هناك علاقة ما بين الأسود والأبيض
هناك تعاقب ما بينهما
ما هي العلاقة الخفية في هذا التعاقب
هذا ما اجهدت عقلي على فهمه خلال سنوات أربع
لم تكن القضية سهلة للتوصل لفهم العلاقة الناظمة للأشياء
لتفكر عميقاً وبعيداً فيما يسمى التفكير من خارج الصندوق
قد تكون الموضوعية
ندرة من الناس تفهمك وتفهم تفكيرك حين تفكر بعيداً عن الحدث حتى ولو كان مؤلماً ، بعيداً عن المشاعر بعيداً عن الموقف
الطريق الأسهل للكثير من الناس هو الانغماس في اللحظة ، الانغماس في الحزن، الانغماس في الحقد، الانغماس في الانتقام
حتى الانتقام الصحيح بحاجة لخطة صحيحة، فكل انتقام آلي سيوظف ضدك
حين يسيطر الغضب على العقل، فلا طريق لك لحل المشكلة
كنت في حاجة ماسة لفهم قضية غامضة على عقلي، كنت بحاجة ماسة إليها
وربما عثرت على خيط رفيع منها
ما هي العلاقة بين ما نظنه مختلفاً، إن عقلنا و ما دربناه عليه يقسم الأشياء لتقسيمات قد لا تكون دقيقة ونحن بحاجة لفهم الجوهر حتى نتخطى الشكل
إذن ما هي العلاقة بين الأسود والأبيض
لنبحث عميقاً بين العلاقة بين العلماني والإسلاموي
حين نعثر على الخيط المتشابك بينها نفهم جوهر الحقيقة
ما هو القاسم المشترك بينهما ؟؟
لنقل إنها النفعية ، التسليع، التشدد، العنصرية، العنف
هناك خيوط كثيرة تشابك بينهما على اختلاف المكان الذي يجلس كل منهما فيه
النفعية والتسليع
=========
ما الفرق بين تاجر علماني يهدي لوحة لمدرسة ويكتب تحتها مع تحيات شركة فلان
وبين تاجر مسلم يضع لوحة في مسجد كتب فيها دعاء الوضوء ويكتب تحتها تقدمة شركة فلان
الرابط واحد ولو خدعنا الشكل
كلاهما يريد النفعية
الفكر الرأسمالي يخترق كلاً من الطرفين
النفعية هي الخيط الدقيق بينهما
حين يتبرع مسلم لمسجد ببراد ماء ويكتب عليه لا تنسى قراءة الفاتحة لفلانة
وحين يتصدق مسلم لفقير ويتبعه صدقته بقوله لا تنساني من الدعاء
وحين يربط المسلم عمله الآني بالجزاء الآني ، فإنه يسلع عمله
إنه التسليع الكل يسلع بضاعته
هناك من يربط خدمته للوطن بالجائزة والسلعة التي يجب أن يحصل عليها كمقابل
هي ذاتها محاولة المجاهد الرأسمالي بالجهاد لقاء حورية
فهل كانت خدمة الوطن والدفاع عنه وسيلة للربح المادي الآني
وهل تحول الجهاد في سبيل الله إلى الجهاد في سبيل الحوريات
هل تحول الشرف لآلية للربح
هل تحولت الرجولة والبطولة لصراف آلي
كلنا رأسماليون وهناك روابط كثيرة خفية تجمع بين كل الأطراف من حيث لا نراها
يجب أن نراها ونفهمها لأننا حين نغير الفكر تتغير كل الأطراف
العنف
====
العنف هو أحد الروابط الخفية بين طرفين يظنان إنهما يختلفان بحس هدفهما
إننا ندخل في دائرة لا نهاية لها من العنف والعنف المضاد
لأن العنف كان رابطاً خفياً بين طرفين متصارعين
إن العنف ظاهرة اجتماعية موزعة بين كل الأطراق قبل أن يتحزبوا
بذلك لو كانوا أقل عنفاً قبل الأحداث لكانوا أقل عنفاً بعد التحزب
وحين نعالج العنف عموماً اجتماعياً فإننا نخفف وطأة الخلاف الفكري والسياسي وحتى العسكري منه
المجتمع السوري كان مجتمعاً عنيفاً حتى ولو كنا نظن أنه ليس كذلك
قد يكون أقل عنفاً من مجتمعات أخرى لكنه مجتمع عنيف
وهذا المستوى بحاجة لدراسة معمقة لمعالجة كل أسباب العنف الاجتماعي والأسري والتربوي
سأسرد في هذا الخيط الرابط مجموعة من الكلمات التي نتناقلها ولا نحس بتأثيرها على تصرفاتنا، ويقولها الأب لابنه ، والأستاذ لتلميذه، ورب العمل لموظفه:
( بدي شقفك، راح أذبجك ، بدي أفرمك، بدي أخلص عليك، راح أموتك، راح أقصبك ، بدي أشرب من دمك، راح أكسر عظامك تكسير، بدي أقطع رأسك، بدي أسلخ جلدك عن عظمك، ........)
هذا القاموس بحاجة لمراجعة اجتماعية فهو عميق الأثر في النفوس
ولو عدنا لأي موقع إخباري وجمعنا حوادث العنف في المجتمع السوري لهالنا المستوى الأخلاقي الذي وصلنا إليه:
مما أذكره من حوادث قبيل الأزمة السورية
-أب يتسبب بقطع يد ابنه لأنه ربطه بعد أن قام الطفل بالعبث بحقيبة الوالد الثمينة ولطول المدة تسبب ذلك بقطع يد الطفل في المشفى
- أب في إدلب يسجن ابنته لسنوات في غرفة قذرة و الجيران كشفوا أمره
- جدة تربط حفيدها بالسلاسل لأنه كثير الشغب
- أب في منبج يقوم بإغراق أولاده بحجة الغضب
- أب في حلب يغتصب ابنته
- سجين يموت تحت التعذيب في سجن حلب
الحوادث كثيرة ولو امتلكنا صحافة حقيقة لكشفنا عيوب مجتمعنا منذ زمن طويل، ولبحثنا عن علاج لها، لكن الصحافة كانت تلمع عيوبنا وتلون حياتنا بألوان وردية.
ذلك العنف المنتشر في كل بيت انعكس اليوم على العنف من كل الأطراف
ما يجب علاجه العنف ، ليس فقط العنيف
توقفت كثيراً عند كلام أحد الحلبيين الذي قال للفضائية السورية:" والله لنشرب من دمهم"
ما الفرق بين هذا التصريح وبين تصريح الطرف الآخر ؟؟
لقد زاد كل منا حجم الخراب في سوريا من حيث لا يعلم
ونحن ننادي بالسحق والمحق والإبادة والمزيد من القوة ولم نكن نعلم أننا نوجه كل هذه القوة لأنفسنا .
التشدد
=====
أحد الخيوط المشتركة
هناك علماني متشدد وهناك إسلامي متشدد وكلاهما وجهان لعملة واحدة
فحين نادى العقلاء بالاعتدال لم تكن منادتهم نصيحة أبوية
لقد كانت حلاً للخروج من مستنقع العنف
لم نكن ندري أننا حين نعتدل فإننا نسحب الذرائع من الطرف الآخر
الناس لا تحب كبت غضبها، شرائح واسعة تحب الاستثمار في الغضب وإخراج ما في النفس لا أحد يحب كظم غيظه ويظنه نفسه خاسراً بذلك
العنصرية
=====
كل أبناء أقلية أو مذهب أو طائفة أو عشيرة يظنون أنهم الأرقى و الأكثر رفعة والآخرين أقل قدرات وأدنى مرتبة
الكل يظن أنه الفرقة الناجية
وهذا الحديث كشف مرضاً اجتماعياً خطيراً وهو حب التميّز والترفع عن الآخرين حد العنصرية
هذه بعض الخيوط الخفية المشتركة بين كل الأطراف
لا شك أن تضعف عند فئات دون أخرى ، والفئات الأخلاقية والسليمة اجتماعياً هي أكثر الفئات سليمة نفسياً
لا يعني ذلك عدم وجود طبقة معتدلة وسليمة ، هم حولنا لكننا لا ندري بهم وربما لا نحب كلامهم المعتدل
ربما نتجاهلهم لأن حديثهم فيه مرارة كمرارة الدواء
مع مرور الزمن وحين نبتعد عن الحدث سنشعر بصوابية كلامهم لكن أخشى أن تكون التركة ثقيلة والضريبة كبيرة.
هذا الجانب من القضية بحاجة لتعميق ودراسة لعلنا نمسك بخيوط جديدة.
طارق شفيق حقي