جولدتسيهر ،ترجمته،مؤلفاته،أهم الردود عليه
الدكتور ماهر خميس
- المطلب الأول : ترجمة جولد تسيهر( 1) ومنهجه العلمي
مستشرق، مجري، يهودي، ولد في مدينة أشتولفيسنبرج في بلاد المجر في 22/6/1850 م = [1266 هـ] من أسرة يهودية ذات مكانة وقدر كبير أما ما أثّر على شخصيته وتكوينها النفسي والعلمي كان من خلال:
أولاً: انتمائه إلى بلاد المجر التي كانت آنذاك جزءً من الإمبراطورية النمساوية.
ثانياً:انتمائه إلى أسرة يهودية كان لها حظاً من المكانة في الحياة الاجتماعية وقد أدى ذلك إلى أن جولدتسيهر لم يكن من شأنه المشاركة في الحياة السياسية العامة أو أن يقوم بدور في السياسة الخارجية لوطنه كما هو الحال بالنسبة إلى الكثير من المستشرقين وهذا ما طبعه بطابع العالمية وأشاع فيه الروح الدولية التي تتخلص من الروح القومية فكان رافضاً لحركات التحرر الوطني ذو نزعة وطنية متحفظة.
قضى جولدتسهير السنين الأولى من عمره في بودابست [عاصمة المجر] ومن ثم ذهب إلى برلين سنة 1869 م فظل بها سنة انتقل بعدها إلى جامعة ليبتسك وفيها كان أستاذه في الدراسات الشرقية فليشر( 2) أحد المستشرقين النابهين في ذلك الحين وعلى يديه حصل جولد تسيهر على الدكتوراه الأولى سنة 1870 م وكانت رسالته عن شارح يهودي في العصور الوسطى شرح التوراة وهو تنخوم أورشلمي ومن ثم عاد إلى بودابست فعين مدرساً في جامعتها سنة 1872م ولكنه لم يستمر في التدريس طويلاً وإنما أرسلته وزارة المعارف المجرية في بعثة دراسية إلى الخارج فاشتغل طوال سنة في فينا وفي لندن وارتحل بعدها إلى الشرق من (أيلول سنة 1873 إلى نيسان من العام التالي).
فأقام في القاهرة مدة من الزمن استطاع أن يحضر بعض الدروس في الأزهر وكان ذلك بالنسبة إلى أمثاله امتيازاً كبيراً ورعاية عظيمة، ورحل إلى سورية وتعرف على الشيخ طاهر الجزائري وصحبه مدة وانتقل بعدها إلى فلسطين.
ومنذ أن عين في جامعة بودابست وعنايته باللغة العربية عامة والإسلامية الدينية خاصة تنمو وتزداد وإذا به يحرز في وطنه شهرة كبيرة جعلته يُنتخب عضواً مراسلاً للأكاديمية المجرية سنة 1871 م ثم عضواً عاملاً في سنة 1892م ورئيسها لأحد أقسامها سنة 1907 م.
وصار أستاذاً للغات السامية في سنة 1894م ومنذ ذلك الحين وهو لا يكاد يغادر وطنه بل ولا مدينة بودابست إلا لكي يشترك في مؤتمرات المستشرقين أو لكي يلقي محاضرات في الجامعات الأجنبية استجابة لدعوتها إياه.
ومن مكتبه في مدينة بودابست ظل جولدتسيهر أكثر من ربع قرن يقوم بأبحاثه ودراساته في عالم البحوث الإسلامية وينير الطريق أمام الباحثين الجدد في هذا المجال وهم اليوم أئمة المستشرقين وأساتذتهم. وكانت وفاته في 13/11/1921 م = [1340 هـ] في بودابست.
