النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: الشُّهُبُ بين آيات القرآن وعلوم الإنسان

العرض المتطور

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1 الشُّهُبُ بين آيات القرآن وعلوم الإنسان 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    الشُّهُبُ بين آيات القرآن وعلوم الإنسان

    عطية زاهدة



    مقـدمة
    الفكرة العلميّة التقليديّة العامّة السائدة عن الشهاب meteor هي أنه خطٌّ من ضوءٍ منبعثٍ انبعاثاً خاطفاً في صفحة السماء، في طبقة الأيونوسفير تحديداً، وأنه ناتجٌ من احتراقِ جسمٍ وافدٍ من فضاءِ الكونِ قد اصطدمَ بشدّةٍ محتكّاً بأعالي الغلاف الجويِّ داخلاً في نطاق تأثير الجاذبيّة الأرضيّة، فتوهج متحولاً بالطاقة الحركيّة إلى شعلةٍ هاوية منقضّة. وهذه النظرة التي تعني أن الشهبَ من قبْلِ التوهج هي أصلاً أجسامٌ meteoroids من مصدرٍ كونيٍّ cosmic، أي إنها أجسام وافدة من خارج المجالات الجويّة والمغناطيسيّة التابعة لكوكب الأرض نفسها، قد دخل عليْها في أواخر القرن العشرين تغييراتٌ وتعديلات جعلت ظاهرةَ الشهب ذاتَ جوانبَ جيوفيزيائيّةٍ، أي أنَّ ضياءها المشهودَ مرتبط بتفريغات كهربائيّة electrical discharges تجري في الأيونوسفير، على حساب الطاقة الكامنة فيه، وأن هناك أيضاً شهباً جيوفيزيائيّةً geophysical meteors لا تنتج عن انقضاض أجسامٍ في الأيونوسفير ionosphere، وإنما هي خطوط ضياءٍ ناتجٍ من تفريغات كهربائيّة في الأيونوسفير[1]نفسه.
    إشكاليّة البحث
    لقد ورد ذكر الشهاب في القرآن الكريم أربع مرّاتٍ، منها ثلاث مرّات بمدلوله الفلكيّ، وأمّا المّرة الرابعة فقد جاءت على وفْقِ مفهومه اللغويّ، وذلك في قول الله تعالى في حديثٍ عن موسى، عليه السلام: ﴿ وإنك لَتُلَقّى القرآنَ مِنْ لَدُنْ حكيمٍ خبيرٍ (6) إذْ قالَ موسى لأهلِهِ: إنّي آنستُ ناراً سآتيكم منها بخبرٍ أو آتيكم بشهابٍ قبَسٍ لعلّكم تصطلونَ (7) ﴾ [سورة النمل]. وأمّا "الشهب"، جمع الشهاب، فقد ورد ذكرها في القرآن الكريم مرّةً واحدةً فقط، وقد جاء هذا الجمع حاملاً معناها بمدلوله الفلكيّ. وعلاوة على هذه المرّات الخمس، فقد جاء الحديث عن الشهب دون التصريح باسمها في سبع آيات كريمة أخرى. فهل وسِع حديث القرآن عن الشهب ما تحصّل عنها من حقائق في علوم الفلك والفضاء والجيوفيزياء[2]؟ وهل قرّرت آياته تلك الحقائق سبقاً لتلك العلوم؟ وهل هذا السبق توهُّمٌ أم هو حقيقة يدعمها فهم تلك الآيات على وفْقِ لسان العرب، وتؤيدها السياقات والقرائن؟ إن هذا البحث جارٍ على أمل أن نصل إلى أن "نعمْ" هي جواب كلٍّ من هذه الأسئلة الثلاثة. ولا ريْبَ أن وسيلة الوصول إلى "نعم" جواباً لكل من هذه الأسئلة هي المقارنة بين حديث القرآن الكريم عن الشهب من جهةٍ، وبين ما توافر من حقائق علميّةٍ عنها من الجهة الأخرى، وبخاصّةٍ تلك الحقائق التي توصلت إليها العلوم الحديثة فلكيّاً وجيوفيزيائيّاً، بحيث تكون نتيجة هذه المقارنة هي التطابق والتوافق بين الجانبيْن؛ لأنّ آيات القرآن الكريم، بالتدبر السليم على وفق لسان العرب، لا يأتيها الباطل أبداً لا من بين يديْ نزولِها ولا من بعدِه.
    الشهب في القرآن الكريم في مدلولٍ فلكيٍّ
    جاء ذكر الشهاب والشهب بمدلولهما الفلكيّ في الآيات الكريمة التالية:1- ﴿ ولقد جعلنا في السماءِ بُروجاً وزيّناها للناظرينَ (16) وحفظناها من كلِّ شيطانٍ رجيمٍ (17) إلّا مَنِ استرقَ السمعَ فأتبعَهُ شهابٌ مبينٌ (18) ﴾ [سورة الحِجْر]. 2- ﴿ إنا زيّنّا السماءَ الدنيا بزينةٍ الكواكبِ (6) وحفظاً من كلِّ شيطانٍ ماردٍ (7) لا يسَّمَّعونَ إلى الملإ الأعلى ويُقْذَفونَ مِنْ كلِّ جانبٍ (8) دُحوراً ولهمْ عذابٌ واصبٌ (9) إلّا مَنْ خَطِفَ الخطفةَ فأتبَعَهُ شهابٌ ثاقبٌ (10) ﴾ [سورة الصافّات]. 3- ﴿ وأنّا لَمسْنا السماءَ فوجدناها مُلِئتْ حرَساً شديداً وشُهُباً (8) وأنَّا كنّا نقعُدُ منها مقاعدَ للسمعِ فمَنْ يستمعِ الآنَ يجدْ لهُ شهاباً رَصَداً (9) ﴾ [سورة الجن]. وجاء الحديثُ عن الشهبِ دون ذكرِها باسمها نفسه في سبعة مواضع:(1) ﴿ ولقد زيّنا السماءَ الدنيا بمصابيحَ وجعلناها رُجوماً للشياطينِ ﴾ [الملك: 5].وقد جاء في تفسير القرطبيِّ لسورة الملك أن الضمير في "وجعلناها" راجعٌ إلى السماءِ، وأنَّ هناك حذفاً للمضافِ، والتقدير عنده هوَ : (وجعلنا شهبَها رُجوماً للشياطينِ). ولكن هناك مَنْ يروْنَ أن الضميرَ في "وجعلناها" راجعٌ إلى المصابيح ؛ فالإمام الرازيّ، مثلاً، قد ذهب في تفسيره الكبير "مفاتيح الغيب" إلى أن المجعول رجوماً للشياطينِ هو المصابيحُ أنفُسُها. (2) ﴿ فقضاهنَّ سبعَ سماواتٍ في يوميْنِ وأوحى في كلِّ سماءٍ أمرَها وزيّناّ السماءَ الدنيا بمصابيحَ وحفظاً ذلكَ تقديرُ العزيزِ العليمِ ﴾ [فصّلت: 12]. (3) ﴿ إنا زيّنّا السماءَ الدنيا بزينةٍ الكواكبِ (6) وحفظاً مِنْ كلِّ شيطانٍ ماردٍ (7) ﴾ [الصافات]. (4) ﴿ وجعلنا السماءَ سقفاً محفوظاً وهم عن آياتِها معرضونَ ﴾ [الأنبياء: 32]. لقد جاءَ في المواضعِ الثلاثةِ الأخيرةِ ذكرُ حفظِ السماءِ. وأمَّا اعتبار أنَّ ذكرَ حفظِ السماءِ إشارةٌ إلى الشهبِ، فهوَ ما نستدلُّ عليْهِ من سورةِ الحجْرِ ومن سورةِ الصافّاتِ؛ إذ قد بينتْ آياتُ السورتيْنِ الواردةُ أعلاهُ أنَّ الشهبَ هي وسيلةٌ في حفظِ السماءِِ نفسِها، حفظِها من نفاذ الجن والإنس، وحفظِها من استراق الجنِّ للتسمع إلى الملأ الأعلى. (5) ﴿ يا معشرَ الجنِّ والإنسِ إنِ استطعتُم أن تنفُذوا من أقطارِ السماواتِ والأرضِ فانفُذوا لا تنفُذونَ إلّا بسلطانٍ (33) فبأيِّ آلاء ربِّكما تُكذّبانِ (34) يُرسَلُ عليكما شُواظٌ من نارٍ ونحاسٌ فلا تنتصرانِ (35) ﴾ [سورة الرحمن]. (6) ﴿ والنجم إذا هوى ﴾ [النجم: 1]. فقد ذهبَ بعضُ المفسرينَ إلى أنَّ النجمَ المقصودَ هنا هو الشهابُ. ومن الجديرِ ذكرُهُ أنَّ وصفَ الشهابِ بالنجمِ الهاوي غيرُ مقصورٍ على اللغةِ العربيّةِ، ففي الإنجليزيّةِ، مثلاً، يسمّون الشهاب meteor تسميتينِ أخرييْنِ وهما: النجم الهاوي falling star، والنجم الرامي أو الراجم shooting star؛ فظاهرة الشهب هي عموماً سهلة الرصد، وانقضاضها هاويةً في صفحة السماء أمر مشهود. وفي العربيّةِ يقولون عن الشهب: النجوم الهاوية، والنجوم الرامية، والنجوم المارقة، والنجوم الراجمة، بل وقد يبدلون النجوم بالكواكب فيقولون: الكواكب الهاوية، والكواكب الرامية، والكواكب المارقة، والكواكب الراجمة. (7) ﴿ والسماءِ والطارقِ. وما أدراكَ ما الطارقُ. النجمُ الثاقبُ ﴾ [الطارق: 1-3].ذهب بعضُ المفسّرينَ أيضاً إلى اعتبار أنَّ القصدَ بالنجمِ الثاقبِ هو الشهابُ. ويبدو أنَّ رأيهم هذا مستندٌ إلى مجيءِ "الثاقبِ" وصفاً للنجمِ، وقد جاءت كلمةُ "ثاقب" وصفاً صريحاً للشهابِ في قولِ اللهِ تعالى: ﴿ إلّا مَنْ خَطِفَ الخطفةَ فأتبَعَهُ شهابٌ ثاقبٌ ﴾ [الصافات: 10][3].
    الشهاب في التفاسير
    نظراً إلى تناول القرآن الكريم للحديث عن الشهب في بضعٍ من السور، فإن المادة التفسيريّة المتعلقة بها قد جاءت واسعة وذاتَ شجونِ. ولا ريْبَ أن أهمَّ أربعة جوانبَ في تفسير الآيات الذاكرة للشهب، صراحة أو ضمناً، هي: الجانب اللغويّ، والجانب العلميّ، والجانب العقديّ، وجانب المباحث العقليّة. ولا ريْبَ أيضاً أن هذه الجوانب يتداخل بعضها في بعضٍ. أولاً- الجانب اللغويّ في تناول التفاسير للشهب:يتفق المفسرون على تعريف الشهاب. فالفخر الرازيّ، مثلاً، يقول في تفسير سورة المُلك: "الشهاب شعلة نار ساطعة، ثم يُسمّى الكوكبُ شهاباً، والسنانُ شهاباً لأجْل أنهما لِما فيهما من البريق يُشبهان النارَ". ومن البدهيِّ أن الجانبَ اللغويَّ في التفاسير هو في جلّه متأسسٌ على ما جاء في المعاجم. ثانياً- الجانب العلميّ في تناول المفسرين للشهب:لقد اختلط هذا التناول ببعض الخرافات، ومع ذلك فإن فيه بعضاً من معلومات تنسجم مع حقائق العلم. ومن أمثلة تلك المعلومات أن ضياء الشهب ليس على حساب النجوم الثوابت، أي إن الشهب ليست نجوماً من مثل الشّعرى وسهيل وغيرهما، بل هي تضيء إذ تهوي منقضّةً باتجاه الأرض، ولا تكون مضيئة من قبل الانقضاض. وأدرك بعضهم أن الشهب تحدث قريبةً في أعالي الجوِّ، وأنها تضمحلّ وتتلاشى، ولا تعود إلى الأماكن التي تهافتت منها. ثالثًا- الجانب العقديّ في تناول المفسرين للشهب:ويتفق المفسرون على أن من الشهب ما يتبع الشياطينَ، وأن تلك الشهبَ هي لحفظ السماء منهم، ولمنعهم من التسمُّع إلى الملأ الأعلى. ويعتقد بعضهم أن الرمي بالشهب كان من الآيات الدالة على مبعث الرسول محمدٍ، عليه السلام، وأنه بذلك قد انقطعت الكِهانة، في حين يرى غيرُهم أنّ الرميَ بها كان جارياً منذ خلق الله تعالى السماواتِ والأرضَ. رابعًا- جانب المباحث العقليّة في تناول المفسرين للشهب:تعرّض المفسّرون لبحث مسائلَ عقليّةٍ مرتبطةٍ بأحاديث القرآن عن الشهب، وبما جاء عنها في الأثر الشريف. وقد أكثر الإمام الفخر الرازيّ منها في "مفاتيح الغيب"، وتوسع في مناقشتها. وإنّي هنا أُورد مثالاً مما تعرّض له في تفسيره لقول الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ * إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ ﴾.. [سورة الحجر:16-18]، وذلك هو قوله: "واعلم أن في هذا الموضع أبحاثاً دقيقة ذكرناها في سورة الملك وفي سورة الجنّ، ونذكر منها ههنا إشكالاً واحداً، وهو أن لقائلٍ أن يقول: إذا جوَّزتم في الجملة أن يصعد الشيطان إلى السماوات ويختلط بالملائكة ويسمع أخبار الغيوب عنهم، ثم إنها تنزل وتُلقي تلك الغيوبَ على الكهنة، فعلى هذا التقدير وجب أن يخرج الإخبار عن المغيبات عن كونه معجزاً؛ لأن كلَّ غيب يخبر عنه الرسول، صلى الله عليه وسلم، قام فيه هذا الاحتمال، وحينئذ يخرج عن كونه معجزاً دليلاً على الصدق، لا يُقال: إن الله تعالى أخبر أنهم عجزوا عن ذلك بعد مولد النبي، صلى الله عليه وسلم؛ لأنا نقول هذا العجز لا يمكن إثباته إلا بعد القطع بكون محمدٍ رسولاً وكونِ القرآن حقاً، والقطع بهذا لا يمكن إلا بواسطة المعجز، وكون الإخبار عن الغيب معجزاً لا يثبت إلا بعد إبطال هذا الاحتمال وحينئذ يلزم الدور وهو باطل مُحال، ويمكن أن يُجاب عنه بأنا نُثبت كونَ محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً بسائر المعجزات، ثم بعد العلم بنبوته نقطع بأن الله تعالى أعجز الشياطينَ عن تلقُّف الغيب بهذا الطريق، وعند ذلك يصير الإخبارُ عن الغيوب معجزاً، وبهذا الطريق يندفع الدور، والله أعلم"[4].
    الشهاب في المعاجم
    1- الشَّهْبةُ أو الشَّهَبُ هي مخالطة لونٍ للونٍ آخرَ، أي هي أن ينصدعَ وينشقَّ اللونُ بلونٍ آخرَ بحيث يكون أحدهما غالباً على الآخر، كأن تنصدع شُقرةُ حصانٍ بشعرةٍ أو شعراتٍ بيضاءَ، وكأن يهيجَ الزرعُ مصفرّاً أو مبيضّاً وتبقى في خلاله نبتاتٌ أو أوراقٌ خضراءُ. 2- الشَّهْبةُ أو الشَّهبُ هي أن يغلب اللون الأبيض في مظهر الشيء على غيرِه من الألوان المخالطة، أي هي غلبة اللون الأبيض في مظهر الشيء على ما يشوبه من لون آخر، ومنه غرّةٌ شهباء إذا كان يصدع بياضَها شعراتٌ من لون آخر. 3- الشهاب شعلة ساطعة من النار، أو عودٌ فيه نار ساطعة، أو قبَسٌ من نار. 4- الشهاب: الكوكب المنقضّ في السماء. واستُعير لوصف الرجل الشجاع الماضي في الحرب. 5- الشهاب: السّنان. 6- شهِبَ واشْهابَّ واشهبَّ واشتهب الرأس: غلب بياضُ الشيبِ سوادَ شعره، أي اشتعل شيباً. 7- شهب الحرُّ لونَ الإنسانِ أو شهّبَه: غيّره ولوّحه. 8- وجمع الشهاب: شُهُبٌ، وشُهبان، وشِهبان، وأشهبة، وأشهُب. هذه خلاصة استعراض ما جاء في مادة "شهب" في أربعة من معاجم اللغة العربيّة: لسان العرب لابن منظور، والصحاح في اللغة للجوهريّ، ومقاييس اللغة لابن فارس، والقاموس المحيط للفيروزآباديّ[5]. وأرى أنها خلاصة تشمل جلَّ ما يرتبط ببحثنا من معاني الفعل "شهَبَ" ومشتقاته. واعتماداً على ما جاء في الخلاصة السالفة، فإن الشهاب بمدلوله الفلكيِّ قد يكون سُميَّ بذلك على أساس أنه يظهر مثلَ شعلةٍ من النار، أو على أساس أنه بضيائه بياضٌ يصدع سوادَ الليل.
    مفردات علميّة
    يتم في الدراسة التقليديّة للشهب تداول ثلاثة مصطلحات أساسيّة يجب أن نحدد المقصود من كل منها بدقة: (1) المستشهبات أو المُشْهِبات meteoroids، وهي الأجسام التي تدخل الأيونوسفير واصلةً إليه أصلاً من الفضاء الكونيّ من مدارات حول الشمس متخذةً بشكل عابر مدارات حول الأرض ، بحيث ينتج من سقوطها أو مرورها فيه آثار ضوئيّة. (2) الشهب meteors: هي نفس الخطوط الضوئيّة light streaks الناتجة من مرور المستشهبات في الأيونوسفير، أي هي ما يرتسم في صفحة السماء على هيئة خطوط ضوئيّة بشكل خاطف، أو هي ما يبدو منقذفاً في الأيونوسفير على شكل شعلات هاويةٍ. (3) النيازك: meteorites وهي الرجوم أو المستشهبات التي تستطيع الوصول إلى سطح الأرض مروراً بالأيونوسفير وما تحته من طبقات الجوِّ، وهي محتفظة بتماسك قسم من كتلتها. ومع ضرورة التمييز بين الشهاب والمستشهب إلاّ أن النصوص العلميّة كثيراً ما تستعمل الشهاب قاصدةً المستشهب نفسه، وهذا ما قد يحدث في هذا البحث أيضاً[6].
    حقائق عن الشهب
