صلبان على اليورو ورموز دينية تثير حفيظة تيار يخشى الديانات الصليب يتسبب في انقسام اوروبا المُتشبّثة



صلبان على اليورو ورموز دينية تثير حفيظة تيار يخشى الديانات
الصليب يتسبب في انقسام اوروبا المُتشبّثة بعلمانيّتها
عبدالاله مجيد





علم الإتحاد الأوروبي يتضمّن رسالة مشفّرة، فالنجوم الصفراء مستوحاة من تاج مريم العذراء المكون من 12 نجمة




أصبح الدين المسيحي ورموزه، كالصلبان التي توشح بعض الاعلام والعملات، مصدرًا آخر للانقسام في اوروبا، الى جانب التفاوت بين الاقتصادات القوية مثل الاقتصاد الالماني والاقتصادات المأزومة مثل الاقتصاد اليوناني.

--------------------------------------------------------------------------------

عبد الاله مجيد من لندن: يتذكر ستانسلاف زفولينسكي، أسقف العاصمة السلوفاكية براتسلافا، اليوم الذي دُعي فيه الى بروكسل قبل ثلاث سنوات للمشاركة في منتدى حول مكافحة الفقر واحتفاء المفوضية الاوروبية المؤلفة من بيروقراطيين علمانيين به.
وقال الأسقف زفولينسكي "إنهم سمحوا لي بالدخول مرتديًا صليبي".

لذا، كانت مفاجأة غير سارة للأسقف والسلوفاك المتدينين حين اعلن البنك المركزي السلوفاكي أن المفوضية الاوروبية أمرته بإزالة الهالات والصلبان من عملة اليورو التذكارية التي خطط البنك لسكها هذا الصيف.

رموز مسيحيّة

كان البنك المركزي السلوفاكي يعتزم اصدار اليورو التذكاري بمناسبة مرور 1150 عامًا على وصول المسيحية الى سلوفاكيا. ويظهر في تصميم اليورو التذكاري كاهنان بيزنطينيان تكلل رأسيهما هالات وتطرز رداء أحدهما صلبان في محاولة للفت الانتباه الى رموز المسيحية التي تشهد انحسارًا مطرداً في اوروبا.

نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن اسقف العاصمة السلوفاكية قوله: "هناك حركة في الاتحاد الاوروبي تريد حيادًا دينيًا مطلقاً ولا يمكنها أن تقبل تقاليدنا المسيحية".

العلمانية مقابل الرموز

أشار الأسقف زفولينسكي الى تصاعد مد العلمانية في وقت تسعى اوروبا الى بناء هوية مشتركة.

ولاحظ مراقبون أن الدين اصبح مصدرًا آخر للانقسام في اوروبا الى جانب التفاوت بين الاقتصادات القوية مثل الاقتصاد الالماني والاقتصادات المأزومة مثل الاقتصاد اليوناني.

ويتبدى هذا الانقسام بين اوروبا الغربية العلمانية في الغالب من جهة، ودول للكنيسة نفوذ واسع فيها، مثل بولندا في اوروبا الشرقية من جهة أخرى، ودول تجد نفسها منقسمة جغرافيًا ودينيًا بينهما مثل سلوفاكيا.

المفوضية الاوروبية: "عميلة الشيطان"

وتتعرض المفوضية الاوروبية المسؤولة عن الجمع بين تطلعات الاوروبيين الى انتقادات من كل الجهات، حيث يندد بها العلمانيون لتواصلها مع الدين على ضعف هذا التواصل وينتقدها الاصوليون المسيحيون بوصفها عميلة الشيطان.

وقالت المسؤولة عن التواصل مع المعسكرين في المفوضية الاوروبية كاترينا فون شنورباين لصحيفة نيويورك تايمز: "أستطيع ان أُؤكد لكم أن المفوضية الاوروبية ليست مناهضة للمسيح".

وتعجّ القارة الاوروبية بمعالم المسيحية ورموز سطوتها في الماضي. وتنتشر في تضاريس بلدانها الكنائس المقفرة في الغالب اليوم والأديرة التي تبدو مهجورة.

وتعود جامعات اوروبية عديدة في جذورها الى فترة صعود الكنيسة في القرون الوسطى. وما زال شعار العديد من دول اوروبا ونشيدها الوطني يعلن الايمان بالله.

وحتى علم الاتحاد الاوروبي الذي تتوسطه دائرة من 12 نجمة على خلفية زرقاء يحمل رسالة مسيحية مشفرة، فإن الفنان الكاثوليكي الفرنسي ارسين هاينز الذي صمم العلم عام 1955 استلهم فن الايقونات المسيحية في تصوير العذراء وهي ترتدي تاجًا من 12 نجمة. وتظهر النجوم الاثنتي عشرة على عملة اليورو.

ابعاد الدين عن مراكز القرار

مشروع الوحدة الاوروبية منذ بدايته سعى الى إبقاء الدين والعواطف التي يمكن أن يؤججها بعيدًا عن مراكز صنع القرار.

معاهدة روما عام 1951 والاتفاقيات التي قام الاتحاد الاوروبي على اساسها لا تأتي على ذكر الله أو المسيحية.

وتتجاهل المفوضية الاوروبية مصدر الهام الفنان الفرنسي الذي استوحى ايقونات مريم العذراء في تصميم علم الاتحاد الاوروبي قائلة إن النجوم "ترمز الى الوحدة والتضامن والوئام بين شعوب اوروبا".

وقالت غودرون كوغلر مديرة مرصد مكافحة اللاتسامح والتمييز ضد المسيحيين في فيينا "إن هناك ريبة عامة بكل ما هو ديني ونظرة تقول بإبعاد الدين عن المجال العام".

ولفتت الى وجود تيار علماني قوي قائلة إنه يؤثر في جميع الأديان ولكنه قوي بصفة خاصة ضد المسيحية بسبب الرأي القائل "إن المسيحية حكمت قرونًا عن غير وجه حق ويجب وضعها في مكانها".

عداء للمسيحية

ونفت المسؤولة عن العلاقات بين المتدينين والعلمانيين في المفوضية الاوروبية كاترينا فون شنورباين وجود أجندة معادية للمسيحية في المفوضية.

وقالت إن الاتحاد الاوروبي كثيرًا ما يُتهم بمحاولة الغاء الدين ولكن هذا ليس صحيحاً. وأضافت: "نحن نتعامل مع من لهم دين ومع من لا دين لهم".

وتُلزم معاهدة الاتحاد الاوروبي المفوضية الاوروبية باستشارة الجماعات الدينية والعلمانية على السواء. وفي هذا الشأن قالت فون شنورباين إن المفوضية تعلق أهمية كبيرة على هذا الحوار الذي اعتبرته "فريداً" بالنسبة لهيئة دولية مثل المفوضية الاوروبية.

وقالت دائرة الشؤون النقدية والاقتصادية في المفوضية الاوروبية التي أمرت سلوفاكيا بإعادة تصميم اليورو التذكاري دون صلبان أو هالات إنها ليست ضد هذه الرموز ولكنها طالبت بإزالتها لمصلحة "التنوع الديني" بسبب شكاوى دول تستخدم اليورو ايضًا.

صلبان اليورو

وقادت الحملة ضد صلبان اليورو التذكاري وهالاته فرنسا التي تفرض فصلاً صارمًا بين الدين والدولة معترضة على ظهور رموز مسيحية على اليورو السلوفاكي لكونه عملة معتمدة في فرنسا.

كما احتجت اليونان لأنها تعتبر الكاهنين سيريل وميثوديوس، اللذين يظهران على العملة، جزءاً من تراثها هي.

واعلن رفائيل رافاي زعيم الحزب القومي السلوفاكي اليميني المتطرف أن الاتحاد الاوروبي خاضع لسيطرة الشيطان أو أنه ذو نزعة شيطانية.

واصبح الرأي القائل بأن الاتحاد الاوروبي يخدم الشيطان، موضوعاً رائجاً في اوساط الاصوليين المسيحيين الذين يشيرون الى رؤيا يوحنا في الكتاب المقدس كدليل على أن زوال الحدود القومية نذير بقرب يوم الدينونة.

لكنّ العديد من قادة الاتحاد الاوروبي سياسيون كاثوليك مؤمنون مثلهم مثل غالبية مؤسسي الاتحاد بمن فيهم اول مستشار الماني بعد الحرب كونراد اديناور.

وتعتبر المستشارة الحالية انغيلا ميركل، التي كان والدها قسًا، من المدافعين الأشداء عن المسيحية. وقالت لأنصارها القلقين من تزايد عدد المسلمين "ليس لدينا الكثير من الاسلام بل لدينا القليل من المسيحية".

ولكن الجهاز البيروقراطي للاتحاد الاوروبي في بروكسل لا ينظر بارتياح الى الدين، بحسب الباحث في جامعة آستون البريطانية لوسيان لوستين.

ويعود هذا، من بين أسباب اخرى، الى صعود جماعات علمانية حسنة التنظيم تتلقف كل ما يوحي بتفضيل المسيحيين على الأديان الأخرى أو على غير المؤمنين لفضحه ومهاجمته.

ولكن الباحث لوستين قال إن السبب الأكبر هو التغيير الذي حدث في التركيبة السكانية وفي مواقف الاوروبيين انفسهم.

إذ ينخفض ارتياد الكنيسة في عموم اوروبا مع تراجع الايمان بالله.

عودة التديّن

والديانة التي تنمو بأسرع الوتائر هي الاسلام. وفي بريطانيا اظهر استطلاع أُجري العام الماضي أن من يؤمنون بوجود مخلوقات من الفضاء الخارجي اكثر من المؤمنين بالله. وفي الاتحاد الاوروبي عموماً اظهر استطلاع أُجري عام 2010 أن نحو نصف السكان يؤمنون بالله مقابل 90 في المئة في الولايات المتحدة.

وتوقع زفولينسكي، اسقف العاصمة السلوفاكية براتسلافا، أن تنهار الوحدة الاوروبية إذا لم يمنح الاتحاد الاوروبي موقعًا أكبر لله في مؤسساته وقراراته. وقال "إن الدين يجب أن يكون القوة الداخلية للاتحاد".

في غضون ذلك قرر البنك المركزي السلوفاكي الاصرار على تصميمه الأصلي لليورو التذكاري وصرف النظر عن سك عملة بلا صلبان أو هالات، كما طالبت المفوضية الاوروبية.

وقبلت المفوضية بذلك وستصدر العملة التذكارية في تموز، متأخرة شهرين عن الموعد الأصلي.