بسم الله الرحمن الرحيم

( خاطرة ووجهة نظر )

الموضوع : أيهما أجدر بالأخذ بها (المسيحية أم النصرانية أو المسيحيون أم النصارى)
للجواب عنه نقول :
المسيحية تعني الانتساب إلى دين السيد المسيح – عليه الصلاة والسلام - , والنصرانية تعني الانتساب إلى النصرة لأنهم نصروا المسيح كما سمى أهل المدينة ( الأنصار) ومفرده نصير والأنصار والنصارى مشتقان من النصرة ومشتركان في دين واحد أيضاً وهو ( الإسلام ) كما سيأتي معنا أو البلد الذي عاش فيه المسيح وهو ( الناصرة ) أو( نصران ) وتنتسب إليها النصارى .
وقد جاء في القرآن الكريم أسماء له منها ( المسيح وعيسى ) قال تعالى مخاطباً مريم أم عيسى
( إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ... )آل عمران / 45
كما نجد ذلك في الآيات الكريمة التي وصف فيها المسيح أو عيسى في خمس عشرة سورة من سوره
وبالموازنة بين الكلمتين نجد أن النصارى خيرٌ لهم من المسحيين وأدق من وجهة اللغوية والتاريخية والمعنوية ذلك لأنَّ كلمة ( المسيحيين ) دخلت في التاريخ في العصور المتأخرة وقد كانوا نصارى أي أتباع السيد المسيح الذين آمنوا به واتبعوه ودخلوا في دينه وهو ( النصرانية ) من
( الحواريين ) والذين جاؤوا من بعدهم إلى عام ( 325م ) حيث عقد مجمع ( نيقيه ) برئاسة الملك قسطنطين الروماني الذي انتحل النصرانية ظاهراً وأخفى شركه باطناً واستطاع بقوته وحكمه وجبروته أن يصرف الناس أتباع السيد المسيح عن الوحدانية دين المسيح ودين الأنبياء من قبله كما هو دين ( محمد ) – عليهم الصلاة والسلام ) في ختام النبوات , قال تعالى : ( ما كان محمدٌ أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) رقم الآية .
و ( النصارى ) في القرآن هو اللفظ المذكور لا ( المسيحيون ) وكما هو خلال التاريخ أيضاً والقرآن أصح كتابٍ تاريخي للأنبياء وأممهم وسمي عيسى مسيحاً( [1]) والمنتسبون إليه مسيحيين فيما بعد , وسمى القرآن أتباع المسيح ( نصارى ) لا( مسيحيين )
كما قال تعالى : ( يا أيها الذين أمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله , قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ) الصف /14
وكان الأجدر بهم أنّ يسموا ( عيسويين ) نسبة إلى اسمه عيسى كما سميَّ اليهود ( مسويين ) نسبة إلى موسى فالمسيح صفة له كما يبدو من لفظه وهذه النسبة أي ( المسيحيون ) لا تتناسب مع تعاليمه وتعاليم الأنبياء الذين سبقوه فقد أرسل الله رسلاً وأنبياء كثيرين وجاء على ذكر اسم خمس وعشرين نبياً ورسولاً ثمَّ قال : ( منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ) ولم يحدث أن انتسب أتباعهم إليهم ولم نجد في التاريخ وسيرة الأنبياء والمرسلين ولا من تعاليمهم ابتداء من ( آدم ) – عليه السلام – وانتهاءً ( بمحمدٍ ) – عليه الصلاة والسلام – ثُّم مروراً بنوح وإدريس وإبراهيم أبي الأنبياء أن َّأتباعهم انتسبوا إلى أسمائهم أو أشخاصهم وذواتهم فما سمعنا ولا علمنا أنَّ أتباع ( إبراهيم ) – عليه السلام – سمو ( إبراهيميين ) أو أتباع إسماعيل ( إسماعيليين ) أو أتباع داود ( داوديين ) وهكذا إلى محمد-عليهم الصلاة والسلام– إذ لم يتسم أتباعه ( محمديين ).
ومما يجدر ذكره أن الأنبياء كلهم كانوا ( مسلمين ) بمعنى الإسلام العام أو بمعناه اللغوي الذي يعني إسلام الوجه لله والخلوص من الشرك وأهله وهو التوجه الكامل والخضوع التام لأوامره قال تعالى :( بلى من أسلم وجه لله وهو محسن فأجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )البقرة 112

وهذا الإسلام بهذا المعنى هو الذي كان عليه ( آدم ونوح وإبراهيم و النبيون ) من بعدهم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام فقد بعثهم الله جميعاً بالوحدانية والدعوة إلى عبادته دون شريك وإن اختلفت شرائعهم في الأحكام الفرعية وكان عليه أتباع الأنبياء من بعدهم منذ مولد البشرية .

قال تعالى : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إلك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) شورى / 131
وتأكيداً لهذه الآية الكريمة يقول عليه الصلاة والسلام : (( نحن الأنبياء إخوة أبناء علات الأب واحد والشرائع شتى ) أي الدين واحد وهو الإسلام ووحدانية الله تعالى وعبادته والشرائع مختلفة كما قال تعالى : ( لكل جعنا منكم شرعة ومنهاجا ) .
وتبعاً لهذا المعنى يقول الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وهو في الآخرة من الصالحين إذ قال له ربه اسلم قال أسلمت لرب العالمين ) البقرة / 130-131
ويقول تعالى عن إبراهيم وإسماعيل : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلِمَين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ) البقرة / 127-128
ويقول عن يعقوب وبنيه ( أم كنتم شهداء إذ حضرة يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم و إسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون ) البقرة /133 , ويقول عن نبيه يوسف بن يعقوب – عليهما السلام - ( ربِّ قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض توفني مسلماً وألحقني بالصالحين ) يوسف / 101
ويقول عن نبيه عيسى بن مريم ( يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون )الصف / 14
(( فالإسلام بهذا المعنى دين الأنبياء جميعاً ودين المؤمنين بالله ورسله من لدن آدم حتى يرث الله الأرض ومن عليها ويجب الإيمان بهم جميعاً دون تفريق بين نبي ونبي أو رسول ورسول من حيث النبوة والرسالة قال تعالى : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله لا نفرق بين أحدٍ من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) البقرة
ولكن الله تفضل على أمة محمد – عليه الصلاة والسلام – فخصها باسم الأمة المسلمة وباسم ( المسلمين ) تفضلاً منه سبحانه , قال تعالى : ( وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شاهداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس ) الحج / 78
وفي هذا التفضل من الله سبحانه وتعالى تكريم لهذه الأمة فكأنما تحقق فيها معنى الإسلام أكثر مما تحقق في أي أمة من قبل حتى استحقت أن تسمى ( المسلمين ) ولا عجب في ذلك والله سبحانه يقول تعالى في وصف هذه الأمة : ( كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) آل عمران / 110([2])
لذا أرى من – وجهة نظري – أن يدعى المسيحيون ( بالنصارى ) , فإنه أشرف وأدق وأشمل وأوفق للقرآن الكريم وللتاريخ لأنهم نصروا المسيح , وهذا شرف ما بعدوه شرف أن يوصفوا به من أن يتسموا ( بالمسيحيين ) مما يخالف تعاليم السيد المسيح ودعوته والهدف الذي أرسل من اجله فقد جاء داعياً إلى الله والإيمان به وتوحيده وعبادته لا الدعوة إلى ذاته أو نفسه لأنه ميت أو سيموت , قال تعالى لنبييه عليه الصلاة والسلام : (( إنك ميت وإنهم ميتون ... )) .
فالمسيح أو عيسى وجميع رسل الله وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام لا يدعون الناس إلى ذواتهم لأنهم فانون إنما يدعون إلى الله والإيمان به إله واحداً لا شريك له وعبادته والإخلاص فيها كما قال تعالى (( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين )) , أي إلى المبادئ والعقائد والأخلاق الصحيحة التي يورّثونها من بعدهم لذا قلت من الخطأ أن ينتسب الناس وأتباع الأنبياء والرسل إلى ذواتهم أو أسمائهم فهم دعاة إلى الله الخالق الحي الذي لا يموت ولا يزول وهو الحي القيوم وللاستدلال على هذا نقف وقفة قصيرة عند كلام أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – بعد أن علم بوفاة النبي – عليه الصلاة والسلام – فجاء مسرعا ودخل عليه وكان مسجى ببرده فرفع عن وجهه الغطاء وقبله وقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله , أما الموتة التي كتبت على ابن آدم فقد ذقتها ثم خرج إلى الناس وهم مدهوشون لوفاته – عليه الصلاة والسلام – بين مصدق لوفاته ومكذب فخاطبهم قائلاً : ( من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت ) ثم تلى قوله تعالى : (( وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسول أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين )) ثم يزودهم الله تعالى بكتب ومناهج للسير عليها والدعوة إليها فما من رسول إلا له كتاب عليه أنزل وإليه يدعو وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم منها أربعة أنزلها على أنبيائه ورسله وأمرهم بتبليغها لأتباعهم وهي ( الزبور , التوراة , الإنجيل , والقرآن ) وأنزل صحفاً على إبراهيم وموسى عليهم الصلاة السلام وكان القرآن الكريم آخر هذه الكتب وخاتمها وأوسعها دائرةً وشمولاً للأحكام قال تعالى لنبييه محمدٍ – عليه الصلاة والسلام – الذي أنزل عليه القرآن : (( وما أرسلناك إلا كافة للناس )) سبأ28
وقال جل ثناؤه : (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) الأعراف 158 والأنبياء السابقون وأتباعهم مأمورون بالإيمان به وتصديقه والدخول في دينه لأنه دين الله إلى قيام الساعة قال تعالى : ((إن الدين عند الله الإسلام )) الأنبياء 107 ونفى الإيمان عمن اتخذ غير الإسلام ديناً و لن يقبل منه وهو من الخاسرين قال تعالى : ((ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين))
والرسول الخاتم في دعوته وكونه رحمة للعالمين دعا أهل الكتاب (يهوداً ونصارى )إلى الإيمان به وبدعوته وما جاء به من عند الله دون أن يكرههم على ذلك بل ترك لهم الخيار إن شاءوا دخلوا في دينه (وهو دين الأنبياء والرسل من قبله ) فازوا وسعدوا ونجوا ولم يخرجوا من دين أنبيائهم وربحوا محمدا عليه الصلاة والسلام وإن لم يدخلوا فيه فلهم حريتهم في ذلك لا يجبرون على التخلي عن دينهم إذ لا إكراه في الدين لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم قال تعالى : ((لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )) ويعاملون معاملة المسلمين دون اضطهاد أو ظلم بل بالعدل والرحمة والمساواة آمنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وحمايتهم من كل خطر خارجي مقابل مقدار من المال يدفعه القادرون منهم للدولة الإسلامية فإن عجزوا أعفوا منه يسمى (الجزية) وهي أشبه بالضرائب التي تأخذها الدول من ريع العقارات والأغنام وما أشبه ذلك تعاوناً منهم للدولة الإسلامية ومشاركتهم لها في تحمل بعض أعبائها كما يؤخذ من أغنياء المسلمين مقدار معين من أموالهم يسمى (الزكاة) وهي نسبة معينة في الأموال النامية من النقد والأنعام وهي (الإبل والبقر والغنم) ومن الحبوب (كالحنطة والشعير والأرز) وغيرها بشروط معروفة في الفقه الإسلامي تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم وتبلغ أضعاف أضعاف ما يدفعه أهل الكتاب (من الجزية)
فهل في هذا ظلم أو هضم مما يثيره أعداء الإسلام بين الحين والآخر أم هو عدل ونَصَفة ..؟
وأهل الكتاب يطلق عليهم (أهل الذمة) أي المعاهدة ومعناه أنهم داخلون في ذمة المسلمين ورعايتهم فأي غضاضة في هذا ؟ ألا نرى اليوم التحالفات والمعاهدات بين الدول عامة والمنظمات فهل قال أحدهم إنها إهدار لحقوق الإنسان وظلم له ؟
وقد أوصى القرآن الكريم والنبيُ المبعوث رحمة للعالمين المسلمين بالعدل معهم وإنصافهم والحفاظ على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم يقول تعالى : ((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم)) وأمرهم إن قابلوهم بالكلام الحسن في الجدال والنقاش معهم قال تعالى : (( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ))
وقال جل ثناءه : (( وقولوا للناس حسنا )) , مسلمين أو غير مسلمين فكلمة ( الناس ) عامة لا تختص بالمسلمين وحدهم بل يندرج تحتها الناس كلهم ولاسيما أهل الكتاب لأنهم والمسلمون يعيشون متجاورين في بلاد واحدة ويستوطنون أرضاً واحدة وإن كانوا ( أقلةً ) فالنظام الإسلامي العام لا ينظر إلى القلة والكثرة في هذا الموضوع وتوضيحاً لهذا الجانب يقول مبعوث الرحمة الإلهية :
(( من ظلم معاهداً أو انتقصه أو اخذ منه شيئاً بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيامة ))
أي – خصمه – بمعنى أن العدوان على أيٍ من أهل الكتاب في نفسٍ أو عرضٍ أو مالٍ يعده
النبيُ – عليه الصلاة والسلام – عدواناً عليه , فهل من عدالة في الأرض تعدل هذا ؟ .
وفي حديتٍ آخر يقول – عليه الصلاة والسلام - : (( من أذى ذمياً فقد أذاني ))
فانظر قارئي الكريم إلى هذه الأخلاق الطيبة والمعاملة الحسنة الرحيمة من المسلمين مع أهل الكتاب المخالفين لهم في دينهم وعقيدتهم لتعلم أنًّ المسلمين خلال تاريخهم الطويل معهم وفتوحاتهم الرحيمة لبلادهم في حكمهم وظفرهم عليهم وبيدهم السلطة والقوة ما عرفوا شيئاً مما يقال اليوم في الحروب الحديثة أو قيل قديماً ( ويلٌ للمغلوب من الغالب ) حتى شهد لهم عدوهم بذلك فقالوا : ( ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب ) ولولا أنهم كانوا أصحاب فضلٍ وكرم أخلاقٍ ما شهد بذلك أعدائهم , ومن شاء المزيد من ذلك فعليه بكتب التاريخ مما كتبه المسلمون أو كتبه النصارى والمستشرقون من المنصفين منهم وشهدوا أن النصارى ما عرفوا من المسلمين إلا العدل والرحمة من أمثال (غوستاف لوبون ) الذي قال : ( ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب ) و ( جورج قرم ) في كتابه ( تعدد الأديان ) و ( فيكتور سحاب ) في كتابه ( من يحمي المسيحيين العرب ) , إذ قالوا بلسان واحد وشهادةٍ منصفة ( ما عرفنا من المسلمين العرب إلا العدل والرحمة والمساواة ) , واليهود يعلمون قبل غيرهم أن محمداً – عليه الصلاة والسلام – مبعوثٌ من الله إذ كانوا يستفتحون على مشركي العرب إذا حصل بينهم جدال أو نقاش فيقولون متوعدين إن نبياً قد آن آوانه فإن جاء آمنا به واتبعناه وقاتلناكم معه قتال عاد وإرم كما قال تعالى مصداقاً لهذه الحقيقة :( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدقٌ لما معه وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) البقرة/89
( فالتوراة ) التي أنزلها الله على موسى تأمرهم أن يقيموا أحكامها وما جاء فيها قال تعالى :( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون و الأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ) المائدة /44 , لكنهم لم يحفظوا التوراة كما أمرهم الله تعالى به وأتمنهم عليها فحرفوا وغيروا ما جاء فيها زيادةً ونقصاً وشطباً وحذفاً , كما قال تعالى: ( يحرفون الكلم من بعد مواضعه ) , وفي آية أخرى : ( قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتى تقيموا التوراة والإنجيل ) المائدة /68
كما أن إسلام (عبد الله بن سلام ) الذي كان حبراً من أحبار اليهود وعالماً كبيراً فيهم شهد بأن محمداً عليه الصلاة والسلام مذكورٌ في التوراة بصفته ونعته كما جاء في القرآن والإيمان به واجب قال تعالى : (( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم )) الأعراف /157 , وقال تعالى : (( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم )) الأنعام / 20
وحينما سألوه كيف عرفت أن محمداً رسول الله - عليه الصلاة والسلام – قال : ( أرسل الله أمينه في سمائه – جبريل – إلى أمينه في أرضه – محمدٍ عليه الصلاة والسلام – بنعته فعرفته , أما ابني فلا أدري ما الذي كان من أمه .. !؟ .
فعداء اليهود للإسلام ورسوله كان من جهتين أولاهما : أن الإسلام ظهر في العرب وأرسل النبي المنتظر منهم وكانوا يتوقعون أن يكون من بني إسرائيل لا من العرب وثانيتهما : معاداتهم للعرب لأنهم يهود شعب الله المختار فعادوهم حسداً من عند أنفسهم حيث حرموا هذا الخير الكثير كما قال تعالى : (( ودَّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً ( حسداً ) من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير )) البقرة/ 109 , لذلك لم يؤمن منهم إلا عدد قليل ( كعبد الله بن سلام وأفراد آخرين ) تعصباً وعنصرية وحسداً .
أما النصارى فقد كانوا أيضاً أهل الكتاب وهو( الإنجيل ) وقد أمرهم الله تعالى أن يقيموا أحكامه فيه فقال تعالى (( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون )) المائدة/47 , ونعني به الإنجيل الصحيح الذي أنزله الله على نبيه ورسوله عيسى عليه السلام لا المحرف ,إذ فيه ذكرٌ للنبي المنتظر كما عند اليهود ( في التوراة ) وهم واليهود معهم لا يزالون ينتظرونه ! ولو فكروا قليلاً وعقلوا ونبذوا التقليد الأعمى لبان لهم أن النبي المنتظر هو ( محمد بن عبد الله – عليه الصلاة والسلام ) لا غيره , ولن يأتي نبيٌ بعده فهو خاتم النبيين ومبعوثٌ إلى العالمين , ولو كان غيره لظهر خلال هذه القرون الطويلة فقد دخلنا في القرن الواحد والعشرين بعد المسيح علماً أن المدة الزمنية بين السيد المسيح وبين محمدٍ عليهما الصلاة والسلام هي ( 570) سنة , وهي أطول مدة بين إرسال الرسل كما يفيد قوله تعالى : (( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل )) المائدة / 19 , وهي مدة قليلة إذ ما قيست بتلك القرون المتطاولة فإلى متى الانتظار!؟ .
وكل الدلائل والإشارات وما جاء به موسى وما جاء به عيسى تدل دلالة واضحة على أن محمداً عليه الصلاة والسلام هو النبي المنتظر , وفي التوراة و الإنجيل نصوص تفيد بأنه هو كما قال تعالى : (( الذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل )) , وفي آية أخرى صريحة من كتاب الله نقرأ وصية عيسى لأتباعه , قال تعالى : (( ومبشراً برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد )) الصف /6 , ومحمد وأحمد اسمان للنبي وله أسماء أخرى كثيرة .
وقد أسلم من النصارى عدد لا يحصون من رجال الدين وغيرهم من كبار فلاسفتهم ومثقفيهم قديماً وحديثاً ولعل هذا يعود إلى أن في قلوبهم رقةً واستكانة ورحمة وقبولاً للحق فقد أخبر الله تعالى عن طائفة منهم وذكرهم بصفاتٍ حسنة تدل على قبولهم للحق ولانصياع له قال تعالى : (( ولتجدن أقربهم مودةً للذين أمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جـزاء المحسنين )) المائدة / 82-85 , هذه شهادةٌ من الله الحق تبارك وتعالى في حق هذه الطائفة الصالحة من النصارى تخلت عن عصبيتها وتقليدها الأعمى وأسلمت لله رب العالمين .
واليوم ما الذي يمنع النصارى ومثقفيهم وعقلاءهم أن يتفكروا في جلسة هادئة ومراجعة مع النفس صادقة فيما هم فيه ويقارنوه بالإسلام الدين الحق وقد سبقهم إليه عقلاء كثيرون منهم بعد أن اطلعوا على القرآن وآياته في التواصل واللقاءات والندوات بينهم وبين علماء المسلمين في حوارات هادئة هادفة ( [3]) وعددهم لا يحصون في شرق الأرض وغربها حتى في إيطاليا التي في وسطها ( الفاتيكان ) مركز الكاثوليكية , وما الذي يضير المسيحي في اعتناقه الإسلام !؟ .
لاشيء بل يربح محمداً – عليه الصلاة والسلام – دون أن يخسر المسيح لأن القرآن قدر المسيح وأمه مريم تقديراً لا مثيل له إذ لا يعلم كثيرٌ من المسيحيين أن المعاملة الحسنة في العدالة والأخلاق مع المسيحيين خلال القرون المتطاولة في معايشتهم معهم لم يكن ذلك محاولة منهم لاسترضاء المسيحيين خداعاً أو سياسةً أو مجاملةً , أبداً لاشيء من ذلك بل كانوا يوضحون ما أمرهم الله به أن يقولوا للناس ( وقولوا للناس حسنا ) .
ولقد قالوا في السيد المسيح وأمه الشيء الكثير مدحاً كما جاء في القرآن العظيم من المدح والثناء عليهما والمسلمون يعتقدون أن المسيح عيسى ابن مريم رسول الله بل من أعظم رسل الله الذين جاء ذكرهم في القرآن موصوفين بأولي العزم ( فاصبرا كما صبر أولوا العزم من الرسل ) وأنه كان مسيح الهداية ولد بمعجزة أي ( دون اتصال ذكر بأنثى ) وهو ما لا يؤمن به اليهود وأمه صديقة وأنه أحيى الموتى أبرأ الأكمه والأبرص بأذن الله وأنه رفع إلى السماء بمعجزة ومن لم يؤمن بهذا فليس بمسلم , ولا يدرك كثيرٌ من المسيحيين أن :
1- الروح الطيبة التي يبديها المسلم دائماً نحو المسيح وأمه مريم العذراء إنما ينبع من إيمانه ومنبعه القرآن الكريم .
2- أن المسلم كلما ذكر المسيح أو عيسى شفع اسمه بالسلام عليه وذكر ما يستحقه من كلمات الاحترام .
3- أن المسيح ذكر في القرآن خمسة أمثال ذكر نبي الإسلام وقد ذكر اسم المسيح خمساً وعشرين مرة مقابل خمس مراتٍ ذكر فيه اسم نبي الإسلام ( محمد عليه الصلاة والسلام ) .
4- أن المسيح ذكر في القرآن في آيات تدل على احترامه مثل : ابن مريم أو المسيح أو عيسى أو عبد الله أو رسول الله , ووصف بأوصاف عديدة في ثنايا خمس عشرة سورة .
5- لا توجد مذمة واحدة في القرآن كله لعيسى يمكن لأي حاقد أن يتلمسها لتكون استثنائية من هذه القاعدة
6- إن الشرف الذي أسبغ القرآن الكريم على مريم لم يتح لها في أناجيل المسيحيين إذ أننا نجد سورة كاملة بعنوان ( مريم ) , ولو أننا تصفحنا ((66 )) سفراً للبروتستانت و (( 73 )) سفراً للروم الكاثوليك فإننا لا نجد أي منها قد عنون ( لمريم ) تكريماً لها , كما لا نجد لابنها عيسى المسيح عليه السلام . تجد كتباً من الأناجيل بعنوان : ( متى , مرقص , يوحنا , بطرس , بولص ), وتجد عن لأشخاص أقل أهمية وشهرة ولكنك لن تجد واحداً بعنوان عيسى أو مريم !
فكان من واجب المسيحيين ورجال الدين فيهم أن يحترموا نبي الإسلام ويقدروه ويعظموه كما يعظم المسلمون عيسى عليه السلام ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) .
ولكن المسيحيين خلال قرونهم الطويلة ولاسيما في الغرب رضعوا كره المسلمين ولقنوا أسوء المعتقدات عن ذلك الرجل المدعو ( محمداً ) عليه الصلاة والسلام وشوه صورته وحياته في نظر الغربيين وأثاروا شبهات عن دينه الإسلام , ولقد كان ( الدكتور توماس كارلايل ) صادق النظرة عندما قال عن بني جلدته من المسيحيين منذ أكثر من مئتي سنة حين قال : هذه الأكاذيب التي كلناها بحماس حول ذلك الرجل ( محمد ) إنما هي مشينة لنا وحدنا لقد كان لقاء الإسلام بالمسيحية لقاء محبة واحترام قال تعالى : (( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم قولوا آمنا بما انزل إلينا وما أنزل وإليكم وإلهنا وإلهكم ونحن له مسلمون )) العنكبوت / 46 ولنقرأ هذا المقطع من لوحة جميلة رائعة دبجها المؤرخ الكبير( البلاذري ) في كتابه( فتوح البلدان ) إذ يقول (( إثر وقعة اليرموك ودخول المسلمين بلاد الشام وفتحها صلحاً )) , لقد ردَّ المسلمون على أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم من الخراج وقالوا لهم : قد شُغلنا عن نصركم والدفع عنكم فأنتم على أمركم إن شئتم خرجنا من بلادكم وتركناها لكم قال أهل حمص من النصارى : لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم و لندفعن جنود هرقل مع عاملكم ( واليكم ) ونهض اليهود قائلين : والتوراة أي – نقسم بالتوراة – لا يدخل عامل هرقل مدينة حمص إلا أن نغلب وأغلقوا أبواب المدينة وحرسوها وكذلك فعل أهل المدن الأخرى التي صولحت من النصارى واليهود فلا تعصب في الإسلام ولا اضطهاد ولا إكراه ولكن الدس الأجنبي والجهل والغرور والتعصب كل ذلك أثار في فترات مختلفة كثيراً من الحقد والريبة وروح العداء بين المسلمين وغيرهم , ويأتي هذا تصديقاً لما قاله ( توماس كارلايل ) هذه الأكاذيب التي كلناها بحماس حول ذلك الرجل ( محمد ) إنما هي مشينة لنا وحدنا , وإذا كانت عصبية اليهود وعنصريتهم منعتهم من الدخول في الإسلام والإيمان بمحمد – عليه الصلاة والسلام ( حسداً ) فما الذي يمنعك أيها المسيحيُ أن تدخل فيه وبطاقة الدعوة لك مفتوحة فبادر إليه واربح محمداً مع المسيح عليهما السلام وثق تماماً أنه لن يأتي نبي منتظر غيره فهو خاتم الأنبياء والمرسلين والإيمان به واجب وقُل وردد مع أخيك المسيحي ( يوركي حلاق) :
إني مسـيحيٌ أجـل محمداً وأراه في سـفر العلاعنـوانا

إني أباهي بالرسـول لأنـه صقل النفوس وهذب الوجدانا

ولأنه داس الجهالة وانتضى سـيفاً للجهـاد فحطم الأوثانا

الحمد لله رب العالمين

القامشلي في : 17/2/1433هـ الموافق لـ : 11/1/2012 خاشع ابن شيخ إبراهيم حقي



[1] - هناك خلاف كبير في تسمية عيسى بالمسيح وهو وصفٌ له وليس اسماً فقيلا سمي مسيحاً لأنه ولد ممسوحاً بالدهن أو لأنه كان يمسح على المرضى فيشفون ويبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى بإذن الله أو لأنه مسح الأرض وجاب أقطارها في الدعوة إلى الله أو لأنه ولد ممسوح باطن القدمين أو لبركته لأنه مسح بالبركة وهو قوله تعالى عن المسيح : ( وجعلني مباركاً أينما كنت ..) مريم/31 إلى غير ذلك من الأقوال وقد فاقت على خمسين قولاً كما قال الزبيدي , وفي اللفظة هل هي عربية أم لا فقال بعضهم سريانية وأصلها مشيحا فعربتها العرب وكذا ينطق بها اليهود . تاج العروس للزبيدي ج7 ص123 -132

[2]-مقرر علم التوحيد للسنة الأولى الثانوية في السعودية 1379هـ / 1977م تأليف محمد قطب

[3]- من المعاصرين أذكر منهم الدكتور ( روجيه غارودي) الذي كان منظراً للحزب الشيوعي في فرنسا ثن اعتنق الكاثوليكية ثم دخل في الإسلام بعد دراسته له وألف كتباً كثير عن صلاحية الإسلام وضرورته بالبشرية قاطبةً من أهمها ( الإسلام دين المستقبل )
والدكتور ( موريس بوكاي ) مؤلف كتاب ( دراسة الكتب المقدسة في ضوء العلوم الحديثة ) وكتاب ( محمد في الكتاب المقدس ) للقس عبد الأحد داود ترجمة فهمي شما مراجعة أحمد محمد الصديق