منهجه: (3 )
ليس في حياة جولدتسيهر الظاهرية ما يثير الاهتمام أو يبعث على التشويق فهي حياة المكتب لا حياة العالم الخارجي وهي حياة القراءة والتحصيل ولا التجربة والاتصال الحي. ولهذا لم يكن جولدتسيهر من المعنيين بشؤون الشرق المعاصر ولا بالمسائل الحية التي تضطرب فيه سواءً من هذه المسائل ما هو سياسي وتشريعي وديني وحضاري وثقافي وهو في هذه الناحية يختلف كثيراً مع الغالبية من كبار المستشرقين في القرن العشرين. سواء في مادة البحث أو في المنهج فقد أعوزته التجربة الخارجية المباشرة واعتمد على التجربة الروحية الباطنة..
وحاول من خلالها أن ينفذ إلى النصوص والوثائق كي يكتشف من ورائها الحياة التي تعبر عنها هذه النصوص والتيارات والدوافع الحقيقية التي استترت خلف قناع من الكلمات.
وحاول أن ينظر إلى المذاهب والنظريات والآراء في إطارها الزماني ومن خلال نظرة حركية لا سكونية تاريخية لا مذهبية.
وقد أعطاه الاعتماد على البصيرة الوجدان ميزتين أساسيتين :
أولاً: أنه كان ينهج في أبحاثه منهجاً استدلالياً لا استقرائياً وكان يتكأ على النصوص في كل خطوة يخطوها ويحاول النفوذ إلى أعماقها وربطها مع سياقها واستطاع أن يتخذ منهجاً وسطاً بين الضيق والسطحية في المنهج العلمي وبين الإفراط في السعة والتأويلات البعيدة عن الواقع.
ثانياً: أنه كان بارعاً في المقارنات ودقيق الملاحظة للفروق التي بين المذاهب والآراء والأديان ويحاول الكشف عن مدى تأثر الأخر بالأول ومشابهاتها وصلاتهما ويعقد المقارنات بينهما.
ولكن من الملاحظ أن جولدتسهير يعتني بمنهجه هذا الاعتماد على نظرته وآراءه الشخصية في قراءة النصوص وتفسيرها ومحاولة إعطاء آرائه المصداقية والعلمية على الرغم من أن أصول البحث العلمي تقتضي عدم تحميل النص مالا يحتمل خارج إطاره الزماني والمكاني.
كما أن أي تشابه بين مذهب وآخر وفكر وآخر لا يقتضي بالضرورة الاتصال المباشر والتأثير المباشر ما دام أن هنالك وحيٌ من الله تعالى فالتشابه بين الأديان السماوية واقعٌ ووارد.
وسنلاحظ من خلال البحث عدم التزام جولدتسيهر بمنهجية البحث العلمي والاقتباس الصحيح للنصوص فقد كان يحورها أو يأخذها من سياقها ويبني عليها أحكاماً وآراء وتأويلات..(4 )




- المطلب الثاني: إنتاجه العلمي :
بدأ النشاط العلمي لجولدتسيهر مبكراً وكتب بحثاً عن أصل الصلاة وتقسيمها وأوقاتها ولم يتجاوز عمره الثامنة عشرة ثم أتجه إلى الدراسات الشرقية وهو لا يزال في سن السادسة عشرة فترجم في هذه السن قصتين من التركية إلى اللغة المجرية ونشرتها له إحدى المجلات ووضعها تحرير هذه المجلة تحت عنوان "مستشرق في السادسة عشرة" ومنذ هذه السنة – سنة 1866- وهو في كل سنة يخرج بحثاً أو طائفة من الأبحاث بين كتب ضخمة قد يتجاوز حجم المجلد الواحد منها أربعمائة صفحة وبين مقالات متوسطة الحجم بين العشرين والستين صفحة وتعليقات صغيرة وبحوث نقدية تعريفاً بالكتب التي تظهر باستمرار حتى بلغت مجموعة أبحاثه، كما بينها فهرست مؤلفاته 592 ( 5) بحثاً في مختلف اهتماماته وسنتحدث عن أهم الدراسات الإسلامية.