    الشهاب: ظاهرة ضوئيّة خاطفة تبدو عادةً في صفحة السماء ليلاً أو نهاراً، ولكنها في الفترة الليليّةِ تكون أكثر وضوحاً. ويظهر الشهاب في الأغلب خطّاً متألقاً يقوده رأس ساطع يظهر هاوياً باتجاه الأرض كأنه سهم ناريٌّ منقضٌ سرعان ما يتلاشى في أعالي الجوِّ، أو قد يبدو في سقوطه مثل كرة ناريّةً متوهجة منقذفة من السماء نحو الأرض بسرعة خاطفةٍ[7].
    مصادر المستشهبات
    إن المستشهبات meteoroids هي أصلاً أجسامٌ معدنيّةٌ أو صخريّةٌ من مصدرٍ كونيٍّ، cosmic origin، أي أن مصدر أجسام الشهب هو إمّا مُذَنبِيٌّ cometary، أي إنّ أصلها من مخلفات المذنبات comets، وإمّا نُجيْميٌّ asteroidal، أي إن أصلها هو من حزام الكويكبات asteroids. وهناك بعض من الشهب تعود مستشهباتها إلى أصل قمريٍّ أو مريخيٍّ[8].
    حجوم وأوزان المستشهبات
    إن الغالبيّة الواسعة الشائعة من الشهب المبصرة تكون ناتجة عن مستشهبات بحجم حبات الرمل أو بذور الخردل، و قد تكون أصغر إلى حدِّ أن قطرها يساوي واحداً في المائة ألفٍ من المتر. وعلى سبيل المثال، فإن كتلة كل مائة ألف شهاب من الهمرة الأسديّة تُقدَّرُ بغرام واحد. ومع هذا فإن عدة مئات من أطنان المستشهبات تحترق في الجو يوميّاً، وهذا يعني أن عددها اليوميّ هو بالبلايين. وقد يكون حجم المستشهب الذي يسترمد في أعالي الجو بقدر حبة السمسم، أو بحجم حبة الفول، أو بحجم بيضة الحمامة أو بيضة الدجاج، أو حتّى بحجم حبة البرتقال، أو هو أكبر. وأمّا الرجوم النيزكيّة التي تنجح في الوصول إلى سطح الأرض فتكون عادة من حجم أعظم من ذلك بكثير، فهي تزن مئات الغرامات أو بضعة كيلوغرامات، وقد يصل وزنها أطناناً[9].
    مظاهر الشهب
    المظهر العام لغالبيّة الشهب هو الشكل النجميّ؛ ولذلك عرفت الشهب باسم: النجوم الهاوية falling stars، وباسم: النجوم الراجمة shooting stars أو الكواكب الراجمة، وحتّى المارقة. والأغلب هو أن تظهر هذه الشهب بسبب أذيالها كأنها سهامٌ ناريّة تهوي بانقضاض خاطفٍ. والشهب الناتجة عن رجوم كبيرة نسبيّاً ، بحجم البيضة أو البرتقالة، تظهر كأنها كرات متوهجة وتعرف باسم: الكرات الناريّةfireballs. ويكون الشهاب معتبراً من نوع الكرة الناريّة إذا كان تألّقه أشد من تألّق سائر الكواكب والنجوم. والكرات الناريّة التي تنفجر في أعالي الجو تُعرف باسم: الشهب المتفجرة bolides. وقد يبدو الشهاب في انقضاضه مطلقاً للشرر sparks أو الألسنة والشآبيبِ الناريّة flares[10].
    دوام الشهب
    هناك دوام للشعلة المنقذفة، وهو دوام الهُوِيِّ والانقضاض؛ وهناك دوام لضياء الذيل. فأمّا مدة سطوع الشهاب، مدة الانقضاض والهُويِّ، فتدوم من جزء من الثانية حتّى بضع ثوانٍ. وأمّا ضياء الذيل من حول ممرِّ الشهاب، فقد يستمر مرئيّاً بضع ثوانٍ، وقد يدوم أحياناً عدداً من الدقائق ربما تصل قرابة الساعة على شكل ضياء متناقص التألق متدرج الاضمحلال، وبحيث يبدو المركز أقل تألقاً من المحيط الخارجيّ. وقد يظهر الذيل في مراحل اضمحلاله الأخيرة متمثلاً في غيمة دخانيّة خافتة الضياء متمددة من حول ممر الشهاب. ودوام الشهب من نوع الكرات الناريّة هو في العادة أطول من الشهب العاديّة[11].
    تألّق وسطوع الشهب
    بالنسبة للناظرين من الأرض بالعين المجرّدة فقد تكون الشهب مبصرة مُبينة visual، وقد تكون غير مبصرة أو غيرَ مُبينة subvisual. فأمّا المبصرة فلها درجات متفاوتة من التألّق؛ فقد تكون خافتةً، أو قد يصل لمعانها إلى مقدار الزهرة، أو القمر البدر، أو حتّى إنها أحياناً قد تنافس تألق الشمس. ومن أهم العوامل التي تؤثّر في تألّق الشهاب سرعته وكتلته. وتألّق بعض الشهب الناتجة عن مستشهبات ضخمة نسبيّاً يغالب ضوءَ النهار بحيث إنها قد تظهر في السماء حتّى في وقت الظهرِ. وتظهر بعض الشهب أثناء هُويِّها وهي ترمي بشرر أو تطلق ألسنة ناريّة flares. وشدة التألق أثناء الهويِّ لا تكون ثابتةً. ودرجة حرارة المستشهب أثناء هويّهِ قد تجاوز ألفيْن من الدرجات المئويّة[12].
    ألوان الشهب
    يغلب أن تبدو الشهب بمسحات من اللون الأخضر المصفرّ، أو الأخضر، أو تبدو بيضاء، وقد تظهر حمراء أو زرقاء، وغير ذلك. ويختلف لون الشهب اعتماداً على عوامل منها: درجة حرارة توهجّها، ومدى تألقها، وتركيبها، والطبقة من الأيونوسفير التي تكون تعبرها لحظة النظر إليها، وتفاعلها مع الغازات في ممرّها. وقد تبدي الشهب أطيافاً خضراء، أو خضراء مصفرّة، من مثل أطياف الأفجار القطبيّة auroras. وكلما قلَّ تألق الشهاب وضعف، صعب تمييز الألوان فيه[13].
    جرائر الشهب trails:جرير الشهاب أو مدرجته trail أو ذيله tail هو غبار أو دخان من غازات متأيّنة يبدو من خلف الشهاب كأنه حبل منير أو أسطوانة مضيئة. وذيل الشهاب يدوم مبصراً بضع ثوانٍ، وقد يستمر في نادر الأحيان مرئيّاً إلى نحو ساعة، وذلك يعتمد على مدى استقرار الجوّ العلويّ، وعلى شدة التأيّن فيه. وطول ذيل الشهاب يعتمد في الأغلب على اتجاهه بالنسبة للناظر، أي على زاوية النظر؛ إذ إنه إذا كان الشهاب منطلقاً في خط البصر فلا يرى ذيله، وأمَّا إذا كان الشهاب قادماً معترضاً لخط البصر فإن ذيله يبدو أطول ما يمكن إذ يظهر ممتداً بضع عشرات من الكيلومترات. وكثير من الشهب قد لا يمتد ذيلها إلى حيث يتلاشى رأسها (نواة الشهاب)، أو قد لا تبدو إلاّ بعد أن يقطع الرأس مسافة عشرات الكيلومترات. وهناك شهب لا جرائر لها؛ إذ لا يبدو من خلفها أي ذيل منير، وبهذا تبدو كأنها نجوم هاوية. وطول ذيل الشهاب هو في العادة عشرات الكيلومترات، فثلاثون كيلومتراً، مثلاً، هي طول ذيل متوسط[14]. ويُقدّر نصف قطر الأسطوانة الغير منتظمة التي يشكلها الذيل ببضع عشرات من الأمتار.
    ارتفاعات الشهب:تظهر أغلب الشهب الشائعة في الطبقة الأيونوسفيريّة المعروفة باسم: E-layer الواقعة في المدى الارتفاعيّ من 90كم-160كم، وأظهر ما تكون على ارتفاع ما بين ..100كم -120كم. وعادة ما يبدأ الظهور الضوئيّ للشهب الشائعة على ارتفاع نحو 140كم، ويمتدُّ نزولاً في طبقة D-layer إلى نحو 60كم. وبعض الكرات الناريّة قد تنزل إلى ارتفاع 50كم، أو دون ذلك. وقد رصدت بعض الشهب على ارتفاع نحو 200 كم، أي في الطبقة الأيونوسفيريّة F-layer . ومن هنا، فإن طبقات الأيونوسفير الثلاث هي موطن لظهور الشهب، وإن كان الغالب هو ظهورها في طبقة E-layer[15]. سرعات الشهب:سرعة السقوط الابتدائيّة، سرعة دخول المستشهب في الجوّ العلويّ، هي بين 11.2كم/ث إلى 72كم/ث أو أكثر، أي قد تصل إلى مائة ضعف سرعة طائرة الكونكورد، أو طلقة الرصاص. وزخم المستشهب المتوسط السرعة30كم/ث-40كم/ث، والذي قطر جسمه ميليمتر واحد، هو بمقدار زخم أو اندفاع الرصاصة السريعة من عيار 22ملم، والمقصود بالزخم هو كميّة الحركة أو التحرك momentum، وهو يُحسبُ رياضيّاً من حاصل ضرب الكتلة في السرعة[16]. وأثناء السقوط يتم التسارع بفعل الجاذبيّة الأرضيّة في حين إن الاحتكاك بغازات الجوّ العلويّ يعمل على التقليل من السرعة. أصوات ترافق الشهب:لا ريْبَ أن أيَّ تصادم أو ارتطام، أو أيَّ طرْق، هو مولّد لأمواجٍ صوتيّةٍ. وهذا ما ينطبق على ارتطام المستشهبات بالجوِّ العلويّ حيث إن غازاتهِ مخلخلة، كثافتها صغيرة جداً، أي يكاد يخلو من الغازات، فكتلة كلِّ محتويات الأيونوسفير من الغازات لا تتجاوز الواحد في الألف من مجموع كتلة غازات الغلاف الجويِّ. والهواء ضروريٌّ لانتقال الأمواج الصوتيّة. وإن ظهور الشهب هو مما يعني بالضرورة توليد أصوات مزامنة. ولكن العلوَّ الكبير الذي يحدث عليه الارتطام، وحالة التخلخل في الأيونوسفير، هما عاملان يجعلان التقاط تلك الأمواج الصوتيّة بالسمع البشريّ على سطح الأرض – يجعلانه أمراً نادراً. وقد تأكد العلماء من وجود أزيزٍ sonic booms يزامن ظهور الشهب، ومن ظهور موجات صدميّة shock waves تزامن ظهورها أيضاً. وقد استطاع العلماء التأكد من ادّعاءات بعض الناس في أنهم سمعوا أصواتاً تتزامن مع ظهور الشهب، وقد فسروا ذلك من خلال حدوث الأمواج الكهروصوتيّة electrophonic وذلك من خلال حقيقة أن حدوث الشهب مرتبط بالتفريغات الكهربائيّة التي هي مصدر أمواج راديويّة، وهذه الأمواج الراديويّة، وهي أمواج تنتقل بسرعة الضوء، تكون عند وصولها إلى بعض الناس المشاهدين للنشاطات الشهابيّة سبباً لاهتزازات يتّفق أن تدركها أسماعهم[17]. تركيب المستشهبات:المستشهبات meteoroids هي قطع صخريّة أو معدنيّة؛ فقد يكون المستشهب صخريّاً حجريّاً أو حديديّاً، أو يكون خليطاً منهما مع امتزاجٍ بمعادن أخرى بنسب قليلة. وبعض المستشهبات الحجريّة تحتوي على نسبة كبيرة من الكربون وذلك بشكل كربونات الكوندرايْت carbonaceous chondrites. فأمّا بالنسبة لتركيب المستشهبات الحجريّة فقد وجد في تركيب عينات منها: أكسجين 36%، وحديد 26%، وسيليكون 18%، ومغنيسيوم 14%، وألومنيوم 1.5%، ونيكل 1.4%، وكالسيوم 1.3%. وأمّا بالنسبة للمستشهبات الحديديّة فقد وجد في تركيب عيّناتٍ منها: حديد 91%، و نيكل 8.5%، وكوبالت 0.6%[18]. أنواع عروض الشهب ومعدّل حدوثها:(1) الشهب الفُرادى sporadic meteors:يمكن أن يشاهد الإنسان في الليلة الصافية، بعيداً عن أضواء المدن وفي غياب ضوء القمر، ما معدله في الساعة الواحدة بضعة من الشهب، وربما تصل إلى بضعةَ عشرَ, وهي في العادة لا تظهر معاً بل على تتابع متباعد في الوقت، أي بين الشهاب والآخر بضع دقائق. ومثل هذه الشهب، وبهذا المعدل، هي التي تظهر عشوائيّاً randomly متناثرةً من هنا وهناك في السماء، وليس من بقعةٍ محدّدةٍ، أي إن مواضع انطلاقها لا تكون من بقعة واحدة في السماء معلّمةٍ بخلفيّةٍ معيّنة من النجوم. والشهب في مثل هذه العروض هي التي يسمّونها : الشهب الفُرادى sporadic meteors، أي تظهرُ وُحداناً. ونحن في الواقع لا تجول عيوننا من نفس الموقع على الأرض في أكثر من واحد في العشرين ألف من المساحة الكليّة للسماء، ومن هنا فإن عدد الشهب الفرادى المرئيّة للناظرين يكون يوميّاً بالملايين. (2) الهمرات الشهابيّة (الزخّات الشهابيّة، الرخّات الشهابيّة) meteor showers:يشاهد الناس أحياناً معدّلاً غير عاديٍّ من الشهب، وابلاً من الشهب، أي إن عشرات أو مئات أو حتّى آلاف من الشهب تسطع في الساعة الواحدة تباعاً، وحتّى إنَّها قد تظهر أحياناً بمثل هذه المعدّلات في آن واحد، وهي تظهر إذ تهوي في السماء بحيث كأنها منطلقة من نقطة واحدة، أي تبدو في السماء متشعّعةً من نقطة واحدة radiant point معلّمةٍ بخلفيّةٍ معيّنة من مجموعات النجوم. ومثل هذه العروض من الشهب التي تظهرُ زُرافاتٍ لا وُحداناً تعرف باسم: الهمرات الشهابيّةِ أو همرات الشهب، وبعضهم يقول عنها: الرخّات الشهابيّة، أو : الزخّات الشهابيّة. وبعض الهمرات الشهابيّة تظهر في السماء دوريّاً في مواعيدَ محدّدةٍ من السنة، وهي مرتبطة بمرور الأرض في أفلاك المذنّبات التي تترك وراءها مخلّفات من الغبار والحصى والحجارة. ويسمّي العلماء الهمرة الشهابيّةً باسم الخلفيّة من السماء التي تبدو فيها نقطة تشعُّعها، أي باسم البرج أو باسم كوكبة النجوم التي تكون في خلفيّة نقطة تشعُّعها. ومن أشهر الهمرات الشهابيّة: الأسديّات Leonids، والبرشاويات Perseids، والدلويّات Aquarids، والثوريّات Taurids، والقيثاريّات Lyrids ، والتوأميّات Geminids. ولكلِّ همرةٍ شهابيّةٍ فترة يكون فيها معدّلها قد بلغ أعلى قيمة أثناء مدّة حدوثها، وتعرف هذه الفترة بوقت الذروة أو ساعة الذروة peak hour.
    (3) العواصف الشهابيّة: meteor storms or meteor outbursts or meteor streams:وهي همرات شهابيّةٌ عالية المعدل بشكل كثيف متميّزٍ بحيث يتجاوز معدّل عددِها ألفَ شهابٍ في الدقيقة الواحدة؛ بل قد يظهر منها بضعة آلاف معاً. وبعض العواصف الشهابيّةِ، كتلك التي شوهدت في أوروربا في العام 1799م ، وفي العام 1833م، قُدّرَ عدد شهبها بمئات الآلاف في الساعة الواحدة. وفي أثناء مثل هذه العواصف الشهابيّةِ تبدو السماء مليئة بالنجوم الهاوية حتّى إنها قد تبدو وكأنها تُمطر شهباً، ففي العام 289 للهجرة الموافق 902 للميلاد ظهرت في سماء بغداد عاصفة شهابيّةٌ تزامنت مع موت الخليفة إبراهيمبن أحمد فسموّها: "ليلة النجوم"، واعتبرها بعضهم دموعاً ذرفتها السماء بكاء عليه[19]. وعواصف الشهب نادرة الحدوث فقد لا تحدث في القرن الواحد أكثر من بضع مرّات؛ ثلاث مرّات منها هي عواصفُ شهابيّةٌ أسديّةٌ Leonids؛ إذ إن همرة الأسديّات التي تظهر سنويّاً في أواسط شهر تشرين الثاني تصنع عاصفةً شهابيّةً مرّة كل 33 سنة تقريباً.
    ولأن الدقائق المحدثة للهمرة الشهابيّة، أو المحدثة للعاصفة الشهابيّة، تكون مسافرة في ممرات متوازية، وبنفس السرعة، فسوف تظهر شهبها للمراقب من الأرض متشعّعة من نقطة واحدة radiant point. وظهور التشعّع من نقطة واحدة عائد إلى الخداع البصريّ perspective. وغالباً ما يسمّون الرخة الشهابيّة بنسبتِها إلى البرج السماويّ أو الكوكبة السماويّة التي تكون في خلفيّتِها. وهناك همرات شهابيّةٌ مشهورة تعود للظهور بشكل دوريٍّ في نفس المواعيد من السنة[20]. وقد تبدو العاصفة الشهابيّة كأنها "تمشيط" للسماء برمايات ناريّةٍ أو صاروخيّة، فتظهر السماء مليئةً بالنجوم الهاوية.


    رد مع اقتباس  
     

  2. #2  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    هل السماء الدنيا هي الأيونوسفير ionosphere؟لقد عيّن القرآن الكريم أن السماء الدنيا هي موضع انطلاق الشهب، وذلك في ثلاث آيات؛ إذْ حصرَ ظهورَ الشهبِ فيها، وذلك صراحةً في اثنتيْنِ، وضمناً في الثالثةِ:1- ï´؟ ولقد زينا السماءَ الدنيا بمصابيحَ وجعلناها رجوماً للشياطينِ ï´¾ [الملك: 5].2- ï´؟ إنّا زيّنّا السماءَ الدنيا بزينةٍ الكواكبِ (6) وحفظاً من كلِّ شيطانٍ ماردٍ (7) لا يسَّمَّعونَ إلى الملإ الأعلى ويُقْذَفونَ مِنْ كلِّ جانبٍ (8) دُحوراً ولهمْ عذابٌ واصبٌ (9) إلّا مَنْ خَطِفَ الخطفةَ فأتبَعَهُ شهابٌ ثاقبٌ (10) ï´¾ [سورة الصافّات].3- ï´؟ وأنّا لمسنا السماءَ فوجدناها مُلِئتْ حرَساً شديداً وشُهُباً (8) وأنَّا كنّا نقعُدُ منها مقاعدَ للسمعِ فمَنْ يستمعِ الآنَ يجدْ له شهاباً رصداً (9) ï´¾ [سورة الجن]. ومن البدهيِّ أنَّ اللمسَ يكون بمسِّ سطحِ الشيءِ وظاهرِهِ، أي بمسِّ الطبقةَ الأولِى منه، ولا ريْبَ أنَّ الطبقَةَ الأولى من السماءِ بالنسبةِ للثقليْنِ، للجنِّ والإنس، هي السماءُ الدنيا.فأيّ حيّزٍ من الفضاء هو السماء الدنيا حيث تحدث الشهب؟قد ثبتَ علميّاً بشكلٍ لا مريةَ فيه أن الشهب لا تظهر ولا تنطلق إلاّ في الأيونوسفير بطبقاته الثلاث، أي في الفضاءِ من فوق الأرض المحتلِّ لارتفاع معدّله من نحو 60كم أو 70كم إلى 1000كم تقريباً، وهي من الأسفل إلى الأعلى: D-layer، و E-layer، و F-layer. وبناء على هذا، فالأيونوسفير هو السماء الدنيا. ويعزّز هذا الاستنتاجَ أن الأيونوسفير نفسَهُ ذو خصائص تمكنه من إصدار الضوء، أي إن الأيونوسفير مؤهل بخصائصه وبتركيبه ليقوم بمهمّة المصابيح؛ وهذا واضح من الضياء الدائب فيه، ليلاً ونهاراً، والمعروف باسم : "الوهج الجويّ" airglow، ومن ظاهرة الأفجار القطبيّة [21]polar auroras، وبخاصّة الإهليلجان الأوروريّان [22]auroral ovals الشماليّ والجنوبيّ. وكلٌّ إهليلج أوروريّ عبارة عن كعكة doughnut من ضياء الفجر القطبيِّ، وهي كعكة متغيّرة الحجم موجودة دائماً في أيونوسفير سماء المنطقة القطبيّةِ، واحدة في الشماليّة والأخرى في الجنوبيّة.وعلى هذا، فالأيونوسفير طبقة مزيّنة بمصابيح، وهي نفسها مسرح الشهب أيضاً. ومن الجدير بالذكر أن أنشط منطقة أيونوسفيريّةٍ في توليد الأفجار القطبيّة هي طبقة E-layer، وهي نفسها مسرح النسبة الكبرى من النشاطات الشهابيّةِ.وإذا أخذنا قول الله تعالى: ï´؟ ولقد زيّنّا السماءَ الدنيا بمصابيحَ وجعلناها رجوماً للشياطينِ ï´¾ [الملك: 5]، فإننا نجد في تفسير القرطبيِّ أن الضمير في "وجعلناها" راجعٌ إلى السماءِ، وأنَّ هناك حذفاً للمضافِ، والتقدير هوَ : (وجعلنا شهبَها رُجوماً للشياطينِ).وأمّا الإمام الرازيّ فقد ذهب في تفسيره الكبير "مفاتيح الغيب" إلى أن المجعول رجوماً للشياطين هو المصابيحُ أنفُسُها، أي إنه قد اعتبر أن الضمير في "وجعلناها" عائد على المصابيح. ولا ريْبَ أن عودة الضمير على المصابيح، وهي آخر مذكور قبل الضمير والأقرب إليه، تعني أنه يوجد في السماء الدنيا نفسِها ما يولّدُ شهباً ونوراً، أي إن الفضاء الذي من فوق الأرض حيث تتولّد الشهب يتمُّ فيه نفسِهِ توليد ضياء أيضاً. وبلغة أخرى، فإن الأخذ بعودة الضمير في "وجعلناها" على المصابيح معناه في النهاية أنه يوجد فوق الأرض طبق يتم في فضائه أو حيّزه توليد الشهب وتوليد نور، أي إن الطريقة التي يتمُّ بها توليد الشهب تُولِّدُ ضياءً أيضاً. وبناء على ما هو مقرّر جيوفيزيائيّاً من ارتباط ضياء الأفجار القطبيّة بالتفريغات الكهربائيّة ومن جريانها في الأيونوسفير، فإن ظهور الشهب في الأيونوسفير نفسِهِ لهو مما يعني أن هذا الظهور هو الآخر مرتبط بالتفريغات الكهربائيّةِ.نظريّات في ضياء الشهب:هناك ثلاث نظريّات تتناول مسألة تفسير ضياء الشهاب meteor باعتباره، حسب النظرة التقليديّةِ، مرتبطاً بجسم هاوٍ meteoroid، وهي: نظريّة التوهّج الناتج عن التسخين بالاحتكاك، ونظريّة تفسير السطوع بالتوهّج بتأثير الضغط الكبسيّ، ونظريّة تولُّد الضياء بالتفريغات الكهربائيّة.1) التسخين بالاحتكاك frictional heating:درج علماء الفلك والجيوفيزياء لفترة طويلة على تفسير الضياء الشهابيّ بأنه نتيجة توهّج المستشهب، أي نتيجة لما يحدث للمستشهب من التسخين إلى درجاتٍ حراريّة عالية جدا، قد تتجاوز ألفيْن من الدرجات المئويّةِ. وفي رأيهم أن التسخين الشديد يَحدث للمستشهب بسبب تحول طاقته الحركيّة العالية إلى طاقة حراريّة في عمليّة تصادم المستشهب بالمحتويات الغازيّة والأيونيّة في الأيونوسفير، وبخاصةٍ عند مرور المستشهب في طبقة E-layer بين ارتفاع نحو 90كم إلى ارتفاع نحو 150كم فوق سطح الأرض. ومع أن المستشهبات الشائعة المعهودة typical صغيرة الكتلة، بحجم حبّات الرمل، إلا أن طاقتها الحركيّة عالية جداً بسبب سرعتها العظيمة؛ إذ إن الطاقة الحركيّة تتناسب طرديّاً مع السرعة ومع الكتلة، وهي تساوي نصف حاصل ضرب الكتلة في مربع السرعة، ويتم تطبيق هذه المعادلة باستعمال وحدات مخصوصة لكل من الطاقة والكتلة والسرعة. ويرى أصحاب هذه النظريّةَ أن الاحتكاك الشديد، وما ينشأ عنه من الحرارة، هما السبب في إبلاء واهتراء وتبديد واندثار ablation أجسام المستشهبات[23].2) التسخين بالضغط الكبسيّ ram pressure:أثناء السقوط السريع للمستشهب، فإنه يعمل على دفع ما أمامه من محتويات الأيونوسفير الغازيّة ضاغطاً لها، كابساً لها متراكباً بعضها على بعض، بسرعة هائلة؛ وهذا الانضغاط السريع، هذا التراكب والتضّامُّ، للغازات من أمامه يؤدّي إلى تسخينها وتوهجها واكتسابه هو حرارة بحيث إنها توهّجُه هو أيضاً، وتعمل في تبخير مكوناته، وتأيين بعضها، وفي المساعدة على إحالته إلى رماد[24]..3) التفريغات الكهربائيّة electrical discharges:إن الطبقة الأيونوسفيريّة المعروفة باسم: E-layer هي منطقة جُلِّ النشاطات الشهابيّة. وتتميّز طبقة E-layer عن طبقة D-layer التي تحتها، وعن طبقة F-layer التي فوقها ليس فقط في نوع الغازات الغالبة بمنطقتها، وفي كثافتها، ودرجة استجابتها للتأيّن، وبخاصة بفعل أطياف الأشعة الشمسيّة القصيرة الموجة من السينيّة وفوق البنفسجيّةِ، بل تتميّز عنها أيضاً بعظَم نشاطاتها الكهربائيّة من فوارق جهد وتيّارات؛ إذ هي منطقة الأثر الدينامويّ dynamo effect region.وبناء على الوجود الدائم لفوارق الجهد المتغيّرة والتيّارات الكهربائيّة في هذه الطبقة عظيمة الإيصاليّة الكهربائيّة، فإن مرور أي جسم موصل فيها يؤدّي إلى حدوث دوائر قصْر كهربائيّة short circuits أو ما يقال عنه: ماسات كهربائيّة contacts، مسببةً تفريغاتٍ كهربائيّةً بسرعة هائلة، وهذا ما يحدث على طول ممرِّ سقوط المستشهب، وتكون هذه التفريغات الكهربائيّة بمثابة سلسلة خاطفة من الصواعق المُبرقة تصيب المستشهب نفسه وتنخره نخراً، وتحيله إلى بخار وأيونات ورماد[25].تعقيبات:أرى أنه لا يمكن لأحد أن يأتي بأدلة فيزيائيّة تثبت خطاْ أيٍّ من النظريّات الثلاث، ولكن أين يكمن التفسير الجامع الصحيح؟أرى أن ضياء الشهب الشائعة typical meteors والتي تكون مستشهباتها meteoroids بحجم حبة الرمل، بل حتّى ولو أنها كانت بحجم حبة الفول أو أكبر، كما في حالة الشهب من نوع الكرات الناريّة fireballs أو الكرات الناريّة المتفجرة bolides، أرى أن هذا الضياء هو ضياء من الشدّة والوضوح والانتشار بحيث لا يمكن أن يقوم بتفسيره إلّا التفريغات الكهربائيّة بما يلازمها من بروق. وأمّا التسخين وصولاً إلى توهج المستشهبات سواء عن طريق الاحتكاك التصادميّ أو الضغط الكبسيّ، أو عنهما معاً، فإن له مهمةً في تبخير وتأيين المستشهب، مما يعزّز من إيصاليّة المستشهب نفسه، وإيصاليّة الأيونوسفير في ممرِّ سقوطه، وبالتالي، فإن تعزيز تلك الإيصاليّةَِ هو مما يقوّي من فرص حدوث دوائر القصْر فجريان التفريغات الكهربائيّة القويّة مروراً بالمستشهب نفسه، و بما يحيط به من غيمة بلازميّةٍ. ولا ريْبَ أن مرور تيّارات القصر بجسم المستشهب هو مما يزيد في تسخينه ويعزّز من تبخير مكوّناته وتأيينها والعمل على نخرِه وإبلائه واندثاره ablation. فهل قدّم حديث القرآن عن الشهب هذه المعلومات سبقاً للعلوم؟إن "نعم" هي الجواب. وقبل بسط وتفصيل هذا الجواب، فإنه من المفيد أن أقدّم التلخيص المرقّم التالي لإعطاء توضيحات عن الشهب الناتجة عن مستشهبات:1- الشهاب في النظرة التقليديّة ظاهرة ضوئيّة خاطفة تعتري جسماً هاوياً بسرعة هائلةٍ في أعالي الجوِّ، وتحديداً في طبقة الأيونوسفير، وبخاصة في منطقة E-layer.2- وهذا الجسم لا يكون مضيئاً من قبل السقوط، أي أنَّ الضياء المشهود المرتبط به حادثٌ في أثناء هُويِّهِ.3- أن المستشهب بسبب سرعته العالية يكتسب طاقة حركيّة كبيرةً تتحول بارتطامه بغازات الأيونوسفير وبضغطها أمامه أيضاً – تتحول- إلى طاقة حراريّةٍ تُحدث فيه تسخيناً وتوهيجاً فتنطلق منه جسيمات مشحونة بحيث إنَّ قسماً كبيراً منها يلازمه في انقضاضه الخاطف في شكل غيمة بلازميّة.4- أن عبورَ المستشهبِ في طبقة الأيونوسفير يُكوّن على حسابه وعلى حساب الأيونوسفير – يُكوِّن- عموداً أو أنبوباً من الأيونات هو بمثابة أنبوب تفريغ كهربائيٍّ.5- أن المستشهب بإيصاليّته وإيصاليّة غيمته البلازميّة يعمل في إحداث ماسات كهربائيَة مسبّبةً دوائرَ قصرٍ short circuits في تيارات الأيونوسفير .6- تجري في عمود الأيونات سلسلة عاقبة من التفريغات من خلال دوائر القصر محدثة فيه إنارةً تبدو للناظرين كأنها ذيل tail أو جرير trail يتبعه.7- تعمل التفريغات بسبب التيارات الارتداديّة على تطويل مدة سطوع الذيل معزّزة فيه الوهج المدبر afterglow واللصف الفسفوري phosphorescence.هل ربط القرآن المجيد ضياءَ الشهبِ بالاحتكاك والضغط الكبسي والتفريغات الكهربائيّة؟من خلال أنَّ لكل من النظريّات الثلاث واقعاً حقيقيّاً يؤيّدها، فقد استنتجنا أن ضياء الشهب هو على حساب كلٍّ من التوهج بسبب الاحتكاك، والتوهج بسبب الضغط الكبسيّ، والتوهج بسبب التفريغات الكهربائيّة (بروق)، ولكن بنسب مختلفة أو حصص متباينة، أكبرها هي نسبة الضياء الناتج من التفريغات. فهل نجد في حديث القرآن الكريم عن الشهب ما يشير أو يتضمن ربط الضياء الشهابيِّ بالاحتكاك، والضغط الكبسي، والتفريغات الكهربائيّة، أي ربطه بالثلاثة معاً؟نعم، قد جاء ربطها بالثلاثةِ معاً في وصف الشهاب بالطارق: "والسماءِ والطارقِ. وما أدراكَ ما الطارقُ. النجمُ الثاقبُ".فهل يشمل "الطارق" في معانيه احتكاكاً وكبساً وتفريغاً كهربائيّاً (برقاً)؟أولاً- الطارق والاحتكاك:جاء في المعاجم[26]أن الطرق هو الضّربُ، هو الصّكُّ، هو الدّقُّ. وهذه المعاني الثلاثة متقاربة. ولا شكَّ أنها تشترك في تضمُّنها الارتطامَ والاصطدامَ بين شيئيْن: متضاربيْن أو ضاربٍ ومضروبٍ، ومتصاكّيْن أو صاكٍّ ومصكوكٍ، ومتداقّيْن أو داقٍّ ومدقوقٍ، على التوالي، سواء كان الاثنان متحركيْنِ، أو كان أحدهما ثابتاً وتحرك الآخر تلقاءه. ومع حدوث الارتطام أو الاصطدام لا بدَّ أن يكون هناك احتكاكٌ فتسخينٌ على حساب الطاقة الحركيّة.


