كيف تتعامل المدارس في أوروبا مع التلاميذ المسلمين؟


يعيش ملايين المسلمين في دول أوروبا، ويلتحق أبناؤهم وبناتهم بالمدارس هناك.بعض هذه المدارس حكومية، ترفع لواء الحيادية في التعامل مع كل الأديان، وبعضها الآخر مدارس مسيحية كاثوليكية وبروتستانتية، تعلن صراحة أن هدفها هو تربية التلاميذ والطلاب تبعًا لمبادئ الدين المسيحي، وأن ممارسة العقيدة تهيمن على اليوم الدراسي من بدايته إلى نهايته، فهل تحترم هذه المدارس عقيدة الطلاب المسلمين، أم تسعى لتبشيرهم وهدم عقيدتهم؟
علاقة الغرب بالدين
باستثناء الفاتيكان الذي يعتبر دولة دينية، فإن غالبية الدول الأوروبية تتبنى فصل الدين عن الدولة، وهو ما يفهمه الكثيرون خطأ باعتباره عداء للدين أو إلحادا أو إلغاء الدين من جوانب الحياة، والحقيقة أن الدساتير الأوروبية أسهمت في سوء الفهم لهذه العلاقة بين الدين والدولة، فهي تنص من ناحية على حيادية الدول في التعامل مع المواطنين بغض النظر عن دينهم، ولكنها تمنح الكنائس مكانة متميزة في كثير من جوانب الحياة، ويكفي أن نعرف أن وضع مناهج التربية الدينية المسيحية، وإعداد معلمي هذه المادة، هو من صلاحيات الكنيسة وحدها.فرنسا التي تتمسك بعلمانيتها المتطرفة، تدفع كل النفقات من رواتب المعلمين، إلى توفير المناهج الدراسية، إلى المباني المجهزة، إلى تكاليف التشغيل لأكثر من عشرة آلاف مدرسة خاصة، 95 في المائة منها مدارس كاثوليكية، يدرس فيها 17 في المائة من الطلاب الفرنسيين، وتلتهم وحدها 20 في المائة من ميزانية التعليم في الدولة، كما تتحمل الدولة الفرنسية «العلمانية» تمويل مائة مدرسة يهودية بنسبة 75 في المائة، وكذلك تمويل مدرستين إسلاميتين.ألمانيا التي تؤكد دومًا على مبدأ فصل الدين عن الدولة أيضا، يرأسها يواخيم جاوك القسيس، الذي رفض ما قاله سلفه في هذا المنصب، الرئيس كرستيان فولف، من أن الإسلام جزء من ألمانيا، وتحكم البلاد المستشارة أنجيلا ميركل، ابنة القسيس، ورئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي، الذي يتمتع بالأغلبية في الحكومة وفي البرلمان، ورغم هذه العلمانية سمح البرلمان الألماني لرأس الكنيسة الكاثوليكية بابا الفاتيكان، بالتحدث أمامه في حداثة فريدة من نوعها، وتتمسك ألمانيا برفض عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، لأنها دولة إسلامية، فهل أدل على ذلك من العلاقة الوطيدة بين الكنيسة والدولة؟
مادة التربية الدينية في المدارس