أولاً : "الظاهرية مذهبهم وتاريخهم":
وكان أول أبحاثه القيمة والخطيرة في الدراسات الإسلامية وظهر عام 1884 وفيه دراسة عامة عن الفقه وأصوله مع دراسة تفصيلية عن المذاهب الظاهري فيتكلم عن أصول المذاهب الفقهية المختلفة وعن الإجماع والاختلاف بين الأئمة وعن الصلة بين هذه المذاهب وبين المذهب الظاهري وما بينهما بعض من فروق.
ويتحدث أيضاً عن تطور الفقه ونموه ثم عن امتداد أصول الظاهرية من البحوث الفقهية إلى البحوث الكلامية وتطبيق هذه الأصول في العقائد الدينية على يد ابن حزم ويتابع هذا التطور ويحدد الاتجاهات التي اتخذها ويرسم المنحنيات التي سار فيها حتى يصل به إلى القرن الثامن والتاسع الهجري.
ويزيد في أهمية هذا الكتاب كذلك أنه اعتمد فيه أكثر ما اعتمد على مصادر لم تكن طبعت بعد. ( 6)
ثانياً : "دراسات إسلامية"
ويتألف من جزئين صدر الجزء الأول سنة 1889 م والجزء الثاني 1890 م.
في الجزء الأول : يتحدث جولد تسيهر عن "الوثنية والإسلام" وينظر إلى هذه المسألة نظرة جديدة تختلف عن نظرة معاصريه من المستشرقين ممن عنوا بدراسة نفس المسألة مثل فلهوزن( 7) فيصدر جولد تسيهر بأن الكفاح الذي قامت به الروح الوثنية العربية الجاهلية ضد الروح الإسلامية الجديدة لم تقتصر على العرب وحدهم بل شاعت في كل الأمم التي دخلت الإسلام، فيمثل للروح الوثنية الجاهلية والتي تلخص مثلها العليا في فضيلة "المروءة" وتسودها نزعة ارستقراطية تنمو نحو تمجيد الدم العربي وتفضيله على دماء الأجناس الأخرى ويمثل للروح الإسلامية التي جاءت تنادي بالمساواة بين الأجناس وتنكر عصبية الدم وتنزع نزعة ديمقراطية.
وتقول بأنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى وكان هذا الصراع صراعاً قوياً هائلاً انتهى بهزيمة الروح الوثنية الجاهلية الارستقراطية وانتصار الروح الإسلامية الديمقراطية، وما لبث أن قام من جديد نزاع بين الروح العربية والروح الفارسية، أي بين الغزاة غير المتحضرين وبين روح المهزومين ذوي الحضارة الممتازة والثقافة الرفيعة وهنا كان النصر أيضاً من حظ الروح العربية ولم يكن لها من انتصار في هذا النزاع الحضاري والثقافي إلا في اللغة والشعر والفقه إلى حد ما.
وفي الجزء الثاني: وهو الجزء الأهم والأخطر يتحدث في نصفه الأول عن علم الحديث وكان مقدمة لسلسلة خطيرة من الأبحاث التي تلته حيث حاول جولد تسيهر إعطاء صورة عن تاريخ الحديث وتطوره وأن قيمة الحديث تأتي لا باعتباره حقائق وإنما باعتباره مصدراً عظيماً لمعرفة الاتجاهات السياسية والدينية والروحية عامة والتي وجدت في الإسلام في مختلف العصور، لأن الحديث كان كلاماً تستخدمه الفرق الإسلامية في نضالها المذهبي والمذاهب السياسية في كفاحها السياسي والتيارات الروحية في محاولتها السيطرة والسيادة في ميدان الحياة الروحية الإسلامية فقيمة الحديث إذاً ليست فيما يورد من أخبار بل فيما يكشف عنه من ميول وتيارات استترت من ورائه واختفت تحت ستاره.
وفي قسم آخر من الجزء الثاني يتحدث جولد تسيهر عن تاريخ تقديس الأولياء في الإسلام وطبيعة هذا التقديس مبين كيف حور هذا التقديس وما الصلة بين هذه التصورات الشعبية وبين التصورات الوثنية أي الجاهلية، ويقسم هؤلاء الأولياء بحسب أماكن تقديسهم ويبين ما هناك من فروق محلية بين نماذج الأولياء في الأماكن المختلفة. (8 )
ثالثاً : "الإسلام والدين الفارسي" :
وهو بحث ألقاه في المؤتمر الدولي الأول للأديان الذي انعقد في باريس 1900م ونشر البحث في "مجلة تاريخ الأديان" ويكشف فيه عن تأثير دين الدولة الفارسية على الإسلام في عهده الأول.( 9)
رابعاً : "محاضرات في الإسلام" ويعتبر مع كتابه "مذاهب التفسير الإسلامي" من أنضج الكتب وأكثرها تأثيراً وطبع لأول مرة في مدينة هيدلبرج عام 1960 وقد ترجم إلى العربية باسم "العقيدة والشريعة في الإسلام" وصدر عام 1946 م.
وهو في أساسه مجموعة محاضرات عن الإسلام ألقاها أمام اللجنة الأمريكية للمحاضرات في تاريخ الأديان ويتحدث فيه عن الإسلام لمختلف جوانبه.
فيتحدث أولاً عن محمد والإسلام ويعتبر بأن محمد لم يبشر بجديد من الأفكار ولم يأت بجديد فيما يتصل بعلاقة الإنسان بما هو فوق حسه وشعوره وأن نمو الإسلام مصطبع نوعاً ما بالأفكار والآراء الهلينستية والتيارات والآراء الهندية والأفلاطونية الجديدة.. إلى جانب العناصر اليهودية والمسيحية.(10 )
ويتحدث في الفصل الثاني عن تطور الفقه وأن الإسلام والقرآن لم يتما كل شيء بل كان الإكمال نتيجة لعمل الأجيال اللاحقة ومدى تأثر الفقه الإسلامي بالقانون الروماني وتطرق إلى السنة النبوية وتاريخ علم الحديث. ( 11)
ويتحدث في الفصل الثالث عن تطور العقيدة وعلم الكلام وتطور نظرية الجبر والاختيار من القرآن ومدى تأثير الأمويين فيه كما تحدث عن المعتزلة وآراءهم وأنكر صفة الحرية والعقل التي تمتع بها أنصار هذه الفرقة كما تطرق إلى الأشعري وفكره والاختلاف بينه وبين من حملوا فكره ويتحدث أيضاً عن الماتريدي والسلفية والفلاسفة. ( 12)
وفي الفصل الرابع يتحدث عن الزهد والتصوف ومدى تأثره بالمؤثرات الهندية واليونانية حتى وصل إلى فكرة الحلول ووحدة الوجود. ( 13)
وفي الفصل الخامس يتحدث عن الفرق السياسية القديمة من الخوارج والشيعة وأهم الاختلافات مع السنة وتطورها. ( 14)
وفي الفصل السادس يتحدث عن الحركات الدينية الأخيرة والمعاصرة من الوهابية والبابية والبهائية والسيخ والأحمدية والمحاولات التي بذلت للوفاق بين السنة والشيعة. ( 15)
خامساً : "مذاهب التفسير الإسلامي":
وطبع لأول مرة في لندن سنة 1920 وقد ترجم إلى اللغة العربية مرتان الأولى للدكتور علي حسن عبد القادر باسم "المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن"، 1944 م وكان ناقصة استوعب فيها نصف الكتاب فقط.
والثانية: د. عبد الحليم النجار باسم "مذاهب التفسير الإسلامي" 1955 م، وهي ترجمة كاملة اعتمد في جزءها الأول على الترجمة الأولى.
