قصة محمد بن زيد بن علي بن الحسين مع محمد ابن هشام بن عبد الملك
- في حكاية طويلة رواها القاضي التنوخي قال:
كان محمد بن زيد الداعي العلوي بطبرستان إذا افتتح الخراج نظر ما في بيت المال من خراج السنة التي قبلها، ففرق في قبائل قريش قسطاً على دعوتهم، وفي الأنصار والفقهاء وأهل القرآن وسائر الناس، حتى يفرق جميع ما بقي، فجلس في سنة من السنين يفرق المال كما كان يفعل، فلما فرغ من بني هاشم دعا بسائر عبد مناف، فقام رجل فقال له: من أي عبد مناف أنت؟ قال من بني أمية، قال: من أيهم؟ فسكت. قال: لعلك من بني معاوية؟ قال: نعم، قال: فمن أي ولده؟ فأمسك، قال: لعلك من ولد يزيد، قال: نعم، قال بئس الاختيار اخترت لنفسك من قصدك بلداً ولايته لآل أبي طالب، وعندك ثأرهم في سيدهم، وقد كانت لك مندوحة عنهم في الشام والعراق إلى من يتوالى جدك ويحب برك، فإن كنت جئت على جهل بهذا منك فما يكون بعد جهلك شيء، وإن كنت جئت لغيره فقد خاطرت بنفسك، قال: فنظر إليه العلويون نظراً شديداً، فصاح بهم محمد

وقال: كفوا، كأنكم تظنون أن في قتل هذا دركا أو ثأراً بالحسين بن علي، وأي جرم لهذا؟ إن الله جل وعز قد حرم أن تطالب نفس بغير ما اكتسبت، والله لا يعرض له أحد إلا أقدته منه؛ واسمعوا حديثاً أحدثكم به يكون لكم قدوة فيما تستأنفون، حدثني أبي عن أبيه
قال: عرض على المنصور سنة حج جوهر فاخر فعرفه وقال: هذا جوهر كان لهشام بن عبد الملك وهو هذا بعينه وقد بلغني خبره عند محمد ابنه، وما بقي منهم أحد غيره،
ثم قال للربيع: إذا كان غداً وصليت بالناس في المسجد الحرام وحصل الناس فيه فأغلق الأبواب كلها ووكل بها ثقاتك من الشيعة فأقفلها وافتح للناس باباً واحداً وقف عليه، فلا يخرج أحد إلا من عرفته.
فلما كان من الغد فعل الربيع ما أمره به وتبين محمد بن هشام القصة، فعلم أنه هو المطلوب وأنه مأخوذ، فتحير، وأقبل محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب على تفئة ذلك فرآه متحيراً وهو لا يعرفه، فقال له: يا هذا أراك متحيراً فمن أنت، ولك أمان الله وأنت في ذمتي حتى أتخلص بك، فقال: أنا محمد ابن هشام بن عبد الملك، فمن أنت؟ قال: أنا محمد بن زيد بن علي بن الحسين، فقال عند ذلك: أحتسب نفسي إذن، قال: لا بأس عليك يا ابن عم، فانك لست قاتل زيد ولا في قتلك إدراك ثأره، وأنا الآن بخلاصك أولى مني بإسلامي إياك، ولكن تعذرني في مكروه أتناولك به وقبيح أخاطبك به يكون فيه خلاصك، قال: أنت وذاك، فطرح رداءه على رأسه ووجهه، ولببه وأقبل يجره، فلما وقعت عين الربيع عليه لطمه لطمات وجاء به إلى الربيع وقال له: يا أبا الفضل إن هذا الخبيث جمال من أهل الكوفة أكراني جماله ذاهباً وراجعاً، وقد هرب مني في هذا الوقت وأكرى بعض القواد الخراسانية، ولي عليه بينة فتضم إلي حرسيين يصيران به معي إلى القاضي ويمنعان الخراساني من إعزازه، فضم إليه حرسيين وقال امضيا معه، فلما بعد عن المسجد قال له: يا خبيث تؤدي إلي حقي؟ قال: نعم يا ابن رسول الله، فقال للحرسيين: انصرفا، فانصرفا وأطلقه، فقبل محمد بن هشام رأسه وقال: بأبي أنت وأمي: الله أعلم حيث يجعل رسالاته، ثم أخرج جوهراً له قدر وقال: تشرفني بقبول هذا؟ قال: يا ابن عم إنا أهل بيت لا نقبل على المعروف مكافأة، وقد تركت لك أعظم من ذلك، تركت لك دم زيد بن علي، فانصرف راشداً ووار شخصك حتى يخرج هذا الرجل فإنه مجد في طلبك، فمضى وتوارى.
ثم أمر للداعي الأموي بمثل ما أمر به لسائر بني عبد مناف، وضم إليه جماعة من مواليه، وأمرهم أن يخرجوه إلى الري ويأتوه بكتابه بسلامته، فقام الأموي فقبل رأسه، ومضى معه القوم حتى وصل إلى مأمنه، وجاءوه بكتابه من الري.