    رد مع اقتباس  
     

  3. #3  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    ثانياً- الطارق والكبس (التراكب والتضاغط).جاء في المعاجم أن الطرقَ هو وضع أو تركيب شيء على شيء.اطّرَقتِ الأرضُ إذا ركب التراب بعضُه بعضاً.اطّرقَ جناح الطائر: التفَّ ريشه.الطَّرَقُ في الريش: أن يكون بعضها فوق بعض؛ ويقالُ: ريش طِراقٌ إذا كان متراكباً.طارَقَ الخيّاط الثوبينِ أو طرَقَهما: ركّبَ أحدهما على الآخر وخاطَهما.طارَقَ الإسكاف النعليْن أو طرَقهما: خصف أحدهما على الآخر، ودرزهما أو خرزهما.تقول العرب: طرَق تطخطخُ الغيمِ الليلَ، وطارَقَ الغيمُ الليلَ بتطخطخه، أي من خلال تجمّع الغيوم والتأليف بينها زادَ الليلُ ظلمةً على ظُلمةٍ، وعتمة على عتمة.وما من ريْبٍ أن تراكب أو تركيب الأجسام بعضِها فوق بعضٍ هو كبس وتضاغط.ثالثاً- الطارق والتفريغ الكهربائيّ (البرق).جاء في "ثانياً" أن الطرق هو انضمام الشيء بعضه إلى بعض، أو هو تراكب الشيء متجمّعاً بعضه على بعض. وإذا نظرنا إلى التفريغ الكهربائيِّ، وهو طريقة حدوث البرقِ، فإننا نجد أنه في النهاية عبارة عن تجمُّعٍ لمتجمّعات؛ تجمّع للشحنات السالبة يقابله تجمّع للشحنات الموجبة، وعندما يحدث بينهما تجاذب كهربائيٌّ قادرٌ أن يحطم مقاومة الهواء بينهما، فإن الشحنات تندفع متصادمة، وتتعادل، وكأن الجسيمات الموجبة تلمُّ وتجمِّع الإلكترونات السالبة؛ أي يوجد في هذه العمليّةِ تصادمات ومحاولة انكباس وتراكب. ومن هنا، فالتفريغ الكهربائيّ يتضمن حدوث انكباس وتضاغط، وحدوث تصادم واحتكاك، أي إنه شكل من أشكال الطرق.والطرق هو أيضاً ضربُ أو رميُ الحصى. وإذا ما أخذنا ضرب الحصى بعيداً عن ارتباطه بالكِهانة، فإن واقع الشهب من المصدر الكونيّ هو أنه يغلب عليها أنها حُصَيّات أو فتات من الحصيّات، وقد تكون بحجم الحصى كما في حالة الكرات الناريّة fireballs، وأنّها ساقطة نحو الأرض بفعل الجاذبية الأرضيّةِ، وكذلك فإن الراجمات بالحصى يرمينها باتجاه الأرض فتسقط عليها بفعل الجاذبيّة الأرضيّة نفسِها. والطرق أيضاً يذكّر بالصوت، وقد تبيّن أن الشهب تكون مصحوبة بصدمات وأصوات.والطارق هو ذو الطِّرقِ، صاحب الطِّرق، ونستطيع أن نعتبر أنه الطِّرْقُ نفسُه. وما الطِّرق إلا الفخُّ أو حُبالة الصيد. ومن المعروف أن الفخَّ يكون في شكل كمينٍ، يكون في شكل رَصَدٍ، وهو ينطلق في الفريسة أو المتسلل فجأة. ولا ريْبَ أن حالة الشهب الجيوفيزيائيّةَ لَشبيهةٌ بحالة الفخِّ المتوتّر؛ إذ هي ناتجة من فرق جهدٍ كهربائيّ كامن potential، أي من حالِ توتُر كهربائيّ tension، ينبثق في اللامس فجائيّاً على شكل تفريغ كهربائيّ مطبقاً عليه.وباختصارٍ، فإن وصف القرآن الكريم للشهاب بالطارق، وربطه للثقبِ بالطرق: "والسماءِ والطارقِ. وما أدراكَ ما الطارقُ. النجمُ الثاقبُ"، هو في النهاية إشارة إلى ارتباط ضياء الشهب بكلٍّ من الاحتكاك، والضغط الكبسيِّ، والتفريغات الكهربائيّةِ. ولا ريْبَ أن التفريغ الكهربائيّ طارق، وأنَّ الكبس طارق، وأن الضغط طارق، وأن الصدمَ طارق، وأن الطرقَ نفسَه حاككٌ صاككٌ داقق.الرجم دائب:قال الله تعالى في سورة الصافّات: ï´؟ إنا زيّنّا السماءَ الدنيا بزينةٍ الكواكبِ (6) وحفظاً من كلِّ شيطانٍ ماردٍ (7) لا يسَّمَّعونَ إلى الملإ الأعلى ويُقْذَفونَ من كلِّ جانبٍ (8) دُحوراً ولهم عذابٌ واصبٌ (9) إلّا مَنْ خَطِفَ الخطفةَ فأتبَعَهُ شهابٌ ثاقبٌ (10) ï´¾.وقال سبحانه في سورة الحِجْر: ï´؟ ولقد جعلنا في السماءِِ بروجاً وزيّناها للناظرينَ (16) وحفظناها من كلِّ شيطانٍ رجيمٍ (17) إلّا مَنِ استرقَ السمعَ فأتبعَهُ شهابٌ مبينٌ(18) ï´¾.إن التدقيق في الآيات الكريمة السابقة من سورة الصافّات ومن سورة الحجر، يجعلنا نستنتج استنتاجيْن:الاستنتاج الأول هو أن الرجم دائب؛ إذ لا بدَّ أن يكون حفظُ السماءِ دائباً على مدار الساعةِ، دون أيّ انقطاع في ليلٍ أو نهارٍ: ï´؟ فقضاهنَّ سبعَ سماواتٍ في يوميْنِ وأوحى في كلِّ سماءٍ أمرَها وزيّناّ السماءَ الدنيا بمصابيحَ وحفظاً ذلكَ تقديرُ العزيزِ العليمِ ï´¾ [فصّلت: 12]..، ï´؟ وجعلْنا السماءَ سقفاً محفوظاً وهمْ عنْ آياتِها مُعرِضونَ ï´¾ [الأنبياء: 32].وهذا الحفظ الدائب متمثلٌ في انقذافِ رجومٍ من كلِّ جانب وبشكل دائم: ï´؟ ولقد زيّنا السماءَ الدنيا بمصابيحَ وجعلناها رُجوماً للشياطينِ ï´¾ [الملك: 5].. ، ï´؟ لا يسَّمَّعونَ إلى الملإِ الأعلى ويُقْذَفونَ من كلِّ جانبٍ ï´¾ [الصافات: 8].والاستناج الثاني هو أن هناك شهباً هي أحداث لحالات متميّزة من القذف بالرجوم قد يكون حدوثها أحياناً مرتبطاً بمحاولة الجنّ أو الإنس، للنفاذ من السماء الدنيا: ï´؟ وأنّا لمسنا السماءَ فوجدناها مُلِئتْ حرَساً شديداً وشُهُباً (8) وأنَّا كنّا نقعُدُ منها مقاعدَ للسمعِ فمَنْ يستمعِ الآنَ يجدْ له شهاباً رصَداً (9) ï´¾ [سورة الجنّ]..، ï´؟ يا معشرَ الجنِّ والإنسِ إنِ استطعتم أن تنفُذوا من أقطارِ السماواتِ والأرضِ فانفُذوا لا تنفُذونَ إلّا بسلطانٍ (33) فبأيِّ ربِّكما تكذّبانِ (34) يُرسَلُ عليكما شُواظٌ من نارٍ ونحاسٌ فلا تنتصرانِ (35) ï´¾ [سورة الرحمن].وبناء على ما سبق، وأخذاً للثقبِ بمعنى الإضاءة؛ إذ هي أوْلى معانيه بالأولويّة، نصل إلى أن الرجم إمّا يكون بقذائف داحرة غير ثاقبة تنقذف في السماء الدنيا انقذافاً طبيعيّاً باستمرارٍ، وفي جميع الاتجاهات، أو بالشهب الثاقبة ذات الاتجاه المعيّن، أي أن وظيفة تلك الشهب في انطلاقها وانقضاضها هي الثقب، وأن الثقب قد يصل إلى درجة من السطوع بحيث يكون تألّق الشهاب مُبيناً تبصره أعين الناس المجرّدة، أو قد يصل الثقب إلى درجة من السطوع بحيث يكون تألّق الشهاب غير مبين أي لا تبصره أعين الناس سواء مجرّدة أم غير مجرّدة. فهل اكتشفت علوم الفلك والجيوفيزياء هذه الحقائق؟أولاً- هل اكتشفت علوم الفلك والجيوفيزياء أن هناك رجماً دائباً بقذائف داحرة تنقذف في السماء الدنيا باستمرارٍ، وفي جميع الاتجاهات؟نعم، هذا ما تمَّ اكتشافه؛ إذْ إن تساقط الجسيمات المشحونة precipitation of charged particles على الأيونوسفير أمرٌ دائب على مدار الساعة، وهو رماية وقذف bombardment، تساقط قصفيٌّ ذو طاقة عالية، وأيضاً فإن الإلكترونات والبروتونات تتحرك باستمرار على طول خطوط القوة المغناطيسيّة المارّة في الأيونوسفير، وعلى الدوام فإن قسماً منها يفلت من خطوط القوة المغناطيسيّة منقذفاً مرجوماً في جميع الاتجاهات في عمليّة انتثار مستمرة تعرف باسم: "بعثرة زاوية الرماية" pitch-angle scattering، أو باسم: "انتشار زاوية القذف" pitch-angle diffusion. ولا ريْبَ أن هذه الدقائق المشحونة، هذه القذائف، هي في النهاية أجسام ماديّةٌ لها كتلة، أي هي رجوم.وكذلك فإنه تجري في الأيونوسفير باستمرار تفريغات كهربائيّة من نوع التفريغات النقطيّة point discharges، وهذه التفريغات لا يصاحبها توهجات ولا صدور ضياء، ولكنها ترسل أو تقذف جسيماتٍ مشحونةً.ثانياًً- وهل اكتشفت علوم الفلك والجيوفيزياء أن هناك رجماً بشهب غير مبينة لا تكشفها حتّى التلسكوبات؟نعم؛ إن تساقط المستشهبات حادث باستمرار في كل السماء فوق كلّ خطوط العرض، ولكنها قد تكون دقيقة micrometeoroids بحيث ينشأ عنها شهب غير مبصرة سواء كانت العيونُ مجرّدةً أم معانةً بالعدسات والتلسكوبات، أي إنها شهب مستصغرة جدّا وغير مبينة micrometeors، أي لا يمكن رصدها ضوئيّاً من على سطح الأرض، ولكنها يمكن أن ترصد بالرادار[27].وعلى كل حالٍ، فإنه يمكن أن نعتبرَ أن للقذف خمسة أشكال:1) بالمستشهبات meteoroids والمستشهبات الدقيقة micrometeoroids.2) بالأيونات والإلكترونات من خلال الانجذاب أو التجاذب بالكهربائيّة الساكنة electrostatical attraction[28] .3) الانتثار والانتشار بزاوية رماية pitch-angle diffusion.4) بالتفريغات النقطيّة (point discharges)، وهي تفريغات الشحنة المتجمعة في نقطة محددة، في حيّز محدد مثل الرؤوس المدببة، وهذه التفريغات ليست ذات وهج.5) بالتيّارات الكهربائيّة، وبخاصة تيّارات القصر short circuiting currents.