إذا أخذنا ألمانيا نموذجًا للدول الأوروبية، وجدنا أن المدارس التابعة للحكومة تتعامل مع التربية الدينية باعتبارها مادة دراسية مثل بقية المواد، يدرسها الطالب باعتبارها معلومات، أكثر من كونها ممارسة لشعائر الدين، ورغم أن غالبية المعلومات تتعلق بالديانة المسيحية، فإن المناهج الحالية تتعرض لبقية الأديان، وتهتم بتعريف الطالب بالإسلام بصورة خاصة، في ظل وجود نسبة لا يستهان بها من الطلاب المسلمين، كما تقدم معلومات عن بقية الأديان حتى البوذية والهندوسية، كما تعرض قضايا تتعلق بحياتهم اليومية، والتطورات التي تشهدها المجتمعات، بهدف ترسيخ قيم وأخلاقيات ومبادئ اتفق عليها المجتمع، دون تركيز على الأصول الدينية لهذه القيم.ونظرًا لأن الدستور الألماني يشترط على المعلم أن يكون محايدًا، فإنه ليس من المقبول منه أن يعرض الإسلام بصورة سلبية، أو أن يدين شعائر الدين من صيام أو صلاة أو حج، حتى ولو كانت غريبة على المجتمع ذي الصبغة المسيحية، بل نجد في مناهج التربية المسيحية، آراء ربما تتعارض مع التوجهات الرسمية للكنيسة، بهدف تقريب الدين من الواقع المعيشي للطلاب.هناك ولايات ألمانية حصلت على استثناء من الدستور الألماني الذي يفرض تدريس التربية الدينية، واستبدلت هذه المادة بمادة (الأخلاق)، بحيث يستطيع كل الطلاب أن يحضروا دروسها، دون شعور بأن أحد الأديان له الغلبة على غيره، واستطاعت ولاية برلين مثلا إلغاء مادة التربية الدينية، رغم الاعتراضات الشديدة من جانب الكنيسة الكاثوليكية، ولكن المواطنين استطاعوا في استفتاء رسمي وقف اعتراضات الكنيسة، وإقرار مادة الأخلاق.وفي المقابل نجد المدارس الدينية، والتي تتبع غالبيتها الكنيسة الكاثوليكية، التي يمكن وصفها بأنها محافظة، إذا أردنا استخدام مصطلح دبلوماسي، أما إذا استخدمنا المصطلح الأدق فهي متشددة بعض الشيء، لأنها تقول بصراحة إنها تفضل أن تقبل مدارسها الطالب الذي يتبع مذهبها، على الطالب المسلم، حتى ولو كان الأخير أكثر تفوقًا، وتفرض على ولي الأمر المسلم الراغب في تسجيل ابنه أو ابنته هناك، أن يوقع بالموافقة على حضوره أو حضورها في حصص التربية الدينية المسيحية، وعلى المشاركة في الأنشطة الكنسية جميعها، وفي حصص السباحة، وفي الرحلات المدرسية التي تقتضي المبيت خارج المنزل.في هذه المدارس الكنسية ليست الديانة المسيحية مادة دراسية فحسب، بل هي العنصر الأهم في اليوم الدراسي، الصليب معلق في كل صف، والصور والتماثيل المسيحية منتشرة في كل مكان، وهناك مكان للصلاة في داخل المدرسة أو في كنيسة ملاصقة لها، يبدأ العام الدراسي بقداس في الكنيسة، وهناك قداس أسبوعي للطلاب، ويحرص المدير أو المديرة على تلقي التعليمات من القيادة الروحية للكنيسة، يرسخ المعلمون في كل المواد الارتباط بالدين المسيحي، فسلوك الطالب لابد أن يكون نموذجيا، لأنه -حسب رأيهم- يمثل أخلاق الإنجيل، وبسبب كل تلك الأوضاع لا يمكن تصور وجود طالبة مسلمة بالحجاب في هذا المناخ.
