التحالف التركي الاسرائيلي

لابد من التوغل في العمق التاريخي للعلاقة اليهودية ـ الاسرائيلية بتركيا قبل تحديد اثارها الحالية ونتائجها على المستقبل , ففي تركيا العثمانية انشأ اليهود مجتمعا تكون من ثلاث مجموعات:
* الاولى: اليهود الذين عاشوا في الدولة البيزنطية ثم خضعوا للدولة العثمانية بعد سقوطها. * الثانية: المهاجرون من النمسا والمجر وروسيا والمانيا وبولندا. * الثالثة:: شملت اليهود المهاجرين من اسبانيا, والبرتغال, وايطاليا. وتوضح دراسة اكاديمية للباحثة هدى محمود درويش لنيل شهادة الدكتوراة من جامعة الزقازيق المصرية وبعنوان (علاقة تركيا باليهود واسرائيل واثرها على البلاد العربية بين عامي 1948 ـ 1999) ان اليهود عاشوا في امن واستقرار في ظل الدولة العثمانية وطوروا علاقاتهم التجارية الخاصة, وكان من كبار التجار الذين نافسوا اليهود في اسطنبول الصدر الاعظم والوزراء في فخامة مكانتهم حتى ظهرت بعض الحركات اليهودية التي اطلق عليها اسم (حركات تحرير) تدعو اليهود الى الهجرة للارض (الموعودة) فلسطين في القرن السابع عشر الامر الذي تسبب في توتر العلاقات اليهودية العثمانية. عبرت مرحلة العد العكسي للنفوذ اليهودي وعبر السلطان مراد الثالث (1574 ـ 1595) عن وضع اليهود في تلك المرحلة بقوله: (ما الذي يحصل لو قطعت رؤوس هؤلاء) لكن ما لبث هذا الشعور بالقوة أن زال في عهد السلطان مراد الرابع (1623 1640) حيث بدأت الدولة العثمانية تسير نحو الانهيار مع دخولها في حروب مع البنادقة وروسيا وعجزها عن دخول فيينا.
الساباتائيون
وتشير الباحثة الى أن اليهود منذ عام 1648 سيطرت عليهم فكرة الخلاص والتجمع تحت قيادة واحدة والتحرر من سلطة الغير خاصة مع تصاعد موجات العداء ضدهم في روسيا وبولندا وأوكرانيا وآمن حاخامات اليهود بفكرة المسيح المنتظر الذي يخلصهم من معاناتهم والتفوا حول يهودي يدعي (ساباتايزفي) (1626:1675) الذي أعلن نبوته في بيان ليهود العالم في عام 1648. وعرفت حركته باسم الساباتائية. وأعلن السباتائيون اسلامهم في الظاهر مع اعتقادهم لليهودية في الباطن حتى ينعموا بحرية الحركة وأقاموا علاقات قوية مع زعماء الطرق الصوفية في تركيا وفي بلاد الدولة العثمانية خاصة البكتاشية والملامتية والمولوية واتخذوا من بعض المؤسسات مركزا لهم مثل جمعية الاتحاد والترقي والمحافل الماسونية وكان لليهود تأثير سياسي كبير على هذه المؤسسات, وظل الكتاب العثمانيون يهتمون بالساباتائية حتى بعد ثلاثة قرون من تأسيسها. وتوضح الدراسة أن ساباتاي زار مصر وهو في طريقه الى فلسطين في عام 1663 واستضافه اليهودي يوسف جلبي الذي كان رئيسا لصيارفة القاهرة وقدم له المساعدات والدعم ثم زار القدس والتقى برجل يدعى ابراهام ناثان الذي أعلن أنه تلقى رؤية مضمونها أن ساباتاي هو مسيح اسرائيل وأنه المسيح المنتظر وله اثنى عشر حواريا يمثلون أسباط اسرائيل, وفي يونيو 1665 طاف ساباتاي على حصانه حول مدينة القدس سبع مرات. ومنذ ذلك الوقت امتنع اليهود عن الدعاء للسلطان العثماني وتوجهوا بالدعاء الى ملكهم الجديد ساباتاي وجاءت وفود اليهود من أزمير ورودس وأدرنه وثوفيا واليونان وألمانيا تبايع زفي وتقلده تاج مصر الملوك الذي سيحكم العالم من فلسطين, فألقى القبض عليه بتهمة التمرد على الدولة العثمانية ومحاولة اقامة دولة يهودية على حساب الدولة العثمانية. لكنه أعلن اسلامه لينجو بنفسه من العقوبة التي كانت تنتظره وأدرك أتباعه ذلك فأعلنوا اسلامهم وغيروا اسماءهم الى أسماء اسلامية ولبسوا الجبب والعمائم, وأطلق عليهم الدونمة وهو مصطلح يعني المسلم ظاهرا, اليهودي باطنا, وكان اعتناق يهود