استند جون هيك في تفسير الظاهرة الدينية إلى مبدأين حظيًا بقبول واسع في الأوساط العلمية، هما:
1- فطرية التدين: ينطلق هذا المبدأ من القول بأن «الأفكار والممارسات التي نميزها في حياتنا كأفكار دينية هي ذات طبيعة عالمية، ولا تقتصر على زمن دون زمن أو مجتمع دون مجتمع»، بمعنى أن الدين ذو سمة إنسانية وكونية عامة، وما الحديث المعاصر حول الاستغناء عن الدين سوى خطاب ثقافي حديث يدعو الرجل العقلاني إلى مواجهة الحقيقة من دون أية خرافات، إلاّ أن ذلك لا يُمكنه ان ينفي العمق الكوني في الوعي الديني، وقد ذهب مع هذا الموقف مؤخ الأديان الروماني الشهير ميرسيا إلياد في كتابه (المقدس والعادي) الذي أكد أن «نلاحظ أن الإنسان الحديث اللاديني ينهض، آخر الأمر، بوجود مأساوي مفجع وأن اختياره الوجودي لا يخلو من عظمة، ولكن هذا الإنسان اللاديني هو سليل الإنسان الديني، وهو من صنعه شاء أم أبى، وإنما نشأ انطلاقًا من أوضاع اضطلع بها أجداده»، وبعبارة أخرى «الإنسان العادي لا يزال يحتفظ، إن أحب وإن كره، ببقايا سلوك الإنسان الديني، ولكن بعد تجريدها عن دلالاتها الدينية. وهو مهما صنع، فإنه وريث الإنسان الديني وليس في وسعه أن يمحو ماضيه محوًا نهائيًا ما دام هو ذاته حصيلة ذاك الماضي».
ويرى هيك بأن فكرة كونية المقدس وكونه جزءًا طبيعيًا في بنية الوعي الإنساني، لا تعني أن كل إنسان هو ناشط دينيًا فهناك مستويات متنوعة في التدين الشخصي التي تتصاعد عن البعض إلى حد الذوبان الكامل في الحق، وتتدنى عن البعض الآخر لتصل إلى حد الصفر. وهذا لا ينحصر بالمجتمعات المتدينة، بل ينطبق أيضًا على المجتمعات العلمانية أو الملحدة كذلك، فالاتحاد السوفياتي بنظر هيك لم يفعل أكثر من أنه استبدل بفكرة الدين التي تقوم على الاعتقاد بالله عقيدةً ماركسية ذاتَ بنية دينية تُوفّر غطاء مثاليًّا لنظام المجتمع القائم. وفي هذا الشأن يقول جون هيك: إننا « يمكن تشبيه الحزب الشيوعي بكنيسة مؤلفة من كهنوت خاص ونصوص مقدسة، ومؤسسة حاضنة لنظام إعتقادي صارم حول مبدأ السقوط المتمثل في تطور الرأسمالية وهو مبدأ مشابه لفكرة وقوع آدم في الخطيئة (…) وحول فكرة تحرر المجتمع من الطبقات المشابهة لفكرة الخلاص بمجيء مملكة الله».
