النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: التصوف وفيزياء الكم

  1. #1 التصوف وفيزياء الكم 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    خليل صويلح
    بين التصوّف والفيزياء: والروح تعرفُ قبل العقل أحياناً









    خليل صويلح اكتشافات الفيزياء الحديثة دفعت إلى إعادة نظر جذريّة في مفهوم المادة والزمن... ومهّدت للبحث عن علاقات ممكنة بين العلم والتصوّف، في ظل الأزمات الأخلاقية والروحيّة للثقافة الغربية. فريتجوف كابرا قدّم في «طاو الفيزياء»، محاولة مبكرة لردم الهوة بين الفكر العلمي (الغربي) والفلسفة الصوفية (الشرقية). بعد ١٥ عاماً، ومليون نسخة مباعة، وصل كتاب العالم الأميركي إلى القرّاء العرب... عن طريق دمشق في لحظة تأمّل عميقة لحركة الكون، أحسّ عالم الفيزياء الأميركي فريتجوف كابرا أنّ الفضاء الخارجي ليس سوى رقصة كونية عملاقة، وأن الفيزياء هي الوجه الآخر للتصوف الشرقي. للوهلة الأولى، بدا الأمر مجرد تمرين فكري أقرب إلى الشطح الصوفي منه إلى الحقيقة العلمية. لكن بعدما تعمّق كابرا في قراءة الفلسفة الصوفية ولغز الرقصة الدائرية، اكتشف أنّ التفكير العقلاني التحليلي هو مرآة للخبرة التأملية للحقيقة الصوفية. وكتابه “طاو الفيزياء” الذي صدر في اللغة الإنكليزية، قبل أن يُترجم إلى معظم لغات العالم، كان محاولة مبكرة لردم الهوة بين التفكير العلمي الغربي والفلسفة الصوفية. فالصلة بين الفيزياء والتصوف ليست فكرة خرقاء، كما كان يعتقد بعضهم، بل هي حلّ لألغاز علمية كثيرة. يوضح كابرا أنّ الثقافة الغربية «فضّلت القيم والمواقف الذكورية، وأهملت نظائرها المكمّلة أو الأنثوية، وفضّلت توكيد الذات على حساب الاندماج، والتحليل على التركيب، والمعرفة العقلية على الحكمة الحدسية، والعلم على الدين، والتنافس على التعاون»، خلافاً للفكر الصوفي الذي يقوم على العبور إلى ما وراء الأضداد (الجمال والقبح، اللذة والألم، الخير والشر، الحياة والموت)، ما أوصل الثقافة الغربية إلى أزمة أخلاقية وروحية وأفرز لاحقاً سلسلة من الحركات الاجتماعية المناهضة. ألا يصبّ الاهتمام المتزايد بعلم البيئة والتصوف والوعي النسوي المتنامي، في محاولة إعادة التوازن بين الجانبين الذكوري والأنثوي للطبيعة البشرية؟ ومن هذا المنطلق، فإن وعي التناغم العميق بين الرؤية العالمية في الفيزياء الحديثة ورؤى التصوف الشرقي، يبدو اليوم جزءاً أساسياً من تحوّل ثقافي شامل، سيقود إلى رؤية جديدة للواقع تنسف نتائج الفيزياء الحديثة التي فتحت مسارين مختلفين أمام العلماء: «إما بوذا أو القنبلة». وعلى رغم أنّ عدداً كبيراً من علماء الفيزياء يقفون مع تطوير وسائل معقّدة للتدمير الشامل، فإن الرهان على طريق بوذا يحتاج إلى جهد إضافي لخلخلة القيم العلمية الصارمة التي تجافي الأخلاق. «طاو الفيزياء» الذي صدر في العربية أخيراً، بعنوان «التصوف الشرقي والفيزياء الحديثة» وترجمه عدنان حسن (دار الحوار ــــــ اللاذقية)، يميط اللثام عن حقائق علمية جديدة، إذ يربط بين طريق الفيزياء وطريق الفلسفة الشرقية في سبر العلاقة بين مفاهيم الفيزياء الحديثة والأفكار الأساسية في التراث الفلسفي والديني للشرق الأقصى. فنظرية الكم ونظرية النسبية بوصفهما أساس الفيزياء الحديثة، تلتقيان في رؤيتهما للعالم إلى حد كبير مع نظرة الهندوسي أو البوذي أو الطاوي إلى الكون... مروراً بصوفية ابن عربي، إذ إنّ هذه الفلسفات على تباينها تؤكد الوحدة الأساسية للكون التي هي السمة المركزية لتعاليمها: «وعي وحدة الأشياء