ويعد هذا الكتاب آخر كتاب أصدره وتوج به حياته العلمية، ويتحدث فيه أولاً عن المراحل الأولى للتفسير واختلاف القراءات والأحرف السبعة ومصحف عثمان والمشاكل النحوية. ( 16)
وفي الفصل الثاني يتحدث عن التفسير بالمأثور ومدى دخول الإسرائيليات وأقوال ابن عباس ومجاهد وعكرمة واختلاف الروايات. (17 )
وفي الفصل الثالث يتحدث عن التفسير بالرأي ودور المعتزلة في التفسير على يد الزمخشري في العقل والإيمان بالجن وكرامات الأولياء.. ورد فعل الأشاعرة. (18 )
ويتحدث في الفصل الرابع عن التفسير الصوفي وطرق الرموز وعن إخوان الصفا والأفلاطونية الحديثة. وآراء الغزالي في التفسير وابن عربي وابن رشد والسهوردي. (19 )
ويتحدث في الفصل الخامس عن التفسير في جزء الفرق الدينية من الخوارج والشيعة ورموز كتابات الشيعة في القرآن وتأويلاتهم. (20 )
وفي الفصل السادس عن التفسير الحديث عند أحمد خان ومحمد عبده وظهور النظريات الحديثة العلمية ومدى صلتها بالقرآن. (21 )
وهكذا يقول جولدتسيهر تاريخاً حياً لتفسير القرآن خلال القرون الثلاث عشر وقد أغفل من المذاهب التفسيرية، التفسير الفقهي والتفسير اللغوي والبلاغي والعلمي.
سادساً : تحقيق الكتب وتقديمها:
عني جولدتسيهر بنشر وتحقيق بعض الكتيب المهمة فنشر كتاب "المعمرين" لأبي حاتم السجستاني سنة 1899 م وقدم له، كما كتب مقدمة لكتاب "التوحيد" لمحمد بن تومرت مهدي الموحدين وقد نشر في الجزائر سنة 1903 م كما نشر فصول من كتاب "المستظهر" للغزالي في الرد على الباطنية سنة 1916 م في لندن وقدم له وبين فيه النزاع الشديد الذي وصلت إليه الدعوة الفاطمية والإسماعيلية في ذلك العهد. ( 22)


- المطلب الثالث : جهود العلماء المسلمين في الرد على جولد تسيهر:
منذ بداية معرفة المسلمين بجولد تسيهر وآراء واطلاعهم على كتبه وآراءه بدأت الردود وقام العلماء المسلمون بنقض آراء جولد تسيهر وافتراءاته ولعل أعظم الجهود تركزت في الرد على مطاعنه في القرآن والحديث النبوي الشريف وسنحاول هنا ذكر أهم تلك الردود وأهم التعليقات.
أولاً : ردود الدكتور علي حسن عبد القادر:
ولعل الدكتور علي حسن عبد القادر – حسب علمي – أول من نقل لنا كتب جولد تسهير إلى اللغة العربية من خلال ترجمته الجزئية لكتابه "المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن" وقد أعقب الترجمة الجزئية بتعقب إجمالي على موضوعات الكتاب، حيث يؤكد الدكتور عبد القادر (أن المؤلف قد تخلى عنه قلم العالم النزيه في نقد المسائل نقداً سليماً ومعالجتها في جو علمي لا تشوبه الأهواء ولا تعكر صفاءه الأوهام والشكوك). ( 23)
ولا يتجاوز التعقيب الصفحات العشر وفيه يدافع عن القرآن الكريم والقراءات القرآنية وجمع القرآن ويرد على بعض الأمثلة التي ذكرها جولد تسيهر.