الدونمة للاسلام وسيلة لتحقيق أهدافهم التوراتية وتسهيلا لمهمة التغلغل في السلطة والتوسع في العلاقات التجارية مع التجار الأوروبيين والشركات الأجنبية التي يملكها الرأسماليون اليهود في النمسا والمانيا. وتؤكد الباحثة أن السلطات العثمانية ما لبثت أن ألقت القبض على ساباتاي وبعض أتباعه داخل المعبد اليهودي وهو يرتدي زيا يهوديا وكانوا محاطين بالنساء يشربون الخمر وينشدون الأناشيد الدينية ويقرأون المزامير, واتهم ساباتاي أنه يدعو المسلمين الى ترك دينهم وخيانة الاسلام فحكم عليه بالاعدام إلا أن شيخ الاسلام اعترض على اعدامه حتى لايزعم مريدوه عروجه الى السماء كعيسى عليه السلام فتم نفيه الى البانيا وتوفي في عام 1675. بعد وفاة ساباتاي خلفه أخو زوجته اليونانية يوهيفيد الذي انتقل مع أنصاره من الدونمة الى سالونيك وحث أتباعه على اظهار الاسلام ومراعاة تقاليد الأتراك وأعاد تنظيم عقيدة ساباتاي ,بعدها انقسمت الساباتائية الى جماعات عديدة منهم القراقاشيون والقابانجيون أو البابو واليعقوبيون. يهود الدونمة كان ليهود الدونمة دورهم البارز في الاقتصاد التركي من خلال النقود الأسبانية والنمساوية التي جلبها اليهود بتجارتهم الى تركيا. وكان الأتراك يفضلون هذه العملات على غيرها وتستخدم في شراء سلع باهظة الثمن, وكانت الشركات اليهودية الأوروبية والأمريكية ترسل لليهود معونات مالية أحدثت انتعاشا في الحركة الاقتصادية في تركيا وعلى المستوى السياسي لم يكن الدونمة يشعرون بالانتماء للوطن والأمة لكن حياتهم السرية انتهت منذ القرن السادس عشر ومع اعلان الجمهورية التركية بدأوا يتزاوجون مع غيرهم لكن ظلت عائلات الدونمة موجودة حتى عام 1960 وهاجر بعضهم الى فلسطين في عام 1948 بعد اعلان قيام اسرائيل, وقد لعب الدونمة دورا بارزا في القضاء على الدولة العثمانية. وتحالفوا مع الصهيونية والاستعمار وكانوا الاداة المنفذة لأكبر حركتين شهدتهما تركيا: الحركة الصهيونية التي كانت تهدف لاقامة وطن قومي لليهود في فلسطين, وحركة الاتحاد والترقي التي أسقطت الخلافة الاسلامية وأعلنت الجمهورية التركية بزعامة مصطفى كمال أتاتورك. وحول دور يهود الدونمة في التخطيط لانهاء الخلافة يشار الى أن جهودهم تركزت في ثلاثة عوامل: الأول: إثارة الأقليات غير المسلمة مثل إثارة الأرمن ضد السلطان عبدالحميد لاقامة دولة أرمينية داخل الأناضول بالاضافة الى استغلال الطوائف المسيحية للتمرد على الدولة. الثاني: تمجيد الحضارة الغربية وتشجيع تغريب تركيا وابعادها عن المظاهر الاسلامية. الثالث: سياسة التتريك وبعث القوميات التي أماتها الاسلام وإحياء النعرات الطائفية لتمزيق أوصال الدولة العثمانية. وتشير الدراسة الى بعض الشخصيات المهمة التي لعبت دور ا بارزا في الدولة العثمانية من يهود الدونمة مثل قره صو عضو اللجنة التي خلعت السلطان عبدالحميد وهو الذي باع ليبيا لإيطاليا نظير رشوة. ومحمد جاويد الذي شغل منصب وزير المالية في عهد الاتحاد والترقى أكثر من ثلاث مرات حتى عام 1918 ونزهت فائق الذي شغل منصب وزير المالية ومصطفى عارف أحد وزراء داخلية الاتحاد والترقي ومدحت باشا الذي كان واليا على بغداد ونجح في الاطاحة بالسلطان عبدالعزيز بالاتفاق مع انجلترا وفرنسا والمانيا وتولى منصب الصدر الأعظم في عهد السلطان عبدالحميد. الفكر الاسلامي اثر يهود الدونمة على الفكر التركي المسلم من خلال تلقين الشباب المبادئ الفكرية الغربية وإبعادهم عن الاسلام وتمجيد الحضارة الغربية والدعوة الى سفور المرأة ونظمت مسابقات ملكات الجمال بدعم من الصحف التي يمتلكها اليهود. وانشاء المدارس لبث أفكارهم في الشباب والدعوة الى الاختلاط بين الطلبة والطالبات في الجامعة. وتشير الباحثة الى أن بعض المصادر تؤكد أن كمال أتاتورك نفسه من يهود الدونمة وان كانت مصادر أخرى ترى أن ذلك مجرد ادعاء زعمته الموسوعة اليهودية وعلى أية حال كان اليهود والماسونيون هم الذين يوجهون أتاتورك وهو الذي فتح أبواب تركيا لهم واستعان بهم في المجالات المختلفة. وتوضح الباحثة أن الدونمة نجحوا في السيطرة على الاعلام التركي وامتلكوا المؤسسات الصحفية الكبيرة, ولهم تأثير على هيئة الاذاعة والتلفزيون ومن أشهر عائلات الدونمة التي سيطرت على الاعلام التركي عائلة قبانجي عائلة كبار وعائلة ايبكجي ومن أهم الصحف التي أمتلكها الدونمة جريدة (حريت) و(صباح الخير) و(ترجمان) و(ميليت) و(جمهوريت) وهي صحيفة يومية كبيرة. ونجحت أجهزة اعلام الدونمة في ايجاد رأي عام تركي مؤيد لاسرائيل وغير متعاطف مع العرب والعمل على خدمة اليهودية العالمية من خلال عرض أفلام تندد بمعاداة اليهود بل ان يهود الدونمة كان لهم الدور الأكبر في تقوية العلاقات التركية الاسرائيلية. وتتطرق الباحثة الى معاملة السلاطين العثمانيين لليهود المهاجرين الى الدولة العثمانية فتؤكد أن السلاطين العثمانيين عاملوا اليهود معاملة كريمة ومنحوهم كل الحقوق مثل غيرهم من مواطني الدولة ووصلوا الى مراكز مرموقة وتمتعوا بالاستقلال الذاتي والاداري والطائفي وكان الحاخام الأكبر هو ممثل اليهود أمام الحكومة وتمتعت مدارسهم بالاستقلال وكانت قضاياهم تنظر أمام المحاكم حسب الشريعة اليهودية. وفي ظل خضوع فلسطين للحكم العثماني سمح العثمانيون لليهود في أوائل القرن السادس عشر بالهجرة الى فلسطين واستوطنوا القدس وطبريا وصفد والخليل وفي القرن الثامن عشر هاجر اليهود اليها مرة أخرى واستقروا في صفد وطبريا تحت حكم ضاهر العمر الذي وفر لهم الحماية والأمن, وخلال الحكم العثماني لم تتخذ أية اجراءات ضد اليهود وضد حقوقهم الدينية وحكمهم الذاتي, وقد شهد المؤرخون الغربيون واليهود أنفسهم على التسامح الذي لاقاه اليهود في العالم الاسلامي خاصة في ظل الدولة العثمانية. وقد سمح أورخان بن عثمان ثاني حكام العثمانيين لليهود باقامة حارة ومعبد خاص بهم في مدينة بورصة واعطاهم امتيازات خاصة وأذن لهم ببناء صومعة ظلت تمارس نشاطها حتى القرن العشرين. وفي عهد مراد الأول أصبحت أنقرة هي العاصمة بدلا من بورصة وكانت تعيش فيها طائفة يهودية كبيرة, وفي عهد مراد الثاني أصبح من حق اليهود تملك الأراضي ولقب اليهود مراد الثاني بالرجل الانساني الكبير. وحينما فتح السلطان محمد الفاتح القسطنطينية رحب به اليهود وزادت الامتيازات الممنوحة لليهود في عهده وسمح لهم بالهجرة من اسكوب وسالونيك وخاص كوي وأسكنهم حيا خاصا في اسطنبول وسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية بحرية تامة. وهكذا لقى اليهود معاملة طيبة من جميع السلاطين العثمانيين ورغم هذه المعاملة تؤكد المصادر أن اليهود كانوا وراء مقتل السلطان الفاتح بالسم. وتخلص الباحثة الى أنه رغم تسامح العثمانيين فإن اليهود لم يندمجوا في المجتمعات التي عاشوا فيها وإنما تكتلوا في أحياء خاصة بهم وذلك نتيجة لرواسب قديمة عايشوها في ظل الاضطهاد الذي عانوا منه في أوروبا فكانوا يعيشون حياة انعزالية مغلقة في أحياء عرفت بالجيتو لأنهم يكرهون الشعوب التي يعيشون معها. وانطبق ذلك على العثمانيين رغم تسامحهم مع اليهود مشيرا الى أن من الأخطاء التي وقع فيها سلاطين الدولة العثمانية أنهم لم يتعرفوا على الشخصية اليهودية التي كانت تسعى الى القضاء على الدولة رغم الامتيازات الكثيرة التي حصل عليها اليهود.