وترابطها المتبادل وتجاوز مفهوم الذات للتماهي في الواقع المطلق». هكذا تلتقي نظريات الفيزياء الحديثة بالفلسفة الصوفية في تصوّر العالم، إذ تتناغم الاكتشافات العلمية مع الأهداف الروحية. فالفيزيائي الحديث مثل المتصوف الشرقي، صار يرى العالم منظومةً من المكوّنات المترابطة، والمتفاعلة، والدائمة الحركة، علماً أن المراقب جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة. «كأن العلم الحديث بكل آليته المعقدة يعيد اكتشاف الحكمة القديمة»، يلاحظ كابرا قبل أن يسأل: «هل على الفيزيائيين أن يتخلّوا عن الأسلوب العلمي... ويبدأوا في التأمل؟». ما يشغل الكاتب هنا، هو مزج العقل بالحدس، فكلاهما ضروري من أجل فهم أكمل للعالم. بمعنى آخر، ما نحتاج إليه اليوم هو التفاعل الديناميكي بين الحدس الصوفي والتحليل العلمي. لعل طريقتيْ الفيزيائي والمتصوّف تلتقيان على كون ملاحظاتهما تحدث في ميادين غير متاحة للحواس العادية. في الفيزياء الحديثة، نجد ميادين «العالم الذري وما دون الذري». أما في التصوّف، فهي الحالات غير العادية من الوعي الذي يتم فيه تجاوز عالم الحواس. بعد عقد ونصف عقد من صدور الطبعة الأولى لـ«طاو الفيزياء» (الطاوية طريقة للتحرر من القواعد الصارمة للتقاليد من طريق الحدس)، يطرح فريتجوف كابرا أسئلة جديدة، وخصوصاً إثر النجاح الكبير الذي حقّقه الكتاب في طبعاته اللاحقة التي تجاوزت اليوم النسخة المليون. من هذه الأسئلة: «هل تحققت رؤيتي بخصوص التوازيات بين الفيزياء والتصوّف، أو على الأقل هل صارت معرفة شائعة؟». يجيب: «خلال جولاتي لإلقاء محاضرات حول الفيزياء والتصوف، لمست استجابة كبيرة لدى مختلف شرائح الناس، ولعل السبب هو أن «طاو الفيزياء» ضرب على الوتر الحساس»، كنتيجة حاسمة في تغيّر النظرة إلى معنى التصوّف. فطالما كانت الثقافة الغربية تنظر إليه بوصفه شيئاً غامضاً وسديمياً، لكن التجربة الصوفية ـــــ يوضح كابرا ـــــ تقوم على مجازات نموذجية مثل «الاختراق» و«رفع حجاب الجهل» و«مسح مرآة العقل»، وكلها تقتضي وضوحاً كبيراً. هكذا، فإن الفيزيائي يستكشف مستويات المادة. أما الصوفي فيستكشف مستويات العقل. وفي الحالتين يعمل الاثنان خارج الإدراك الحسي العادي. ويشير كابرا إلى أنّ اكتشافات الفيزياء الحديثة حتّمت تغيرات عميقة لمفاهيم راسخة مثل الفضاء والزمن والمادة. وبما أنّ هذه المفاهيم هي أساسية للغاية لطريقة خبرتنا بالعالم، فليس مفاجئاً أن الفيزيائيين الذين كانوا مجبرين على تغيير هذه المفاهيم، شعروا بشيء من الصدمة. ومن هذه التغيرات نشأت رؤية جديدة للعالم. فالصدمة التي يصفها آينشتاين خلال تماسه الأول مع الواقع الجديد للفيزياء الذرية، لا تختلف عما يواجهه الصوفي إذ يؤسس خبرته في النظر إلى العالم. يقول آينشتاين في سيرته الذاتية: «كل محاولاتي لتكييف الأساس النظري للفيزياء مع هذا الطراز الجديد من المعرفة فشلت تماماً. كان الأمر كما لو أنّ الأرض سُحبت من تحت المرء مع عدم وجود أي أساس ثابت لرؤيته». «طاو الفيزياء» يرغب في تحسين صورة العلم، بعيداً من شرور التكنولوجيا الحديثة، ويرى أن طريق الفيزياء يمكن أن يكون سبيلاً إلى المعرفة الروحية... فهل يكون التقاء التصوف والفيزياء مدخلاً إلى حوار الحضارات؟

    الأخبار
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    لم يحصد العالِم فريتجوف كابرا من نتائج أبحاثه في فيزياء الطاقة العالية سوى
    المزيد من الفهم المعرفي والتأمل. حين راقب الطبيعة عادت خبراته السابقة، وأدخلته
    في إيقاعات الكون.
