كلمة عن مقتل الحسين عليه السلام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
لروحك الطاهرة أغلى سلام يا ابن الغالي حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعتنا وفجعت الأمة بموتك.
ولكنك الشهيد ابن الشهيد طيب الله ثراكم آل البيت فبكم ننتصر على أعداء الدين،وعليكم تجتمع كلمة الأمة وتتوحد .
لقد كانت حادثة مقتل الحسين من أبشع الحوادث التي يمكن أن نتصورها عبر التاريخ الإسلامي.
قيل في الكتب لقد بقيت البراري تنزف الدماء على مقتل الحسين، وكل ما رفع أحدهم حجراً وجد تحته دماً.
من قتل الحسين عليه السلام ليس يزيد وزبانيته فحسب ،من قتله من تخلى عنه وانهزم من أبناء العراق.
تقول كتب التاريخ إن الحسين رضي الله عنه أراد السفر للكوفة فأوقفه أكثر من صحابي جليل ونصحوه بعدم الذهاب للعراق
حتى قال له أحدهم : لقد قتلوا أباك.
لكن الحسين أصر على الذهاب.
لماذا أصرَّ الحسين رضي الله عنه رغم نصيحة الصحابة له، ورغم أنه يعرف موقف الحسن رضي الله عنه حيث بايع معاوية و حقن دماء المسلمين وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن موقف الحديث فقال :
" لعل الله ان يصلح به بين فئتين من المسلمين"
هل كان الحسين مخالفاً لموقف الحسن في اقباله على الحكم بينما أعرض عنه الحسن رضي الله عنه ؟
كثير ممن يتكلم عن الحسين تراه يخفي موقف الحسن رضي الله عنه من الحكم، رغم أنهما أخوة وسيدا شباب الجنة.
لا يمكننا أن نشك للحظة برجاحة عقل الحسين فلقد نهل الحكمة والعلم من نور النبوة.
لكن ما جرى هو ما شرحه الحسين بنفسه فقال للمعترضين على سفره خوفاً عليه: لقد وصلني حملي بعير.
حملي بعير من الرسائل المكتوبة من أهل العراق الذي خذلوا الحسين بعدها.
ماذا تحمل هذه الكتب؟
لا شك إنها تحمل مبايعة لحفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتحثه على القبول بمبايعة المسلمين له، وتعلن له السمع والطاعة
خاصة أن والده علي بن أبي طالب كان قد نقل دار الخلافة من المدينة المنورة إلى الكوفة
وحين بايع الحسن معاوية، ثبت للمسلمين إن الشام صارت دار الخلافة وإن دمشق هي عاصمة الخلافة الجديدة.
بذلك حدث حدث بالغ الأهمية من الوجهة السياسية
فانتقلت العاصمة من بلاد الرافدين إلى بلاد الشام
هذا الانتقال من إقليم إلى إقليم بحاجة لوقفة مطولة عند أبعاد التغيرات السياسية التي ستحصل بعدها، ودراسة التأثيرات النفسية على الحاشية المقربة والبعيدة والتي خسرت سياسياً عاصمة بين ليلة وضحاها، ولا شك أن لها لذة في محبي الحكم والخلافة من أهل العراق وإن ألبسوها اللبوس المقدس بخلافة حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قبيل الحديث عن مقتل الحسين عليه السلام يجب أن نتذاكر الصراع السياسي ومناطق النفوذ بين الشام والعراق تاريخياً، فقدوم الإسلام وتغير الفكر والدين لا يعني التغافل عن المكانة السياسية لكل منطقة عبر تاريخهما بلاد الشام كانت واقعة تحت نفوذ الرومان والعراق تحت نفوذ الفرس.
الغسسانة ( التنوخيين) والمناذرة ( اللخميين)
ينحدران من قبيلة قحطان العربية والراوية الضعيفة تقول أنهم هاجروا من اليمن، بينما تؤكد النقوش التاريخية أنهم أهل المنطقة تاريخياً
المناذرة : عاصمتهم الحيرة وكانت ولائهم للبيزنطيين ثم أصبح ولائهم للفرس وتمتعوا بحكم ذاتي شبه مستقل ووصل نفوذهم للبحرين وساحل الخليج العربي
وكانت بينهم وبينهم الغسسانة معارك كيوم حليمة مضرب للأمثال على شهرتها (ما يوم حليمة بسر).
دعم الفرس الكنيسة المشرقية أو الآشورية أو النسطورية لتكون مقابل كنيسة الرومان الأرثوذكسية
لنلاحظ التباين الديني لخدمة الغاية السياسية.
الغسسانة :اتخذ الغساسنة من بصرى عاصمة لهم قبل تحويل عاصمتهم لاحقا إلى الجابية (بمرتفعات الجولان)، وسرعان ما امتد حكمهم ليشمل كل الأردن والجولان وحوران وغوطة دمشق وجنوب سوريا، ووصلوا في غزواتهم حتى خيبر.
ساند البيزنطيين الغساسنة, وكان لمملكتهم سلطانها وأهميتها, عندما غادر الملك الغساني جبلة الشام ومعه 30000 ألف غساني من سوريا حيث شدوا الرحال إلي الإمبراطورية البيزنطية, واحتلوا مكانوا عالية في الدولة
لنا إذن أن نفكر بالأبعاد السياسية التي حملت أهل العراق على مراسلة الحسين للقبول بالخلافة، ونضعها موضع دراسة وتفكير.
