كتاب (خطاب التهويل - واقعة كربلاء بين الواقع والتصورات ) عن واقعة الطف التي استشهد فيها الحسين وصحبه وبعض افراد عائلته ، ساقدمه على حلقات.
الحلقة الرابعة:
داود سلمان الشويلي
شباط 2009


--------------------------------------------


{إِن أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ، وَمَا تَوْفِيقِيَ إِلاَّ بِاللَّهِ}
(قران :هود 88).

------------------------------------------
الناصحون بعدم الخروج الى الكوفة

ظل الحسين اربعة اشهر في مكة دون ان يعمل شيئا له علاقة بالخروج او بعمل مضاد للخلافة وغيرها من اعمال مجابهة السلطة في مكة او دمشق ،سوى انه رفض البيعة ليزيد حاله – في ذلك الوقت – حال عبد الله ابن الزبير، الا انه قد وصلت اليه الرسل والرسائل من الكوفة تحثه على القدوم اليهم .

وعندما عزم على الخروج ، قدم له اكثر من شخص النصيحة بعدم الخروج، او الخروج الى غير الكوفة، ومن هذه الشخصيات:
1- عمر بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام المخزومي :(( قال : لماقدمت كتب أهل العراق إلى الحسين وتهيأ للمسير إلى العراق أتيته فدخلت عليه وهو بمكة ، فحمدت الله واثنيت عليه ثم قلت : أما بعد فاني أتيتك يابن عم لحاجة اريد ذكرها لك نصيحة ، فان كنت ترى أنك تستنصحنى والا كففت عما اريد ان اقول ، فقال : قل ، فوالله ما اظنك بسيئ الرأى ولا هو القبيح من الامر والفعل ، قال : قلت له : انه قد بلغني أنك تريد المسير إلى العراق واني مشفق عليك من مسيرك ، انك تأتي بلدا فيه عماله وامراءه ومعهم بيوت الاموال ، وانما الناس عبيد لهذا الدرهم والدينار ، ولا آمن عليك أن يقاتلك من وعدك نصره ومن انت أحب إليه ممن يقاتلك معه ، فقال الحسين : جزاك الله خيرا يا ابن عم ، فقد والله علمت انك مشيت بنصح وتكلمت بعقل ، ومهما يقض من أمر يكن أخذت برأيك أو تركته فأنت عندي أحمد مشير وأنصح ناصح ، قال : فانصرفت من عنده فدخلت على الحارث بن خالد بن العاص بن هشام فسألني هل لقيت حسينا ؟ فقلت له : نعم ، قال : فما قال لك وما قلت له ؟ قال ، فقلت له : قلت كذا وكذا وقال كذا وكذا ، فقال نصحته ورب المروة الشهباء أما ورب البنية ان الرأى لما رأيته قبله أو تركه )).
2 – عبدالله بن عباس :(( قال : يابن عم انك قد ارجف الناس ، انك سائر إلى العراق ، فبين لي ما انت صانع ؟ قال : اني قد اجمعت المسير في احد يومي هذين ان شاء الله تعالى . فقال له ابن عباس :فاني اعيذك بالله من ذلك ، اخبرني رحمك الله اتسير إلى قوم قد قتلوا اميرهم وضبطوا بلادهم ونفوا عدوهم ؟ فان كانوا قد فعلوا ذلك ، فسر إليهم ، وان كانوا انما دعوك إليهم واميرهم عليهم قاهر لهم ، وعماله تجبى بلادهم ، فانهم انما دعوك إلى الحرب والقتال ولا آمن عليك ان يغروك ويكذبوك ويخالفوك ويخذلوك وان يستنفروا اليك فيكونوا اشد الناس عليك . فقال له حسين : واني استخير الله وانظر ما يكون ؟)). (1)
ونصحة مرة اخرى عبدالله بن العباس: ((قال فلما كان من العشى أو من الغد اتى الحسين عبدالله بن العباس فقال : يابن عم اني اتصبر ولا اصبر ، اني اتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال ، ان اهل العراق قوم غدر فلا تقربنهم ، اقم بهذا البلد فانك سيد اهل الحجاز ، فان كان اهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب إليهم فلينفوا عدوهم ثم اقدم عليهم ، فان ابيت الا ان تخرج فسر إلى اليمن ، فان بها حصونا وشعابا وهي ارض عريضة طويلة ، ولابيك بها شيعة ، وانت عن الناس في عزلة ، فتكتب إلى الناس وترسل وتبث دعاتك ، فاني ارجو ان يأتيك عند ذلك الذي تحب في عافية فقال له الحسين : يابن عم اني والله لاعلم انك ناصح مشفق ، ولكني قد ازمعت واجمعت على المسير ، فقال له ابن عباس : فان كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك ، فوالله اني لخائف ان تقتل كما قتل عثمان ونساءه وولده ينظرون إليه . ثم قال ابن عباس : لقد اقررت عين ابن الزبير يتخليتك اياه والحجاز والخروج منها وهو يوم لا ينظر إليه احد معك ، والله الذي لا اله الا هو لو اعلم انك إذا اخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع على وعليك الناس اطعتني لفعلت ذلك ، قال : ثم خرج ابن عباس من عنده فمر بعبد الله بن الزبير فقال : قرت عينك يابن الزبير ثم قال :
يالك من قبرة بمعمر * خلالك الجو فبيضي واسفرى ونقرى ما شئت ان تنقري)).
3 – عبد الله بن الزبير : ((واتاه ابن الزبير فحدثه ساعة ، ثم قال : ما ادرى ما تركنا هؤلاء القوم وكفنا عنهم ونحن ابناء المهاجرين وولاة هذا الامر دونهم خبرني ما تريد ان تصنع ؟ فقال الحسين : والله لقد حدثت نفسي باتيان الكوفة ولقد كتب إلى شيعتي بها واشراف اهلها واستخير الله ، فقال له ابن الزبير : اما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها : قال : ثم انه خشى ان يتهمه فقال : اما انك لو اقمت بالحجاز ثم اردت هذا الامر هيهنا ما خولف عليك ان شاء الله ، ثم قام فخرج من عنده . فقال الحسين : ها ان هذا ليس شئ يؤتاه من الدنيا احب إليه من ان اخرج من الحجاز إلى العراق ، وقد علم انه ليس له من الامرمعي شئ وان الناس لم يعد لوه بى ، فود أني خرجت منها لتخلوله)) .
وجاءه ابن الزبير مرة اخرى: (( قال أبو مخنف - قال أبو جناب يحيى بن ابي حية عن عدي بن حرملة الاسدي عن عبدالله بن سليم والمذري بن المشمعل الاسديين قالا : خرجنا حاجين من الكوفة حتى قدمنا مكة ، فدخلنا يوم التروية فإذا نحن بالحسين وعبد الله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر والباب ، قالا : فتقربنا منهما فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسين : ان شئت ان تقيم اقمت فوليت هذا الامر ، فآزرناك وساعدناك ونصحنا لك وبايعناك .
فقال له الحسين : ان ابي حدثني ان بها كبشا يستحل حرمتها فما احب ان اكون انا ذلك الكبش ، فقال له ابن الزبير : فاقم ان شئت وتوليني انا الامر فتطاع ولا تعصى ، فقال : وما اريد هذا ايضا . قالا : ثم انهما اخفيا كلامهما دوننا فما زالا يتناجيان حتى سمعنا دعاء الناس رائحين متوجهين إلى مني عند الظهر ، قالا : فطاف الحسين بالبيت وبين الصفا والمروة وقص من شعره وحل من عمرته ثم توجه نحو الكوفة وتوجهنا نحو الناس إلى منى .)).
وعاد ابن الزبير مرة ثالثة : (( قال أبو - مخنف عن ابي سعيد عقيصى عن بعض اصحابه قال : سمعت الحسين بن علي وهو بمكة وهو واقف مع عبدالله بن الزبير فقال له ابن الزبير : إلي يابن فاطمة فأصغى إليه فساره ، قال : ثم التفت الينا الحسين فقال : أتدرون ما يقول ابن الزبير ؟ فقلنا : لا ندري جعلنا الله فداك ، فقال : قال أقم في هذا المسجد اجمع لك الناس ، ثم قال الحسين : والله لان اقتل خارجا منها بشبر احب إلى من ان اقتل داخلا منها بشبر ، وايم الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا في حاجتهم ، ووالله ليعتدن على كما اعتدت اليهود في السبت)).
4 – عبدالله بن جعفر بن ابي طالب (ابن عم الحسين وصهره) :(( كتب عبدالله بن جعفر بن ابي طالب إلى الحسين بن علي مع ابنيه عون ومحمد اما بعد : فاني اسئلك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي فاني مشفق عليك من الوجه الذي توجه له ان يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ان هلكت اليوم طفئ نور الارض فانك علم المهتدين ورجاء المؤمنين ، فلا تعجل بالسير فاني في اثر الكتاب والسلام .
قال : وقام عبدالله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد بن العاص فكلمه وقال : اكتب إلى الحسين كتابا تجعل له فيه الامان وتمنيه فيه البر والصلة وتوثق له في كتابك وتسأله الرجوع لعله يطمئن إلى ذلك فيرجع فقال عمرو بن سعيد : اكتب ما شئت وأتنى به حتى اختمه فكتب عبدالله بن جعفر الكتاب ثم أتى به عمرو بن سعيد فقال له : اختمه وابعث به مع اخيك يحيى بن سعيد فانه احرى أن تطمئن نفسه إليه ويعلم انه الجد منك ففعل . وكان عمرو بن سعيد عامل يزيد بن معاوية على مكة ، قال :
فلحقه يحيى وعبد الله بن جعفر ثم انصرفا بعد أن أقرأه يحيى الكتاب فقالا : اقرأناه الكتاب وجهدنا به ، وكان مما اعتذر به الينا أن قال : اني رأيت رؤيا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وامرت فيها بامر انا ماض له على كان اولى فقالا له :
فما تلك الرؤيا ؟ قال : ما حدثت احدا بها وما انا محدث بها حتى القى ربى (2) قال : وكان كتاب عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي
بسم الله الرحمن الرحيم من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي اما بعد فاني اسأل الله ان يصرفك عما يوبقك وان يهديك لما يرشدك بلغني أنك قد توجهت إلى العراق واني اعيذك بالله من الشقاق فاني اخاف عليك فيه الهلاك ، وقد بعثت اليك عبدالله بن جعفر ويحيى بن سعيد فأقبل إلى معهما فان لك عندي الامان والصلة والبر وحسن الجوار لك الله على بذلك شهيد وكفيل ومراع ووكيل والسلام عليك .
قال : وكتب إليه الحسين : اما بعد فانه لم يشاقق الله ورسوله من دعا إلى الله عزوجل و عمل صالحا وقال : انني من المسلمين ، وقد دعوت إلى الامان والبرو الصلة فخير الامان امان الله ولن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا امانة يوم القيامة فان كنت نويت بالكتاب صلتي وبري فجزيت خيرا في الدنيا والاخرة والسلام.)).
