بيان المعارضة

بقلم تييري ميسان
في حين تفاوض واشنطن بيد في جنيف, تحضر باليد الأخرى عملا عسكريا ضد سورية. ومهما كان تسلسل الأحداث, فإنها ستنجح بدفع بيادقها, بشكل أو بآخر, إلى مواقع متقدمة. هذا لأن الحرب لاتكلف واشنطن شيئا, فالذين يقتلون هم السوريون. وفي سعي منها لكسب مزيد من الوقت, وضعت بتصرف الدبلوماسيين بيانا مقدما من قبل "المعارضة". غير أن البلاغة التوافقية تخفي وراءها, على الأقل, ثلاثة أفخاخ, يحاول تيري ميسان أن يفندها.


البيان المقدم من "المعارضة" لمؤتمر جنيف2 يصف بداية, ماينبغي أن تكون عليه هيئة الحكم الانتقالي: من المفترض أن تكون حيادية, شاملة, مسالمة, وضامنة لوحدة أراضي البلاد. كما من شأنها أن تعمل على خلق بيئة مواتية للشعب السوري كي يضع, بنفسه, دستوره, ويعين مؤسساته.بيد أن المشكلة الأولى في هذا "البيان" هو أنه يتعارض مع ممارسات الجماعات المسلحة. ففي حين يعبر الائتلاف الوطني عن نفسه بلغة ديمقراطية, نجد أن الجماعات التي تقاتل على الأرض لم تتوانى عن ذبح الأقليات والسعي إلى فرض أسس نظام سلفي على المجتمع السوري.لاشك أن غالبية هذه المجموعات المسلحة لاتعترف بسلطة الائتلاف عليها, لكن الأخير لايملك شرعية غير أفعال المسلحين على الأرض.المشكلة الثانية في هذا "البيان" تكمن في الطريقة التي تم بموجبها تحديد هيئة الحكم. إذ أن واشنطن ترغب بفرضه, تماما كما فعلت في عدة بلدان أخرى. في هذه الحال, فهي تتصور مؤتمر جنيف2, كحال مؤتمر بون حول أفغانستان : قد تتفاوض القوى العظمى فيما بينها إذن, وتنتج كرزاي سوري.على النقيض من ذلك كله, لاتتوقف دمشق عن التذكير بالبيان الختامي لجنيف الذي ينص على " أحقية الشعب السوري بتقرير مستقبل بلده".في المحصلة, لاينبغي استفتاء الشعب على الدستور الجديد فحسب, بل من غير الممكن تطبيق نتائج جنيف2 دون أن يصادق عليها الرئيس الأسد, الذي تعهد بعرضها على الاستفتاء.أما المشكلة الثالثة في هذا "البيان" فهو أنه يشرع "لثورة ملونة" في المستقبل.جميعنا يعرف أن الحرب في كوسوفو انتهت بوقف لاطلاق النار, متبوعا بانتخابات في صربيا. ومن خلال حملة نفسية حاذقة, تمكنت "سي.آي.ايه" من ايصال مرشح موال للولايات المتحدة غلى سدة الرئاسة. ثم قامت باعتقال سلوبودان ميلوزوفيتش وحكمت عليه في لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية. ونظرا لأن المحكمة لم تتمكن طيلة عامين من العثور على أي دليل يثبت التهم الموجهة من قبل الادعاء, فقد تم اغتيال ميلوزوفيتش في زنزانته.ينطوي "اعلان" المعارضة على تناقض مذهل : فهو يؤكد على وجوب انتشار الأمم المتحدة, منذ بدء المرحلة الانتقالية, في عموم البلاد, وعلى بقائها خارج العملية الانتقالية في وقت واحد.بدلا عن ذلك, فهو –أي البيان- يؤكد على أن الاشراف على العملية الانتقالية يقع على عاتق "المنظمات المستقلة للمجتمع المدني الدولي".يطلق على هذه المنظمات, في وسط وشرق أوروبا, اسم فريدوم هاوس (بيت الحرية) , أو أوبن سوشيتي فاونديشن (مؤسسات المجتمع المفتوح), أو نيد (الوقف الوطني للديمقراطية). ترتبط المنظمتان الأوليتان بالولايات المتحدة واسرائيل مباشرة. في حين أن الثالثة ليست قطعا جمعية مجتمع مدني, إنما هي هيئة تشترك فيها الحكومات الأمريكية والبريطانية والأسترالية, تم انشاؤها بمبادرة من رونالد ريغان بهدف توسيع نشاط (سي.آي.ايه ) إثر الفضائح التي اندلعت في سبعينيات القرن الماضي. ليس "لمنظمات المجتمع المدني" هذه من وظيفة سوى انفاق مليارات الدولارات في أي مكان يسمح بشراء النخب الفاسدة, وكذلك الدول.فضلا عن ذلك, نص "البيان" على أن هيئة الحكم الانتقالي ستضع آليات من شانها تحميل المسؤولية "لكل شخص ارتكب انتهاكات لحقوق الانسان وللقوانين والعدالة الدوليتين". الأمر الذي يفضي إلى اعتقال ومحاكمة الرئيس الأسد في لاهاي أثناء المرحلة الانتقالية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية. هذا الاجراء سيفضي حتما إلى ما انتهى إليه الرئيس الصربي ميلوزوفيتش.لايزال هناك الكثير, الكثير مما ينبغي مناقشته في جنيف
تييري ميسان