بسم الله الرحمن الرحيم
إلى أستاذي الجليل بالجامعة
استوحيت كل هذه الكلمات من الخيوط المشعة التي أرسلها أسلوبكم إلى قريحة طالبكم المبتدئ ، الذي يسعى لطلب العلم بشغف وبقلب ملؤه حب ديننا الحنيف "الإسلام " تلكم الأسلوب الشيق في موضوعكم المتكامل الذي تناول موضوع الهجرة إلى أوربا من كل جوانبه، إلى حد الخيال الذي أعدم، فاضطرني كل هذا وذاك إلى الرد والتعليق في ذات الآن الذي تصفحت فيه موقعكم الجاد في أفكاره وأهدافه، متخذا لي بصمة باسمي في موقعكم على الإنترنيت ،واليوم أضع مقدمة لذات التعليق وأغير بعض عباراته وكلماته وفقراته ، ليسهل عليكم تناوله كموضوع لطالب يتناول موضوعا لكم بالمناقشة والتحليل والخجل يعلو محياه ،فمعذرة إن كنت قد أخطأت أو أطنبت .

فحين بدأت بقراءة موضوعكم الشامل والجامع لكل أنواع المعاناة ، شدني الحنين إلى هذا الطائر الغريب الذي فضل أن يطير خارج سربه المعتاد واعذرني أستاذي إن كنت قد تناولت موضوعا من مواضيع في موضوع من مواضيعكم الرائدة بهذا الأسلوب الذي اعتدت أن أعبر به لمن يستطيع أن يعصف بذهني بأفكار جديدة وجريئة لا يخوض فيها إلا العارفون أمثالكم . وأستطرد في كلامي فأتابعه هكذا : كان بين غرباء فأنجب طيورا هجينة لا هي هنا ولا هناك ،ولكن وطنها الأم هو ذاك وهنالك ،لا الذي تبتغيه وخططت له وتمسكت بالعودة إليه ، شدني الحنين للوطن الذي احتضنك وشدني الحنين لصوت الأذان الذي لم تعد تسمعه منذ تردد على مسمعك أول يوم ولدت فيه صبيا بصرخة بريئة ، وحين كنت ترى أباك يتردد على المسجد كل يوم وفي كل وقت من أوقاته ،لتجد نفسك لا تجد فرصة حتى لتقول أنا ذاهب للمسجد لتأدية الصلاة ، أو حان الوقت لأوقف عملي برهة من الزمن، لأتوضأ وأذهب للصلاة كما كان أبي يفعل حين كان يذر البيع ويغلق دكانه ليبادر للصلاة ، هذا المسلك الذي كان يرتضيه لي أبي مسلما مؤمنا ، لم استطع أن أعيش حلاوته في ظل الإيمان الذي يلازم المصلي المسلم في كل وقت وحين ، وجدت أنني أتجرد من كل شيء و أسلب كل شيء هو أقرب إلي ومن إنسانيتي من حبل الوريد ، وجدت هذه الأسطر البريئة التي تشق طريقها نحو الكتابة حول مواضيع تضمن موضوعات من إبداعكم ، مواضيع تؤرق الناس والمجتمع ،وتؤرق المغتربين ومن حرمتهم الهجرة أبسط الحقوق حين وجدوا أنفسهم هناك يتجردون من هويتهم وحقوقهم وعاداتهم وتقاليدهم بل حتى من تعاليم دينهم ، تحركهم أيادي خفية ليجدوا أنفسهم كالدمى أو" كراكيز" تتحرك بهوى صانعيها أو مشغليها والغرض الذي يتمثل لهم من خلاله أن تكون لا شيء، سوى جسما بساعد قوي كما عد العبيد من قبل أنهم لا يمثلون شيئا في غياب سواعدهم القوية، فما عانى منه هؤلاء العبيد تعيده أنت من تلقاء نفسك وعن طواعية منك، فهاجرت إليهم كالحمل الوديع الذي ينساق إلى الجزار لا يعرف أن لحمه عند البشر ألذ من وداعته .
جراح عميقة جدا أن تجد بناءك كان وهما، وخطتك التي اتخذتها في حياتك كانت قشة فوق ماء راكد ،كلمات في فقرات جارفة حين يتمثل لك الواقع حقيقة بعد فوات الأوان ،بعد أن وهن العظم واشتعل الرأس شيبا ،بعد أن نال منك الزمان ،واحتلت كيانك وكيان فلذات كبدك ثقافة غربية لا مجال للإفلات منها في ظل تربية شملت كل شيء فيهم ،تدينهم، ولسانهم المكبل بلغة من يحسبون أنهم خير الناس ولا هم كذلك بل هي عقدة الإستعلاء التي جعلتهم غافلين عن حقيقة تتقرر يوما بعد يوم ، هم كذلك ونحن منجرفون إلى حيث لا نريد ولكننا نجري وراء أوهام، حين نرى أننا نحقق المستحيل في التشبه والتقليد حتى هاجرنا إلى هناك وحين هاجرنا ونحن هنا في أوطاننا، هاجرنا في كل شيء محيط بنا حين نعيد رسم ما رسموا وننتهج ما نهجوا، فلا سبيل إلا سبيلهم ،ولا معرفة حقيقية إلا نبراسهم الذي نحسبه وهاجا يوصل إلى التي هي أقوم وأصلح ، لا فائدة من كل هذا وذاك إذا كان الوطن الذي نعيش فيه سيظل ينادينا في أحلامنا ويقظتنا ما دمنا أحياء ،حين العودة ،هل سنعود سويا ؟ أم سأعود وحيدا تغمرني الحيرة والعجز فيما صنعت وما فعلت ، حين كنت أساهم في غرس شجرة بذرتها مسوسة ،وحين تم سقيها من نبع ما كان لها أن تسقى منه لولا الحاجة الملحة للعمل و للتباهي هنا على مقربة من أبناء الحي الذي ترعرعت فيه حين كان يشدك العناد والفكرة العمياء نحو علو في مرتبة ليست بالدائمة، بل هي بضعة من سنين زائلة وذاهبة بكل جميل، كنار حين تصل أوجها تأتي على كل شيء ،لا تفرق بين الأشياء التي تذوب أو التي تتحول إلى رماد ،انصهار وذوبان واحتراق ونواتج لم تحافظ على المتفاعلات ،فصارت حياته بداية رآها وأرادها، وحسبها جميلة ،فكانت نهايتها أتعس مصير قد يجنيه الإنسان في حياته ،كنت أعرف أن الطيور المهاجرة ،تعود إلى أوطانها الأصلية مع فراخها الحديثة العهد، لكن تغير الأمر ولم يعد الصغار يرغبون في العودة حين اعتادوا على التغيرات المناخية، واكتسبوا المناعة من تربية تضمنت عناصر العداء بلا انقطاع وبلا هوادة ،اعتادوا على كل شيء هناك .اليوم تعود لوحدك ،لتنجو ببدنك كالفرعون، قبل أن تصاب باكتئاب في ظل البكاء على الماضي الذي أمضيته هناك ،حين قبلت أن تعيش في كنف زوجة ممن تجدر في كيانها حب وطنها ، لم تكن ها هنا حين جعلتها حرثا لك ،فأعطتك ثمارا من نبتة تعيش في بيئتها دون بيئة أخرى، تسقي فروعك إثر ما فعلت العلمانية والمسيحية والأفكار المعادية للإسلام . أقول لك حين تعود إلى بلدك يلزمك أن تركب قرصا صلبا آخر لتركيب نظام جديد بعد ان تأتي على نظامك الذي ركبته هناك، حيث تراءى لك انه لم تعد لك حاجة به حين كانت الجرثومة تتوالد يوما بعد يوم لتجردك من كل شيء ، بناء عال في بلدك أقمته ، من يسكنه غيرك بعد اليوم ؟ لمن أقمته ؟هل تقبل أن تعيش فيه سجينا مدى الحياة ؟ هل تقبل أن تعطي كل شيء ولا تأخذ أي شيء قد ينفعك أو ينفع وطنك أو أهلك من العائلة الكبيرة ؟ فعلا شيء مؤسف أن ترى كل شيء يتهاوى وأنت تنظر إليه ولا تستطيع أن تحرك ساكنا ،كل هذا يبقى بناء عشوائيا جائرا على كل شيء حين لم تستطع التخطيط، وحين جرتك البداهة الجريئة التي لم تكن منطلقة من عقلنه حقيقية نحو كل سام ونبيل ،حين حملت نفسك فوق قطعة من نار تنتظر أن تحترق بها في أية لحظة وحين ، حين تناسيت كل شيء في سبيل لا شيء ،حين غرتك المناظر المزيفة والعيش الذي حسبته رغيدا هناك ،حين اختلط عليك كل شيء وأنت في عنفوان الشباب ،حين حسبت الشباب دائما والقوة ملازمة لك ،حين رأيت الحياة يسيرة هناك وهي على كف عفريت مارد سيسلبك كل جميل ، حين يريد ذلك وحين لن تكون مستعدا لتقبل بذلك ،حين ينتهي كل شيء وتعود إلى نقطة البداية كأن لم تفعل أي شيء ،تركت أيها الطائر فراخك وأتيت والنحيب يلازمك ، أتيت والأجنحة التي حملتك منكسرة لا تقدر على حملك بعد أن هرأتها عوادي الزمان وسنوات العمل المجهد نحو لاشيء إلا إشباعا لرغباتهم، ودعما لهم وطمسا لمعالمك ،ومعالم دينك وهويتك ،وها أنت على الجمر تتقلب على مرأى ممن أصبحوا ماثلين أمامك كالغرباء ، حين رفضت العيش بينهم ليحيق بك المكر من كل جانب ،ويرديك جثة هامدة بلا حول ولا قوة .