لكنا ما يهمنا هو موقف الحسين رضي الله عنه من كل هذه الأحداث
لا شك إن الحسين كان يدرك أبعاد ذلك، لكنه حمل أمانة دقيقة في هذه اللحظة التاريخية، فكيف يرفض حمل مسؤولية الأمة وقد صارت الأغلبية معه.
فهذه العراق ترسل له مبايعة ، و جزيرة العرب تبايعه حيث هو ، وكيف لا تبايع حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بقي إقليم بلاد الشام الذي من غير المستبعد أن يبايع الحسين حتى ولو كان جند يزيد سيبطش بهم.
هذه الإحساس بالمسؤولية قد وضع الحسين في موقف خطير، فلولا الكتب تلو الكتب والرسائل تلو الرسائل لما كان الحسين قد أعلن قبوله للخلافة.
ومضت الأحداث المعروفة وصدق من قال له: قلوبهم معك وسيوفهم عليك"
و قد دخل في جيش زياد بن أبيه كثير ممن أرسل للحسين الرسائل التي تحضه على السفر للعراق حين اجتمع الجمعان، حيث رأي القوة المادية والغلبة الظاهرة في طرف جيش يزيد وزبانيته.
لقد قتل الحسين من كاتبه وراسله وخذله في ساحة المعركة ،قبل زياد بن أبيه ويزيد المجرم.
ربما يأخذ القلب العبرة لتو العبرة لقصة الحسين الحزينة
فمن من المسلمين لا يتمنى لو نصر الحسين فلعل حقبة راشدة أخرى تستمر.
لكنها سنة الله في الأرض وكان أمر الله حق في قبض الأنبياء، وكانت حكمة الله تقتضي أن لا يكون لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولد ذكر ، وإلا لكان قد قتل وكانت الفتنة أكبر مما هي عليه.
سيأتي نبي يهدي البشر، وسيمضي ويترك الأمانة بين البشر
فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها، لأن الدنيا هي امتحان للبشر وليست دار مقام كما يريدها البعض.
البشرية اختيار الله وإلا لكان مكن الأنبياء كلهم وجعلهم ملوكاً كداوود وسليمان ويوسف، لكنه أبقى الحكم والخلافة مدنية بشرية، لا نبوية ، فالحكم في النهاية لله عز وجل هو مدبر الأمور بحكمته وعزته.
الملك للبشر يملكون أموال الأمة وثرواتها ويملكون ألسنة الناس .
وملك قلوب الناس للأنبياء والصالحين والأولياء، فانظروا أيها أثقل في الميزان.
الحسين كان و سيبقى ولي المسلمين، وعلي بن أبي طالب عليه السلام ولي المسلمين ، و آل البيت لقيامة الساعة هم أولياء المسلمين .
وإن الحكمة البالغة التي يجب أن تقر في القلوب، إن أولياء الله هم الغالبون، وهم القادة والحاكم الحقيقيون للناس.
وإن مكانة الولي تعطى من إيمان الناس و زهدهم في تراب الدنيا الزائل، لكن كما التراب الزائل يلمع في قلوبهم فحتماً سيكون الكرسي السياسي هو الملعب الذي تسفك فيه الدماء ، ويقتتل الطامعون على هذه الدنيا الزائلة.
ستبقى الولاية الدينية لآل البيت هي الولاية التي أرادها رسول الله صلى الله عليه وسلم لآل بيته وذريته الطاهرين، وسيبقى الطامعون في الولاية السياسية يقتتلون حتى ولو رفعوا رايات الدين كذباً وبهتاناً.
الأنبياء لا يورثون، لا مالاً ولا دولاً ، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يبعث رئيساً لدولة بل خاتم الأنبياء ورحمة بالعالمين ، رحمة بكل من على هذه البسيطة.
لم يكن النبي محمد صلى الله عليه إلا عبداً لله ، وحتى الخلفاء الراشدين لا يمكن اعتبارهم ملوكاً ورؤساء ، فالملك يتملك وله القصور والخدم والحجاب والحراس ، فلو كان لعمر بن الخطاب وعلي بن الخطاب وعثمان بن عفان حجاباً وحراساً يمنعونهم من الناس أكانوا قتلوا بهذه السهولة ؟
النبي صلى الله عليه وسلم ورث علي بن أبي طالب العلم ومكانة العلماء عبر التاريخ هي أعلى من الخلفاء والساسة والملوك والأمراء.
ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام كانت الولاية العلمية، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشيره في الكبيرة والصغيرة وفي كل ما استغلق عليه حتى كان يول : بئس المقام بأرض ليس فيها أبو الحسن.
التنازع السياسي سيبقى في منطقة شاء الله أن تتوالى عليها الأحداث الجسام، والساسة لن يتخلوا عن ميزة توظيف الدين والمذهب لصالح تنازعم السياسي، ليست المشكلة فيهم فهذه هي جبلتهم، المشكلة هي في الناس الذين يرتضون بهذه اللعبة ديناً لهم.
طارق شفيق حقي