ويؤكد الدكتور عبد القادر (والعجيب من أمرهم أنهم يقفون من سلوك النبيّ صلى الله عليه وسلم موقف المتعجب المقدر ولا ينكرون أنه كان وراءه شيء غير الأشياء ويصدقون النبي في كلامه وأعماله ويثقون بأمانته ولكن ماديتهم تأبى عليهم أن يؤمنوا بالقرآن والكتب المنزلة!! ومن أجل هذا نراهم في أبحاثهم القرآنية على تهافت وتناقض فيما يكتبون وأنهم أنفسهم لا يعدون ما كتبوا في هذا الصدد عندهم أمر نهائي يقف عند هذا الحد الفرضي...)( 24)
ثانياً : الدكتور مصطفى السباعي:
تعرف الدكتور السباعي على جولد تسيهر من خلال أستاذه الدكتور علي حسن عبد القادر الذي كان يحاضر في الأزهر وعندها قام الدكتور السباعي بكتابه بحث في الرد على جولد تسيهرو شكوكه في الحديث النبوي الشريف والتجني على الإمام الزهري ( 25) وضمنه كتاب "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي" حيث ذهب جولد تسيهر بأن الزهري كان يضع الأحاديث في صالح الأمويين وأن الأمويين استغلوا الزهري الرجل الصالح ليس من نوع الاستغلال المادي بل من نوع الدهاء ليوطد ملكهم وقد دافع الدكتور السباعي عن الزهري دفاعاً علمياً قيماً وفند آراء جولد تشيهر في علم الحديث إجمالاً. ( 26)
ثالثاً : الشيخ محمد الغزالي:
بعد أن اطلع الشيخ الغزالي على كتاب "العقيدة والشريعة في الإسلام" لجولدتسيهر قام الشيخ الغزالي بكتابة دفاعه في كتاب "دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين".
وفيه يتناول فصول كتاب جولد تسيهر "العقيدة والشريعة" فصلاً فصلاً بالنقد الإجمالي ومن الملاحظ أن ردود الشيخ الغزالي كان عامة وإجمالية ولم تركز فيها على المصادر والمراجع الأساسية وإنما اعتمد على ذاكرته وحفظه وعاطفته.
وقد اهتم في رده على بعض النقاط الأساسية في كل فصل دون التركيز على أمور أخرى قد تكون ذات أهمية وهذا ما نلاحظه في فصل تطور العقيدة، حيث اعتمد في رده على علماء وشيوخ معاصرين مثل الشيخ محمد عبده.( 27)( 28)
رابعاً : الدكتور نور الدين عتر:
حيث قام الدكتور عتر في خاتمة كتابه "منهج النقد في علوم الحديث" بتعقيب على الشبهات في علم الحديث وخصوصاًَ شبهات جولد تسيهر التي أخذها من كتابه "دراسات في السنة الإسلامية" وتتركز أهم شبهات جولد تسيهر في تدوين الحديث النبوي وانتقاد دراسة السند والمتن في مصطلح الحديث حيث يدعي جولد تسيهر بأن العلماء المسلمون اهتموا بالنقد الخارجي وحكموا على الأحاديث بحسب شكلها الخارجي ولم يهتموا بنقد متن الحديث...، وقد رد عليه الدكتور عتر برد علمي وواضح معتمداً على المراجع الأساسية على الرغم من أن فصل الردود هذا لا يتجاوز 25 صفحة. (29 )
خامساً : الدكتور محمد حسن جبل:
حيث ركز الدكتور جبل ردوده على القراءات القرآنية وشبهات جولد تسيهر فيها معتمداً على كتابه "مذاهب التفسير الإسلامي" وقد أفردها الدكتور جبل في كتاب خاص "الرد على جولد تسيهر في مطاعنه على القراءات القرآنية".
ويوضح في كتابه تناقضات جولد تسيهر ومنهجه المضطرب في تناول القراءات القرآنية ومغالطاته وزعمه بأن القراءات القرآنية تزداد مع مرور الزمن مع العديد من الأمثلة الموضحة. (30 )
وهناك العديد من الدراسات والبحوث الجامعية في الرد على جولد تسيهر ومنها:
"مناقشة جولد تسيهر في تفسير القرآن" د. جلال الدين محمد عبد الباقي، رسالة دكتوراه كلية أصول الدين، جامعة الأزهر، 1978م.