طلاب مسلمون في مدارس مسيحية
لابد من الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من المهاجرين المسلمين في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، جاءوا للعمل بعد الحرب العالمية الثانية، واعتقدوا أن الأمر يتعلق بسنوات قليلة، يقضونها بمفردهم في الغربة، يعملون خلالها في المصانع ليل نهار، ويعيشون حياة متواضعة على هامش المجتمع، يجمعون فيها المال، ثم يعودون إلى بلادهم، حيث تنتظرهم عائلاتهم.عندما زادت أعداد المهاجرين عن الحاجة، وارتفعت الأصوات الألمانية المطالبة بوقف استقدام العمال الأجانب، شعر المهاجرون القادمون من تركيا والمغرب وتونس وغيرها من الدول، أن الأبواب ستوصد أمامهم، فأسرعوا باستقدام عائلاتهم، حتى يحصلوا على حق الإقامة، وجلبوا معارفهم وأقاربهم، قبل صدور القوانين، واكتشفوا أن الإقامة المؤقتة لسنوات قليلة، ستمتد حتى نهاية العمر، ووجدت ألمانيا نفسها في مواجهة مع أوضاع لم تفكر فيها من قبل، فالمهاجرون الجدد يحتاجون إلى مساجد، وأطفالهم في حاجة إلى مدارس، خاصة أن نسبة المواليد بين المهاجرين أعلى بكثير من الألمان، وأصبحت هناك صفوف دراسية غالبيتها من الأتراك أو العرب، وقلة من الألمان.ونظرًا لأن القوانين الألمانية شديدة الصرامة فيما يتعلق بإلزامية التعليم، فإن المهاجرين سجلوا أطفالهم في المدارس الحكومية، ليدخل أطفالهم عالما غريبا عليهم، لا يعرفون لغته، فالأهل لا يتحدثون إلا لغتهم الأصلية، وأنماط الحياة مختلفة تماما، ووجد المعلمون والمعلمات الألمان أنفسهم يواجهون تحديات من نوع لم يألفوه من قبل، وهي تحديات لا تقتصر على الصعوبات اللغوية، بل شعرت معلمات ألمانيات باحتقار بعض أطفال المهاجرين لهن، بسبب ملابسهن أو دينهن أو لمجرد أنهن نساء، وظهرت صراعات بين الجنسيات المختلفة، بين الأتراك والأكراد، وحتى بين المسلمين وبعضهم، بين من ترتدي الحجاب، وبين من لا ترتديه، بين السنة والشيعة والعلويين.قرر كثير من أولياء الأمور الألمان أن يهربوا من أماكن وجود المهاجرين، وألحقوا أطفالهم بمدارس مسيحية، بعد أن اكتشفوا أن أطفالهم يعانون من تراجع مستوى الصف، الذي تدرس فيه غالبية من أطفال المهاجرين، وأن أطفال المهاجرين أكثر ميلا لاستخدام العنف، لأنهم تربوا على ذلك في بيوتهم، وغير ذلك من المشاكل التي أراد الألمان أن ينأوا بأنفسهم عنها. بعض أولياء الطلاب المسلمين، أرادوا هم أيضا أن يبتعدوا عن عالم المهاجرين، خاصة إذا كانوا من طبقة اجتماعية فوق المتوسطة، من الأكاديميين الذين اقتربوا من المجتمع الألماني، واندمجوا فيه، أو حتى من البسطاء الذين يريدون لأطفالهم مستقبلا أفضل منهم، ووجدوا أن هذه المدارس المسيحية، التي يشكل الطلاب الألمان الغالبية فيها، تحرص على مستوى تعليمي أرفع من نظيراتها الحكومية، والفئة الثالثة من المهاجرين الذين ألحقوا أطفالهم بهذه المدارس، يركزون على قضية واحدة، هي فصل الجنسين في هذه المدارس، الأمر الذي يضمن عدم وجود حصص سباحة مشتركة للجنسين، كما هو الحال في المدارس الحكومية، وفي مقابل هذه الميزة، هم مستعدون لحضور أطفالهم حصص التربية الدينية المسيحية، وحضور القداس، وكل هذه الأنشطة الكنسية.
نماذج عملية
صدر مؤخرًا كتاب بعنوان (ابنتنا لا تشارك في درس السباحة - 50 حالة لخلافات دينية وثقافية في المدرسة، وكيف يواجهها المرء)، يتناول الكثير من القضايا التي يواجهها المعلمون والمعلمات الألمان في تعاملهم مع الطلاب المسلمين وأولياء أمورهم، فيذكر الخلاف، ثم يتناول الخلفية الدينية والثقافية لهذا الخلاف، ثم يعرض آراء أخرى من الدين حول نفس القضية، ثم يذكر الأسس القانونية المتعلقة بهذا الأمر، وأخيرًا يقدم الكتاب ملاحظات وتوصيات لكيفية التعامل مع الخلاف.مؤلفو الكتاب متخصصون في القانون والدراسات الإسلامية والعلوم التربوية، ولذلك جاء الكتاب متضمنًا لكل هذه الجوانب، وساعيًا لمساعدة المعلمين على التصرف بصورة صحيحة من الناحية القانونية، في نفس الوقت الذي يراعي فيه الخلفيات الدينية والثقافية، ويقدم اقتراحات حول كيفية التوصل مع أولياء الأمور إلى حلول وسط، ترضي جميع الأطراف، ولا تتعارض مع القوانين ولا الدين، في نفس الوقت الذي يعترف فيه أولياء الأمور بوجود خلافات يصعب التوصل فيها إلى حلول، وآراء دينية لا تتوافق مع القوانين الألمانية، مما يكسب الكتاب الكثير من المصداقية.وقبل التعرض لنماذج من هذه الخلافات، ينبغي الإشارة إلى أن وجود مثل هذه الكتب في حد ذاته، يعتبر أمرًا إيجابيًا، لأنه يدل على الاهتمام بوجود هؤلاء الطلاب المسلمين وغيرهم من غير المسيحيين، ويشدد على أهمية مراعاة دينهم، وعدم السعي لفرض نمط الحياة الألمانية وجذورها المسيحية عليهم، في ظل ما ينص عليه الدستور من ضمان حرية العقيدة، وتحديد القوانين لمسؤولية الأهل عن عقيدة أطفالهم، وضرورة احترام المدرسة لهذا الحق، بما لا يتعارض مع مصلحة الطفل، وسلامته البدنية والنفسية.
الصيام
يتناول الكتاب أهمية هذا الشهر للمسلمين، والتأكيد على أن الصيام هو أحد قواعد الإسلام الخمس، ويستعرض فوائده مثل تدعيم العلاقات بين جماعة المسلمين، ثم يقدم ترجمة الآيات القرآنية التي تتناول الصيام، ويوضح المؤلفون أن التقاليد السائدة في العالم الإسلامي تنص على أن يسعى الوالدان إلى تعليم أطفالهما الصيام منذ الصغر، دون تكليفهم بما لا يطيقون.وفي باب التفسيرات البديلة، يشير الكتاب إلى أن هناك حالات يجيز فيها الإسلام أن يفطر المسلم، مثل المرض أو السفر، مع إعادة هذه الأيام التي أفطر فيها، في وقت لاحق، أو الفدية، ويشير المؤلفون إلى آراء صادرة عن مجلس الإسلام في ألمانيا، والتي ترى أن الطالب الذي لا يتحمل الدراسة والصيام، يمكنه أن يأخذ بهذه الرخصة، علمًا بأن اليوم الدراسي في المدارس الألمانية يستمر من الثامنة صباحًا وحتى الرابعة عصرًا في كثير من الأيام، ويتضمن حصصًا للتربية الرياضية.ثم يتناول الكتاب الوضع القانوني الذي ينص على أن الصيام أثناء اليوم الدراسي، هو جزء من العقيدة، التي يضمن الدستور احترامها، وحرية ممارستها، ولكنه ينبه إلى أن الصيام ليس مفروضًا على الأطفال والصبيان، قبل سن البلوغ، وينصح المؤلفون إدارات المدارس باحترام صيام المسلمين، بشرط ألا يكون في الأمر إجبار من الأهل للطلاب، وألا يتسبب في أضرار كبيرة على صحة الأطفال والصبيان المسلمين.وفي باب الملاحظات يشير الكتاب إلى أن بلوغ الصبي سن الرابعة عشرة من عمره، يجعله مسؤولاً عن عقيدته بنفسه، وعندها لا يحق للوالدين أو حتى لجماعة المسلمين أن يجبروه على الالتزام بالصيام أو بغيره من شعائر الدين، وينبه المؤلفون إلى أن الإسلام لا يقبل بالإكراه في الدين، وينصحون المعلمين بعدم التدخل في هذا الأمر، إلا إذا كان الطالب مصابًا بمرض مثل السكر، أو غير ذلك من الأمراض التي يصعب الصيام معها، وخاصة عدم الشرب في شهور الصيف، إذا تزامن رمضان مع هذه الفترة من العام.ويستعرض الكتاب مشكلة ممارسة التربية الرياضية في وقت الصيام، فمن الناحية القانونية يمثل حضور الطالب كل الحصص، ومشاركته فيها واجبًا لا يجوز التملص منه، ولكن في المقابل لا يحق للمعلم أن يكلف الطالب بما لا يطيق، لأنه يعرضه عندئذ إلى خطر على صحته، وإذا أصر على مشاركة الطالب، فإنه يجبره إما على الإفطار، أو على السعي للحصول من الطبيب على شهادة مرضية، والتي ستتضمن كلامًا بديهيًا، لتوضيح أن الرياضة أثناء الصيام ليست مفيدة لصحة الطالب.وفي النهاية يترك الكتاب الأمر للمعلم وكياسته، للموازنة بين الحق الدستوري للطالب في احترام عقيدته، وبين الإلزام القانوني بحضور الحصص، وبين رأي مجلس الإسلام في ألمانيا، بإمكانية القياس على رخصة الإفطار للمسافر والمريض، إذا اقتضت الضرورة.
الفتاة وأعمال المنزل
عندما تبرر الطالبة عدم قدرتها على تأدية واجباتها المدرسية، بسبب تكليف أسرتها لها بالمساعدة في أعمال المنزل، مثل تنظيف المنزل والطبخ، وكذلك رعاية الأخت الصغيرة، واقتصار هذه المهام على الفتيات وحدهن، وإعفاء الصبيان من ذلك، فإن المؤلفين يعتبرون أن ذلك يستند إلى قوامة الرجل على المرأة في الإسلام، ويستشهدون بالآيات القرآنية المتعلقة بذلك.وينبه المؤلفون المعلمين إلى أن هذا الأسلوب في التربية، لا يقتصر فقط على العائلات المسلمة، بل توجد طوائف مسيحية تطبق نفس الأمر على الفتيات، وأن العهد القديم يشير إلى المرأة باعتبارها الجنس الأضعف، فحواء خرجت من ضلع آدم، لذلك فهي جزء منه، يتصرف فيه كيفما شاء، وهي التي أغوته وأخرجته من الجنة، ولذلك فإن الرجل كرمز للعقل، يجب أن يكون المتحكم في المرأة التي هي رمز للعاطفة.ويشير الكتاب إلى إمكانية إقناع الأهل المسلمين بأهمية التعليم، ومكانة العلم في الإسلام، بحيث يسمح الوالدان لابنتهما بالاجتهاد والمذاكرة، وعدم تكليفها بأعمال البيت، دون إخوانها من الصبيان.ويتناول المؤلفون الناحية القانونية التي تنص على حق الأهل في تكليف أطفالهم بالمساعدة في أعمال المنزل، تبعا لما يقدرون عليه، وبما يتناسب مع أوضاعهم الحياتية، وبشرط مراعاة ميول الطفل واستعداده، فإذا ظهر أن الأهل لا يراعون ذلك، ويتسببون في إلحاق الضرر الشديد بأطفالهم، فإن المدرسة لها الحق في مخاطبة السلطات، للحفاظ على مصلحة الطفل، وعندها تقرر المحكمة استمرار وصاية الأهل على أطفالهم أم نزعها منهم.ثم يستعرض الكتاب بالتفصيل تأكيد القانون الألماني على المساواة بين المرأة والرجل، وعدم جواز التفرقة في المعاملة بينهما على أساس الجنس، لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن من حق الأهل أن ينقلوا لأطفالهم ما يشاؤون من آراء، فإذا وافقت الفتيات على ذلك، دون إجبار أو إكراه، فإن ذلك من حقهن، ولا يحق لأحد التدخل في ذلك، بشرط ألا ينتظر الأهل أن تتفق معهم المدرسة في هذه الآراء أو أن تعلمها للأطفال في الصف.وينصح المؤلفون المعلمين بأن يراعوا التوازن بين حظوظ الفتاة في التعليم، وبين علاقتها بأهلها، بما يحقق مصلحتها، ويطالبون بضرورة استنفاد كل الإمكانيات المتاحة، للتحدث مباشرة مع الوالدين، في مثل هذه الظروف، ويلخصون الأمر بقولهم: «لا يمكن إجبار أحد على الحرية»، لكن إذا احتاجت الفتيات إلى مساندة في سعيهن للحصول على حقوقهم في المساواة بالفتيان، فلابد أن يجدن الدعم في ذلك المسعى.
سباحة الفتيات
يشدد الكتاب على حرص الإسلام على الحياء، ويذكر الآيات التي توضح هذا المبدأ، وعدم جواز إظهار المرأة لزينتها إلا للمحارم، وعدَّد هؤلاء المحارم، وتناول ما تعنيه عورة المرأة وعورة الرجل في الإسلام، والآراء التي تمنع العري حتى بين الأفراد من نفس الجنس، ثم يستعرض آراء أخرى تعارض وجهة النظر هذه، ولكنه يوضح أن المسلمين يتمسكون بالحياء، لأنه متأصل فيهم، ويصعب تخلصهم منه.ثم يستعرض الكتاب الأحكام القضائية الصادرة في هذا الشأن، فبعد أن منحت محكمة فيدرالية في عام 1993م، لطالب عمره 12 عامًا، الحق في الامتناع عن حضور حصة السباحة، طالما أنه لا يتم الفصل بين الجنسين فيها، وطالبت المدارس بالعمل على توفير أوقات أو أماكن مختلفة لكل جنس على حدة، حتى لا يتعرض الطالب المسلم إلى صراع مع ضميره.لكن بعد ظهور ملابس سباحة للفتيات، تضمن تغطية أجسادهن من الرأس إلى القدم، فإن محكمة أخرى قضت في عام 2011م، برفض الامتناع عن حضور حصة السباحة، حتى ولو كانت الحصة للجنسين معا، ولكن المحكمة استثنت الفتيات اللاتي يشعرن بتأنيب ضمير شديد في هذه الحالة، لمخالفتهن لمفاهيمهن الدينية.تسببت هذه المشاكل المتكررة، في رفض المدارس الألمانية قبول طلاب أو طالبات من أبناء المسلمين، إلا بعد توقيع ولي الأمر بالموافقة على حضور ابنه أو ابنته حصة السباحة، مما قلل الخيارات أمام الطلاب المسلمين في الالتحاق بالمدارس التي يرغبون فيها.وبعد ذلك يتناول الكتاب الإحصائيات الأخيرة التي تشير إلى تراجع نسبة الأطفال القادرين على السباحة في ألمانيا، حتى أن 40 في المائة من الطلاب في الصف الثاني المتوسط، لا يعرفون السباحة، في مقابل زيادة عدد ضحايا حوادث الغرق، في السنوات الأخيرة، وأرجعت الإحصائيات هذه الظاهرة الخطيرة إلى قلة عدد حصص السباحة في المدارس، وإلى رفض الكثير من أبناء المهاجرين المسلمين حضور هذه الحصص.واقترح المؤلفون أن توفر المدارس حصص للفتيات بمفردهن، وهو الأمر الذي تؤيده الطالبات، حتى من غير المسلمات، وعندها يمكن السماح بحضور والدة الطالبة للاطمئنان على الوضع، والتأكد مع عدم مخالفة ذلك للأخلاق والقيم.ونبه الكتاب إلى أن عدم إجادة السباحة، يحرم الطلاب والطالبات من المسلمين من المشاركة في الأنشطة اللاصفية للمدرسة، مثل الرحلات المائية، وتعلم قيادة المراكب الشراعية، والقوارب الصغيرة، التي لا يمكن القيام بها، إلا لمن يحمل شارة سباح، مما يعزل المسلمين عن بقية الصف.وإذا رفض أولياء الأمور تعلم بناتهن السباحة في المدرسة، فإن الكتاب يشدد على المعلمين بأن يناشدوا الأهل بأن يسعوا إلى تعليم بناتهن السباحة في الدورات النسائية المقدمة خارج المدرسة في كثير من حمامات السباحة، والتي تقدمها بعض الجمعيات الإسلامية وغيرها.
ختامًا
يتناول الكتاب الكثير من القضايا مثل مصافحة المسلم للمرأة الأجنبية، والاحتفال بالمناسبات الدينية المسيحية، وتناول الأطعمة غير المذبوحة طبقا للشريعة الإسلامية، أو التي تحتوي على جيلاتين حيواني، وحصص التربية الجنسية، واستخدام الوالدين للضرب في تربية الأبناء، وتحريم الصور في الإسلام، خاصة أي رسوم للأنبياء والملائكة، وضرورة التزام الأطفال بالصلوات الخمس، وصلاة الجمعة بصورة خاصة، ومنع وجود الطالبة المسلمة مع معلم في مكان بمفردهما، ورفض وجود صليب في الصف الدراسي، ورفض ارتداء معلم أو معلمة للصليب، أو ارتداء الطالبة المسلمة للحجاب أو النقاب، وغير ذلك من القضايا التي تمس وجود الطلاب المسلمين في المدارس الغربية.ورغم كل هذه الإشكاليات لابد من الاعتراف بأن الكثير من المسلمين يرون أن المدارس في الغرب، لها إيجابيات لا حصر لها، حيث يتعلم فيها الطالب كيف يفكر بصورة مستقلة، وأن يكون له رأي، يتعلم تحمل المسؤولية، ويتقبل الرأي الآخر، يكتسب مهارة العمل ضمن فريق، ويدخل معامل الكيمياء والفيزياء والأحياء المجهزة بصورة جيدة، يقوم بإجراء التجارب، ويصل إلى النتائج بنفسه، يتعلم احترام الأديان الأخرى، وحب البشرية جمعاء، يكتسب سعة الأفق، فيعرف الكثير عن العالم، ولا يقف عن حدود بلاده وقارة أوروبا. ربما لا يحفظ الكثير من التواريخ وأسماء المعارك مثل طلابنا، ربما لا يقدرون على تقديم اختبار في كتاب بأكمله، ربما لا يستطيعون مذاكرة عشر مواد دراسية في نفس الوقت، ربما لا يحفظون شيئا من كتبهم المقدسة، لكنهم يتعلمون أن الإنسان بلا أخلاق، لا يستحق الاحترام، وأن القيم ليست شعارات تعلق على الجدران، بل هي نمط حياة يعيشه الناس في كل حين.فإذا استطاع الأهل المسلمون في بيوتهم تعليم أطفالهم أصول دينهم، وإذا وجد الأطفال في والديهم المسلمين النموذج الصادق لهذا الدين، لم يتأثروا بسلبيات المدرسة، بل كانوا مشاعل تحمل النور لمن حولهم، ولم يشعروا بنفور أو كراهية لمعلميهم وزملائهم وللمجتمع المحيط بأكمله، بل حلت الطمأنينة في قلوبهم، وهم يشعرون أن عقيدتهم راسخة، لا تتأثر بأي حديث عن الأديان الأخرى.أما المنظمات الإسلامية فإن عليها أن تواصل جهودها، بعد النجاح الذي حققته في ولاية شمال الراين وستفاليا، التي أقرت حق التلاميذ المسلمين في الحصول على معلمي تربية دينية إسلامية، ومناهج معتمدة من علماء الدين المسلمين، وتنتهي عندها كثير من مشاكل هؤلاء الطلاب، لأن هذا المعلم لن يقتصر دوره على تدريس هذه المادة، بل سيكون وصلة بين إدارة المدرسة وبين الطلاب المسلمين، الذين سيجدون فيه خير من يعبر عن مطالبهم.لكن بقي سؤال لابد من طرحه على أنفسنا: هل نأبه بالطلاب الذين يدرسون في الكثير من البلاد العربية والإسلامية من أتباع الأديان الأخرى؟ وهل نتقبل أن يطالبونا بأن نحترم عقيدتهم؟في عام 1995م، وعندما شارك وزير الخارجية الألماني آنذاك كلاوس كينكل، في افتتاح أكاديمية الملك فهد في بون، قال بوضوح: «التسامح ليس طريقا في اتجاه واحد»، أي لا يمكن للمسلمين أن يطالبوا باحترام عقيدتهم في بلاد مسيحية، ولا يحترمون عقائد الآخرين في بلادهم.. فهل كان محقًا؟بيانات الكتاب
Ulrike Hinrichs, Nizar Romdhane, Markus Tiedemann
Unsere Tochter nimmt nicht am Schwimmunterricht teil!: 50 religioes-kulturelle Konfliktfälle inder Schule und wie man ihnen begegnet.
Verlag an der Ruhr, 2012,
ISBN 978-3-8346-0969-4