هل انزلاق القرم هو الأول من نوعه ضمن سلسلة طويلة؟

بقلم تييري ميسان
بعيدا عن نحيب الغرب على انضمام شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي, فإن الرهان الحقيقي بالنسبة لهم يتمحور حول معرفة فيما إذا كان هذا الحدث يتيما, أم أنه نذير بانزلاق بلدان أوروبا الشرقية نحو موسكو, بعد أن تيقنت من أنه ليس لدى بروكسل ماتقدمه لهذه البلدان سوى العبودية لبروقراطيتها, الأمر الذي جعل الأخيرة تخشى من أن ينجذب أعضاؤها نحو حرية وأموال موسكو.


يصرخ الغرب بمليء رئتيه وهو يشجب قيام موسكو "بضم شبه جزيرة القرم عسكريا" إليها.وفقا للغرب فإن موسكو العائدة إلى "نظرية بريجنيف", لا تهدد بانتهاك سيادة الدول الأعضاء سابقا في الاتحاد السوفياتي فحسب, بل تهدد أيضا دول حلف وارسو, وتستعد لاجتياحها, تماما كما فعلت في هنغاريا عام 1956, وفي تشيكوسلوفاكيا عام 1968هل هذا صحيح؟من الواضح أن قادة الغرب أنفسهم غير مدركين لفداحة الخطر المحدق بهم. علاوة على ذلك, فقد فرضوا عقوبات نظرية على بعض القادة الروس- وكذلك قادة القرم- تجلت في تجميد حسابات مصرفية في حال رغب هؤلاء بفتح حسابات في مصارف غربية, ومنع سفر في حال استبد بهم الشوق لزيارة دول الغرب !.ماالذي يجري بالضبط؟يجب أن نعرف بأن الولايات المتحدة لم تتوقف يوما, منذ سقوط جدار برلين عام 1989, بدفع دول أوروبا الشرقية, بلدا إثر آخر-باستثناء روسيا- للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.مع ذلك, فإن "الأمور الحسنة في خواتيمها" كما يقال. قوة حلف ناتو وواجهته المدنية, أي الاتحاد الأوروبي, يتعثران.بالتأكيد لم يكن عدد أعضاء الحلف بقدر ما هو الآن, وفي المقابل, لم تكن جيوشه فاقدة للفعالية كما هي الآن. لم تعد هذه الجيوش الجرارة قادرة على التفوق إلا في مسارح عمليات عسكرية صغيرة كأفغانستان, وأضحت أعجز من أن تدخل في حرب ضد الصين أو ضد روسيا, ولولا يقينها من خسارة الحرب ضد سورية لكانت دخلتها كما رأينا جميعا صيف العام الماضي.كان يمكن لسكان شبه جزيرة القرم, لو أجري الاستفتاء قبل عشرين عاما, أن يصوتوا ضد انضمام بلدهم لروسيا. أما اليوم فقد تأكد لهم أن موسكو تضمن حريتهم بشكل أفضل بكثير من كييف التي تشكلت حكومتها من ثلث من النازيين وثلثين من الأقليات.فضلا عن ذلك, فقد سد مصرف روسيا على الفور العجر في اقتصاد القرم المفلس, بينما بشرت كييف بحقبة طويلة من الفقر على الرغم من قروض صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.الحرية والرخاء, اللذان كانا عدة الشغل لدى الغرب طيلة سبعين سنة خلت, يبدو أنهما قد غيرا معسكرهما.لهذا السبب فإن استقلال القرم وانضمامها إلى الاتحاد الروسي يسجل عودة التوازن. فلأول مرة يقرر أحد شعوب الاتحاد السوفياتي السابق بمليء ارادته الاعتراف بسلطة موسكو عليه.جل مايخشاه الغرب الآن هو أن يكون هذا الحدث مشابها لسقوط جدار برلين, ولكن في الاتجاه المعاكس.لاشيء يمنع من أن نرى لاحقا دولا أعضاء في حلف ناتو كاليونان, أو في الاتحاد الأوروبي, كقبرص, تتبعان نفس المسار؟لو حصل ذلك, فإن المعسكر الغربي سيتفكك, وسوف يغرق في مرحلة ركود عميقة, كما حصل لروسيا في عهد يلتسين.لهذا رأينا وزير خارجية ألمانيا, فرانك فالتر شتاينماير يتباكى حسب زعمه, على قيام روسيا بشطر أوروبا إلى قسمين.من المؤكد أن روسيا قد تخلصت تماما من ديكتاتورية الاتحاد السوفييتي وبيروقراطيته, ولا تنوي البتة اعادة نصب الستار الحديدي. الولايات المتحدة هي من يسعى الآن لشطر أوروبا إلى قسمين كي تتفادى نزيف الانزلاق نحو الشرق.
تييري ميسان
ت هلال الشريفي
شبكة فولتير