الفرق بين الصحيفة الصادقة والصحيفة الصحيحة 1


الاستاذ الدكتور / محمد محمود هاشم
نائب رئيس جامعه الازهر للوجه البحرى وعضو مجمع البحوث الاسلاميه
كان من الصحف المشهورة التى دونت فيها جملة من الأحاديث النبوية:1- الصحيفة الصادقة: للصحابى الجليل عبدالله بن عمرو بن العاص رضى الله عنه المتوفى سنة 65هـ حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمح لعبدالله بن عمرو رضى الله عنهما بكتابة الحديث لأنه كان كاتباً محسناً فكتب عنه الكثير واشتهرت صحيفة عبدالله بن عمرو رضى الله عنه بالصحيفة الصادقة كما أراد كاتبها أن يسميها لأنه كتبها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهى أصدق ما يروى عنه .وإذا لم تصلنا الصحيفة الصادقة كما كتبها عبدالله بن عمرو بخطه فقد نقل إلينا الإمام أحمد محتواها فى مسنده
[1]
كما ضمت كتب السنن الأخرى جانباً كبيراً منها
[2]
. ولهذه الصحيفة أهمية علمية عظيمة لأنها وثيقة علمية تاريخية تثبت كتابة الحديث النبوى الشريف بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبإذنه
[3]
.
وإذا كان قد ورد طعن فى الصحيفة الصادقة من بعض أهل العلم ووصفوها بالضعف فذلك لأنها انتقلت وجادة لأن الوجادة أضعف طرق التحمل فقد كانوا لا يحبون أن ينقلوا الأخبار من الصحف بل عن الشيوخ ولا ينبغى أن يحمل القول بالتضعيف على غير هذا الوجه لأنه قد ثبت أن عبدالله بن عمرو قد كتبها بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم، ويمكن مراجعة أقوال العلماء فى راوى هذه الصحيفة فى ميزان الاعتدال جـ2 ص389 حيث يتبين لنا قيمة الصحيفة وثقة راويها عمرو بن شعيب. قال الإمام ابن تيمية: وأما أئمة الإسلام وجمهور العلماء فيحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا صح النقل إليه مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة ونحوهما ومثل الشافعى وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.. قالوا: وإذا كانت نسخة مكتوبة من عهد النبى صلى الله عليه وسلم كان هذا أوكد لها وأدل على صحتها ولهذا كان فى نسخة عمرو بن شعيب من الأحاديث الفقهية التى فيها مقدرات ما احتاج إليه عامة علماء الإسلام
[4]
.
وكان عبدالله على الأحاديث على تلاميذه وقد نقل عنه تلميذه حسين بن شفى بن مانع الأصبحى فى مصر كتابين أحدهما فيه: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كذا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، والآخر ما يكون من الأحداث إلى يوم القيامة
[5]
.
ونحن هنا لم نتعرض إلا للصحيفة الصادقة. فقد كان عند عبدالله بن عمرو كتب كثيرة عن أهل الكتاب أصابها يوم اليرموك فى زاملتين
[6]
، وقد ادعى بشر المريسي أن عبدالله بن عمرو كان يرويها للناس عن النبى صلى الله عليه وسلم وكان يقال له لا تحدثنا عن الزاملتين وهذه الدعوى باطلة فقد ثبت أن ابن عمرو كان أميناً فى نقله وروايته لا يحيل ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم على أهل الكتاب كما لا يحيل ما روى عن أهل الكتاب على النبى صلى الله عليه وسلم .
ويكفى ابن عمرو فخراً أنه كان الأول من دون الحديث بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذنه وفى مختلف أحواله فى الغضب والرضا .2- أما الصحيفة الصحيحة: فهى لهمام بن منبه المتوفى سنة 131هـ. حيث لقى همام بن منبه أحد أعلام التابعين لقى الصحابى الجليل أبا هريرة رضى الله عنه وكتب عنه كثيراً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمعه فى صحيفة أو صحف أطلق عليها اسم الصحيفة الصحيحة
[7]
، وحق له أن يسميها بالصحيحة لأنه كتبها عن صحابى خالط رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع سنين وروى عنه الكثير، وقد وصلتنا هذه الصحيفة الصحيحة كاملة لما رواها ودونها همام بن منبه عن أبى هريرة رضى الله عنه فقد عثر على هذه الصحيفة الدكتور المحقق محمد حميد الله فى مخطوطتين متماثلتين فى دمشق وبرلين
[8]
.
وتزداد ثقتنا بصحيفة همام حيتنما نعلم أن الإمام أحمد بن حنبل قد نقلها بتمامها فى مسنده كما نقل الإمام البخارى عدداً كثيراً من أحاديثها فى أبواب شتى فى صحيحه . ولهذه الصحيفة أهمية تاريخية فى تدوين الحديث الشريف لأنها حجة قاطعة ودليل ساطع على أن الحديث النبوى كان قد دون فى عصر مبكر وتصحح الخطأ الشائع فى أن الحديث لم يدون إلا فى أوائل القرن الهجرى الثانى وذلك لأن همام بن منبه لقى أبا هريرة ولا شك أنه كتب عنه قبل وفاته، وقد توفى أبو هريرة رضى الله عنه سنة 59هـ أى فى منتصف القرن الهجرى الأول، وقد ثبت لنا أن عبدالله بن عمرو صلى الله عليه وسلم دون صحيفته الصادقة فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يدل على أن العلماء كانوا قد باشروا التدوين فعلاً قبل أمر عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، وكان من الأولى أن نذكر هذه الصحيفة ضمن كتب أبى هريرة لأنه أملأها لهمام لكنها نسبت لهمام لإشتهارها باسمه وقد رواها عن همام تلميذه معمر بن راشد ثم عبدالرزاق عن معمر ثم هلم جرا
[9]
.

[1]
- مسند الإمام أحمد .

[2]
- مسند عبدالله بن عمرو وصحيفته الصادقة

[3]
- مسند عبدالله بن عمرو وصحيفته الصادقة

[4]
- انظر قواعد الحديث للقاسمى ص36، 37.

[5]
- خطط المقريزى جـ2 ص233.

[6]
- الزاملة: البعير الذى يحمل عليه الطعام والمتاع.

[7]
- كشف الظنون ص20 .

[8]
- أقدم تدوين فى الحديث النبوى صحيفة همام بن منبه: كشف الظنون ص20 .

[9]
- علوم الحديث ومصطلحه للدكتور صبحى الصالح ص22.