    رد مع اقتباس  
     

  4. #4  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    فهل في قولِ اللهِ تعالى: ؟ ويُقذَفون من كل جانب
    ما يدل على ارتباطٍ بالتفريغات الكهربائيّةِ؟
    1- ما دامَ الجسم الذي يحاول النفاذَ موصلاً للكهرباءِ فيناسبهُ إذا ما وقع في مسار تيّارٍ، أو في مجالٍ كهربائيٍّ ذي فرقِ جهدٍ ساكنٍ ، أو أنه لمسَ أحدهما، أن تكون كلُّ جوانبِهِ مواضعَ لحدوثِ تيّارات القصر، أو ما نسميهِ اختصاراً: الماس الكهربائيِّ electric contact، أي يمكن أن يكونَ الجسمُ اللامسُ موضعاً لعبور تيارات القصر من جميع الاتجاهات في آن واحدٍ. وهذه التيّارات تتابعُه في خطِّ انطلاقِهِ راسمةً طريقةً يمكن أن يتم فيها رصد أربعة آثار للتيار الكهربائيّ نفسِه: الأثر الحراري، والأثر الضوئيّ (شاملاً الإصدار الراديويّ)، والأثر المغناطيسيّ، والأثر الكيماويّ.2- وإن الشهبَ لا تنطلق في اتجاه محدّد، فكل الاتجاهات محتملة، وهذا واضحٌ إذا كانت عمليّات الرصد واسعةً ومركزةً على الشهب غير الزخيّةِ، أي على الشهب الفُرادى sporadic."دحوراً ولهم عذابٌ واصبٌ"جاء في معاجم اللغة وفي التفاسير أن الدحر هو الدفع والإبعاد والإقصاء والطرد[29].ما إعراب "دُحوراً"؟أولاً- باعتبارها مصدراً، أي بمعنى: "دَحْراً"ً:أ- نائب مفعول مطلق منصوب.ب- أو مفعول لأجْله منصوب.ثانياً- باعتبارها جمعَ "داحرٍ"، بمعنى: ما يدحر.أ- مفعول به ثانٍ (وذلك في حالة تجويز القول: قذف زيدٌ أخاه الحجارةَ، ولكن الأصحّ هو القول: بالحجارة).وإذا ذهبنا إلى قراءة "دحوراً" بفتح الدال : "دَحوراً"، واعتبرنا أنها صيغة مبالغة لداحر، أي إنهم يُقذَفون بما يدحرهم، فإنها تكون أيضاً مفعولاً به ثانياً منصوباً؛ وإذا اعتبرناها مصدراً فهي منصوبة على أنها نائب مفعول مطلق، أو على أنها مفعول لأجْله.ب- أو منصوب بنزع الخافض، أي بحذف حرف الجرِّ وهو الباء (التقدير هو: ويُقذَفونَ من كلِّ جانبٍ بدُحورٍ).ثالثاً – باعتبار "دُحوراً" جمع داحرٍ، واعتبار "داحر" بمعنى: مدحور (كعاصم بمعنى معصوم، وساجر بمعنى مسجور)، فحينئذٍ يمكن إعراب "دُحوراً" بأنها حال منصوب، أي يُقذفون مدحورين.وجاء لواصبٍ في معاجم اللغة[30]والتفاسير خمسة معانٍ:واصب: دائم أو دائب.واصب: لا غاية له، أي حادث على طول المدى.واصب: ثابت، مقيم.وهذه المعاني الثلاثة متقاربة.واصب: موجع ممرض (أي صاحبُ وَصْبٍ، كما نقول: تامرٌ عن صاحب التمر، ولابِنٌ عن صاحب اللبن).واصب: شديد.فهل القذف الذي يجري في الأيونوسفير هو بجميع أشكاله عذاب واصب حسب المعاني الخمسةأمّا بالنسبة للمعاني الثلاثة المتقاربة فأرى أنه كذلك؛ فهو، بهذا الشكل أو ذاك، قذف مستمر على مدار الساعة، فلا ينقطع لا ليلاً ولا نهاراً إلى قيام الساعة، وهو ثابت ومقيم في الأيونوسفير؛ إذ هو مرتبط بتركيبه وببنائه. وأمّا بالنسبة للمعنى الرابع، وهو أن الواصب هو الممرض الموجع، فإن تعرّض الإنسان لهذا الشكل أو ذاك من القذف الذي يجري في الأيونوسفير هو سبب في عذابٍ ممرضٍ موجعٍ؛ إذ قد يتسبب بحروقٍ مزمنة، أو بالسرطان بشكلٍ عُضالٍ، أو بأنواعٍ من التسمم الإشعاعيّ. ولا ريْبَ أن عذاباً هو بالنار أو بالمرض العضالِ إنْ هو إلّا عذاب شديد. فكيف يتمُّ الدحرلا ريْبَ أن القذف من كلِّ جانبٍ وبالشهب هو الأصل في الدحر، أي هو السبب الأول المباشر في طرد الجانِّ عن التسمُّع ومحاولة النفاذ. ومن الممكن أن نعتبر أن نتائج القذف من كلِّ جانبٍ وبالشهب هي الأخرى سبب في الطردِ، أي إنها تمثل سبباً غير مباشر للطردِ، بمعنى أن مَنْ تحدث له لا يعود إلى المحاولة فيبقى مطروداً ومُقصىً، أو قد يعتبر ويتعظ غيرُه بما جرى له فلا يحاول محاولته؛ لأنه من الممكن أن نعتبرَ أن الواوَ في "ولهم" في قول الله تعالى: ï´؟ دحوراً ولهم عذابٌ واصبٌ ï´¾ هي واوَ "إذْ"، أي هي بمعنى "إذ"، وهي حينئذٍ لا تأتي للعطف بل تأتي للتعليل. وعلى هذا، فإن الدحرَ للجنِّ هو أيضاً بالعذاب الواصب الحاصل نتيجة للقذف من كل جانب وبالشهب. وفي حالة عدم أخذ الواو على أنها "واو إذْ"، فإنه يمكن اعتبارها للاستئناف، وفي هذه الحالة يكون هناك محذوف نقدره بالضمير "هو" أي نفهم "ويُقْذَفونَ من كلِّ جانبٍ دُحوراً ولهم عذابٌ واصبٌ" هكذا: (ويُقذفون من كلِّ جانبٍ دُحوراً وهو لهم عذابٌ واصبٌ)، والضمير المقدر يعود على الدحور، أو على محذوف تقديره "قذفاً".ومن الممكن أيضاً أن يتمَّ الدحر بالتأثيرات التجاذبيّة بين المستشهبات وبين الجسم المحاول للنفاذ سواء بالتجاذب الكهربائيّ أم بالتجاذب الكتليّ، فإن المستشهبات التي هي قذائف تنجذب هاويةً نحو ذلك الجسم فتدحره وتبعده وتُقصيه، أي تحاول أن تعيده ساقطاً هاوياً نحو الأرض.وزخم المستشهب المتوسطِ السرعة، والذي هو بقدر حبة الرمل، هو بقدر زخم الرصاصة من عيار 22 ملم؛ فصدم الجسم الصاعد والمحاول للنفاذ بمثل هذا القدر من الدفع يجعل سرعته أقلّ من سرعة الإفلات، أو يفقده التوجه مما يؤدّي إلى سقوطه من حيث صعد. وكذلك فإنّ هناك تأثيرات للقذف في تحطيم الجسم المحاول للنفاذ ممّا ينتهي إلى دحره."وجعلناها رُجوماً للشياطينِ"قال الله تعالى: ï´؟ ولقد زيّنا السماءَ الدنيا بمصابيحَ وجعلناها رُجوماً للشياطينِ ï´¾ [الملك: 5].إن كلمة الرجوم مشتقة من الفعل الثلاثيِّ "رَجَمَ". فماذا جاء في المعاجم من معاني الرجوم مما تحتمله الآية الكريمة؟يُقالُ رجَمَ رجْماً أو رجمَ رُجوماً، أي إن "رجوماً" قد تكون في الآية مصدراً بمعنى الرجم.والرُّجوم هو جمع الرَّجم، والرجم هو اسم لما يُرجمُ، أو يُرمى به قذفاً، والمألوف في الرجم، وبخاصة في سابق العهود، هو أن يكون بالحجارة أو النَّبْل والسهام. وقد يأتي الرجمُ بمعنى القتل؛ فأصله هو الرميُ بالحجارة.وباختصار، فللرجم في القاموس المحيط للفيروزآباديّ معانٍ كثيرةٌ، منها: القَتْلُ، والقَذْفُ، والغيبُ، والظَنُّ، والطَّرْدُ، ورَمْيٌ بالحجارةِ، واسْمُ ما يُرجم به.والرجمُ هو المرورُ عدْواً مع الاضطرام، أي مع الاتقاد. وارتجمَ الشيءُ: ركبَ بعضُه بعضاً.والرَّجَمُ: البِئْرُ، والتَّنُّورُ، والقَبْرُ.والرِّجامُ: المِرجاس، وهو حجر يُشدُّ في طَرَف الحبل، ثم يُدَلَّى في البئر فتُخَضْخَض به الحَمْأَة حتى تثور، ثم يُسْتَقَى ذلك الماءُ فتستنقى البئرُ[31].ولو استعرضنا معاني كلمة الرجم ومشتقاتها في واقع المعلومات المتوافرة عن الشهب، فإننا نجد فيه لها، جُلّاً إن لم يكن كلّاً، وجوداً ظاهراً. فأمّا إذا أخذنا أن أصل الرجم هو الرمي بالحجارة فإن في واقع الشهب ما يوافقهُ؛ إذ إن قسماً كبيراً من المستشهبات هو حجارة بالمعنى الكامل للكلمة، وأكثر المستشهبات المعهودة هي في الواقع حصيّات. وأمّا إذا ذهبنا إلى أن الرجم هو الطرد أو القتل، فإن تعامل علماء الفضاء مع الأيونوسفير قد بيّن أنها منطقة تحاول دوماً طرد ما يقترب منها أو يدخلها من خلال نشاطات كهربائيّةٍ عديدة، وأن تلك النشاطات قد تكون قاتلةً فوراً، أو أن لها آثاراً تنتهي بالقتل بعد حين. وأمّا إذا تعاملنا مع الرجم بأنه العدْوُ مع الاضطرام، فإننا نجد أن واقع الشهب التي على حساب المستشهبات هو كذلك؛ لأن المستشهبَ الهاوي هو جسمٌ متحرك بسرعة عظيمة، فهو يسقط كأنما يعدو ويركض، بل هو من قبل السقوط يكون في عدوٍ في الفضاء، والمستشهب نفسه يضطرم أثناء السقوط، فالتوهج هو اضطرام. وإذا ذكّرتنا الرجومُ بالرَّجَمِ بمعنى التنّور، فإن الأيونوسفير تتبع فعلاً لغلاف من الأغلفة المحيطة بالأرضِ يسمّونه: الثرموسفير thermosphere، وكلمة "ثرمو" تشير إلى الحرارة والنار، ولا ريْبَ أن الحرارة والنار هما مما يرتبط بالتنّور. والأيونوسفير موطن لتفريغات كهربائيّة مولّدة للحرارة، أي هو مكان فيه نار. وأمّا لو ربطنا بين الرجوم والرِّجامِ، فإننا نجد أن الشهاب هو بمثابة الرِّجام؛ إذ إن المستشهب هو حجرٌ هاوٍ ومن خلفِهِ ذيل منير كأنه حبلٌ يتدلّى به في السماءِ، ومن وظائف الرجم بالشهب محاولةُ جعل السماء الدنيا نظيفةً من الإنس والجنِّ، أي بالشهبِ تُستَنقى السماءُ الدنيا. قال الشاعر الجاهليّ أوس بن حجر:
    فانقضَّ كالدُّريّ يتبعُهُ
    نقْعٌ يثور تخالُه طُنُبا
    والطُّنُب هو الحبل.وأمّا إذا تناولنا الرجوم وفطنّا إلى الارتجام، فإن ذلك لا بدَّ أن يذكّرنا بالضغط الكبسيِّ الذي يعتبره بعض العلماء سبباً في توهيج المستشهبات الهاوية. والضغط الكبسيُّ يعمل في أن تركب غازات الأيونسفير بعضُها بعضاً منضغطةً متراكمة أمام المستشهب الهاوي. وأمّا إذا تحدثنا عن الشهب، وأمسكنا بأن الغيب والظنَّ هما من معاني الرجم، فإننا نجد أن المنجّمين يتخذونها للرجم بالغيب؛ إذ إنهم كانوا يظنّون أن ظهور الشهب بمعدل عالٍ هو دليل حدَثٍ قادمٍ، أي كانوا يفسرون ظهور الشهب بأحداث مرجومةٍ بالغيب، وهو من أمور الكهانة."شواظٌ من نارٍ"قال الله تعالى: ï´؟ يُرسَلُ عليكما شواظٌ من نارٍ ونحاسٌ فلا تنتصرانِ ï´¾ [الرحمن: 35].رأى كلٌّ من ابن فارس والجوهريّ في مقاييس اللغة، وفي الصحاح، على التوالي، أن الشُّواظ أو الشِّواظ هو اللهب الذي لا دخان معه. وأيضاً ذهب ابن منظور في "لسان العرب" إلى أن الشُّواظ أو الشِّواظ هو لهب النار الخالص من الدخان. وجاء في معجمه أنه إذا قيلَ: شواظ الشمس فقد قُصِد حرُّها. وأورد أيضاً أن الشُّواظ قِطْعة من نار ليس فيها نُحاس. وأورد أنه قيل: الشواظ لهب النار، ولا يكون إِلا من نار وشيءٍ آخر يَخْلِطُه[32].وجاء في مسائل نافع بن الأزرق[33] :"قالَ لابن عباس أخبرني عن قولِ الله تعالى: ï´؟ شواظ ï´¾ [الرحمن: 35]؟ قال ابن عباس: الشواظُ: اللهب الذي لا دخان له. قال نافع: وهل تعرف العربُ ذلك؟ قال ابن عباس: أما سمعتَ قولَ أميّة بن أبي الصلت:
    يظلُّ يشبُّ كيراً بعد كيرٍ
    وينفخُ دائباً لهبَ الشواظِ
    ومن الربط بين ما جاء في معاجم اللغّة عن الشواظ وبين مجيئها في آية من القرآن الكريم، يمكن أن نستنتج أن الشواظ في الآيةِ هو أحدُ معنييْنِ متقاربيْنِ:المعنى الأول هو أن الشواظ دُقاقُ النار، كِسر الحطب الدقيقة، جُذاذ العيدان، الدُّقُّ الذي يبدأ به تسعير النار، جمارُ الحطبِ التي يتمُّ إشعالُها في البدءِ ليتقد منها سائر وقودِ النار، الجُميراتُ التي تُستوقَدُ بها النار، الجمرُ الأوليُّ القبسيُّ الذي يبدأُ به تسعير النار وتشعيلُها، هو الدقاق الذي يكون ثقوباً للنار أي يوضع في الحطبِ موزّعاً حتّى تتقد النار وتشبّ، هو الجذوة التي تشبّ بها النار، وهو أيضاً ما نسمّيه: البصابيص.وهذا المعنى يمكن استنباطه من الشواهد الشعريّة:قال أميّة بن خلف في هجاء حسان بن ثابت:
    أليس أبوكَ فينا كان قيْناً
    لدى القيْناتِ فَسْلاً في الحفاظِ؟


    يمانيّاً يظلُّ يشدُّ كيراً
    وينفخُ دائباً لهبَ الشواظِ
    وذكرُ نار الكير يعني أنَّ هناك وقوداً، وهو في عصرِهم فحمٌ أو حطبٌ، وأن هناك حديداً، أي يوجد في داخل الكير قطعٌ من الوقودِ وقطعٌ من الحديدِ. وإنَّ أحوجَ ما يكون استيقاد النار إلى النفخ هو في بدء إشعالِها، أو كلما كادت تخبو. وهذا بدورِهِ يعني أنَّ اللهبَ المقصودَ هو إمّا لهبُ الوقود المتفلّقِ، لهبُ الدّقاقِ، أو لهب قطع الحديد المحماة. ولكنَّ الشيء الأوْلى بأن يكون له لهبٌ في البداية وعلى اتصال، هو قطعُ الحطب أو الفحم، وبخاصةٍ تلك القطعُ التي تكون ثِقاباً لبدء الإشعال وجعل النار تشبّ، أي منها يبدأ تسعير النار وتأجيجها. وقد أورد ابن كثيرٍ وآخرون أن بعضَهم قد اعتبر أن الشواظَ هو قطعةٌ من النار. ولا ريْبَ أن الوقود في ذلك العصر قد كان فحماً أو حطباً، ومن هنا فإنَّ وجود الدخان مع النار أثناء النفخ أمرٌ لا مناص منه. وعلى كل حالٍ، فإننا لو قبلنا بأن الشواظ هو لهب النار وذهبنا إلى قول أميّةَ في حسّان بن ثابت:
    يمانيّاً يظلُّ يشدُّ كيراً
    وينفخُ دائباً لهبَ الشواظِ
    فإن قوله: وينفخُ دائباً لهبَ الشواظِ - لو قبلنا بأن الشواظ هو لهب النار- يكون معناه-: وينفخ دائباً لهب اللهب الذي لا دخان له، أي يكون "لهب الشواظ" هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه. وإضافة الشيء إلى نفسِهِ هي في النهاية لا تضيف إلى معنى المضاف إليه أيّ معنىً ذي بالٍ؛ أيْ إنَّ هذه الإضافة لا تقدم من المعاني غير تحصيل الحاصل. وكذلك فإنَّ مجيء هذا الشعر في الهجاء يجعلنا نستبعد أن الشواظ هو اللهب الذي لا دخان له؛ لأنَّ من عادة الشعراء في الهجاء أن يبحثوا عن الألفاظ التي تجعل الهجاء أشدَّ ما يكون تحقيراً وتصغيراً. وبناء على هذا، وعلى أن ذكر النفخ في الدخان هو الأشدُّ تحقيراً من ذكر النفخ في اللهب الخالص، فإنني أستبعد أن يكون الشواظ هو اللهب الذي لا دخان فيه. ولمّا كان النفخ الابتدائيّ من أجل أن تشبَّ النار هو الأقسى على النافخ، وكان الدُّقاق أو الجمار هو ما يُبدأُ به تسعير النارِ، فإن أخذ الشواظ بمعنى الدقاق أو الجمار، هو الأنسب. وأرى أن لرؤبة بن العجاج شعراً يؤيّدنا إذ قال:

    إنَّ لهم منْ وقعِنا أيقاظَا
    ونارَ حربٍ تُسعرُ الشِّواظا

    المعنى الثاني هو أن الشواظ هو الفِلقُ، الكِسَرُ (الشظايا). وهذا المعنى ينسجم مع المعنى السابق ويتضافر معه ويكون منه على تقارب، بل هو أعمُّ منه؛ إذ إن الدقاقَ هو فِلق الحطب أو الفحم أو ما شابه. وفي لسان العرب لابن منظور:شظيَ الشيءُ وتشظّى: تكسّر وتفرّقَ وتفلّق، تطاير شظايا.وشواظي الجبال: الكِسَرُ من رؤوس الجبال.والشظيّةُ: القوس، لأن خشبتَها شظيت شظياْ أي فُلقت.وكلُّ فلقة من شيءٍ شظيّةٌ. وفي الحديثِ أن الله تعالى ألقى على إبليس الغضبَ فطارتْ منهُ شظيّةٌ من نارٍ.شواظ من نارٍ: أي هو مشتعلٌ متّقدٌ قد صار له لهبٌ أو قدرةٌ على الإشعال (التوليع): ï´؟ آتوني زُبَرَ الحديدِ حتى إذا ساوى بيْنَ الصدفيْن قالَ انفُخوا حتّى إذا جعله ناراً قال آتوني أُفرِغْ عليه قِطراً ï´¾ [الكهف: 96]، أي إنه أوصل الحديدَ بالتسخين إلى حدٍّ من التوهّجِ فكأنه أصبح ناراً.الشُّواظ: من وزن الفُعالِ، وهذا الوزن يأتي لِما يصير فِلقاً وكِسَراً، أو كما نقول عاميّاً: (فتافيت وحتاحيت). فهناك: حُطام، جُذاذ، فُتات، رُضاض، رُكام، ودُقاق.والوزن الآخر المشابه لوزن فُعال هو : فُعالة؛ فهناك: قُراضة، بُرادة، نُجارة، نُشارة.قراءات "شواظ":فماذا عن واقع الشهب علميّاً، وبخاصةٍ في ضوء اعتبار أنها مرتبطة بالتفريغ الكهربائيّ، وعن مجيء الشواظ من الفعل شظيَ بمعنى: تفلق؟إن تركيب الأيونوسفير، وبخاصّة طبقة E-layer ، يشتمل على تيّاراتٍ كهربائيّةٍ بما تحمله من جسيمات مشحونة، وفيه تعبر جسيمات مشحونة تتذبذب على خطوط القوة المغناطيسيّة المارّة فيه تذبذباً بين القطبيْنِ، وعليْه تتساقطُ جسيمات مشحونة من الماغنيتوسفير، من طبقات مجال الأرض المغناطيسي. وكلُّ هذه الجسيمات المشحونة التي تمرُّ في الأيونوسفير أو تنقذفُ إليهِ، ومن جميع الجهاتِ، هي جسيماتٌ ذات طاقةٍ عاليةٍ حراريّاً وحركيّاً وكهربائيّاً، أي هي في الواقعِ قذائفُ ناريّةٌ. وجلُّها، وبخاصةٍ الإلكترونات والبروتونات، عبارة عن فِلقٍ، فعمليّة التأيين التي تجري للجزيئات والذرّات المتعادلة هي في الواقع عمليّة تكوين فلقٍ مشحونةٍ كهربائيّاً، شظايا مكهربة. وبهذا فإن وصف القرآن لِما يُرسلُ من المُرصَدِ في السماء لتكوين الشهاب بأنه "شواظ من نار" ينطبق على واقعِ تركيب الأيونوسفير، ويتوافق مع علاقة ذلك بظهور الشهب فيهِ.تطابقات وتوافقات مبرهِنة:تأتي تالياً مقارنة بين تركيب الأيونوسفير وما يجري في الشهب علميّاً من جانبٍ واحدٍ، وبين معاني الشواظ من الجانب الآخر، وسنرى أن النتيجة هي مجموع من التطابقات والتوافقات:1- إذا أخذنا الشواظَ بمعنى الجمار الأوليّة التي تكون قبساً يسعّر الحطب للحصول على نارهِ، أو هي التي يتمُّ إشعالُها ثقوباً، وهي في العادة فلقٌ صغيرةٌ من حطبٍ أو فحمٍ، وكلمّا دقَّتْ كان التسعير أسرعَ – إذا أخذناها بهذا المعنى، فإن تركيب الأيونوسفير، حيث تحدث الشهب، يتماشى معه؛ إذ إن كلَّ إلكترونٍ في التيّار هو بمثابة "جمرة"، بمثابة "بصبوصٍ"، أو هو بمثابة جذوة من النار.2- وبقراءة "شواظ" بجعلِ الظاء محركةً بالكسرِ المنوَّنِ أي: "شواظٍ"، ثمَّ بأخذنا الشواظ بمعنى الشظايا، فإن وجود الأيونات في الأيونوسفير، يحقّقُ لهذا المعنى واقعاً حقيقيّاً؛ إذ إن جُلَّ الأيونات عبارة عن شظايا، وكذلك فإن الإلكترونات هي من "شظايا" عمليّة التأيين ionization.3- وأخذاً بقراءة "شواظ" بجعلِ الظاء محركةً أيضاً بالكسر المنون أي : "شَواظٍ"، واعتبار أنَّها بمعنى: الأقواسِ، والقوسُ تستعملُ للرمايةِ والقذفِ، فإنَّ ربطَ الشهبِ بالتفريغات الكهربائيّةِ التي تجري في الأيونوسفير، هو ربطٌ يُظهر توافقاً بين وصفِ الشهب في القرآن الكريم، وبين واقعِها في علاقتِها بتلك التفريغات؛ إذْ إن التفريغات الكهربائيّةَ هي انقذافُ الجسيمات حاملات الشحنة الكهربائيّةِ، وبخاصة الإلكترونات، على ما يعرفُ بأقواسِ التفريغِ arcs of discharge.4- وإذا أخذنا بأن "شواظ" تشير إلى الفلقِ والتقطعِ إلى قطعٍ، فإن الشهبَ عند التدقيق في صورِها، وأحياناً بالنظر إليها بالعين المجردة، تبدو مقطّعةً fragmented، أو يبدو الشهابُ خيطاً من قطعٍ ملوّنة[34].5- وإذا اعتبرنا أن العربَ تعتبرُ الشواظَ نَقوباً للنارِ، أي قبساً مُشعِلاً لبدء الاحتراقِ، فإنَّ مكوناتِ الأيونوسفير من الأيوناتِ والإلكترونات والتيّاراتِ، مؤهلةٌ لتشكلَ ثقوباً يعمل في تشغيل الاحتراقِ وإحداثهِ.6- وذهب العالم الضحّاك إلى أن الشواظ هو سيلٌ من نارٍ. وأبسط تعريفٍ للتيّار الكهربائيّ هو أنه سيلٌ من الإلكترونات. ولا ريْبَ أن الإلكترونات هي التي تحمل الطاقة الحراريّة للتيّار. وبهذا فإن القولَ بوجود تفريغٍ كهربائيٍّ في تكوين الشهب، هو مما يتوافق مع تفسير الثقات.7- متذكرينَ أنَّ العربَ قد يُبدلون في الفعل حرفاً منه مكان حرفٍ يليهِ، تقديماً لأحد الحرفيْنِ وتأخيراً للآخرِ، مثلاً، كما في قولِهم قضبَ بدلاً من قبضَ، مثل هذا قد يكون وقع في كلامِهم للفعلِ شظيَ، أي إنَّ بعضَهم يقول: شيِظَ بدلاً من شظيَ. وفعلاً، قد جاء في لغتِهم فعل "شيِظَ" بمعنى: خرقَ الشيءَ أو دخلَ فيهِ ؛ فإذا قالَ العربيُّ: شيظَتْ في يدي شظيّةٌ من العودِ، أو شيظتْ يدي شظيّةٌ من العودِ، قصدَ أنّ فلقةً بارزةً نافرةً منه دخلت في يدِهِ.وإذا ربطنا بين وصف القرآن للشهابِ المرسلِ بأنه ثاقب "فأتبعَهُ شهابٌ ثاقبٌ" معتبرين أنَّ الثقبَ من الخرقِ والنفاذِ، أي أنَّ للشهابِ قدرةً على الاختراقِ، وأخذنا أن الشواظ جمعٌ للشظيّةِ، وأنَّ الشظيّةَ ترتبطُ بالفعلِ شيظَ الذي يعني الدخولَ والاختراقَ- إذا أخذنا هذا – فإنَّ هناكَ توافقاً قويّاً بين توصيفِ القرآن للشهبِ وبينَ ما كشفت الجيوفيزياء من أمورِها؛ إذْ إنَّ الشهبَ مرتبطةٌ بالأيوناتِ والإلكتروناتِ والتيّاراتِ، وهذه تكون في الأيونوسفير مكتسبةً طاقةً عاليةً ذاتَ قدرةٍ كبيرةٍ على النفاذِ والاختراقِ.8- وإذا ذهبنا إلى قراءة كلمة: "نحاس" بالكسرِ المنوّنِ، عطفاً على "نار"، أي هكذا: "يُرسَلُ عليكما شواظٌ من نارٍ ونحاسٍ"، وأخذنا أنَّ كلمةَ "شواظ" تحمل معنى الفلِقِ والكِسَرِ، فإنَّ هذا القولَ: "يُرسَلُ عليكما شواظٌ من نارٍ ونحاسٍ"، يتوافقُ صميميّاً مع الواقعِ العلميِّ المعروفِ عن معدن النحاس، ذلك العنصر الفلزيّ الذي ثبتَ وجودُهُ في الشهبِ وطرائقِها trails؛ إذ هو نحاسٌ متأيِّنٌ، أي متفلقٌ إلى إلكتروناتٍ سالبةِ الشحنةِ وإلى ذراتٍ تحملُ شحناتٍ موجبةً، وهذه الفِلقُ، هذا الشواظُ النحاسيُّ، لها قدرةٌ اختراقيّةٌ، بل ولها أيضاً قدرةٌ على الثقبِ بمعنى: الإشعالِ وإصدار الضوءِ، وأيضاً على اختراق الأجسام.9- وإذا أخذنا بأن شرر المعادن هو من معاني النحاس، وأخذنا الشواظ بأنه الدُّقاق، أي القطع الصغيرة التي تُتخذ لتسعير النار، فإن واقع الشهاب الناتج عن المستشهبات يتوافق مع هذيْن الأخذيْنِ؛ إذ إن معظم الشهب تعود إلى أجسامٍ دقيقة تتوهج إلى حدِّ أنه يمكن اعتبارها ناراً، وأثناء انقضاض المستشهب يكون مصحوباً بغيمة بلازميّة أي غيمة من الأيونات، والأيونات هي جزء من مكونات شرر المعادن.لقد سبق أن مرّ بنا هذا السؤال: هل ربط القرآن المجيد ضياءَ الشهبِ بالاحتكاك والضغط الكبسي والتفريغات الكهربائيّة؟ وأمّا هنا، فالسؤال هو: هل يمكن أن نستخلص من حديث القرآن عن الشهبِ أن النسبة الكبرى من ضيائها هي على حساب التفريغات الكهربائيّةِ؟الجواب، نعم؛ إذ إنه بناء على ما سبق من شرحٍ للشواظ، فإن قوله تعالى: ï´؟ يُرسَلُ عليكم شواظٌ من نارٍ ونحاسٌ فلا تنتصران ï´¾، يمكن أن يكون وصفاً للتيّار الكهربائي، الذي هو في النهاية سيل من إلكتروناتٍ وأيوناتٍ موجبة. والتفريغ الكهربائيّ هو إرسالٌ للتيّار، ومن خلال التفريغ تصدر الحرارة، وينبعث الضياء."ونحاسٌ فلا تنتصرانِ"قال الله تعالى: ï´؟ يُرسَلُ عليكما شُواظٌ من نارٍ ونُحاسٌ فلا تنتصران ï´¾ [الرحمن: 35]. وهنا أرى أن نتعرّف على القراءات الواردة لكلمة "نحاس" قبل الانتقال إلى معانيها المحتملة. فما هي أظهرُ تلك القراءات[35]؟1) "نُحاسٌ".2) "نُحاسٍ" باعتبار أن الشواظَ هو من نارٍ ومن نحاسٍ، أي هو خليط منهما.3) "نِحاسٌ".4) "نِحاسٍ".فما هي المعاني المحتملةُ للنُحاسِ (بضمِّ النون) وما هي المعاني المحتملة للنِّحاسِ (بكسر النونجاء للنُّحاس في المعاجم عدد من المعاني منها ثلاثة تحتملها الآية:النُّحاس هو الصُّفرُ، أي القِطْرُ. والصفر والقطر هما اسمان آخران للمعدن الفلزّيِّ المعروف باسم النحاس copper، والذي يرمزون له برمز Cu.


    رد مع اقتباس  
     

  5. #5  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    النُّحاسُ هو الدخان، أو الدخان الذي لا لهب له.



    النُّحاسُ: ما سَقَطَ من شَرَارِ الصُّفْرِ أو الحَديد إذا ضُرِبَ بالمِطْرَقَةِ، قال النابغة الذُبْيَانيّ:



    كأنَّ شُوَاظَهُنَّ بِجانِبَيْهِ نُحَاسُ
    الصُّفْرِ تَضْربُهُ القُيُوْنُ[36]



    وفي مسائل نافع بن الأزرق[37]: "قال لابن عباس: أخبرني عن قولِه تعالى: ï´؟ ونحاس ï´¾ [الرحمن:35]؟ قال: هو الدخان الذي لا لهب فيه. قالَ: وهل تعرف العربُ ذلكَ؟ قال: نعم، أما سمعتَ قول الشاعرِ:



    يضيءُ كضوء سراج السلي
    طِ لم يجعل الله فيه نحاسا".


    فهل ما هو معروفٌ علميّاً من أمر الشهب ينعكس في هذه المعاني؟

    نعم، إن ما هو معروفٌ علميّاً من أمر الشهب ينعكس في هذه المعاني؛ إذ إن قسماً من أيونات الأيونوسفير هو فعلاً من عنصر النحاس، وأيونات الأيونوسفير نفسها هي جزء من بلازما الأيونوسفير، والبلازما في لغة الفيزياء هي غازٌ من جسيمات ذات شحناتٍ كهربائيّة، أي هو دخان مكهرب. ودقائق أو جسيمات البلازما plasma هي الأيونات ions، والأيونات هي بمثابة شرار المعادن.



    وأمَّا بالنسبةِ للنِّحاس (بكسر النون) فقد ذهب بعضهم إلى أنها لغة أخرى في النُّحاسِ، أي لها المعاني أنفُسُها. وذهب بعضُهم إلى أن النِّحاس هو دخانُ النُّحاسِ. ولكنّ هناك مجالاً لاعتبار أن النِّحاسَ هي جمعٌ لكلمة النَّحْسِ. فما هي معاني كلمةِ النَّحس التي جمعُها هو النِّحاسُ، وبحيث تحتملها الآية الكريمة؟



    النَّحسُ هو الشيء المظلم.



    النَّحسُ هو الغبار.



    فهل نجد انعكاساً لهذيْنِ المعنييْنِ في ما يجري من نشاطات مرتبطة بالشهب؟

    نعم، نجد ذلك؛ إذ إن الأيونوسفير معرّضٌ باستمرار لأشعة مظلمة من نوع أشعة جاما gamma rays، والأشعة السينية X-rays، والأشعة فوق البنفسجيّة ultraviolet rays، وهذه الأشعة بأنواعها الثلاثة مؤذيةٌ وضارّةٌ. وفوق تعرُّضِ الأيونوسفير الدائم لهذه الأشعة من مصادر مختلفة، وبخاصة من الشمس، فإنه أيضاَ مؤهلٌ لتوليدها. وفوق هذا، فإن الأشعة الحراريّةَ هي أمواج تحت حمراء لا تراها العيون الإنسانيّة المجرّدة. وأمّا النَّحس بمعنى الغبارِ فإن له واقعاً حقيقيّاً في النشاط الشهابيِّ؛ إذ إن نسبةً من الشهب ناتجةٌ عن مستشهبات دقيقة قادمة من غبارِ أذيال المذنبات، أو غبار ما بين الكواكب interplanetary dust. ونهاية المستشهب الهاوي هي التحول إلى رماد وغبارٍ.



    وباختصارٍ، ولو على شيءٍ من تكرارٍ، فإنَّ أيَّ جسم صاعد من الأرض يحاول النفاذ من خلال الأيونوسفير, وبخاصة من E-layer التي فيها فوارق جهد كهربائيّ وتيّارات شديدة، فإنه يكون عرضة للوقوع في مجال تيّارات القصر المزامنة والحادثة بسبب تساقط الرجوم الدقيقة، أو لأسباب من التوتّرات الكهربائيّة المحليّة، أو أنه بملامسته لتلك الطبقة contact يؤدّي إلى حدوث قصْرٍ لدوائر كهربائيّة: ï´؟ وأنّا لمسنا السماءَ فوجدناها مُلئتْ حَرَساً شديداً وشُهُباً ï´¾ مما ينتج عنه تفريغات كهربائيّة تصيبه، أي يُرسَلُ عليه الشهاب إرسالا، أي يجد له شهاباً رصَداً: "فأتبعه شهاب ثاقب". ولا ريْبَ أن التيّار الكهربائيّ الناتج عن الماس contact هو إلكترونات تحمل طاقة حراريّةً ، تحمل ناراً، بل وإنه يحمل أيضاً أيونات، وما الأيونات إلاّ شرر مكهرب، فهما معاً "شواظ من نار ونحاس". وكلاهما ثاقب بمعنىً حراريّ، ومعنىً نفاذيّ اختراقيٍّ.



    "فمَنْ يستمعِ الآنَ يجدْ له شهاباً رصداً"

    كلمة "رصَد" هي على وزنِ "فَعَل"، وبذلك تحتمل أن تجيءَ مقصوداً بها:

    1- المصدر من الفعل رصَدَ.



    2- اسم المفعول من الفعل رصَدَ، وذلك كما يُقالُ النفَضُ بدلاً من المنفوض، والخبَطُ بدلاً من المخبوط، والجلَبُ بدلاً من المجلوب، والسلَبُ بدلاً من المسلوب.



    3- الجمع للراصد. وذلك كما يُقالُ: حرَسٌ، في جمع حارسٍ.



    4- الجمع للرصيد بمعنى: المرصود؛ إذ إن وزن فعيل قد يأتي بمعنى مفعول، مثل جريح ومجروح، وحبيب ومحبوب, ورقيم ومرقوم.



    ولمّا كان المذكور شهاباً واحداً وليسَ شُهباً، فإن "رصَداً" في الآية لا تكون مقصودة للجمع، وبذلك يتمُّ إقصاء الاحتماليْن الأخيريْن، ويبقى أنَّ المقصود بها:



    1- إمّا المصدر من الفعل رصدَ. وفي هذه الحالة يكون إعرابها أنها منصوبة على المصدريّة أي أنها نائب مفعول مطلق، والتقدير هو : (يجد له شهاباً قد رُصِد رصَداً).



    2- وإمّا اسم المفعول من الفعل رصدَ. وفي هذه الحالة فإن "رصداً" صفة للشهاب، ويكون نصبُها على أنها نعت لمنصوب هو "شهاباً".



    إن استعراض معاني الفعل رصد ومشتقاته في أمهات المعاجم، وبخاصة في "لسان العرب"، وفي ظل الاستئناس بثقات المفسرين كالقرطبي والفخر الرازي، يوقفنا على أن "رصداً" في الآية الكريمة تعانق عدداً منها ، ألا وهي: المراقبة، والانتظار، والكمون، والإعداد المسبق، والاستعداد للانقضاض أو الجاهزيّة للانطلاق، والحفظُ أو الحراسة[38].



    وعل كلِّ حالٍ، فهناك ثلاثة احتمالات لتفسير المقصود من الشهاب الرصد في ظلِّ اللمسات الجيوفيزيائيّة:



    (1) أن يكون الجنيّ أو الإنسيّ أو ما يحملهما، مما علمناه أو مما جهلناه، مثيراً للتفريغات الكهربائيّة؛ وبخاصة أن في الأيونوسفير فوارق جهد كهربائي كامنة potential.



    (2) أو أن يكون الجنيّ أو الإنسيُّ أو ما يحملهما، مما علمناه أو مما جهلناه، قد وقع في موقعٍ من الأيونوسفير تجري فيه التفريغات الكهربائيّة.



    (3) أو أن يكون الجنيّ أو الإنسيّ أو ما يحملهما، مما علمناه أو جهلناه، مسبّباً لهُويِّ مستشهبٍ من مداره في الأيونوسفير، سواء تسبّب بالهُويِّ له بالتجاذب الكتليِّ، أو بالتجاذب الكهربائيِّ، أو بكليْهما.



    ومن السائد في المعرفة العلميّة التقليديّة، وفي مألوف الناس، أن جميع الشهب أجسام هاوية منقضّة بشكل خاطف، أي أنه بناء على هذه المعرفة ما من شهاب إلاّ وهو مرتبط بمستشهب ساقط في الجوِّ العلويِّ. فهل هناك شهب من مصدر جيوفيزيائيّ أي غير مرتبطة بأجسامٍ هاويةٍ، أي هل يولّد الأيونوسفير نفسُه شعلاً ناريّةً؟



    نعم، فإن الأيونوسفير بما فيه من تيّارات كهربائيّة، وفوارق جهد كامنة، مؤهل للتفريغات الكهربائيّة التي ينشأ عنها شُعلٌ ناريّة. وما الشهاب في أصل مدلوله إلا شعلة ناريّة ساطعة. ويُسمّونَ مثل هذه التفريغات الكهربائيّة المنتجة للشهب من غير إثارةٍ من أي جسم صاعدٍ في الأيونوسفير أو هابط فيه – يسمّونها: الشهب الجيوفيزيائيّةَ geophysical meteors أو الغير مستشهبيّةٍ non-meteoroidal meteors[39].



    ولو جازَ لنا أن نقرأَ شُهباً بدلاً من "شهاباً"، وأخذنا "رَصَداً" جمعاً لرَصودٍ، والرَّصود هي الناقة التي ترقب شرب أخواتها لتشرب من بعدها، فإن الشهاب يكون رصوداً، فكيف ذلك؟ .. والجواب هو كأن الشهاب يرقب فعل القذف في الجنيّ، فإذا لم ينطرد الجنيُّ بالقذف مدحوراً، وتمادى محاولاً النفاذ للاستراق، فعندها ينقضّ عليه الشهاب: "فأتبعه شهاب ثاقب"، أو يُرسلُ عليه شواظٌ من نارٍ ونحاسٌ. وكذلك فالرصَد هو المطر يأتي بعد المطر. وبما أنَّ نزول المطر مرتبط بالبروق، بالتفريغات الكهربائيّة، فيكون وصف الشهاب أو الشهب بالرصَدِ هو تشبيهاً لها بالمطر، أي إن إرسالَها مرتبط بالتفريغات الكهربائيّة، وأنه يصاحبها سلسلة متتابعة من هذه التفريغات.



    والرصيد وهو الحيوان المفترس الكامن المترقّب المستعدّ للوثب على الفريسة، سواء كان ثعباناً أو أسداً أو غير ذلك، فإنه لا يثب ولا يقفز عليها إلا بعد أن تقع منه في مجالٍ من بعدٍ معيّنٍ، وإلاّ بعد أن يضمن لنفسه سرعة حركة معيّنة من خلال استجماع قوّة عضلاته واستقطاب طاقته. وكذلك فالشهاب، سواء كان من أصلٍ كونيٍّ أو من نشاطٍ جيوفيزيائيٍّ، لا ينطلق إلّا بشروط وظروف معيّنة. فأمّا الشهاب من أصلٍ كونيٍّ، وهو الناتج عن انقضاض مستشهب، فلا بدَّ أن يدخل في نطاق الجاذبيّةِ الأرضيّة وبسرعة لا تقل عن 11.2كم/ث. وأمّا بالنسبة للشهاب الجيوفيزيائيّ، فلا بدَّ أن يكون هناك فرق جهد لا يقلّ عن مقدار معيّن تحدّده إيصاليّة موضع الانطلاق في الأيونوسفير، وما يجري فيها من توتّرات واضطّرابات. وفوارق الجهد تنتج في العادة من استجماع الشحنات واستقطابها.



    "فأتبَعَهُ شهابٌ ثاقبٌ"

    إن الثاقب هو اسم الفاعل من الفعل "ثقب". واعتماداً على ما جاء في أمّهات المعاجم[40]، فإن الفعل "ثقب" يأتي لعدد من المعاني نختار منها هنا ما يمكن أن يكون له علاقة بظاهرة الشهب، ونبيّن كيف ينسجم كلُّ معنىً منها مع الحقائق العلميّة المعروفة عن الشهب ذاتها.



    ثقب الطائرُ: ارتفع في جو السماء. وعلى هذا فالثاقب يمكن أن تأتي وصفاً لما هو مرتفع في جوِّ السماء. والشهاب يحدث في الجوِّ العلويّ المعروف باسم: الأيونوسفير. وبهذا المعنى للثاقب يكون القرآن الكريم قد قرّر حقيقةَ أن الشهاب ظاهرة جويّة، لا أنه ضياء قادم من فضاء الكون. ومن الجدير بالذكر أن كلمة meteor التي يترجمونها بشهاب، هي من أصل يونانيّ معناه المرتفع في الجوّ[41].



    ثقبَ الزندُ: قدح، أخرج شرراً. وعلى هذا، فالثاقب هو القادح، هو ما يُخرج شرراً. والزند يوري بالاحتكاك، ومن المعروف أن انطلاق الشرر يصاحب انقضاض الشهاب. وكذلك فإن الشهاب يتوهج ويتأيّن بالاحتكاك. وطبقاً لهذا، فإن القرآن العظيم يكون قد أشار إلى علاقة الشهب بالاحتكاك.



    ثقب الرأيُ: نفذ، أي خرج في اتجاه المراد أو نحو الهدف. ومن هنا، فالنافذ قد تأتي وصفاً للشيء الذي يمضي نحو هدف؛ والشهاب المرسل في إتباع الشيطان قد لا يخطئه، فهو عندئذ شهاب نافذ.



    ثقبتِ الرائحةُ: سطعت وهاجت، أي انتشرت وتشعّعت. وعلى هذا، فإن الثاقب يمكن أن تأتي وصفاً للشيء الذي ينتشر. ودخان الذيل هو على حساب انتشار ما يتبخر ويتأين من جسم المستشهب. وانتشار الرائحة من جسم، يتم عادة بالتسخين أو بالفرك والحكّ. وكذلك فإن ذيل الشهاب هو دلالة على أن المستشهب يسخن ويتعرّض للفرك والاحتكاك.



    ثقبتِ النار ثُقوباً وثقابةً: اتّقدت. وبناء على هذا، فالثاقب هو المتّقد. إن المستشهب في الأصل، قبل الهويِّ والانقضاض، لا يكون متّقداً ولا منيراً، ولكن يتّقد ويتوهّج وينير أثناء الانقضاض، أي إن هويَّ الشهاب مصحوب باتّقاده، وبتوليد ضياء وحرارة.



    ثقبْتُ النارَ: ذكّيتها وسعّرتها؛ فالثاقب هو ما يذكّي ويسعّر النارَ ومصادرَ الحرارة.



    يوجد في الأيونوسفير تفريغات حادثة باستمرار تُصدر الضوء والحرارة. والمستشهب فعلاً يذكّيها ويسعّرها بما يزودها به من الأيونات التي تزيد الإيصاليّة التي تؤثر في تقوية هذه التفريغات، وأيضاً يذكّيها ويسعّرُها بما يحدثه من تفريغات قويّةٍ جديدة.



    ثقبَ: اخترق، أحدث ثقباً، جعل في الشيء منفذاً، خرق خرقاً نافذاً. والشهاب مرتبط بالتفريغات الكهربائيّة، وهذه التفريغات تؤدّي إلى تفليقات في الأيونوسفير، أي ينتج عنها خُروق عابرة. وكذلك فإن للشهاب نفسه أو لما ينبثق منه من الشظايا والأيونات قدرةً على النفاذ والاختراق، وهذه الحال قد أجبرت العلماء على تدريع المراكب الفضائيّة، وتحصين روّاد الفضاء، وحماية الأجهزة في الأقمار الصناعيّة بألواح معدنيّة سميكة منعاً لاختراق ونفاذ الأشعّة إلى داخلها.



    ثقب الكوكبُ: أضاء؛ فالثاقب هو المضيء. والشهاب فعلاً يضيء، إذ إن ما يتبخر ويتأيّن من تركيب ومكوّنات المستشهب بسبب توهجه بالاحتكاك والضغط الكبسيِّ، يخضع للتفريغات الكهربائيّة، ويُصدر أمواجاً ضوئيّةً وحراريّةً. ولهذا فتركيب الشهاب ذو أهميّةٍ في اللون الذي يظهر به.



    ثاقب: ذو ثَقوب أو ذو ثِقاب (مثل تامر ومثل لابن)، والثقوب أو الثِّقاب هو الحُراقُ، أي هو دقاق العيدان التي بها تُستَوْقد النار، ولا ريْبَ أنه بالمستشهبات وبالفلق التي تتشظّى منها نزولاً بكتلتها إلى مستوى الأيونات وحتّى الإلكترونات، يمكن أن يُستوقدَ الأيونوسفير فيضيءَ بالشهبِ، ولو على تفرّقٍ وتقطعٍ وتباعدٍ.



    الشهب بين سورة الجن وسورة الرحمن:

    قد جاء في سورة الجنِّ: ï´؟ وأنّا لَمسْنا السماءَ فوجدناها مُلئتْ حَرَساً شديداً وشُهُباً (8) وأنّا كنّا نقعدُ منها مقاعدَ للسمعِ فمَنْ يستمعِ الآنَ يجدْ له شهاباً رَصَداً (9) ï´¾.



    هذا القول لا يعني أن الشهب تنطلق فقط في إتباع الجن؛ لم يقولوا: (فوجدنا فيها)؛ لأنها موجودة من قبل، ولكنهم وجدوها ممتلئة، بل يعني أنها تنطلق أيضاً بشكل طبيعيٍّ دون أن يكون هناك لامس من الجن أو الإنس. إن ما وجدوه في ذلك الحدث هو الامتلاء بالحرس الشديد والشهب، وهذا يعني أنهم من قبل كانوا يجدونها، ولكن دون أن يكون هناك امتلاء منها. الامتلاء لم يُبقِ لهم نوافذ، ولم يبق لهم مقاعد للسمع، فحيثما توجهوا حينئذ وجدوا لهم شهباً مُرصَدة. والظرف "الآن" مرتبط بزمان حديثهم، ولا يعني الاستمرارَ على حال من الامتلاء بها، أي هو لا يعني استمرار الامتلاء منها؛ إذ إن الشهب حفظ للسماء من قبْلِ لمسهم ذاك ومن بعده، ومنذ خلق الله السماوات والأرضَ في ستة أيامٍ: ï´؟ فقضاهنَّ سبعَ سماواتٍ في يوميْنِ وأوْحى في كلِّ سماءٍ أمرَها وزيّنّا السماء الدنيا بمصابيحَ وحفظاً ذلك تقديرُ العزيزِ العليمِ ï´¾ [فصلت: 12].



    "وأنّا كنّا نقعدُ مِنْها مقاعدَ للسّمعِ" يعني أنها لم تكن مليئة.



    والرجوم للحفظ، وهي من أمر السماء الدنيا منذ خلقها الله تعالى.



    وقد جاء في سورة الرحمن: ï´؟ يا مَعشرَ الجنِّ والإنسِ إنِ استطعتم أن تنفُذوا من أقطارِ السماواتِ والأرضِ فانفُذوا لا تنفُذونَ إلّا بسُلطانٍ (33) فبأيِّ ربِّكما تُكذّبانِ (34) يُرسَلُ عليكما شُواظٌ من نارٍ ونحاسٌ فلا تنتصرانِ (35) ï´¾.



    إن الجسم الصاعد من الأرض والمحاول للنفاذ من الأيونوسفير يكتسب من حوله غيمةً من الأيونات، غيمة بلازميّة، فيشكل قطبيًّةً كهربائيّةً[42] فيتم بذلك إثارة تفريغ كهربائيٍّ باتجاه ذلك الجسم نفسه مولِّداً ضياءً برقيّاً ساطعاً، أي يسري تيّار دائرة القصر فيه ثاقباً وقاذفاً له بالإلكترونات حاملة النار (الطاقة الحراريّة) وبالبروتونات وبالأيونات الموجبة الساخنة التي كأنها دخانٌ حارٌّ، وقد تحدث فيه في آنٍ واحد مجموعة من التفريغات فينقذف بالإلكترونات والأيونات من جميع الاتجاهات، أي من كلِّ جانب.



    وإذا كانت السماء مملوءة بالمستشهبات فإنه من الممكن أن يكون الجسم الصاعد يحمل قطبيّةً كهربائيّة بحيث يقع في مجاله الكهربائيّ مستشهبٌ له قطبيّة كهربائيّة مخالفة فيتم حينئذٍ سريان تيّار بينهما صانعاً تفريغاً مبرقاً، وبالأحرى صانعاً سلسلة خاطفة من التفريغات المبرقة، ولا بدّ أن للجسم الصاعد قدرةً جذبيّةً تفعل فعلها في جعل المستشهب يتحرك هاوياً. وقد تكون المستشهبات في مداراتها في الأيونوسفير من الكثرة بحيث لا يفلت منها، أي من الانقذاف ببعضها، أيُّ جسم يحاول النفاذ، أي لا بدَّ أن يصادفه ولو واحد منها، وكأن هناك شهاباً مُرصَداً له، وإن أفلت الجسم المحاول للنفاذ نظراً لسرعته مندحراً إلى حيث أتى، فإنه ستزداد قوة قطبيّته بفعل شدة الاحتكاك فتتعزّز غيمة الأيونات التي تحيط به وتقوى قطبيّتها وجاذبيّتها، وبالتالي، تتعزّز إيصاليّته بحيث تصبح قطبيّته بجاذبيّتها قادرةً على تحريك مستشهب له قطبيُّة مخالفة بحيث يهوي الأخير بقوةٍ مُتْبِعاً له مع حدوث التفريغات الثاقبة المبرقة على طول خطِّ الإتْباع. والإتباع لا يحتّم الإدراك أو الإمساك: "فأتْبعوهم مُشرقينَ. فلمّا تراءى الجمعانِ قالَ أصحابُ موسى إنّا لَمدرَكونَ. قال: ï´؟ كلّا إنَّ معيَ ربي سيهدينِ ï´¾ [الشعراء: 60-62]، وفي سورة طه: ï´؟ ولقد أوحيْنا إلى موسى أن أسرِ بعبادي فاضربْ لهمْ طريقاً في البحرِ يَبَساً لا تخافُ دَرَكاً ولا تخشى * فأتْبَعهم فرعونُ بجنودِهِ فغشيَهمْ من اليمِّ ما غشيَهمْ ï´¾ [77-78].




    أسباق علمية في حديث القرآن عن الشهب:

    يرى هذا البحث أن في حديث القرآن عن الشهب عدداً من الأسباق العلمية تتمثّل في إخبارات عن حقائق لم تقف العلوم عندها ولم تكشفها إلاّ حديثاً. ومن تلك الأسباق:



    1) حددت الآيات الكريمة أن هناك طبَقاً من السماء، هو السماء الدنيا، تحدث فيه الشهب على مدار الساعة، وأن فيه نفسه مصابيح، مصادر ضياء، على مدار الساعة أيضاً، أي إنه حيث تنطلق الشهب في السماء فإنه يوجد أيضاً في ذلك الفضاء نفسه، على تلك الارتفاعات أنفسها، يوجد مصادر ضياء، أي يوجد تركيبات وآليّات mechanisms تنتج أمواج الضوء. وقد حدد الجيوفيزيائيّون أن الشهب تنطلق في الأيونوسفير، وبخاصة في طبقة أو منطقة E-layer. فهل تَبيّنَ أنه يوجد في حيّز الأيونوسفير، وبخاصّة في طبقة أو منطقة E-layer أيضاً مصادر ضياء على مدار الساعة؟



    نعم، هذا هو الواقع بعينه، فهناك في الأيونوسفير وهج الجو airglow الحادث على مدار الساعة، وهناك الإهليلجان الأورريان auroral ovals المضيئان على مدار الساعة، إذ لكل إهليلج منهما قسم ليليّ وقسم نهاريّ، وأحيانا قد تمتد إضاءتهما المبصرة من سطح الأرض إلى فوق المناطق الاستوائيّة، وذلك في أوقات العواصف الجيومغناطيسية القويّة.



    2) بيّن القرآن المجيد أنه قد يكون في الأيونوسفير مناطق غير نشطة في القذف "مقاعد للسمع"، وأن التساقطات عليها قليلة أو تكاد تنعدم، ولكنّها قد تصبح نشطةً.



    3) بيّنت الآيات الكريمة وجود قذفٍ دائبٍ، وهو مما لم يكن معروفاً للناس.



    4) بيّن القرآن المجيد أن القذف يمكن أن يكون من جميع الاتجاهات وليس في اتجاه السقوط نحو سطح الأرض فقط، أي بيّن أن القذف لا يكون في شكل النجوم الهاوية فقط.



    5) بيّنت الآيات الكريمة أن هذا القذف مؤذٍ وممرض وفيه طاقة حراريّة وقدرة صاعقة. ومن المؤكد أن وصول الإنسان إلى طبقة الأيونوسفير، حيث يتمُّ انطلاقُ الشهب، لم يحدث إلّا في عصر الفضاء، في القرن العشرين، أي لم يكن عند البشر أي خبرة عمليّة لا عن القذف من جميع الاتجاهات، ولا عن نوع العذاب الذي يُحدثه، ولا عن أثره في الدحر. والعذاب الواصب، في معنىً من معانيه، هو العذاب الممرض بداء عضال دائم، وهذا ما ينطبق على السرطان والتسمم بالإشعاعات سواء الجسيميّة أو الموجيّة. ومن الثابت أن التعرّض لقذف من الإشعاع الجسيميّ والأمواج الغير مرئيّةٍ القصيرة الموجة، مثل الأشعة السينيّة والأشعة فوق البنفسجيّة، هو سبب فعّال في حدوث السرطان، والسرطان هو فعلاً عذاب واصب فقد يلازم الإنسان فاتكاً به حتّى الموت.



    6) بيّن القرآن المجيد أن النشاط الكهربائيّ في الأيونوسفير هو نشاطٌ متغيّر، يقوى ويضعف: "مُلئتْ حَرَساً شديداً وشُهُباً".



    7) بيّنت الآيات الكريمة أن في الأيونوسفير قدرة كامنة potential على الصعق، أي قدرة مُرصَدة على إرسال حارقات.



    8) بيّن القرآن المجيد أن محاولة أي جسم للعبور في الأيونوسفير تجعله عرضة للرماية بالرجوم، وأن الجسم المحاول للعبور يمكن أن يكون هو نفسه المثيرَ لانطلاق القذائف نحوه، والمثيرَ لانطلاق الشهب باتجاهه. وهذا ما تأكّد لرواد الفضاء، وبخاصّة عند محاولاتهم العودة إلى سطح الأرض بعد الدوران فيه.



    9) بيّنت الآيات الكريمة التركيب الدقيق للشهاب وأنه شواظ من نار ونحاس.



    10) بيّنت الآيات الكريمة وجود منافذ للعبور في السماء، وهي مناطق ضعيفة في فوارق الجهد والتيارات والتأيّن.



    11) بيّنَ القرآن المجيد وجود التطارق coupling في الطباق.



    12) بيّنت الآيات الكريمة أن الشهاب مصدر طرق يلازم ويزامن الثقب :"وما أدراك ما الطارقُ. النجمُ الثاقبُ"؛ فللشهب المبينة fireballs أو flaring meteors آثار صوتيّة سمعيّة تزامن الآثار الضوئيّة البصريّة . وإن للشهب المتألقة طَرْقا، وهذا الطرقًُ هو موجات الصدم shock waves، وهناك رصدٌ لطرقات وطقطقات pops فسروها بأنها أصواتٌ ناشئة كهربائيّاً electrophonic sounds، وهو تفسير منسجم مع اعتبارها أو كونها تفريغاتٍ كهربائيّةً يصدر عنها أمواج راديويّة[43] .



    13) بيّن القرآن المجيد أن المستشهبات تكون قبل هويِّها مُرصَدة، أي هي بلغة العلم تدور في مدارات حول الأرض، أي تكون من قبلِ الانقضاض فالتة من تأثير الجاذبيّة الأرضيّة. وبعبارة أخرى مستعارة من علم الفضاء، بيّنت الآيات وكأن المستشهبات هي بمثابة أقمار صناعيّةٍ satellites تكون من قبل الانقضاض دائرةً في مدارات خارج نطاق الجاذبيّة الأرضيّة.



    14) وبيّن القرآن الكريم أن الشهب من حيث مظاهرها الضوئيّة هي ظاهرة جيوفيزيائيّة، أي أن ضياءها مرتبط بقدرة السماء الدنيا على توليد الصواعق، وذلك بالتفريغات الكهربائيّةِ، أي هي مظاهر ضوئيّة حادثة في مجال الأرض المغناطيسيّ لا في الفضاء الكونيّ.



    15) بيّن القرآن المجيد أن للشهب حتّى الغير مرئيّة قدرةً داحرةً.



    16) بيّنت الآيات الكريمة أنَّ من الدخانِ الذي يرافق انقضاض الشهاب ما يُرسَلُ إرسالاً. وقد تبيّن للعلماء أنَّ المستشهب الهاويَ يكون مصحوباً بغيمةٍ بلازميّةٍ[44]، أي هو ينقضُّ حاملاً دخاناً. وكذلك فإن تيّارات التفريغ الكهربائيّ التي تصيب المستشهب بإلكتروناتها وأيوناتِها الموجبة هي في التصور النهائيّ دخانٌ مرسلٌ، وفي تعبيرِنا العلميِّ، فإن الدخان المرسلَ هو تيّارٌ من التيّارات.



    17) بيّن القرآن الكريم سبقاً للعلوم أن طبق السماء الدنيا، وهو ما أثبتنا أنه الأيونوسفير، هو حيّزٌ مؤهّل لتوليد شهبٍ، شهبٍ من غير نوع النجوم الهاوية، إمّا توليداً تلقائيّاً، وإمّا بإثارةٍ لمسيّةٍ من جسمٍ صاعدٍ من الأرض يحاول العبور فيه أو المرور منه. وبالتعبير العلميِّ بيّن أنه علاوةً على الشهب من نوع النجوم الهاوية، فإن هناك "شهباً جيوفيزيائيّة"، أي هي شهبٌ ليست مرتبطة بأجسامٍ تدخله قادمةً من الفضاء الكونيِّ. وبعبارات أخرى، فإنَّ الأيونوسفير ببنائه ذاته وخصائصه ذاتها، مؤهّل لتوليد شعل ناريّة من قدرةٍ كامنةٍ فيه نفسِهِ، مُرصَدةٍ في كيانِهِ، قد تنطلق تلقائيّاً، أو قد تنطلق بإثارةٍ من جسمٍ صاعدٍ تماماً كما تحدث بإثارةٍ من جسمٍ هاوٍ قادمٍ من فضاء الكونِ.



    18) بيّنت الآيات الكريمة أنّ الطريقة التي يتمّ بها توليد الضياء في الأيونوسفير ، أي توليد الأفجار القطبيّة auroras، هي نفسها ما يمكنه أن يولّد شهباً. وبعبارات أخرى، بيّن أن هناك شهباً أوروريّة auroral meteors : ï´؟ ولقد زيّنا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين ï´¾ فالضمير في "جعلناها" عائد على المصابيح.



    19) بيّن القرآن الكريم أن للشهب مصدريْنِ، هما الكونيُّ والجيوفيزيائيّ. وقد حدد المصدرَ الجيوفيزيائيَّ بدقةٍ عجيبةٍ. فمن خلال تدبر الآيات المتحدثة عن الشهب، مع ربط هذا التدبر بما تحصّل من معلومات وحقائق جيوفيزيائيّةٍ عنها، فإنه يمكن أن نحكم أن القرآن الكريمَ قد تحدث عن النوع الثاني في بيان أو بلاغ جيوفيزيائيّ رابطاً لها بالتفريغات الكهربائيّةِ التي تجري في الأيونوسفير.



    20) وأظهرت الآيات الكريمة في سبقٍ آخرَ أن مادة أو مكوناتِ الشهب التي من المصدر الجيوفيزيائيّ، مُرصَدة في محل ظهورها من السماء، وأن لها عواملَ تثير انطلاقَها.



    21) وأظهرَ القرآن الكريم، سابقاً بذلك العلوم، أن الشهب التي من المصدر الجيوفيزيائيّ ليست كتلاً، وإنّما هي شحنة بلازميّة.



    22) وكشفت الآيات الكريمة أن الشهب التي تنتج عن مستشهبات من مصدر كونيٍّ ليست بالضرورة أجساماً ضخمة، وهو ما كان يظنه الناس قياساً على كتل النيازك، بل إنها في غالبها المعهود ناشئة من أجسامٍ دقيقة : "شواظٌ من نار"، أي دُقاقٌ متوهّجٌ.



    وباختصار، فإن الآيات القرآنيّة التي تحدثت عن الشهب، سواء كان ذلك صراحة أو ضمناً، قد جاءت بخلاصة عن الحقائق المرتبطة بها بصريّاً وفلكيّاً وجيوفيزيائيّاً.




    تنبيهات ختاميّة

    إن حديث القرآن عن الشهب قد ارتبط بالجنِّ والإنس، ونحن في هذا البحث لا نتعرّض لعلاقة الشهب بالجنّ بشكل شروحٍ علميّةٍ، أي إننا نتعامل مع هذا الأمر من منطلق إيمانيٍّ؛ إذ إن الجنَّ من السمعيّات، فإذا كان الجنُّ أنفسُهم من السمعيّات، فمن بابِ أوْلى أن تكون كلُّ شؤونهم هي الأخرى من السمعيّات، أي إن المسلم يصدِّق بوجود خلقٍ اسمه: الجنّ، اعتماداً على ما سمعه من القرآن الكريم وصحيح الحديث الشريف، وليس مطلوباً منه أن يدرسَ الجنَّ دراسةً علميّةً ويخضعَهم للتجارب، كما يدرس الحيتانَ، مثلاً. ولكن لا بأس أن نقوم عند دراسة الشهب باستحضار ما أخبرنا به القرآن عن الجنِّ، ومن ذلك:



    1- أنهم خُلقوا من نار: ï´؟ وَظ±لْجَآنَّ خَلَقْنَظ°هُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ظ±لسَّمُومِ ï´¾ [الحجر: 27].



    2- وأنهم يروننا ولا نراهم: ï´؟ إنه يراكم هوَ وقبيلُهُ مِنْ حيثُ لا تروْنَهم ï´¾ [الأعراف: 27].



    3- وأنهم ثقل: ï´؟ سنفرُغُ لكم أيًّهَ الثَّقلانِ ï´¾ [الرحمن: 31]. والثَّقلانِ هما الجنُّ والإنسُ.



    4- وأنهم يصعدون في السماء من أجل التسمّع إلى الملأ الأعلى.



    5- وأن رجوم السماء تدحرهم وتصيبهم بعذاب واصب.



    6- وأنَّ بعضاً من الشهب تنقضُّ وتتبعهم.



    ويجب أن ننتبه إلى أن قول الجنِّ: ï´؟ وأنّا لمسنا السماء فوجدناها مُلِئَتْ حرساً شديداً وشُهُباً ï´¾، إخباراً من بعضهم إلى بعض، لا يعني بالضرورة أنهم كانوا قد صعدوا إلى السماء أثناء عاصفة شهابيّةٍ؛ لأنهم لو كانوا قد رأواْ عاصفةً شهابيّةً لَما صعدوا، بل يبدو أنهم قد صعدوا إلى مقاعدِ السمع فلمسوا الأيونوسفير إذ كان مشحوناً بفوارق الجهد الكهربائيّة، وبجريانٍ لتيّارات كهربائيٍّة شديدة، وبكثافة عاليةٍ من الأيونات، فجوبهوا بانطلاق الشهب باتجاههم، أي إنّهم شكلوا ماساً contact كهربائيّاً فحدثت تيارات القصر والتفريغات الصاعقة. والفاء العاطفةُ في "فوجدناها" تحتمل التعاقب الفوريَّ، وتحتمل السببيّةَ أيضاً.



    وعلى كلِّ حالٍ، فإن ما توافر في عصر الفضاء من معلومات فلكيّة وجيوفيزيائيّة عن الشهب ونشاطات الأيونوسفير، مما يرتبط بما يتعرّض له الإنسانُ ومراكبُه وأقمارُه الصناعيّة ومكاكيكُه shuttles في محاولاته للوصول إلى الأيونوسفير نفسه والدوران فيه والنفاذ منه، يمكن أن نقيس عليه ما يحصل للجنّ في مثل تلك المحاولات. ونحن نناقش على وفق مفاهيمنا الإيمانيّة؛ إذ نؤمن بالغيب، أي بتصديق كل ما جاء في القرآن الكريم، ولو غاب عنا وجودُه، أو خفيت علينا ماهيّتُه، أو جهلنا كيفيّتَه، ولكن قد نستأنس بالعلوم الماديّة من أجل التقريب إلى أذهاننا. الّلهمَّ ربَّنا إنك أعلمُ بما أنزلتَ من الكتابِ على نبيّك الكريمِ، عليه السلامُ، فزدْنا علماً، واشرحْ صدورَنا، واكتبْنا وذريّتَنا في عبادِك الصالحينَ.



    وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

    عن موقع الآلوكة
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. مقال: ظاهر العمر ملك الجليل وعموم فلسطين - بقلم بكر السباتين
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مجلة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07/04/2015, 11:33 PM
  2. الإنسان في القرآن للعقاد
    بواسطة إبراهيم أمين في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 18/09/2007, 02:35 PM
  3. أنوار البيان في آيات القرآن
    بواسطة عماد العجرش في المنتدى لسان الضاد
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 27/03/2007, 12:20 AM
  4. الإنسان في القرآن الكريم .. عباس محمود العقاد .. كتاب للتحميــــل ...
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26/01/2007, 07:11 PM
  5. أمــــــا لعــــداوة الإنسان لأخيــــه الإنسان من نهايــــة ..؟
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى الواحة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12/09/2006, 01:50 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •