النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: صيغ البسملة في معمار الرسائل العربية د. محمد بن العياشي / المملكة المغربية

  1. #1 صيغ البسملة في معمار الرسائل العربية د. محمد بن العياشي / المملكة المغربية 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Feb 2012
    المشاركات
    10
    معدل تقييم المستوى
    0
    صيغ البسملة (أو الحمدلة)
    في معمارالرسالة العربية
    ( عصر المرابطين والموحدين نموذجا)
    د. محمد بن العياشي وجدة / المملكة المغربية
    تستفتح الرسائل العربية بعدد من الصيغ الفنية، وفي مقدمتها البسملة التي انتهت إلى عصرالمرابطين والموحدين بهذه الصور "بسم([1])الله الرحمن الرحيم". وكان تقديم هذه الصيغة في الكتابة يعني التبرك بالابتداء بها، والتيمن بذكرها. اقتداء بالكتاب العزيز، وعملا بخبر "كل أمرذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع"([2])، أي ناقص غير تام. وقيل إن أول من كتب في أول الكتب بسمالله الرحمن الرحيم، سليمان عليه السلام، حين كتب لبلقيس كما أخبر تعالى عنها بقوله: (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم)(*).ثم كتبها النبي عليه الصلاة والسلام لما نزلت([3]).وتعد صيغةالبسملة([4]) أول العناصر وأهمها في بناء الرسالة العربية عموما،والرسالة المرابطية والموحدية على وجه الخصوص، وذلك بالنظر إلى دلالتها التاريخيةوالدينية العميقة، المستمدة من تصدرها لسور القرآن الكريم، وكتب النبي عليه الصلاةوالسلام، ودورها المؤثر في الرسائل الموجهة إلى الكفار. إلا أن هذا لا يعني وجوب اطرادها في كل الرسائل؛ وذلك لأسباب فنية ودينية؛ حيث كان المقام أو مقتضى الحاليدفع الكاتب إلى الاكتفاء بالحمدلة، باعتبارها تقوم مقام البسملة، أو يتحفظ علىذكرها؛ كما كان الأمر جاريا في بعض رسائل السلف؛ إما خـوفا على العبث بها، وإما لأن الموضوع لا يقتضي أي استفتاح أو تمهيد([5])، (كمخاطبة العابثين أو المشركين).ومن المفيدهنا أن نشير إلى أن هذه العبارة "بسم الله الرحمن الرحيم" قد مرت بعـدةتطـورات([6]) قبل أن تستوى على هذه الصورة ، وذلك انطلاقا من صيغتهاالجاهلية: "باسمك اللهم"([7])، مرورا بصيغها القرآنية " بسم الله "،و" بسم الله ما شاء الله "، و" بسم الرحمن" ثم أخيرا "بسم الله الرحمن الرحيم ". وقد أشرنا في مدخل هذا البحث إلى بعض نماذج الرسائل النبوية وما رافقها من ردود كفار قريش حول موقفهم من هذه الصيغةالإسلامية.هذا، بالنظرإلى هذه الصيغة وارتباطها بالقرآن وكتب النبي، فقد أصبح استعمالها مع الزمنامتيازا مرهونا بمقام صاحبها، حيث أصبحت مقصورة على الكتب الصادرة فقط من الأعلىإلى الأدنى، أو من ذوي المرتبة أو المنزلة الواحدة. أما إذا كانت الكتب صادرة منالأدنى إلى الأعلى فإن الكاتب مطالب بإخلائها من البسملة([8])، وينطبق هذا – بشكل ملحوظ – على رسائل المرابطين والموحدين.وإلى جانب التطور([9]) الذي عرفته صيغة البسملة، نشير أيضا إلى ما حظيت بها ألفاظها (باسم الله – الرحمن–الرحيم)، من شروح لغوية وفقهية([10])؛من حيث إعرابها واشتقاقها ودلالتها وخلفيتها العقدية والسياسية المرتبطة بالصراع الذي كان قائما بين الإسلام والشرك. ويهمنا هنا أن نستعرض بعض النماذج التي تبرز لنا مدى عناية المغاربة باستعمال هذه الصيغ الدينية التي ظلت مألوفة في رسائلهم على نحو ما نجده في رسائل المرابطين؛ ومن ذلك الرسالة الجوابية ليوسف بن تاشفين إلى ملوك الطوائف وزعيمهم المعتمد بن عباد، التي استهلها بالبسملة هكذا"بسم الله الرحمن الرحيم. من يوسف بن تاشفين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته..."([11]).وقد استمرت عناية المرابطين باستهلال الرسائل بالبسملة حتى عهد الحفيد تاشفين بنعلي بن يوسف بن تاشفين الذي استهل بالبسملةإحدى رسائله الموجهة إلى الأمير أبي زكريا يحي بن علي والي بلنسية وقاضيها ابنجحاف، قائلا:"بسم الله الرحمن الرحيم. صلىالله على محمد وآله وسلما تسليما. من أمير المسلمين وناصر الدين تاشفين بنعلي..."([12])ويظهر أن الافتتاح بالبسملة يقتصرعلى الرسائل الصادرة عن الأمراء المرابطين، في حين إن الرسائل المرفوعة إليهم كانت تنفتتح –عادة- بالدعاء بالطليقة أوالحمد، أو بالتعيين والدعاء([13])،وسوف نتطرق لدراسة هذه العناصر في المواضع التي يغلب ورودها فيها.هذا، وقد تواصل استهلال الرسائل بالبسملة في عهد الموحدين، وبخاصة في الرسائل الصادرة عن الخلفاء أو الولاة إلى منهم دونهم درجة. ومن نماذج ذلك رسالة الخليفة عبد المؤمن إلى ولده (والي اشبيلية)،حيث استهلها بقوله : "بسم الله الرحمن الرحيم صلىالله على محمد وآله وسلم، والحمد لله وحده، أعزكم الله وجعلنا وإياكم من الشاكرين لنعماه"([14])والاستهلال نفسه يطرد في رسالةالخليفة يوسف بن عبد المؤمن إلى أخيه السيد أبي سعيد وأصحابه الطلبة بقرطبة، ومطلعها : "بسم الله الرحمن الرحيم، صلىالله على محمد وآله وسلم، والحمد لله وحده، من الأمير يوسف بن أميرالمؤمنين..."([15]) ونلاحظ هنا اقتران البسملة بالحمدلة،وهو أسلوب من أساليب استهلال الرسائل الإسلامية التي تقرن بين الصيغتين أحيانا.ويعد ذلك مظهرا من مظاهر حسن الافتتاح الذي يجمع بين ذكر الله والثناء عليه.أما الرسائل المرفوعة إلى الخلفاءالموحدين فهي تخلو من البسملة أيضا، إلا أنه يتم تعويضها بديباجة طويلة من الدعاء للموحدين وتمجيدهم وتعظيمهم على عكس مقدمات الرسائل المرابطية التي تميل في الغالبإلى عدم الاحتفال بالديباجات المسهبة، وذلك انسجاما مع تواضع الأمراء المرابطين.والذي نستنتجه هنا هو أن الحفاظ على توظيف صيغة البسملة ما هو في الواقع سوى سمة من سمات الطابع الإسلامي لرسائل المرابطين والموحدين كما يتضح ذلك من مختلف عناصر التقديم والتمهيد.


    الهوامش:
    (
    [1]) لا تكتب بألف وصل هكذا (باسم)، وقد استغل أحد الشعراء وضعية هذا اللفظ منخلال أبيات ظريفة شبه فيها حرمانه من الأعطية دون رفاقه بوضعية (بسم الله) حيث قال: أفي الحق أن يعطى ثلاثونشاعرا ويخرج ما دون الرضى شاعر مثليكمـا تسامحـوا عمرا بواوزيادة وضويق "بسمالله" في ألف الوصـلانظر: إحكام صنعة الكلام للكلاعي (ت 543هـ):55، تح: محمد رضوان الداية، دار الثقافة، بيروت.
    ([2]) صبحالأعشى: 6/314.
    (* ) سورة النمل : 30.
    ([3]) صبحالأعشى : 6/314.
    ([4]) جعل الكلاعي منها ميزة فارقة حيث اعتبر "الاستفتاح ب : (بسم اللهالرحمن الرحيم) دليلا على فضل الكتابة على الشعر" إحكام صنعة الكلام : 39.
    ([5]) لابد من الإشارة هناإلى أن بعض الرسائل قد وردت خالية منالمقدمات، والسبب فيما أرجح لا يرتبط بالمقام، وإنما يعزى إلى كتاب المصادر الذينكانوا يحذفون مداخل الرسالة رغبة منهم في الاختصار. والطريف في هذا السياق أن أحدالأدباء يرى أن المقدمات تنفع أولائك الذين لا يعرفون كيف يسلكون إلى مراسيلهمطريق القلب الواضحة : "فتكلف ما يستغنى عنه عي، لا سيما إذا خوطب ذكيألمعي". انظر الذخيرة : 3/1/466.
    ([6])انظر: إحكام صنعة الكلام: 55.
    ([7])يقال أول من كتبها أمية بن أبي الصلت ، صبح الأعشى: 1/480 .
    ([8]) انظر كتاب المفتاح المنشا لحديقة الإنشا، لضياء الدين بن الأثير: 118، تح:عبد الواحد حسن الشيخ ، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، ط 1، 1990م.
    ([9]) انظر في تطور هذه الصيغة كتاب : الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابنهشام لأبي زيد عبد الرحمان السهيلي (ت 581هـ): 1/271، ط دار الفكر، بيروت.
    ([10]) تعددت الآراء الفقهية في شأن البسملة؛ فهناك من قال بأنها آية من الفاتحة،ومن كل سورة في القرآن . وهناك من اعترض على ذلك . كما اختلف العلماء حول قراءتهافي الصلاة . (انظر عن ذلك: شرح بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد القرطبي الحفيد (ت 595هـ) 65، تح: عبدالله العبادي، القاهرة، ط 1، 1995م).وذكر الكلاعي أنه خص البسملة بدراسة موسعة فيكتاب له بعنوان " حلية الفقهاء " انظر إحكام صنعة الكلام: 56.
    ([11])وفيات الأعيان: 4/15.
    ([12]) انظر مقال "نصوص سياسية: 10، رسائل أندلسية : 55، عصر المرابطينوبداية الدولة الموحدية: /548.
    ([13]) لابد من الإشارة هنا إلى أن الدعاء ليس قسما من أقسام الرسالة، ولكنهغالبا –ما يأتي بكثرة في الخاتمة والاعتراض.
    ([14])المن بلإمامة: 78.
    ([15]) عصرالمرابطين وبداية الدولة الموحدية، الرسالة 1، ص : 728.

    التعديل الأخير تم بواسطة د. محمد بن العياشي ; 01/03/2012 الساعة 08:39 PM سبب آخر: إضافة
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. مقال: العنوان في الرسائل العربية / د. محمد بن العياشي
    بواسطة د. محمد بن العياشي في المنتدى مجلة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 13/03/2012, 06:01 PM
  2. العنوان في الرسائل العربية / د. محمد بن العياشي / المغرب
    بواسطة د. محمد بن العياشي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12/03/2012, 10:20 PM
  3. مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 08/03/2012, 07:19 PM
  4. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04/03/2012, 06:18 PM
  5. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02/03/2012, 09:51 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •