هي قصة أسطورية بطولية من القرن الحادي عشر أو الثاني عشر، تندرج ضمن مجموعة المنضدة المستديرة، خلدتها أوبرا الموسيقي الألماني فاجنر بهذا الاسم (1) .
ولتريستان وإيزولد روايات عديدة، افتتن فيها شعراء العصور الوسطى في مختلف البلاد واللغات الأوربية، والنص الأصلي مفقود، وإنما بقيت ترجمات، وصلتنا منها أربع كاملة: هي الرواية الفرنسية أو النورماندية، بالنثر، وتنسب عادة إلى لوي، سيد جاست بالقرب من سالسبوري، والمؤلف يقول أنه ترجم هذه القصة من اللاتينية بأمر هنري الثاني ملك انجلترا.
والثانية هي الرواية الألمانية، وهي الأخرى بالنثر، ويظهر أنها قامت على الرواية الفرنسية.
والثالثة بالشعر، وتنسب إلى جود فروا من استراسبورج، أحد مشاهير شعراء الغرام (المنيسنجر) في القرن الثاني عشر.
والرابعة بالشعر أيضاً من نظم توماس من أرسلدون، وباللغة الاسكتلندية، وتتألف من مقطوعات كل منها تتألف من أحد عشر بيتاً.
وإلى جانب هذه الروايات الكاملة توجد شذرات عديدة من روايات أخرى، بعضها بالشعر والآخر بالنثر،ونظم كرتيان دي تروا، رواية كاملة ضاعت كلها(2).
__________________________
(1)
انظر: ريتشارد فاجنر ، أوبرا تريستان وإيزولدا ، ترجمة بدر توفيق ، دار الهلال ، مصر،1991 ، ص17_24.
(2)
عبد الرحمن بدوي، دور العرب في تكوين الفكر الأوروبي ،وكالة المطبوعات ،الكويت ،ودار القلم، بيروت ط3، 1979.، ص90.
ووجدت رواية بروفنسالية كثيراً ما يشير إليها الشعراء (التروبادور) في القرنين الثاني عشر، والثالث عشر.
وبعض الدارسين يزعمون أن لهذه القصة أصلاً تاريخياً، وأن تريستان قائد شهير عاش في منتصف القرن السادس الميلادي، وكان أحد الأمراء الثلاثة المتوجين هو وجوايروكاي.
وآخرون يزعمون أنه كان شاعراً جوالاً من بلاد الغال (ويلز) في غربي انجلتره ومن تلاميذ مردين، وكان أيضاً في بلاط الملك آرثر وعاش في سنة 520م.
وقد نشر فرانسو ميشيل ما بقي من تأليف بيرول وتوماس (لندن سنة 1835_1839 في ثلاثة مجلدات)، ثم جاء جوزيف بدييه، فنشر ما تبقي من روايات لقصة ترستان وايزولده بعنوان “ترستان وايزولت” (باريس سنة 1900).
و اتجه البحث إلى الكشف عن إمكان وجود مصدر شرقي لهذه القصة فقام ايتيه Ethe في كتابه: “مقالات ودراسات” (ليپتسك سنة 1872 ص 295 وما يليها) بدراسة العلاقات بينها وبين الملاحم الايرانية وقفي عليه ايتالو بتسى بمقال في “مجلة إيطاليا” (ج 14 ص5 _ 21) عنوانه: “الأصل الفارسي لقصة ترستان وايزولده” فيه أكد وجود أصل ايراني لها.
وقام ر. أتسنكر فبين التشابه بين هذه القصة وقصة “ويس ورامين” الايرانية. وأيدهم ى. أسترزيجوفسكي في مقال بالمجلة البيزنطية (ج19 ص658)، وقال: “أن الاتفاق بين الاثنين يستبعد الصدفة ولا يمكن تفسيره إلا بافتراض أخذ الرواية الأولية لتريستان من القصة الايرانية في القرن الحادي عشر أو أصلها الأقدم منها”.
وجاء س. زنجر S.singer في بحث له نشر في “أعمال الأكاديمية البروسية للعلوم” (سنة 1918، قسم الدراسات الفيلولوجية التاريخية برقم 13) فاكتشف أن الصورة الأولية لقصة تريستان، وهي حكاية إيزولت ذات اليد البيضاء، موجودة في كتاب “الأغاني” لأبي الفرج الأصفهاني(1).
وقصة تريستان كما تذكر لاساتير هي إحدى الرومانسيات المتصلة بقصص الملك آرثر ، وهي مثل طيب للموضوعات الكلتية التي جرى تطويرها في فرنسا وصياغتها في رومانسية آرثرية .
ومع ذلك ،ففي بعض مراحل تطور القصة ،دخلتها عدة ثيمات شرقية انتشرت عن طريق الصلات بين جنوبي فرنسا وإسبانيا .
وكانت قصة تريستان معروفة جيداً للتروبادور البروفنساليين والقطلونيين ، وهم يذكرونه في قصائدهم أكثر من أي شخصية آرثرية أخرى” (2) .
__________________________
(1)
عبد الرحمن بدوي، مرجع سابق ، ص91_93.
(2) ALICE E ,Lasatyer ,spain to England , university press of Mississippi, 1974 ,p57.

وتقول هيلين نيوستيد Helaine Newsted في حديثها حول أصول أسطورة تريستان وتطورها : “إن الإسطورة المركبة التي وصلت إلى واضعي الرومانسيات في أواخر القرن الثاني عشر قد تضمنت _لا الأعراف الكلتية فحسب _بل وأيضاً عناصر من مصادر متنوعة كالقصص الفولكلوري ، والرومانسيات العربية ، والقصص الشرقية المتعلقة بالاحتيال والخداع ” (1) .
وأشارت الباحثة إلى المشاهد ذات المسحة الشرقية في هذه الرومانسية ،التي يتبدى بعضها في حكايات ألف ليلة وليلة ،مثل اللقاء الذي تم بين تريستان وإيزولت تحت إحدى الأشجار ،حين يشعران بوجود من يراقبهما فيتعمدان الحديث في موضوعات بعيدة عن الحب حتى لا يشك الرقيب في وجود علاقة بينهما .
وثمة مشهد شرقي آخر حين تقسم إيزولت أنه لم يطوقها أحدٌ بيديه أبداً سوى زوجها والحاج الذي حملها من فوره إنقاذاً لها ؛ ولم يكن ذلك الحاج إلا تريستان متنكراً .
كذلك لا يمكن إغفال التوازي بين زواج تريستان من امرأة تحمل نفس اسم إيزولت ، وهو نفس ما حدث في القصة العربية القديمة قيس ولبنى ،ففي الرومانسية العربية يجبر قيس في الانفصال عن لبنى فيتزوج من أخرى تحمل الاسم نفسه رغم عدم حبه لها ،وحين يمرض قيس ، يرسل في طلب لبنى ، ويموتان معاً في لقائهما الأخير(2) .
والتشابه بين الحبكتين أكثر من أن يكون مصادفة ، رغم الصيغة الغربية التي ألبست للقصة ، والابتعاد فيها عن أي أثر إسلامي ، والاستعاضة عنه بصور أخرى تتفق مع الواقع الغربي في العصور الوسطى(3) .

__________________________
(1)
See, Arthurain literature in the middle ages book , roger Sherman loomis , oxford university press ,1959,p129-133.
*
وهناك من يقيم علاقة مقارنة بين قصة تريستان وإبزولت ومجنون ليلى ، انظر: مجنون ليلى وتريستان ، ميكل، أندريه،ترجمة غسان بديع السيد،الأوائل ، دمشق، 2000،يقسم هذا الكتاب إلى ثلاثة أقسام (ظهور العشاق ص25- 38) و(عالم العشاق ص39-131) و(لغة العشاق ص133_148)، وعشرة فصول .
وانظر الدراسة الموسعة حول الموضوع :دنيس دو روجمون، الحب والغرب ، ترجمة عمر شخاخيرو ، منشورات وزارة الثقافة، دمشق ، 1972، أسطورة تريستان(ص11_63) ،وأصول الأسطورة الدينية(ص67_175) ،و هوى وصوفية(179_216) ، والأسطورة في الأدب( ص219_305)، والحب والحرب (ص309_341) ، الأسطورة ضد الزواج(ص351_372) ، الحب الفعل أو في الإخلاص(ص379_408).

(2) See, Arthurain literature in the middle ages book ,Ibid , p131_132.
(3)

انظر تفصيل ذلك : حسن نافعة وكليفورد بوزورث، تراث الإسلام، مرجع سابق، ج2 ، ص25 _26 ، وانظر: أ.ل رانيلا الماضي المشترك بين العرب والغرب ،أصول الآداب الشعبية الغربية ، ، ترجمة نبيلة إبراهيم ، عالم المعرفة ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت ، يناير 1999 ، ع241 ، ص256.