2- العصر المحوري: ذهب الكثير من مؤرخي الأديان إلى القول بأن « وظيفة الدين الأولى للبشرية كانت ترتكز في الحفاظ على النظام الكوني والاجتماعي، ثم جاء مرحلة تاريخية (…) حصل فيها الانتقال من شكل ديني إلى شكل ديني آخر مختلف، وأتخذ الدين بعدها وظيفة مختلفة عن العصر الأولى، تميزت بشكل رئيس بسؤال الخلاص والتحرر الإنساني» وقد سميت تلك المرحلة بـالعصر المحوري. ويرى بعض المؤرخين بأن أحداث هذه المرحلة وقعت ما بين (800- 200ق.م)، ويمكن تقسم هذه المرحلة إلى:
أ‌- أديان ما قبل العصر المحوري: تحوي جميع الأديان التي كانت موجودة في فترة العصر الحجري، بالإضافة إلى الأديان القومية التي ظهرت في الشرق الأدنى القديم ومصر واليونان وروما والهند والصين، في حينها كان شخصية الفرد هي شخصية المجموعة نفسها ولم توجد وعي فردي مستقل، بل وعي جماعي مرتبط بالمافوق الطبيعي من خلال الإيمان بتعدد الآلهة وأرواح الأجداد وقوى الطبيعة الخارقة، وبيّن هيك بأنه «كانت أشكال الوعي الأولية بالأزلي باهتة وخشنة بالمقارنة من أشكال الوعي التي نعبر عنها في تعاليم المؤسسين الروحيين الكبار، كإسحاق والمسيح وبوذا ومحمد»، وكانت الشعائر والممارسات الدينية تهدف إلى استرضاء القوى المحيطة الغامضة والقاسية وتجنب غضبها، وذلك من خلال تقديم تضحيات بشرية.
ب‌- أديان ما بعد العصر المحوري: يرى هيك بأنه في هذه المرحلة «ظهر داخل كل الثقافات القديمة المختلفة (…) أفراد استثنائيون شكلوا قنوات عبور نحو وعي ديني جديد وبداية في تشكل أديان الوحي، كنمط جديد من الاستجابة للحق الأعلى»، وهذا ما جعل البعض يصف هذه المرحلة ببداية سقوط البشرية من براءتها الدينية.
أشار هيك بأنه في هذه المرحلة برز في الصين تقليدان عظيمان يمكن تسميتهم بالكونفوشوسية والطاوية. وفي الهند كانت ثمرة هذه المرحلة هي نصوص الفيدا، وفي إيران ظهرت الزرادشتية كديانة وحي، وفي إسرائيل عاش الأنبياء العبريون الذين كتبت من خلالهم نصوص التوراة المقدسة، وفي اليونان أنتجت تلك الفترة فيثاغورس وسقراط وأفلاطون وأرسطو، الذين ضمنت أفكارهم قضايا دينية ذات طبيعة خلاصية.
ويرى هيك بأنه في أديان ما قبل المحورية كان هنالك وعي واقعي بالعذاب وعدم الآمان، وكان قبول العالم هو الاستجابة الوحيدة الممكنة للحق والحقيقة، أما في أديان ما بعد المحوري أصبح التفكير مختلفًا فلم يعد المستقبل يرجى كعودة للحاضر المألوف حين بدأ الذهن البشري بالنظر وراء بيئته ليعي ذاته كحقيقة متميزة وليدرك كافة إمكاناتها اللامحدودة. «فالمسيحية تتكلم عن الخلاص والحياة الأبدية، واليهودية عن مملكة الله القادمة، والإسلام عن يوم الدين، والهندوسية عن التنوير».
كما ظهر في مرحلة أديان ما بعد العصر المحوري الإيمان بوحدة الحقيقة العليا التي كانت هي «في اليهودية إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب وذريتهم عبر الزمن، وفي المسيحية الثالوث الآب والأبن والروح القدس، وفي الإسلام الله الرحمن الرحيم، وفي الهندوس الكائن والوعي والبركة المطلق، الذي هو برهمان، وفي الثرفادا [النرفادا] البوذية الحقيقة التي لا توصف ولا تفنى، وفي الماهايانا الفراغ هو في ذاته الكائن المدهش والرائع في آن».
وأخيرًا إن النتائج التي تفضي إليها الأبحاث السالكة في طريق تحليل الظاهرة الدينية في فلسفة الدين يمكن تقسيمها إلى نوعين: الأولى: مادية، أي وجودية إنسانية، حيث لا ترى في الدين قدسية يمكنها أن توجد بذاتها، وإنما ترى في الأفاهيم الدينية كلها تعبيرًا وصدى لأغوار النفس البشرية ولثقافات الشعوب. والثانية: دينية، أي كيانية ميتافيزيقية، تعتبر الظاهرة الدينية نفسها تعبيرًا لأفهوم مستقل بذاته.