5 – الفرزدق الشاعر الشيعي :(( قال أبو مخنف - عن ابي جناب عن عدى بن حرملة عن عبدالله بن سليم والمذري قالا : اقبلنا حتى انتهينا إلى الصفاح فلقينا الفرزدق بن غالب الشاعر فواقف حسينا فقال له : اعطاك الله سؤلك واملك فيما تحب فقال له الحسين : بين لنا نبأ الناس خلفك فقال له الفرزدق : من الخبير سألت قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني امية والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء فقال له الحسين : صدقت لله الامر والله يفعل ما يشاء وكل يوم ربنا في شأن ان نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على اداء الشكر وان حال القضاء دون الرجاء فلم يعتد من كان الحق نيته والتقوى سريرته ثم حرك الحسين راحلته فقال : السلام عليك ثم افترقا .)). (3)

6 - اما في الطريق الى الكوفة فقد لقيه عبد الله بن مطيع ،فنصحه مرة اخرى بما يلي : ((ثم اقبل الحسين سيرا إلى الكوفة فانتهى إلى ماء من مياه العرب ، فإذا عليه عبدالله بن مطيع العدوي وهو نازل هيهنا ، فلما رأى الحسين قام إليه فقال : بأبي انت وامي يابن رسول الله ، ما اقدمك ؟ واحتمله فانزله . فقال له الحسين : كان من موت معاوية ما قد بلغك فكتب إلي اهل العراق يدعونني إلى انفسهم ، فقال له عبدالله بن مطيع : اذكرك الله يابن رسول الله وحرمة الاسلام ان تنتهك ، انشدك الله في حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله ، انشدك الله في حرمة العرب ، فوالله لئن طلبت ما في ايدي بنى امية ليقتلنك ، ولئن قتلوك لا يهابون بعدك أحدا ابدا ، والله وانها لحرمة الاسلام تنتهك ، وحرمة قريش وحرمة العرب ، فلا تفعل ولا تأت الكوفة ولا تعرض لبني امية . قال : فابى الا ان يمضى)).
من خلال النصائح اعلاه ، يمكن الوقوف على جملة من الافكار ، منها:
* ان الحسين لم يكن ثائرا او صاحب نهضة ، كما يدعي البعض ،وانما هو يستجيب لطلب ناس في ان يكون اماما لهم ،ولم يعرف نياتهم ولا ضمائرهم ولا صدق ما يدعون، ولا هم بثائرين ضد واليهم ، او قد تخلصوا منه.
فسليمان بن صرد والاخرون الذين كتبوا له الرسائل ذكروا انهم : (ولو قد بلغنا انك قد أقبلت الينا أخرجناه – يقصدون والي الكوفة - حتى نلحقه بالشام ان شاء الله). وهذا امر مشروط ولم يحدث ، بل انه لم يحدث بعد خروج الحسين ، للاسباب المعروفة.
و في نصيحة عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي: (انك تأتي بلدا فيه عماله وامراءه ومعهم بيوت الاموال ، وانما الناس عبيد لهذا الدرهم والدينار ، ولا آمن عليك أن يقاتلك من وعدك نصره ومن انت أحب إليه ممن يقاتلك معه) .
وكذلك قول ابن عباس : (، اخبرني رحمك الله اتسير إلى قوم قد قتلوا اميرهم وضبطوا بلادهم ونفوا عدوهم ؟ فان كانوا قد فعلوا ذلك ، فسر إليهم ، وان كانوا انما دعوك إليهم واميرهم عليهم قاهر لهم ، وعماله تجبى بلادهم ، فانهم انما دعوك إلى الحرب والقتال ولا آمن عليك ان يغروك ويكذبوك ويخالفوك ويخذلوك وان يستنفروا اليك فيكونوا اشد الناس عليك).
وكذلك في نصيحته الثانية : اذ قال : ( فان كان اهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب إليهم فلينفوا عدوهم ثم اقدم عليهم).
أي، لو كانوا ثائرين حقا ، وصادقين في طلبهم له في المجيء ،لطردوا والي الكوفة اولا، اما ان يطلبوا منه المجيء ووالي الكوفة وبيده خزائنها موجود يتحكم بمصائرهم فهذا معناه المجيء الى الموت .
***
موقف الحسين من ناصحيه:
* ان الحسين لم يأخذ بالنصائح ، ولا بمجريات التاريخ ،وقد انتبه اكثر من كاتب قديم ومعاصر الى هذا الامر والى غدر اهل الكوفة، وكان يشده امر واحد بعد وصول الرسائل هو الوصول الى الكوفة .
فنصيحة عمر بن عبد الرحمن تؤكد ذلك : (ولا آمن عليك أن يقاتلك من وعدك نصره ومن انت أحب إليه ممن يقاتلك معه).
وكذلك نصيحة عبد الله بن عباس ، اذ يقول : (فانهم انما دعوك إلى الحرب والقتال ولا آمن عليك ان يغروك ويكذبوك ويخالفوك ويخذلوك وان يستنفروا اليك فيكونوا اشد الناس عليك).
وكذلك قوله في نصيحته الثانية : (ان اهل العراق قوم غدر فلا تقربنهم).
وايضا في اجابة الفرزدق ،: (قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني امية).
وكذلك قول عبد الله بن جعفر بن ابي طالب زوج اخته زينب : ( فاني مشفق عليك من الوجه الذي توجه له ان يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك).
وايضا بما جاء بكتاب (عمرو بن سعيد عامل يزيد بن معاوية على مكة ) بطلب من عبد الله بن جعفر : (فاني اخاف عليك فيه الهلاك).
وكذلك في نصيحة عبد الله بن مطيع المار ذكرها .
* ان الاستجابة لطلب شيعته – حسب تعبير الحسين في اجابته لابن الزبير - في الكوفة ، يتوافق وخروجه (4) وابتعاده عن بيعة يزيد، ولكن ابتعاده عن البيعة ليزيد هو تقربه للقتل ، اذ كلما ابتعد عن البيعة بشبر كلما اقترب بشبرين من مقتله عندما ارتحل الى الكوفة، ولو لم يكتب له شيعته من الكوفة بالقدوم اليهم لما ذهب لهم ، اذ امامه طرق عدة:اما البقاء بمكة والقتل فيها – لعدم البيعة - كما قال هو لابن الزبيروهو لا يريد ذلك،اوربما عدم القتل ،واما الذهاب الى اليمن ، فان لابيه شيعة هناك كما قال له ابن عباس، او الاختباء في شعب الجبال ابتعادا من البيعة .
فهذا ابن عباس ينصحه للمرة الثانية قائلا : (فان ابيت الا ان تخرج فسر إلى اليمن ، فان بها حصونا وشعابا وهي ارض عريضة طويلة ، ولابيك بها شيعة ، وانت عن الناس في عزلة ، فتكتب إلى الناس وترسل وتبث دعاتك ، فاني ارجو ان يأتيك عند ذلك الذي تحب في عافية).
فالناصحون للحسين كثر، على الرغم من ان الشيعة يسفهون كل نصيحة ويعدونها ذات غرض اريد به عكس ما نصح به ، او كما قال علي بن ابي طالب (كلمة حق اريد بها باطل) .
وبعيدا عن نصيحة ابن الزبير ، فالحسين نفسه يشهد لناصحيه بصدق نصيحتهم ، فعندما نصحه اخوه بعدم الخروج الى الكوفة اجابه الحسين : (قد نصحت فاشفقت فارجو أن يكون رأيك سديدا موفقا).
وها هو يقول لعمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي قبل نصحه : (فوالله ما اظنك بسيئ الرأى ولا هو القبيح من الامر والفعل). وبعده : (جزاك الله خيرا يا ابن عم ، فقد والله علمت انك مشيت بنصح وتكلمت بعقل ، ومهما يقض من أمر يكن أخذت برأيك أو تركته فأنت عندي أحمد مشير وأنصح ناصح).
وقال لابن عباس : (يابن عم اني والله لاعلم انك ناصح مشفق).
وقال للفرزدق : (صدقت).
اذن: اين الغرض السيء في هذه النصائح ؟ هل هناك غرض سيء عند الاخ ؟ ام عند ابن عباس الساعد الايمن لابيه علي بن ابي طالب ، والذي بادر واخذ البيعة من المسلمين في الكوفة للحسن بن علي عند استشهاد ابيه ؟ ام عند الفرزدق الشاعر المتشيع حد النخاع؟ ام عند المخزومي ؟ ام عند ابن مطيع؟. وكلهم لم ينافس الحسين او ينافسه الحسين على امر ما ، وكلهم ناصح صدق بشهادة الحسين نفسه ، ام ان شهادة الحسين لهم غير صحيحة او انها من باب التقية؟.
وهكذا تسقط حجج من يزعم من الكتاب الشيعة بان من نصحوا للحسين كانوا ذوي اغراض مبيته ، ويكنون عداوة له . (5)
وكذلك يقع كاتب شيعي معاصر في المطب الذي اعاب فيه على من يردّ عليهم حسب زعمه ،فهو عندما يقول: ((وبهذا يظهر لك زيف قول الكاتب إن ابن عباس نهاه ومنعه !! )) (6) كان هو يقوم بالتزييف. فهو يعتمد نصا مجزوءا ، فيأخذ بنص ابن كثير لنصيحة ابن عباس : يقول الكاتب: (( نقل ابن كثير ج 8ص172 عن ابن عباس قال :" استشارني الحسين بن على في الخروج فقلت لولا أن يزري بي وبك الناس لشبثت يدي في رأسك فلم أتركك تذهب فكان الذي رد علي أن قال لأن أقتل في مكان كذا وكذا أحب إلي من أن أقتل بمكة قال فكان هذا الذي سلى نفسي عنه ".)).
وكذلك بما ذكره الذهبي :(( وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء ج3 ص 297 :
" فقال ابن عباس للحسين لولا أن يزري بي وبك لنشبت يدي في رأسك ولو أعلم أنك تقيم إذا لفعلت ثم بكى )).
انظر النقص في استشهاده من ابن كثير والذهبي ،فيترك قول الطبري لانه لا يساير فكرته ، فيفهم غير المراد منه في قول ابن عباس: ((فقلت لولا أن يزري بي وبك الناس لشبثت يدي في رأسك فلم أتركك تذهب)) عند ابن كثير، وقوله عند الذهبي: ((لولا أن يزري بي وبك لنشبت يدي في رأسك ولو أعلم أنك تقيم إذا لفعلت ثم بكى)). اماعند الطبري عن ابي مخنف فالقول هو: ((والله الذي لا اله الا هو لو اعلم انك إذا اخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع علي وعليك الناس اطعتني لفعلت ذلك)).
ففرق كبير بين نهاية قول ابن كثير و الذهبي ونهاية الطبري، اذ في رد ابن عباس شرط الاخذ بكلامه له بعدم الخروج، ولما كان يعرف انه سوف لن يأخذ به تركه يخرج.
هكذا نرى كاتب رد الاعتبار يلعب على عقول الناس ، فينكر على من يردّ عليه في هذا الكتاب بقوله (وبهذا يظهر لك زيف قول الكاتب إن ابن عباس نهاه ومنعه) ليقوم هو باتباع النهج ذاته.
***
الهوامش:
1 - هذه الوصية تحمل المعنى نفسه لواحد من بني عكرمة عندما وصل الحسين الى بطن العقبة:( ان احد عمومته سأل الحسين ( ع ) اين تريد ؟ فحدثه ، فقال له : اني انشدك الله لما انصرفت فوالله لا تقدم الا على الا سنة وحد السيوف ، فان هولاء الذين بعثوا اليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ووطئوا لك الاشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا . فاما على هذه الحال التي تذكرها فاني لا أرى لك ان تفعل ، قال : فقال له يا عبدالله انه ليس يخفى على الرأى ما رأيت ولكن الله لا يغلب على امره ثم ارتحل منها ).
2 - ربما هذه زيادة من الرواة.
3 - ان قول الحسين عن قضاء الله ينفي قصة احاديث كربلاء.
4 - يستخدم د. ابراهيم بيضون لفظة (هروب) في كتابه التوابون .
5 - راجع كتاب: رد الاباطيل عن نهضة الحسين.
6 – المصدر السابق- ص19.