    وهنا ارتد إلى كتب الفلسفة الدينية، وقد أغرته الحكمة
    والغيبيات بأن يقرنها بالعلم. ولئن حضّته أجزاء الذرة على البحث، فلقد كان إيجاد
    علاقة تربط حركة الجسيمات بالتصوف الشرقي تمريناً عقلياً صعباً ورطه في التجربة
    الروحية للمتصوفين.
    هكذا وجد في التبصرات الروحية ما يقارب النظريات العلمية،
    واستنبط من حكماء الشرق إشراقات حدسية استطاعت أن تسبر أغوار الكون، وتستوفي أكثر
    نظريات الفيزياء حداثة.
    من دون تلكؤ مضى على بياض ثلاثمئة وخمسين صفحة يدون بصبر
    وأناة ما وجده مفيداً الرابطة ينشدها بين الفيزياء والحكمة. ربما نجح بالتقاط صورة
    متماسكة للكون جمع فيها أجزاء متفرقة من رؤى الإنسان في الحكمة والعلم عبر الأزمنة
    المختلفة، وربما لم ينجح.
    ولعله قرأ وتعمّق في القراءة وتساءل: ما علاقة التصوف
    بالموجات الفيزيائية؟، كيف شعر وهو يجلس على الشاطئ بالرقصة العملاقة التي يحس بها
    المتصوفون عادة بحدسهم القوي؟. لكن استدل بنظرية الكم على «الخواص المميزة للذرات
    التي تولد من الطبيعة الموجية لألكتروناتها». وعندما سبر المادة عرف «أن الطبيعة لا
    تكشف لنا أية لبنات أساسية معزولة، بل تظهر كشبكة معقدة من العلاقات بين مختلف
    أجزاء الكل».
    وفي الفصل الرابع من «التصوف الشرقي والفيزياء الحديثة» لم يفته
    التحدث عن أينشتاين، العالم الفذ الذي كان يؤمن بالتناغم المتأصل في الطبيعة، ثم
    صبَّ كل اهتمامه محاولاً أن يوجد قاعدة مشتركة للفيزياء. وسوف يتابع المؤلف فريتجوف
    كابرا إبحاره في النظرية النسبية إذ يشرحها بالتفصيل، ثم يعرض النظريةالخاصة لها
    التي أرادها أينشتاين إطاراً يربط الديناميك الكهربائي بالميكانيك.
    وما تكاد
    نظريات الفيزياء الحديثة ـ التي يعرضها ـ تشرح مظاهر الكون على نحو ديناميكي متصل،
    حتى يقتطف المؤلف ـ في الفصل الخامس ـ من الهندوسية ما يوازي ذلك، وربما يتجاوز
    الواقع المألوف: إذا وقع المرء تحت سحر المايا ظن أنه معزول عن البيئة. وإذا تحرر
    من قيد الكارما حقق وحدة وتناغم كل الطبيعة.
    وحين يطلع القارئ على المخيلة
    الهندية وما أنتجته من تجليات مختلفة لآلاف الألوهيات يقف عند «يفا» الراقص الكوني.
    ولعله يحتار ويفكر في هذا الإله الدائم الخلق والفناء!
    أثمة علاقة ما تربط رقصته
    الكونية اللامتناهية بنظرية الكم؟ ولماذا جعلت الرؤيةُ الهندوسيةُ الطبيعةَ في حالة
    حركة دائمة؟، «حيث كل شيء يتصل دينامياً بكل شيء آخر».
    لن نبتعد كثيراً عن هذه
    الفكرة إذا تابعنا القراءة. فالفصل الحادي عشر من كتاب (التصوف الشرقي والفيزياء
    الحديثة) إذ يبحث في ما وراء عالم الأضداد، يصف «العالم ما دون الذري الذي يبدو
    كشبكة من العلاقات بين مختلف أجزاء كل موحد». ويصبح عنده «مفهوم الكيان الفيزيائي
    المستقل، مثل الجسيم، هو تصور مثالي ليس له أية أهمية أساسية. إذ لا يمكن تعريفه
    إلاّ في ضوء صلاته بالكل».
    غير أن الكون يحوي التناقض أيضاً، على الرغم من
    التناغم الذي أدركه الفلاسفة الهندوسيون، وتحدثت عنه قوانين
    الفيزياء. وربما
    انتبه الصينيون لهذا الأمر قبل غيرهم، حين احترفوا بفردية الأشياء، وأدركوا أن
    التباينات هي نسبية ضمن وحدة شاملة.
    لكنهم ليسوا وحدهم الذين قدموا المفاهيم
    المتضادة على أنها أقطاب ترتبط ببعضها بعلاقة قطبية تتاميّة، كما هو حال «اليين»
    و«اليانغ» القطبين المتضادين اللذين يتفاعلان فيصنعان كل الظاهرات الطبيعة.
    فالعالِم (نيلز) أيضاً أدخل فكرة التتاميّة في علم الذرة. ووجد أنه من غير الممكن
    فصل المفاهيم عن بعضها. وهو الذي اعتبر أن الصورة الجسمية والصورة الموجية هما صفان
    متتامان للواقع ذاته.
    في الفصل الثامن من هذا الكتاب سيجند المؤلف الطاوية لأنها
    ـ بحسب رأيه ـ أكثر قابلية للمقارنة مع الفيزياء الحديثة. فمن سياق الحدس القوي
    استخلص الطاويون الخواص المميزة للطاويين. ومن اهتمامهم الواسع بالطبيعة رأوا أن
    التغير فيها هو نزعة متأصلة في كل الأشياء والأوضاع. إنهم يثقون بذكائهم الحدسي
    ويكيفون أفعالهم مع النظام الطبيعي لتشبع طبيعتهم
    الفطرية وتجري مع تيار
    الطاويين وربما كان بوذا أيضاً قد نوه لهذا المفهوم حين ربط «معاناة البشر
    بمحاولتهم التمسك بالأشياء الثابتة، بدلاً من قبول العالم باعتباره يتحرك ويتغير».
    وبحسب رأي
    البوذيين فإن «الكائن المتنور هو الذي لا يقاوم جريان الحياة، بل يبقى
    متحركاً معها».
    هذه النظرة الدينامية للكون ـ والمعروضة في الفصل الثالث عشر من
    هذا الكتاب ـ وفق مفاهيم المتصوفين، لن يخصص لها المؤلف فصلاً مستقلاً ليتحدث عن
    صلة الفيزياء بها. غير أنه سوف يلحقها بالفصل ذاته ليؤكد أن خواص الجسيمات لا تُفهم
    إلا في سياق حراكي. فمن الجسيم المحصور سينطلق ليؤكد أنه إذا ما حُصر في منطقة
    محددة سيقفز إلى الدوران. وتتناسب سرعته طرداً مع زيادة الحصر. ولن يشك أبداً في أن
    المادة تنطوي على القلق وعدم الاستقرار.
    ألم يصف الذرة في الفصل الرابع بأنها
    «قطرات دقيقة جداً من سائل كثيف بشكل هائل يغلي ويفور بالشكل الأكثر عنفاً»؟ إن
    الفيزياء الحديثة «لا ترى المادة منفصلة خاملة، إنما تجدها راقصة مهتزة ومستمرة».
    ومن السهل أن يرصد الفيزيائي بتلسكوباته كوناً نابضاً بالحركة، تملؤه المجرات
    المضطربة.