(1 ) - انظر ترجمته في: موسوعة المستشرقين، د. عبد الرحمن بدوي، دار العلم للملايين، بيروت، ط3، 1993 م. ص 197 وما بعد. وانظر: الأعلام: خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط1 1992 م. وانظر موقع:
(2 ) – مستشرق ألماني اختص باللغة العربية، نحوها وصرفها، أسس مدرسة الاستشراق الألماني في ليبتسك، ت 1865، انظر: موسوعة المستشرقين، ص 403.
(3 ) – انظر: موسوعة المستشرقين ص 198 وما بعد.
(4 ) – انظر مثلاً: حوار الدكتور مصطفى السباعي مع المستشرق شاخت حول جولدتسيهر وتعمده تحريف النصوص التي ينقلها من الكتب، الاستشراق والمستشرقين، د. مصطفى السباعي، دار الوراق، دار النيربين، ط4، 2003، ص 70.
( 5) – انظر: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات الكويت، دار القلم، بيروت، ط4، 1980، ص 312-313، وفيه ترجمة لجولد تسيهر مماثلة لترجمته في موسوعة المستشرقين.
( 6) – انظر المرجع السابق، ص 313 - 314
( 7) – فلهوزن (1844-1944 م) مؤرخ لليهود ولصدر الإسلام وناقد للكتاب المقدس لماني مسيحي ومن كتبه "بقايا الوثنية الإسلامية" انظر: موسوعة المستشرقين، ص 408.
( 8) – انظر: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، ص 314-315.
(9 ) – انظر: المرجع السابق، ص 315.
( 10) – انظر: العقيدة والشريعة في الإسلام، أجناس جولدتسهير، ترجمة: محمد يوسف موسى، عبد العزيز عبد الحق وعلي حسن عبد القادر، دار الكتاب المصري، القاهرة، ط1، 1946، المقدمة ص 1 ص 5.
( 11) – انظر : المرجع السابق، ص 36 و ص 40.
( 12) – المرجع السابق، ص 67 وما بعد.
( 13) – المرجع السابق، ص 119 وما بعد.
( 14) – المرجع السابق، ص 167 وما بعد.
(15 ) – المرجع السابق، ص 223.
( 16) – انظر: مذاهب التفسير الإسلامي، أجناس جولد تسيهر، ترجمة" د. عبد الحليم النجار، مكتبة الخانجي، القاهرة، ومكتبة المثنى، بغداد، ط 1 1955 م ص 3 وما بعد.
( 17) – المرجع السابق، ص 73 وما بعد.
( 18) – المرجع السابق، ص 120 وما بعد.
( 19) – انظر: المرجع السابق ص 201 وما بعد.
( 20) – انظر: المرجع السابق، ص 337 وما بعد.
( 21) – انظر: المرجع السابق، ص 201 وما بعد.
( 22) – انظر: المرجع السابق، ص 286 وما بعد.
( 23) – المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن، اجنتس جولد تسيهر، ترجمة: الدكتور علي حسن عبد القادر، مطبعة العلوم، القاهرة، ط1، 1944 م، ص 174.
( 24) – المرجع السابق، ص 175.
(25 ) – الزهري:
( 26) – انظر السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار الدراق، بيروت، ط1 2000 م، ص 211 وما بعدها.
( 27) - محمد عبده: عالم ومفكر إسلامي معروف تولى الإفتاء في مصر وله آراء وكتب عديدة، توفي 1901 م، الأعلام.
(28 ) – انظر: دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين، محمد الغزالي، دار نهضة مصر، ط 7، 2005، ص 90 وما بعد.
( 29) – انظر: منهج النقد في علوم الحديث، د. نور الدين عتر، دار الفكر، دمشق، ط3، 1997، ص 459 وما بعد.
( 30) – انظر: الرد على جولد تسيهر في مطاعنه على القراءات القرآنية، د. محمد حسن حسن جبل، كلية القرآن الكريم، طنطا، جامعة الأزهر، ط2، 2002 م.