المواطنة
كلما ذكرت هذه الكلمة أصبت بالتحسس
هؤلاء السادة علية القوم فلاسفة هذا الوطن الحصين ( لم يعد حصيناً كثيراً هذه الأيام)
كلما سافروا لفرنسا أو بريطانيا أو النمسا أو أمريكا وذكر أحدهم كلمة لا يعرفون معناها تراهم يسارعون لتدوينها في دفتر الملاحظات ويهزون برؤوسهم وكأنهم يفهمونها منذ مئات السنوات.
ماذا يضير هذا المسؤول الرفيع المستوى لو أنه سأل المستضيف عن معنى هذه الكلمة المتداولة؟
ترى هذا المستضيف لو حل ضيفاً لدينا وذكرت كلمة العجة مثلاً في الخطبة الرسمية وطلب الضيف شرحاً عن العجة ألن نخبره؟
العجة يا صديقنا الغربي هي كالمواطنة ، ففرنسا بعد الحرب الأهلية والثورات الدموية صارت مثل العجة فابتدع الناس كلمة جديدة للإنسان وهي المواطن.
وصفق الناس
مواطن يتوطن في الوطن فهو مواطن
وطنية مواطنة توطن
أنا مواطن ، أنت مواطن، كلنا مواطنون، يحيا المواطن، الله يرحم المواطن في هذه الأيام فكلما ذكر المواطن والوطن تفقدت محفظتي.
البارحة زارنا بيت عمي فقلت له أهلاً بالمواطن ، فقال اخجل يا ولد أنا عمك
أنت عمي وأنت مواطن ونحن مواطنون في وطن واحد.
خالي كذلك ترك المجلس بعد أن ناديته بالمواطن.
رفاقي حين تفلسفت عن المواطنة والوطنية تركوا المجلس وفلوا.
الحزن توطن في قلبي فكلما ناديت حبيبي زوجتي قلت لها يا مواطنتي، نمت بدون عشاء.
هذه العائلة لا تستمع إلى الأخبار والخطب الرنانة لا يعرفون بأنهم مواطنون في وطن واحد ولازالت الكلمات القديمة البالية تعشش في رؤسهم كالإخاء والأخوة ورابط القربى والرابط القومي والرابط الديني والرابط العقائدي ورابط الإيمان .
هذه الكلمات البالية تسقط أمام المواطنة .
ولتحيا فرنسا والغرب الذي يدرسنا ويلقننا أصول صنع العجة بالمواطنة.

في المرة الماضية حين سافر المسؤول إلى فرنسا تجرأ وسأل المسؤول الفهمان الفرنسي وقال له : مم ممم ماذا تعني لو مواطنة ، أن أعرفها لكني لا أتذكرها الآن .
قال له المسؤول الفرنسي: في فرنسا قامت الحروب الأهلية وكان في فرنسا ديانة واحدة وهي الديانة الكاثوليكية.
ثم ظهر دين جديد وهم أتباع الديانة البروتسانتية.
قال له العربي: تقصد مذهب لا ديانة ؟
الفرنسي: لا أنتم تفهمونها مذهب انطلاقاً من المذاهب لديكم ، نحن لدينا هي ديانة لأن كل جماعة تكفر الآخرى وتنكر وجودها وترفض أن يصلي مرتادوها في الكنيسة وترفض الزواج بأبناء الطائفة الأخرى.
العربي: لكن أنتم تتزوجون اليوم من بعضكم البعض.
الفرنسي : نعم بسبب الزواج المدني الذي تجاوز الكنيسة.
العربي : ونحن نريد كذلك أن نقر بالزواج المدني لأنه حل المشاكل لديكم.
الفرنسي: لكن هل المذاهب لديكم تمنع الزواج من بعضها ؟
العربي : لا الناس تتزوج على اختلاف مذاهبها وقومياتها وطوائفها وألوانها .
الفرنسي : إذن ما حاجتكم بدواء لمرض لم تصابون به ؟
العربي: هكذا نحن نحب أن نقلد ، أكمل قصتك ولا تتدخل في عادتنا.
الفرنسي: طيب ، المهم في فرنسا لم يسمح للبروتسنتيين بالتعبد في كنائس الكاثوليك
وفي معركة واحدة قتل الكاثوليك ثلاثة ألاف بروستانتي.
ولذلك كانت العلمانية هي الحل.
العربي : بالفعل العلمانية هي الحل لدينا كذلك.
الفرنسي : لكن لديكم هل يمنع السني الشيعي من الصلاة في مسجده ؟ وهل يمنع الشيعي العلوي ابنته من الزواج بسني ؟
العربي : لا لكن طالما أنكم تطورتم بها فلا شك أنها مفيدة.
الفرنسي : حسناً وبعد ما يقارب ثلاثين عاماً من الحروب الأهلية أدرك هنري الرابع وقد كان بروتستانتي أنه لن يصبح ملكاً على فرنسا إلا باعتناق الكاثوليكية فاعتنق الكاثوليكية وضرب بتضحيات جماعته عرض الحائط.
العربي : إذن كانت الحرب كلها لأجل الملك ؟
الفرنسي : عبر التاريخ كل الحروب الدينية والأهلية هي لغايات سياسية تصبغ بالدين للضحك على العامة.
العربي : كل مواطنة وأنت بألف خير.
الفرنسي: وأنت بألف خير، المهم حالياً أننا نحاول في أوربا استعادة هويتنا الدينية لأننا رغم قوتنا المادية قد نتهاوى كأوراق الخريف في عاصفة العولمة فاحذروا العولمة يا صديقي.
العربي : لنترك العولمة لحديث آخر فنحن اليوم مهتمين بالمواطنة، ولا تخف على الوطن العربي لأنها تفتت وانتهى فالمهم لدينا هي المواطنة والعلمانية.
الفرنسي : لكن لماذا وقف الغرب ضدكم باعتبار أنكم دولة علمانية ؟
العربي: ذلك لأننا لم نطبق العلمانية الشاملة.
الفرنسي : " لن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم"
العربي : لست متديناً كثيراً يا صديقي وهذه الأمور لم نعد نناقشها في بلادنا.
الفرنسي : إذن مواطنة ولو طارت.
العربي : مواطنة في اليد أحسن من فرنسي على الشجرة.