    وحين يدخل المؤلف برزخ الحدس عند التصوف الشرقي يرى ارتباط الزمن
    والمكان بشدة.
    ففي مدرسة الأفاتامساكا من بوذية مهايانا نقرأ: «... نتطلع
    حوالينا وندرك أن كل جسم مرتبط بكل جسم آخر ليس فقط مكانياً، بل زمنياً. كحقيقة من
    حقائق الخبرة الخالصة. لا يوجد مكان بدون زمن، ولا زمن بدون مكان، إنهما
    متنافذان».
    ومقابل هذا الحدس تبين المخططات البيانية الزمكانية حركة الجسيمات
    المحتملة في الفيزياء النسبوية. إن «تفاعلاتها يمكنها أن تمتد في أي اتجاه». ولكي
    يمر فكرنا على الزمان والمكان بشمول تام، علينا أن نصورها في لقطة رباعية
    الأبعاد.
    وكما يتحرك الجسيم ويقفز، فإن الكاتب سوف يعرج على نشوء الكون، فيذكر
    نظرية الانفجار الكبير، ولا يقف عند الكتلة النارية البدئية المضغوطة إلى حجم صغير
    جداً، بل يتخطى بدء نشوء الكون منها، ويتجاوزه إلى المستقبل المفتوح على احتمالات
    متعددة. وهنا لابد أن يحضر أينشتاين، فهو الذي قدّم نماذج مختلفة عن هذا المستقبل
    المحير، بين تمدد يستمر إلى ما لا نهاية، وتباطؤ يتحول إلى تقلص تذبذب فكرُه
    ونشاطه. فالكون بحسب رأيه يتمدد ثم يتقلص، ثم يتمدد، ثم يتقلص...
    وسواء أسهب
    المؤلف في وصف هذه الاحتمالات أم لم يسهب، فلقد عاد إلى الهندوسيين ليخبرنا أن
    العالم بنظرهم كائن عضوي متحرك على نحو إيقاعي.
    وبرهافة تناسب التناغم بين
    الفيزياء والتصوف سيتابع فريتجوف كابرا حديثه عن الجسيمات.
    قد يصفها بأنها مجرد
    تكثيفات موضعية للحقل، تركيزات للطاقة تأتي وتذهب. وقد يصفها بتمظهرات عابرة لكيان
    جوهري. لكنه لن ينسى ـ في معرض حديثه عن ذاك العالم الآسر، الغامض ـ أن يعبّر بحسه
    الفيزيائي عن لغة الحقل الكمومي.
    ثمة فضاء يتمظهر وينتقل ويعبر في كيان جوهري،
    فالحقل الكمومي يظهر «كتشكيلة من الأشكال التي يولدها، وفي النهاية يعيد
    امتصاصها».
    «إنه الحامل لكل الظاهرات المادية. إنه الفراغ الذي يخلق منه
    البروتون بي ـ ميزونات. فالجسيمات الافتراضية يمكن أن تظهر إلى حيز الوجود بشكل
    عفوي خارج الخلاء، وتتلاشى مرة أخرى في الخلاء.
    فالفراغ ليس خالياً. إنه يحوي
    عدداً لا محدوداً من الجسيمات التي تظهر وتختفي بلا نهاية». وهنا أيضاً يعود المؤلف
    إلى أقوال الحكماء ليثبت أوجه الاتفاق من نظريات العلم.
    غير أننا نقرأ بشيء من
    الحذر والدهشة، وربما نقلب بعض الصفحات لنستبين كلمات الحكيم الصيني تشانغ
    تساي:«عندما يعرف المرء أن الفراغ العظيم مليء بالتلاشي، يتأكد المرء أنه لا يوجد
    شيء كالعدم».
    أو ربما نتوقف قليلاً عند أقوال الأوبنيشادات لنعرف كيف قارنها
    المؤلف بنظريات العلم:«ساكن، دع المرء يعبده كذاك الذي جاء منه، كذاك الذي سينحل
    فيه، كذاك الذي سيتنفس به».