جماعات اليهود وتقسم الباحثة الوجود اليهودي في الدولة العثمانية الى قسمين: الأول: يتمثل في الجماعات اليهودية التي كانت تنتمي الى الامبراطورية البيزنطية وكانت تعيش في الأراضي العثمانية قبل قيام الامبراطورية العثمانية في مناطق صاروخان والقرم وغايبولي وسالونيك والقسطنطينية. القسم الثاني: اليهود الذين هاجروا من العالم العربي من بولندا والنمسا والمانيا وايطاليا وأسبانيا هربا من الاضطهاد. وتشير الاحصاءات الى أن الدولة العثمانية فتحت أبوابها لآلاف الأسر المتعددة الأديان والثقافات والقوميات ففي عام 1478 كان يعيش في اسطنبول 9517 أسرة مسلمة مقابل 5162 أسرة مسيحية و1647 أسرة يهودية وكان اليهود يمثلون 08.10% من عدد السكان الأصلي. وحول التواجد اليهودي في فلسطين تشير الدراسة الى أن أول عهد اليهود بفلسطين كان على يد يوشع بن نون الذي خلف هارون وموسى عليهما السلام في قيادة بني اسرائيل حيث استولى على أريحا وظل اليهود في فلسطين منذ عام 1025 قبل الميلاد وحتى عام 586 قبل الميلاد. وفي عام 63 قبل الميلاد استولت الدولة الرومانية على القدس, وأقام هيردوس هيكلا لليهود على نسق هيكل سليمان في عام 20 قبل الميلاد وظل قائما حتى دمر على يد (تيطس) الروماني عام 70م الذي دمر مدينة أورشليم تماما وأزال (ادريانوس) معالم الهيكل تماما عام 135م وتخلص من اليهود وصدر قرار بمنع اليهود من السكن في القدس وفي عام 638 جلب جوليان جالية يهودية الى القدس وأعاد بناء الهيكل لكنه لم يتمه بسبب وفاته ثم فتح المسلمون فلسطين وتسلم عمر بن الخطاب القدس وكتب أمانا لأهلها في عام 638م. وسمح لليهود بالعودة الى بيت المقدس لممارسة شعائرهم الدينية ومنحهم قطعة أرض على جبل الزيتون لاقامة صلواتهم فيها. وفي عام 1099م وقعت فلسطين تحت حكم الصليبيين وكانوا يضطهدون اليهود كما كانوا يضطهدون المسلمين وأحرقوا الكنيسة التي كان يتجمع فيها اليهود. وذبح الصليبيون 120 ألفا ولم يبق من اليهود سوى ثمانية أشخاص. وبعد دخول صلاح الدين الأيوبي فلسطين سمح لليهود بالعودة اليها. وتوضح الدراسة أن اليهود الذين كانوا متواجدين في فلسطين من اليهود القدامى يطلق عليهم المستعربين أما يهود أسبانيا فيطلق عليهم السفارديم أما يهود المانيا وشرق أوروبا فيطلق عليهم الاشكنازيم ومنذ فتح السلطان سليم الأول لفلسطين في عام 1516 وحتى عام 1918م حظي اليهود بمعاملة طيبة. وفي عام 1535 سمح السلطان سليمان القانوني لحوالي خمسة آلاف يهودي بالاقامة بالقرب من بحيرة طبريا. وفي عام 1567 و1568 قامت مظاهرات ضد اليهود مما أدى الى هروبهم الى بيروت ودمشق ومصر خوفا من هجمات الفلسطينيين مشيرا الى أن علاقات اليهود بالدولة العثمانية شهدت توترا مع ظهور حركات يهودية تدعو الى الهجرة الى فلسطين. بونابرت واليهود والمحافل الماسونية وحول موقف الدول الأوروبية من الحركات اليهودية التي تدعو لاقامة وطن لليهود في فلسطين تشير الدراسة الى أن نابليون أثناء حملته على مصر دعا اليهود الى احتلال فلسطين بالقوة ووصفهم بأنهم ورثة فلسطين الشرعيين وظلت الدعاية اليهودية تشير الى دعوة نابليون على أنها اعتراف أوروبي بحقوق اليهود في فلسطين ومنذ ذلك الوقت بدأ التعاون بين الحكومات الأوروبية واليهود على حساب العرب. ثم دعا ايرنست لاهرران السكرتير الخاص لنابليون الثالث الى اعادة بناء الدولة اليهودية وشجع اليهود على الهجرة الى فلسطين وفي عام 1862 طالبت فرنسا باقامة مستوطنات يهودية تمتد من السويس الى القدس ومن الأردن الى البحر المتوسط مع احتلال شبه جزيرة سيناء أما بريطانيا فقد سعت الى توطين اليهود في فلسطين من أجل التخلص منهم وفي عام 1800 طالب البريطانيون الباب العالي بالتخلي عن فلسطين لليهود وعقد اجتماع يهودي في بريطانيا تم فيه جمع 130 ألف جنيه استرليني لتنفيذ مشروع عودة اليهود الى فلسطين إلا أن المشروع قوبل بالرفض وفي عام 1838 أعلنت بريطانيا حمايتها لليهود في فلسطين وافتتحت قنصلية لها في القدس لهذا الهدف وطالبت بطرد السكان المسلمين واحلال اليهود مكانهم وظهرت عائلات كبيرة مثل عائلة كاموندو لتمويل هجرة اليهود الى فلسطين, وفي عام 1849 نجح موشيه مونتفيوري اليهودي البريطاني في الحصول على فرمان من السلطان عبدالحميد بشراء بعض الأراضي في فلسطين وفي عام 1855 تمكن مونتفيوري من شراء أول قطعة أرض في القدس كان من المفترض أن يبني عليها مستشفى لكنه أقام عليها حيا سكنيا لليهود عرف باسم حي مونتفيوري. وفي عام 1865 أنشأ صندوق استكشاف فلسطين برعاية الملكة فيكتوريا وقد لعب هذا الصندوق دورا في الاستيطان اليهودي في فلسطين. وقد سعت بريطانيا منذ عام 1907 للقضاء على عروبة فلسطين ونسقت مع الصهوينة للقضاء على الخلافة الاسلامية واقامة دولة اسرائيل, وبعد توقيع اتفاقية سايكس بيكو بين انجلترا وفرنسا نشطت حركة الهجرة اليهودية الى فلسطين وفي عام 1917 صدر وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا لليهود باقامة وطن قومي لهم في فلسطين وجعل العبرية اللغة الرسمية في البلاد وفتح الجامعة العبرية وتنازل السلطان النهائي عن الأراضي العربية للحركة الصهيونية وبريطانيا وفرنسا. وفي عام 1920 تم وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني وتعيين هربرت صمويل حاكما عاما على فلسطين وكان ملتزما بتحقيق أهداف الصهيونية. وقامت بريطانيا بتسليح اليهود وتدريبهم عسكريا لمواجهة المقاومة العربية والاسلامية في فلسطين وتأسس الصندوق القومي للاسكان والاستعمار لتنفيذ استعمار اليهود لفلسطين وارتفع عدد اليهود في فلسطين من 40 ألفا قبل الحرب العالمية الأولى الى 55 ألفا عام 1948. وتؤكد الدراسة أن يهود الدونمة تغلغلوا في الحياة العثمانية عن طريق المحافل الماسونية التي كانت تضم الوزراء والنواب وقادة الجيش وكبار الموظفين والمسئولين في الدولة, وقد تأسس أول محفل ماسوني في ولاية سالونيك عام 1683م والذي يمثل اليهود الأغلبية فيهاموضحة أنه كان هناك ارتباط وثيق بين الصهيونية والماسونية واليهودية والدونمة وهؤلاء هم الذين قاموا بدور فعال في الحوادث التي أدت الى القضاء على السلطنة العثمانية, وقد تأسس أكثر من 65 محفلا ماسونيا في الدولة العثمانية وكان يطلق عليها (شورى عالي عثماني) وقد دبر اليهود من خلال هذه المحافل أكثر من حادثة لاغتيال السلطان عبدالحميد الذي قرر في عام 1894 اغلاق جميع المحافل الماسونية ما عدا محافل سالونيك لارتباطاتها الدولية مع محافل أوروبا. وتشير الدراسة الى أن الماسونيين تولوا مناصب رفيعة في الدولة العثمانية فجاويد بك وهو يهودي ماسوني تولى وزارة المالية وطلعت بك تولى وزارة الداخلية وتولى كل من سعيد جلبي ومصطفى رشيد ومحمد أمين عالي منصب الصدر الأعظم. وتؤكد الباحثة أن بعض العرب المقيمين في باريس وفي المناطق العثمانية تم استغلالهم من جانب الصهيونية والماسونية واليهود دون أن يدركوا أنهم يهدفون الى السيطرة على فلسطين, ومن ناحية أخرى لعب الماسون دورا كبيرا في اشعال فتنة الأرمن ضد الدولة العثمانية. وترى أن ثورة الاتحاديين كانت ثورة ماسونية يهودية أكثر منها تركية فكانت في الشكل ثورة تركية تجاهد من أجل الحصول على الحرية والعدل والمساواة في ظل الدستور وفي جوهرها ثورة يهودية تناضل من أجل تغيير نظام الدولة واثارة القلاقل من أجل تحقيق أغراضها الصهيونية واقامة دولتها المزعومة في فلسطين مشيرة الى أنه في عام 1908 نجح اليهود والماسون عبر جمعية الاتحاد والترقي في استغلال العرب والقوميات في الدولة العثمانية ضد الحكم السائد ورفع شعارات الماسونية المتمثلة في الحرية والاخاء والمساواة والعدالة. وتشير الباحثة الى أن الماسونية كانت وراء اعدام عدنان مندريس واسقاط حكومته في عام 1960 لأنه اعاد الأذان باللغة العربية والبرامج الدينية في التلفزيون وسمح بانشاء المساجد والمدارس والمعاهد الاسلامية ولاتزال الماسونية تلعب دورا مؤثرا في تركيا حتى الآن من خلال جمعياتها في البلاد وفي مقدمتها المحفل الماسوني الكبير والجمعية الماسونية والأحرار هذا بالاضافة الى سيطرة الماسون على الاقتصاد التركي والهيمنة على الشركات الكبيرة والصناعات الهامة وتشير الدراسة الى ان سليمان ديميريل الرئيس التركي السابق كانت له علاقة بهذه الدوائر. وتؤكد أن اليهود كانوا وراء ظهور فكرة القومية الطورانية في تجمع أتراك العالم في دولة واحدة. وهذه الفكرة كانت من أسباب نفور العرب من الأتراك مشيرة الى وجود ثلاث دوائر عملت في اتساق للقضاء على الدولة العثمانية وهي: القوى الصليبية وكانت على شكل مبشرين ومستشرقين في المدارس والمؤسسات والمؤتمرات والأبحاث, والقوى الاستعمارية في صورة الأساطيل والحروب والمعاهدات والامتيازات والعملاء في السفارات, والقوى اليهودية بأشكالها المختلفة من يهود متخفين وراء الاسلام ـ كيهود الدونمة ـ والماسون ومحافل وصحف واعلام وعلماء دين وبيوت أموال وتنظيمات وجمعيات, وتغلغل كل هؤلاء في البنية الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية والتربوية في الدولة فعرقلوا تقدمها وقسموا ممتلكاتها فيما بينهم.
السلطان عبدالحميد وحول سياسة السلطان عبدالحميد نحو هجرة اليهود للدولة العثمانية توضح الدراسة أن السلطان هذا رفض فكرة توطين المهاجرين اليهود في فلسطين ورفض الحاح الاتحاديين عليه بانشاء وطن قومي لليهود ولم يقبل الحصول على 150 مليون ليرة انجليزية ذهبا مقابل تقديم تنازلات لليهود في فلسطين وقال: (لست مستعدا لأن أتحمل في التاريخ وصمة بيع بيت المقدس لليهود وخيانة الأمانة التي كلفني المسلمون بحمايتها, وكان جزاء السلطان أن تآمر اليهود والاتحاديين عليه حتى تم خلعه في عام 1909م. وكانت السنوات التي تلت خلع السلطان عبدالحميد تمثل العصر الذهبي لليهود فقد نجحوا في تحقيق كل ما كانوا يحلمون به أثناء وجود السلطان في الحكم. وتشير الدراسة الى أن اليهود تدخلوا في شئون تركيا عقب قيام الجمهورية وسيطروا على البنوك وبدأت الأموال اليهودية تتدفق على الاستثمار في الزراعة والصناعة وشراء الأراضي في لبنان وفلسطين. كذلك تغلغل اليهود في الحياة السياسية وفي البرلمان التركي وكان لليهود الدور الأكبر في دفع الحكومة التركية للاعتراف باسرائيل. وفي عام 1950 جاء في خطاب للرئيس التركي جلال بايار: إن علاقاتنا الاعتيادية مع دولة اسرائيل في طريق التطور.. لقد تم تبادل السفراء مع هذه الدولة كما تم عقد اتفاق تجاري. وتوضح الدراسة أن اليهود في تركيا في عام 1944 كانوا يمتلكون 340 مكتبا للاستيراد والتصدير من مجموع 3800 مكتب. وفي الفترة بين عامي 1950 و1980 كان اليهود يكونون 80% من قطاع النسيج في تركيا. واليهود هم الذين يدعمون شركة (قونش) لصناعة السيارات وشركة (صابانجي) للنسيج وكذلك كان لليهود اليد الطولى في صناعات القماش والكاوتشوك والجوارب والحرير والدباغة وغيرها. وفي عام 1960 تم توقيع اتفاقية بين تركيا واسرائيل تنص على أن تكون قيمة التبادل التجاري بينهما 30 مليون دولار, وفي عام 1967 وقعت اتفاقية تجارية آخرى برأسمال عشرة ملايين دولار وفي نفس العام اشتركت اسرائيل في معرض أزمير الدولي وكان اقبال الأتراك على الجناح الاسرائيلي كبيرا وفي نفس العام نشطت حركة السياحة بين البلدين وفي عام 1969 تم توقيع اتفاقية تجارية ثالثة بين تركيا واسرائيل. لكن في عام 1973 بدأت تركيا تسعى الى تحسين علاقاتها بالدول العربية مع تحقيق هذه الدول لعوائد مالية ضخمة بسبب أزمة البترول وفي عام 1974 وقفت الى جانب الشعب الفلسطيني وأيدت قرار الأمم المتحدة باعتبار الصهيونية حركة عنصرية ثم تضاعف التبادل التجاري بين تركيا والدول العربية. لكن مع تفاقم الأزمة بين سوريا وتركيا في الثمانينيات قامت تركيا باعادة تقاربها مع اسرائيل وفي التسعينيات لم تعد تركيا بحاجة الى القوة الاقتصادية العربية نتيجة تزايد مشاكلها مع سوريا والعراق حول المياه, وهذا جعلها تكثف علاقاتها الاقتصادية باسرائيل. وفي سبيل تدعيم الاستثمارات وتقوية العلاقات التجارية تم تأسيس مجلس العمل التركي الاسرائيلي, وتبادل رجال الأعمال الاسرائيليين والأتراك الزيارات الى البلدين. وتتركز مجالات التعاون بين تركيا واسرائيل في مجالات التجارة والمقاولات والزراعة والسياحة, وفي نفس الوقت تزايدت معدلات الصادرات والواردات بين تركيا والدول العربية حتى قيام حرب الخليج الثانية عام 1991.
السياسة المائية وتؤكد الباحثة أن المشاريع الاقتصادية والمائية التي تقوم بها تركيا في (مانواجات) ومشروع (الجاب) نفذت لاستفادة اسرائيل في المقام الأول خاصة مشروع نهر مانواجات الذي نفذ بعد دراسة قامت بها شركة (تاحال) الاسرائيلية بالاضافة الى أن خبراء المياه الاسرائيليين والأمريكيين يتعاونون مع خبراء المياه الأتراك في تنفيذ السياسة المائية في تركيا مشيرة الى وجود 80 ألف اسرائيلي من أصل تركي يمثلون جسرا لتوطيد التعاون الاقتصادي بين تركيا واسرائيل. وهناك شركات تركية تعمل في اسرائيل و11 شركة اسرائيلية تعمل في تركيا. وشهد البلدان تعاونا صناعيا خاصة في المجال العسكري حيث تعاقد الجيش التركي مع شركات اسرائيلية من أجل تزويد الجيش التركي بأجهزة انذار واتصالات متطورة, وفي مجال السياحة يقدر عدد السياح الاسرائيليين الذين يزورون تركيا سنويا بما يتراوح بين 160 و200 ألف في حين يتراوح عدد السياح الأتراك الذين يزورون اسرائيل سنويا بين 5 و6 آلاف. وفي عام 1992 بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 40 مليون دولار وقدر حجم التجارة بين البلدين بحوالي 500 مليون دولار عام 1996 ومن المفترض أن يصل هذا العام الى 2 مليار دولار حسب الاتفاقية الموقعة بين البلدين. وتسعى اسرائيل الى اختراق سلعها للأسواق العربية عبر تركيا بعد تغيير أو طمس علاماتها التجارية. وفي عام 1996 تم التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين, ثم التوقيع على اتفاقيتين للتجارة في عام 1997 وتتضمن احداهما مشروعا لبيع المياه التركية لاسرائيل. وترى الباحثة أن العلاقات التركية الاسرائيلية منذ عام 1947 تعرضت لمد وجزر ولم تعرف مسارا ثابتا. ففي عام 1947 عارضت تركيا قرار الأمم المتحدة بشأن تقسيم فلسطين ودافعت عن استقلال فلسطين. لكن هذا الموقف تغير مع دخول تركيا حلف الناتو وتم انتخاب تركيا عضوا في لجنة التوفيق الفلسطينية الى جانب امريكا وفرنسا وقد اعترض العرب على هذه اللجنة لأنها تفرض على تركيا اتخاذ موقف الحياد بين العرب واسرائيل, وفي عام 1949 اعترفت تركيا رسميا باسرائيل وفي عام 1950 تم التبادل الدبلوماسي بينهما وسمحت تركيا لليهود الأتراك بالهجرة الى فلسطين. وفي عام 1956 سحبت تركيا سفيرها من تل أبيب اعتراضا على غزو شبه جزيرة سيناء. وفي عام 1958 أقامت تركيا تحالفا عسكريا سريا مع اسرائيل والحبشة وكان عدنان مندريس يرى أن تقوية العلاقات مع اسرائيل تحقق الأمن في الشرق الأوسط والأمن العالمي, وفي عام 1967 وقفت تركيا الى جانب العرب في الحرب وأيدت القرار 242 الذي طالب بانسحاب القوات الاسرائيلية من الأراضي المحتلة وصوتت في الأمم المتحدة ضد الحاق القدس الشرقية اداريا باسرائيل, وفي عام 1973 ساندت تركيا العرب في الحرب ضد اسرائيل ولم تسمح للولايات المتحدة باستخدام قواعدها في حلف الأطلسي ضد العرب وفي نفس الوقت سمحت بمرور الطائرات السوفييتية التي كانت تحمل امدادات للعرب في أجوائها, وفي عام 1979 سمحت تركيا لمنظمة التحرير بفتح مكتب لها في أنقرة ورفضت ضم اسرائيل للقدس وسحبت سفيرها من تل أبيب. وتضيف لكن في الثمانينيات والتسعينيات بدأت العلاقات التركية الاسرائيلية تتحسن وتقوى, وقام الرئيس الاسرائيلي وايزمان بزيارة الى تركيا في عام 1994 وقام الرئيس سليمان ديميريل بزيارة اسرائيل في عام 1995 وزارت تانسو تشيللر اسرائيل في عام 1994 وأعلنت انها على استعداد للتحالف مع الشيطان لإنهاء عمليات حزب العمال الكردستاني بالاضافة الى التعاون في مجال المياه. وخلال هذه الزيارة تم ابرام اتفاق تعاون أمني بين تركيا واسرائيل والاتفاق على التعاون في بعض المشاريع الاقتصادية.
