التدمير من الداخل من تيمورلنك إلى أبو بكر البغدادي - بقلم طارق شفيق حقي
اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	9Timur.jpg 
مشاهدات:	2 
الحجم:	67.6 كيلوبايت 
الهوية:	1276
1- مقدمة
2- ضعف العصبية عامل من عوامل انهيار الأمم.
3- الانغماس بالملذات عامل من عوامل انهيار الأمم.
4- أحوال المسلمين قبل دخول حملة هولاكو وحملة تيمورلنك.
5- صورة عن استغلال الدين واضحة في رسالته للملك الظاهر برقوق.
6- أحوال جيش تيمورلنك.
7- استغلال الدين الإسلامي في حروبه.
8- نهاية تيمورلنك.



مقدمة

خطة الدخول عبر الباب الخلفي

جاء في كتاب قصة الحضارة لكاتبها ول ديورنت : " تيمورلنك الذي كان قد اعتنق الإسلام ليتخذ منه سلاحاً ماضياً "



بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قبيل أن نصور الخطة التي دخل بها أعداء هذه الأمة من بابها الخلفي كما تدخل الفيروسات لأي حاسب إلكتروني، سنقف وقفة عند ما جاء به مفكر استفادت منه كل الأمم إلا أمتنا، وتحصنت بعلمه كثير من الدول إلا دولنا ، وهو مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون العالم الموسوعي .
المتأمل للتاريخ البشري يرى تعاقب سنن الله في خلقه، ولقد راقب ابن خلدون هذه السنن وتكلم عنها، فكما راقب حركة الأفراد كما راقب حركة الأمم والمجتمعات.
- مؤسس علم الاجتماع " ابن خلدون " ذهب لمقابلة خطيرة بكل المقاييس ، قد تودي بحياته، لكنه لبى أهل دمشق حين استنجدوا به وقدم للقاء تيمورلنك، رأى ابن خلدون الوحشية القذرة التي تفتح بها المدن وربما تعرض لمخاطر عديدة، لكن سلم من بطش سفاح ماكر ، فهل كانت هذه الرحلة حافزاً دفع ابن خلدون لدراسة أسباب نهاية الأمم فتأمل ودرس وأسس لفكر جديد.
- حين رأى الدول تنهار درسها واستخلص أسباب انهيارها.

2- ضعف العصبية عامل من عوامل انهيار الأمم
يطالعنا ابن خلدون عن أسباب انهيار وضعف الدول، وهو ضعف عصبية هذه الدولة بسبب الانغماس في الترف والشهوات، ولو عدنا لما يسببه الانغماس بالملذات والشهوات المحرمة بالفرد، سنعرف تماماً نتائج هذا الانغماس على الأمم والدول.

- من أسباب انهيار الدولة ضعف العصبية بين أفرادها و العصبية : "هي الّتي تكون بها المدافعة والمقاومة والحماية والمطالبة وأنّ من فقدها عجز عن جميع ذلك كلّه ويلحق بهذا الفصل فيما يوجب المذلّة للقبيل شأن المغارم والضّرائب فإنّ القبيل الغارمين ما أعطوا اليد من ذلك حتّى رضوا بالمذلّة فيه لأنّ في المغارم والضّرائب ضيما ومذلّة لا تحتملها النّفوس الأبيّة إلّا إذا استهونته عن القتل والتّلف وأنّ عصبيّتهم حينئذ ضعيفة عن المدافعة والحماية ومن كانت عصبيّته لا تدفع عنه الضّيم فكيف له بالمقاومة والمطالبة وقد حصل له الانقياد للذّلّ والمذلّة عائقة كما قدّمناه"
- إذن الذل والإذلال يضعف عصبية الفرد عن الدفاع عن وطنه الذي يحب، وكيف للعبيد أن يدافعوا عما لا يملكوه من كرامة، إنه الإنسان الحر الذي يدافع عن وطنه حين الشدائد .
والذلُّ الذي يتكلم عنه هنا ابن خلدون ليس الذلُّ المباشر فتلك مصيبة أكبر، إنما الذل المرافق للضرائب المرهقة للفرد، والتي إما أن تقهره وتأخذ قوت عياله فتفقده عصبيته تجاه وطنه، وإما أن تعلّمه النفاق والحيلة والكذب للتحايل على هذه الضرائب المرهقة ، ومن توطنت فيه الخصال السيئة كيف له أن يُحس بمعاني بالشرف والبطولة المرافقة للدفاع عن الوطن.

3- الانغماس بالملذات عامل من عوامل انهيار الأمم.

- والسبب الثاني الذي يضعف بنية الدول وهو الترف والانغماس بالملذات إن كان في أصحاب الدولة أو شعبها والطامة الكبرى تكون في الجيل الثاني لهذه الدولة، والملذات وأبوابها وأصنافها لا تنتهي وتحفز الشهوة الإنسان على طلب المزيد ، فيزيد تضيعاً للوقت وصرفاً للمال وقد تكون سبباً في زيادة الضرائب على المواطنين .
- قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: «لَا وَاللَّهِ، مَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِلَّا مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا» سنن ابن ماجه ((ما أخشى عليكم أيها الناس) أي ما أخاف عليكم الفقر
- )

- ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " فَوَاللَّهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ»
حَدِيثٌ صَحِيحٌ

- يقول ابن خلدون " أن من عوائق الملك حصول الترف وانغماس القبيل في النعيم
وسبب ذلك أنّ القبيل إذا غلبت بعصبيّتها بعض الغلب استولت على النّعمة بمقداره وشاركت أهل النّعم والخصب في نعمتهم وخصبهم وضربت معهم في ذلك بسهم وحصّة بمقدار غلبها واستظهار الدّولة بها فإن كانت الدّولة من القوّة بحيث لا يطمع أحد في انتزاع أمرها ولا مشاركتها فيه أذعن ذلك القبيل لولايتها والقنوع بما يسوّغون من نعمتها ويشركون فيه من جبايتها ولم تسم آمالهم إلى شيء من منازع الملك ولا أسبابه إنّما همّتهم النّعيم والكسب وخصب العيش والسّكون في ظلّ الدّولة إلى الدّعة والرّاحة والأخذ بمذاهب الملك في المباني
والملابس والاستكثار من ذلك والتّأنّق فيه بمقدار ما حصل من الرّياش والتّرف وما يدعو إليه من توابع ذلك فتذهب خشونة البداوة وتضعف العصبيّة والبسالة ويتنعّمون فيما أتاهم الله من البسطة وتنشأ بنوهم وأعقابهم في مثل ذلك من التّرفّع عن خدمة أنفسهم وولاية حاجاتهم ويستنكفون عن سائر الأمور الضّروريّة في العصبيّة حتّى يصير ذلك خلقاً لهم وسجيّة فتنقص عصبيّتهم وبسالتهم في الأجيال بعدهم يتعاقبها إلى أن تنقرض العصبيّة فيأذنون بالانقراض وعلى قدر ترفهم ونعمتهم يكون إشرافهم على الفناء فضلاً عن الملك فإنّ عوارض التّرف والغرق في النّعيم كاسر من سورة العصبيّة الّتي بها التّغلّب وإذا انقرضت العصبيّة قصّر القبيل عن المدافعة والحماية فضلاً عن المطالبة ،والتهمتهم الأمم سواهم فقد تبيّن أنّ التّرف من عوائق الملك "وَالله يُؤْتِي مُلْكَهُ من يَشاءُ " البقرة - 247.

يقول الله تعالى :
"فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا 59 مريم

5- أحوال المسلمين قبل دخول حملة هولاكو وحملة تيمورلنك

- لو عدنا للحملة المغولية الأخيرة التي قادها تيمورلنك الذي قاد الحملة المغولية بعد هولاكو بمائة وخمسين سنة تقريباً ،واستعرضنا أحوال المسلمين قبيل دخوله، لعدنا للنتائج والعبر التي استخلصها ابن خلدون حرفياً.
فما أعظم هذا المفكر الذي استفادت الأمم من علمه ، ودرست بحوثه في الجماعات ومراكز البحث ،في الوقت الذي أهملناه وأهملنا كتبه.

"يذكر بأن تيمور قتل شاه منصور متملّك شيراز وبعث برأسه إلى بغداد وبعث بالخلع والسكة إلى السلطان أحمد بن أويس صاحب العراق، فلبس السلطان أحمد الخلعة وطاف بها في شوارع بغداد وضرب باسمه السكة، وكان ذلك خديعة من تيمور، حتى ملك منه بغداد في يوم السبت حادي عشرين شوّال من سنة خمس وتسعين المذكورة.
وكان سبب أخذ تيمور بغداد أن ابن أويس المذكور كان أسرف في قتل أمرائه وبالغ في ظلم رعيته وانهمك في الفجور والفساد."
فلم يشعر أحمد بن أويس وقد اطمأن إلا وتيمور نزل غربي بغداد قبل أن يصل الشيخ نور الدين فدهش عند ذلك ابن أويس وأمر بقطع الجسر ورحل من بغداد بأمواله وأولاده وقت السحر من ليلته وهى ليلة السبت المذكورة وترك بغداد فدخلها تيمور لنك وأرسل ابنه في إثر ابن أويس فأدركه بالحلّة ونهب ماله وسبى حريمه وأسر وقتل كثيراً من أصحابه، فنجا السلطان أحمد بن أويس بنفسه في طائفة وهم عراة، فقصد حلب وتلاحق به من بقى من أصحابه."


حال بغداد وخليفتها قبل دخول هولاكو

حصار بغداد هو حصار أقامه المغول بقيادة هولاكو خان على بغداد عام 656 هـ / 1258 بعد أن هزم جيش الخليفة بقيادة مجاهد الدين أيبك بالقرب من بغداد، أستمر الحصار 12 يوماً انتهى بدخول المغول بغداد واستباحتهم للمدينة وقتلهم للخليفة المستعصم في 10 فبراير 1258م وبمقتل الخليفة العباسي انتهت الخلافة العباسية ودمرت بغداد وقدر من قتل من أهلها ومن حولهم بمليوني قتيل.


افتقر إلى القدرة على إدارة الأمور والأزمات، وإلى كفاءة القيادة، وإلى علو الهمة والأمل في سيادة الأرض والنصر على الأعداء، ونشر دين الله عز وجل في الأرض، وإلى الشجاعة التي تمكنه من أخذ قرار الحرب في الوقت المناسب، فلم يكن عنده القدرة على تجميع الصفوف وتوحيد القلوب، ونبذ الفرقة، ورفع راية الوحدة الإسلامية الواحدة، ولم يكن قادراً حتى على اختيار أعوانه، ففشت في بلاده بطانة السوء، فالوزراء يسرقون، وأفراد الشرطة

يظلمون، وقواد الجيش يتخاذلون، والفساد عم وطغى في كل مكان، وكثرت الاختلاسات من أموال الدولة، وعمت الرشاوى، وطغت الوساطة، وانتشرت أماكن اللهو والفساد والإباحية والمجون في كل مكان، بل وأعلن عنها صراحة، ودعي إليها على رءوس الأشهاد، والراقصات والخليعات كن يعلن عن أنفسهن

صراحة في هذا البلد المسلم كان باستطاعة الخليفة أن يجهز من داخل العراق في ذلك الوقت مائة وعشرين ألف فارس، فضلاً عن المشاة والمتطوعين، فالجيش التتري الذي حاصر بغداد كان مائتي ألف، فكان هناك أملاً كبيراً جداً في رد الغزاة، ولكن الخليفة كان مهزوماً من داخله، وفاقداً للروح التي تمكنه من

المقاومة، كما أنه لم يربِ شعبه أبداً على الجهاد، ولم يعلمهم فنون القتال، فلم يوجد معسكرات للتدريب تعد شباب الأمة ليوم كيوم التتار، ولم يهتم بالسباحة

والرماية وركوب الخيل، ولم يجهز الأمة معنوياً لتعيش حياة الجد والنضال حال الحكومة في بغداد أما الحكومة التي هي بطانة الحاكم فقد كانت مثله وهو

مثلها، فالحكومة كانت مثل الجيش هزيلة وضعيفة ومريضة، وكانت مكونة من أشباح، فالوزراء ليس همهم إلا جمع المال والثروات وتوسيع نطاق السلطة، واستعباد رقاب العباد،

والتنافس غير الشريف بين بعضهم البعض، والتصارع المرير من أجل دار أو منصب أو حتى جارية، وكان على رأس هذه الوزارة

الساقطة رئيس وزراء خائن، باع البلاد والعباد، ووالى أعداء الأمة وعادى أبناءها.

وكانت هذه الوزارة سيفاً مسلطاً على رقاب وأموال المسلمين، ولم تكن

علاقتها بالمسلمين الذين يحكمونهم علاقة الأخ بأخيه، وإنما كانت علاقة سيد بعبد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.



أحوال الخليفة العباسي
---------

في الوقت الذي كان جنود هولاكو يحاصرون بغداد ويحيطون بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب ذكر أن جارية كانت

تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه وكانت من جملة حظاياه وتسمى "عرفة" فجاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة، فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعا شديدا، وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه فإذا عليه مكتوب: إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره أذهب من ذوي العقول عقولهم.
وأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز وكثرت الستائر على دار الخلافة، ولكن الأمر أكبر من ذلك وأعظم.

ولم يقف هذا الضعف والهوان عند حدود دول المشرق الإسلامي، أو ينتهي بضعف مركز الخليفة العباسي، وضمور سلطان الخلافة العباسة، بل جاوز ذلك إلى ملوك وسلاطين المسلمين في بلاد الشام ومصر، فقد ذكر ابن كثير - في أحداث سنة 658هـ - أن سلطان دمشق وحلب الملك الناصر بن العزيز، وملك الكرك والشوبك الملك المغيث بن العادل قد عزموا على قتال المصريين وأخذ مصر منهم، ومعهما الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري.


"وتلك الأيام
نداولها بين الناس "




5-صورة عن استغلال الدين واضحة في رسالته للملك الظاهر برقوق

- من الصورة المذلة التي خرج بها والي العراق ، إلى الرسالة الإيمانية المباركة التي أرسلها السفاح الماكر تيمورلنك والتي ضمنها آيات القرآن الكريم وحكمة الإسلام مستعيناً بالأدباء والعلماء الذين دخلوا في خدمته من المسلمين ، مستخدماً دين الله وسيلة لغلب الحكام والملوك ، فهو ما إن يتمكن حتى يقتل ويسفك الدماء ولا يرحم الصغير والكبير ، كتب تيمورلنك إلى الملك الظاهر برقوق الذي هرب إليه والي العراق أحمد بن أويس :
قل اللهم مالك الملك، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اعلموا أنا جند الله مخلوقون من سخطه، ومسلّطون على من حلّ عليه غضبه، لا نرقّ لشاك، ولا نرحم عبرة باك، قد نزع الله الرحمة من قلوبنا، فالويل ثم الويل لمن لم يكن من حزبنا ومن جهتنا! قد خرّبنا البلاد، وأيتمنا الأولاد، وأظهرنا فى الأرض الفساد، وذلّت لنا أعزّتها، وملكنا بالشوكة أزمّتها، فإن خيّل ذلك على السامع وأشكل، وقال: إن فيه عليه مشكلا، فقل: (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة) ، وذلك لكثرة عددنا، وشدّة بأسنا، فخيولنا سوابق، ورماحنا خوارق، وأسنّتها بوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وجيوشنا كعدد الرمال، ونحن أبطال وأقيال، وملكنا لا يرام، وجارنا لا يضام، وعزّنا أبدا لسؤدد منقام، فمن سالمنا سلم، ومن حاربنا ندم، ومن تكلّم فينا بما لا يعلم جهّل. وأنتم فإن أطعتم أمرنا وقبلتم شرطنا، فلكم مالنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم وعلى بغيكم تماديتم، فلا تلوموا إلا أنفسكم، فالحصون منّا مع تشييدها لا تمنع، والمدائن بشدّتها لقتالنا لا تردّ ولا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يستجاب فينا فلا يسمع، فكيف يسمع الله دعاءكم وقد أكلتم الحرام، وظلمتم «1» جميع الأنام، وأخذتم أموال الأيتام، وقبلتم الرشوة من الحكّام، وأعددتم لكم النار وبئس المصير: (إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) فبما فعلتم ذلك أوردتم أنفسكم موارد المهالك، وقد قتلتم العلماء، وعصيتم رب الأرض والسماء، وأرقتم دم الأشراف، وهذا والله هو البغى والإسراف، فأنتم بذلك فى النار خالدون، وفى غد ينادى عليكم:
فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ
، فأبشروا بالمذلّة والهوان، يا أهل البغى والعدوان، وقد غلب عندكم أننا كفرة، وثبت عندنا والله أنكم الكفرة الفجرة، وقد سلطنا عليكم الإله، له أمور مقدّرة، وأحكام محرّرة، فعزيزكم عندنا ذليل، وكثيركم لدينا قليل، لأننا ملكنا الأرض شرقا وغربا، وأخذنا منكم كلّ سفينة غصبا، وقد أوضحنا لكم الخطاب، فأسرعوا بردّ الجواب، قبل أن ينكشف الغطاء، وتضرم الحرب نارها، وتضع أو زارها، وتصير كلّ عين عليكم باكية، وينادى منادى الفراق:
هل ترى لهم من باقية، ويسمعكم صارخ الفناء بعد أن يهزّكم هزا، هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً
، وقد أنصفناكم إذ راسلناكم، فلا تقتلوا المرسلين، كما فعلتم بالأوّلين، فتخالفوا كعادتكم سنن الماضين، وتعصوا رب العالمين، وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ
، وقد أوضحنا لكم الكلام، فأرسلوا بردّ الجواب والسلام.


- 6- أحوال جيش تيمورلنك
توفي 1405 ميلادي - غزا سوريا في عام 1400 م /803 هـ

كان في عسكره من الترك عبدة الأصنام، وعباد النار من المجوس الأعجام، وكهنة وسحرة، وظلمة وكفرة، فالمشركون يحملون أصنامهم، والكهان يسجعون كلامهم، ويأكلون الميتة والدم المسفوح، ولا يفرقون بين مخنوق ومذبوح
كان تيمورلنك في سفر، فرأى واحداً من العسكر، كأن الكرى عطف رقبته، أو السرى أمال شقته، أو على حال لا يتوجه عليه فيها لوم ولا عتب، فضلاً عن أن يترتب عليه ضرب أو سب، فقال تيمور ترى ما ثم أحد قاطع، يقطع رأس هذا الفاعل الصانع؟ ولم يزد على هذا الكلام، فسمعه واحد من أولئك الكفرة اللئام، اسمه "دولت تيمور" ، وهو أمير كبير مشهور، قد ألبسه الله ثوب النقمة، ولم يشمه شيئاً من روائح الرحمة، ففي الحال سل رأسه من بين كتفيه، وحمله إلى تيمور ووضعه بين يديه، فقال تيمور ويلك، ما هذا الأمر الأفظع؟ فقال هذا الرأس الذي أشرت أن يقطع، فأعجبته هذه العبارة، وابتهج بأن أمره يمتثل بأدنى إشارة.
7- استغلال الدين الإسلامي في حروبه

- الخطة الخبيثة التي دخل أعداء الإسلام منها ، وهي الباب الخلفي ، حيث يدخل السفاح بيت المسلمين وبلادهم باسم الإسلام ويذبح الناس باسم الدين ، ويظهر للعامة أنه أحد المنافح عن هذا الدين فيدخل في جيشه كل غافل جاهل ،جاء في كتاب قصة الحضارة لديورنت : تيمورلنك" الذي كان قد اعتنق الإسلام ليتخذ منه سلاحاً ماضياً، كما قد أعد لنفسه قائمة أنساب ترده إلى "جنكيز خان" لكي يعينه ذلك على كسب طائفة المغول إلى جانبه؛ فلما أن فرغ من استيلائه على عرش سمرقند، ولم يزل يحس الرغبة في مزيد من الذهب، أشرقت عليه فكرة مؤداها أن الهند لم تزل حينئذ مليئة بالكفار، لكن قواده كانوا يعلمون بسالة المسلمين، فلم يذهبوا معه في الرأي، موضحين له أن الكفار الذين يمكن الوصول إليهم من سمرقند، كانوا بالفعل تحت الحكم الإسلامي، ثم أفتى له الفقهاء العلماء بالقرآن بآية تبعث الحماسة في الصدور وهي: "يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم" فما هو إلا أن عبر تيمور نهر السند (1398م) وقتل أو استعبد كل من وقعت عليهم يداه من السكان فلم يستطيعوا الفرار منه، وهزم جيوش السلطان محمود طغلق واحتل دلهي، وذبح مائة ألف من الأسرى ذبحاً متعمداً، وسلب من المدينة كل أموالها التي كانت الأسرة الأفغانية المالكة قد كدستها هناك، وحملها معه إلى سمرقند، مستصحباً كذلك عدداً كبيراً من النساء والعبيد، تاركاً وراءه الفوضى والمجاعة والوباء "



8- نهاية تيمورلنك
توفّى الطاغية تيمورلنك كور كان ، وهو نازل بضواحى أترار بالقرب من آهنگران، ومعنى «آهنگران» باللغة العربية «الحدّادون» و «آهنگر» : الحداد، و «كوركان» معناه صهر الملوك، و «لنك» هو الأعرج باللغة العجميّة.
وكان سبب موته أنّه خرج من بلاده لأخذ بلاد الصّين- وقد انقضى فصل الصيف ودخل الخريف، وكتب إلى عساكره أن يأخذوا الأهبة لمدة أربع سنين، فاستعدوا لذلك وأتوه من كلّ جهة، وصنع له خمسمائة عجلة لحمل أثقاله.
ثمّ خرج من سمرقند فى شهر رجب وقد اشتد البرد، ونزل على سيحون وهو جامد، فعبره ومرّ سائراً، فأرسل الله عليه من عذابه جبالاً من الثلج التي لم يعهد بمثلها مع قوّة البرد الشديد، فلم يبق أحد من عساكره حتى امتلأت آذانهم وعيونهم وخياشيمهم، وآذان دوابهم وأعينها من الثلج، إلى أن كادت أرواحهم تذهب.
ثمّ اشتدت تلك الرّياح، وملأ الثلج جميع الأرض- مع سعتها- فهلكت بهائمهم. وجمد كثير من النّاس، وتساقطوا عن خيولهم موتاً.

وجاء بعقب هذا الثّلج والرّيح أمطار كالبحار، وتيمور مع ذلك لا يرقّ لأحد، ولا يبالى بما نزل بالناس، بل يجدّ في السّير، فما أن وصل تيمور إلى مدينة أترار حتى هلك خلق كثير من قوّة سيره.
ثمّ أمر تيمور أن يستقطر له الخمر حتى يستعمله بأدوية حارّة وأفاويه لدفع البرد وتقوية الحرارة، فعمل له ما أراد من ذلك.
فشرع تيمور يستعمله ولا يسأل عن أخبار عساكره وما هم فيه، إلى أن أثّرت حرارة ذلك وأخذت في إحراق كبده وأمعائه، فالتهب مزاجه حتى ضعف بدنه، وهو يتجلد ويسير السّير السّريع، وأطبّاؤه يعالجونه بتدبير مزاجه إلى أن صاروا يضعون الثلج على بطنه؛ لعظم ما به من التلهب وهو مطروح مدة ثلاثة أيام، فتلفت كبده، وصار يضطرب ولونه يحمرّ، ونساؤه وخواصّه في صراخ، إلى أن هلك إلى لعنة الله وسخطه، فلبسوا عليه المسوح، ومات ولم يكن معه أحد من أولاده سوى حفيده سلطان خليل ابن ميران شاه بن تيمور وسلطان حسين ابن أخته، فأرادا كتمان موته فلم يخف ذلك على الناس، فتسلطن خليل المذكور بعد جده تيمور، وبذل الأموال، وعاد إلى سمرقند برمّة جده تيمور.
فخرج النّاس إلى لقائه لابسين المسوح بأسرهم، وهم يبكون ويصرخون، ودخل ورمّة تيمور بين يديه فى تابوت أبنوس ، والملوك والأمراء وكافة النّاس مشاة بين يديه، وقد كشفوا رؤوسهم وعليهم المسوح، إلى أن دفنوه على حفيده محمد سلطان بمدرسته وأقيم عليه العزاء.



المراجع
- القرآن الكريم
- سنن ابن ماجة والترمذي
- مقدمة ابن خلدون
- قصة الحضارة - ول ديورنت
- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة- يوسف الحنفي
- عجائب المقدور في أخبار تيمور- ابن عربشاه




طارق شفيق حقي - سوريا
2014