    إلى أين يقودنا كابرا؟ ربما هو نفسه لا يدري! لكنه
    يحاول أن يتخيل المستقبل استناداً إلى رؤى الحاضر. ففي يوم ما سيتعامل العلم مع
    أجزاء الطبيعة بتماسك تام، وبين هذا الجزء وذاك ستشرح نظرياته معظم الظواهر التي لم
    تغطها الآن. ولكن هل سيظفر العقل بتلك النقلة الفكرية التي تفك سر الحياة؟
    ضمن
    أخطار كابرا، وخلال فصول كتابه (التصوف الشرقي والفيزياء الحديثة) سنجد الأوصاف
    والتفسير والبحث والتساؤلات. والترجمة الواضحة لهذا الكتاب ستتيح للقارئ فهماً
    سريعاً لما عرضه كابرا من تعقيدات الكون وأحواله.
    ولكن، أثمة دلالات أخرى للغة
    تضاف إلى سمات الكل الواحد فتزيد الأمر تعقيداً؟ أثمة رموز وإشارات جزت لغتنا حتى
    الآن عن شرحها أو تحديدها بصفات؟ ما دام البحث والتفكير متواصلاً، فلعل الإنسان
    يلتقط ـ في يوم ما ـ بأدواته وحدسه ولغته، ما بحثت عنه أجيال وأجيال
    وأجيال

    كتبه محب ال البيت
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    هل ابن عربي، هو أوّل من عرف ميكانيكيا الكمّ والنّقل الكوانتي للمادّة؟
    تفسيرُ بن عربي لكيفيّة نقل عرش بِلْقِيس من قِبَل (آصف بن برخيا) هو: تفسير ينطبق مع ميكانيكيا الكمّ والنّقل الكوانتي للمادّة. يقول ابن عربي في ذلك: (آصف بن برخيا) أعدم العرش في مكانه في سبأ، وأعاد إيجاده عند سُليمان في اللّحظةِ نفسها، وقال: زمان إعدامه، هو زمان إيجاده ليس زمانين.
    إنّ تفسيرَ ابن عربي هذا؛ هو بالضّبط ما يُسمّى اليوم بـ (النّقل الكوانتي للمادّة) Quantum Teleportation في فيزياء الكمّ، وهذا ما فعله البروفّيسور النّمساوي الكبير والشّهير (أنطون تسايلينغر) في العصرِ الحديث، عندما نقلَ جُزيئات الضّوء (الفوتونات) المتشابكة عبر نهرِ الدّانوب في فييّنا، فهل كان ابن عربي سبّاقًا إلى معرفةِ كلّ هذا؟
    الإجابةُ:
    وَفْقًا لمنظور التّضامر؛ فإنّ الإجابة تتطلّب ذكر المقدّمة الآتية:

    • الحقيقةُ في العلمِ: تتمحورُ حولَ ما هو مادّي؛ والحقيقةُ في الدّين: تتمحورُ حولَ ما هو روحي.
    • من النّاحية الوجوديّة: العلمُ لا يقول إلّا بما هو ملموسٌ أو يخضعُ للقياسِ، والدّين يقولُ بما باللاملموس واللامقاس.
    • مِنَ النّاحيةِ المعرفيّة: العلمُ لا يقول إلّا بما يخضعُ للمنطقِ الوضعيّ (الموضوعيّ)، والدّينُ يقول بما يُمكن أن يكون ذاتيًّا أو غير وضعيٍّ (موضوعيٍّ) كالوَحي. وهذا يعني: أنّ هُناك ما يُمكن وصفه بـ (الفجوة الوجومعرفيّة) بينهما. واستنادًا إلى هذا، نستنتجُ ما يأتي:


    • العلمُ يُفسّرُ بالمعطياتِ العلميّةِ ولا شيء غيرها؛ لأنّهُ دائرةٌ مغلقةٌ على نفسها.
    • الدّينٌ يُفسّرُ بالمعطياتِ الدّينيّةِ ولا شيء غيرها؛ لأنّهُ دائرةٌ مغلقةٌ على نفسها.

    لكن؛ لمّا كان التّضامر يفترضُ أنّ أيّ لا مُتماثلين مُتضامرين؛ فهذا يعني:
    إنّ العلمَ يُضمرُ الدّين، والدّين يُضمر العلم (وجومعرفيا)، وحين نقولُ بهذا التّضامر، فلا نعني أنّ الدّين في بطنِ العلمِ أو العلم في بطنِ الدّين مثلًا، لا، ما نَعنيهِ أنّ العلمَ وإن كان بمعزلٍ عنِ الدّينِ، والدّين وإن كان بمعزلٍ عنِ العلم؛ فإنّ بالإمكان فهم أحدهما في مرآة الآخر. عادةً ما أُعبّرُ عن ذلك بالقول: (يُمكن فهم العلم بالعلمِ في مرآة الدّين، ويُمكن فهم الدّين بالدّين في مرآةِ العلم). ما أعنيهِ بذلك، يُمكنُ توضيحه كما يأتي:
    حينَ تحدّثَ ابن عربي عن آليّةِ نقلِ عرشِ بِلْقِيس بالطّريقة الّتي وصفها، فقد انطلق من خلفيّةٍ إيمانيّة بحتة ترتكزُ على منهجٍ دينيٍّ صوفيٍّ كشفي، يستمدُّ قيمته (الوجومعرفيّة) من الجانبِ الرّوحي البحت. أمّا حين تتحدّثُ ميكانيكا الكمّ؛ فإنّها تنطلقُ من آليّةٍ مادّيةٍ بحتَة، ترتكزُ على المنهجيّة العلميّة الصّرفة؛ ومن ثمَّ فلا صلة بين المنطقين. هُنا تتراءَى الفجوة بينهما.
    لكن إن نظرنا إلى كثيرٍ من التّناظراتِ في التّفسيرِ بين العلمِ والدّين، ومنها الّتي تحدّثَ عنها عالم الفيزياء النّظريّة (فريجوف كابرا) في كتابه: ‹‹التّصوّف الشّرقي والفيزياء الحديثة›› أو الّتي تناولتُها في كتابي ‹‹فلسفة الفيزياء الكلاميّة›› أو غيرها؛ سنعلمُ أنّ هناك نوعًا من الصّلةِ بين العلمِ والدّين، هي نوعٌ من الصّلةِ لأنّها صلةٌ لا مُباشرة، يُمكن وصفها بـ (الصّلة التّناظريّة)؛ وذلك لأنّ التّفسير العلميّ يأتي مُناظرًا للتّفسير الدّيني في الحالاتِ الّتي نتحدّثُ عنها، والسّؤال: لماذا يتناظران؟ وإجابتنا عن ذلك: لكونهما يتحدّثان عن الحقيقةِ (الوجومعرفيّة) ذاتها.
    هذا يعني: أنّ الفجوة الّتي نتحدّثُ عنها بينَ العلمِ والدّين ليست مانعًا مُطلقًا لتلاقيهما أو التّفاهم غير المباشر بينهما، ولنضرب مثالًا يُوضّح مقصدنا: لنفترض أنّ شخصين يَعيشان على جبلينِ بينهما وادٍ سحيق، ولنفترض أنّ أحدهما يستطيع أن يرى الآخر ويسمعه؛ ولكن لا يستطيع أي منهما أن يوصل شيئًا من أدواتهِ إلى الآخر. ولنفترض أنّ كلًّا منهما يبحثُ في كيفيّة إيقادُ النّارِ، ولنفترض أن أحدهما اكتشفَ ذلك بواسطةِ الاعتماد ِعلى قدْحِ الحجارةِ الصّخريّةِ بعضها ببعض، بينما اكتشفَ الآخر كيفيّةً أُخرى تتمثّل في برمِ سَاقٍ من الخشبِ في العشبِ. النّاظرُ من بعيدٍ يرى أنّ لدى كلٍّ منهما النّار نفسها، وهذا ما نُعبّرُ عنه بالتّناظر، وهذا صحيحٌ؛ ولكن الآلية والأدواتِ مختلفة، وهذا ما نعنيه بالفرقِ بين مادّية العلمِ وروحيّة الدّين.
    الحقيقةُ عندنا: إنْ كان مظهر الأوّل هو استخراجُ النّارِ بالقدْحِ، فهو يُضمر استخراجها بالبرمِ، والعكس صحيح، أي إنْ كان مظهرُ الثّاني استخراج النّار بالبرمِ، فهو يُضمر استخراجها بالقَدْح. وهذا يقودُنا إلى النّتيجةِ الآتية: يُمكن لأحدهما من مُلاحظة ما يفعل الآخر أن يكتشفَ شيئًا جديدًا في بيئتهِ. وهذا الاكتشافُ يعني: أنّ هناكَ تواصُلاً بين الاثنينِ؛ ولكنّه تواصلٌ لا مُباشر. هذا ما نقصدهُ بأنّ الأوّل يتعلّم في مرآةِ الآخر.
    حينَ نأخذُ هذا المثال (مع الفارقِ)، لنطبقه على العلاقةِ بين العلمِ والدّين، يُمكن أن نصلَ إلى النّتيجةِ الآتية:
    ميكانيكا العلمِ على جبلٍ، وميكانيكا الدّين –إن جاز الوصف- على الجبلِ الآخر، وبينهما وادٍ (الفَجوة)؛ بالإمكان القول أنّهما مَعزولان عن بعضِهما، وبالإمكان النّظر إلى إمكانيّةِ وجودِ صلةٍ لا مُباشرة بينهما، حيثُ يُمكن أنْ يكتشفَ كلًّا منهما شيئًا مجهولًا لهُ بالنّظرِ إلى الآخر كمرآة. نحنُ نعلمُ أنّ المرآةَ تعكسُ صورنا، وهذا ما يَنصُّ عليهِ قانون التّضامرِ الثّاني، فالمطلوب أنْ يَعرفَ العلم نفسه أكثر حينَ يلمحُ في الدّين شيئًا لم يتوصّل إليهِ بعد، فيعمدُ إلى اكتشافهِ، وبالعكس، بالتأكيد. مثالُ ما يُمكن التنبّؤ بهِ في هذا الصّددِ ما يأتي:

    • ميكانيكا العلم تتحدّثُ عن المستوى ما دُون الذرّي، بينما ميكانيكا الدّين -عند ابن عربي- تتحدّثُ عن المستوى ما فوق الذرّي، أي: الجزيئات والعناصر والمركّبات، بل والكائنات الحيّة؛ لأنّ نقلَ العرشِ تمّ بما فيه من البشر. هذا يعني: أنّ العلمَ سيصلُ بآليّاتهِ المادّية، وبتقنياتهِ التكنولوجيّة إلى ذلك المستوى الّذي ينقلُ الأجسام كما نقلَ الجُسيمات. إنّنا نعرفُ ذلك –فلسفيًّا أو تضامريًّا- لأنّ لدينا نموذج دينيّ فعلَ ذلك بآليّاتهِ وتقنياته، وعلى هذا، نحنُ نستشرفُ ما سيصلُ إليهِ العلمُ في مرآةِ ما نطقَ بهِ الدّين.
    • في المقابلِ؛ لو افترضنا أنّ الكمّ العلمي توصّل إلى أكثر من طريقةٍ مُختلفةٍ لعمليّةِ النّقل هذه، فهذا يُعطينا تصوّرًا عن الإمكانيّاتِ النّظيرةِ الموجودةِ في الكمّ الدّينيّ ممّا لم نكن نعلمُ بها من قبل.

    إذًا؛ الإجابةُ حول سبق ابن عربي من عدم سبقه ستكون الآتي: لا نستطيع أنْ نتوقّف عند إحدى الإجابتين: سبقَ أو لمْ يسبقْ، بل الأصحّ -من وجهةِ نظرنا- هو أنّهُ (سبق لا سبق) نسبويًّا. سبق فيما يتعلّقُ بمجال الكمّ الدّيني، ولم يسبقْ فيما يتعلّقُ بمجال الكمّ العلمي.
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. ميكانيكا الكم (الدرس 1) : تجربة شقي يونغ
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى فسيفساء المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 24/07/2017, 11:12 PM
  2. مقال: عجائب ميكانيك الكم
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مجلة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 17/02/2017, 11:34 PM
  3. مشاركات: 30
    آخر مشاركة: 23/04/2007, 09:31 AM
  4. التصوف وحوار الحضارات
    بواسطة ابراهيم الوراق في المنتدى إسلام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 19/11/2006, 08:23 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •