإسراء: 85].
)نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم ([سورة يوسف: 76].
6ـ العلم والمعرفة منحة إلهية للإنسان، كما في قوله تعالى:
)علم الإنسان ما لم يعلم ([سورة العلق: 5].
)ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ([سورة البقرة: 255].
)الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ([سورة الرحمن: 1 ـ 4].
7ـ إسلامية المعرفة تتميز بما يلي:
( أ ) الربانية والتوحيد في المنهج والهدف:
كما في قوله تعالى:
)إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ([سورة آل عمران: 190 ـ 191].
وقوله تعالى:
)لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن ([سورة فصلت: 37].
)قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ([سورة الإخلاص: 1 ـ 4].
الوسطية والتوازن:
وتعني التوازن بين الروح والمادة، وبين الفرد والجماعة، وبين الوحي والوجود، وبين الدين والدنيا، وبين الشرعي والمدني في العلوم الإنسانية، أي: المعرفة التي توازن بين كل من الطرفين في منهج مستقيم لا يميل لأحدهما على حساب الآخر، كما في قوله تعالى:
)اهدنا الصراط المستقيم ([سورة الفاتحة: 6].
وهذا التوازن ضروري، لأن الإخلال به يؤدي إما إلى إلحاد مادي كما في الحضارة الحديثة، أو إلى رهبانية كما في المسيحية، بينما الإسلام يرفض النقيضين.