(كارت) المياه وحول تأثير العلاقات التركية الاسرائيلية على سوريا تشير الباحثة الى اهتمام اسرائيل بالمياه التركية خاصة مشروع الجاب الذي دعمته بحوالي 300 ألف دولار بجانب المعونات الفنية التي قدمتها شركات الري الاسرائيلية وطالب عيزرا وايزمان رئيس اسرائيل السابق أثناء زيارته الى تركيا بمشاركة اسرائيل في هذا المشروع موضحة أن استراتيجية اسرائيل تقوم على أنه في حالة نشوب نزاع بين اسرائيل وسوريا ستقوم اسرائيل بالتأثير على تركيا لتقليل كميات المياه الذاهبة الى سوريا والعراق. أما إذا تم الاتفاق بين اسرائيل وسوريا فستقوم اسرائيل باجبار تركيا على منح سوريا المزيد من المياه لاثبات دورها في المنطقة هذا بالاضافة الى أن امداد تركيا لاسرائيل بالمياه سيؤثر على الزراعة في سوريا والعراق. وتوضح أن اسرائيل لعبت دورا في المشكلة الكردية بين سوريا وتركيا فقد أعلنت تركيا في عام 1996 أنها حصلت على ضمانات من اسرائيل بعدم توقيع اتفاق مع سوريا بسبب دعم سوريا للارهاب الكردي. وكان لاسرائيل دورها البارز في تصعيد الموقف بين تركيا وسوريا. وفي عام 1997 اقترح ديفيد ليفي وزير الخارجية الاسرائيلية السابق أثناء زيارته لتركيا أن تتعاون تركيا واسرائيل ضد سوريا لضمان الاستقرار في المنطقة, وكانت الضربة التركية المتوقعة لسوريا حققت العديد من الأهداف التركية الاسرائيلية الأمريكية منها التأثير على القدرة العسكرية السورية وتأمين خطط اسرائيل لضم الجولان وارباك القيادة السورية وتحجيم دورها في المفاوضات وفي الترتيبات المستقبلية للمنطقة. بالاضافة الى المشكلة الكردية لعبت اسرائيل دورا في تأجيج التوتر بين تركيا وسوريا عبر لواء الاسكندرونة المتنازع عليه فقد قام السفير الاسرائيلي لدى تركيا بزيارة الى الاسكندرونة مما زاد من التوتر بين أنقرة ودمشق. ومن ناحية أخرى تتخوف تركيا من عقد اتفاق سلام بين سوريا واسرائيل وترى أن سوريا سوف تسحب قواتها من الحدود السورية الاسرائيلية وتحشدها على حدودها مع تركيا. وتبدي تركيا قلقها في حالة توقيع الاتفاق من اخراج سوريا من قائمة الدول المساندة للارهاب وتلقيها مساعدات من المحتمل أن تتعارض مع المساعدات العسكرية التي تقدمها اسرائيل لتركيا.
مشروع ثلاثي وعلى صعيد تأثير العلاقات التركية الاسرائيلية على العراق تشير الباحثة الى أن العراق اتهم تركيا بعد اعلانها عن مشروع الجاب الذي يتضمن انشاء 17 سدا على نهر الفرات وأربعة سدود على نهر دجلة و17 محطة كهربائية بأنها ستنفذ صفقة بيع المياه لاسرائيل باقتطاع حصص من المياه العراقية والسورية ومع اجتياح تركيا لشمال العراق لمطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني حذرت العراق تركيا من الانسياق وراء المخططات الأمريكية التي تهدف تحويل تركيا الى قوة بوليسية اقليمية ضد الدول العربية تتقاسم مع الكيان الصهيوني في دور القامع لتطلعات الشعوب نحو التحرر والاستقلال. واشار المحللون الى أن ما حدث على أرض العراق كان مشروعا مشتركا بين تركيا وأمريكا واسرائيل من أجل السيطرة على المنطقة وإضعاف الموقف العربي في مفاوضات السلام.
ايران وتركيا ايران تعارض بشدة علاقة تركيا باسرائيل وتؤيد الموقف السوري ضد كل من تركيا واسرائيل لأن ايران ترى أن تركيا عامل مساعد لاسرائيل في النفاذ الى اقتصاديات وسياسات الجمهورية الاسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز. وأعلنت ايران قلقها من التعاون بين تركيا واسرائيل ومن المناورات البحرية التي تمت بين البلدين واتهم الرئيس رفسنجاني اسرائيل والولايات المتحدة بأنها السبب في توتر العلاقات التركية الايرانية. كما أن علاقة تركيا بأمريكا واسرائيل كانت السبب في تأجيل اتفاقية شراء تركيا للغاز الايراني التي تم توقيعها أثناء زيارة أمريكان لايران في عام 1996 لأن الولايات المتحدة رأت أن هذه الاتفاقية سوف تؤثر على العلاقات الأمريكية التركية وستؤدي الى تحالف تركيا مع دمشق وطهران وقد يتسع ذلك الغاء الاتفاق العسكري التركي الاسرائيلي, ولابد أن ايران تسعى لامتلاك السلاح النووي بالتعاون مع روسيا والجمهوريات الاسلامية حسب الزعم الاسرائيلي, وقد أعلن وزير الدفاع الاسرائيلي خلال زيارته الى تركيا أن تركيا ستلعب الدور الرئيسي في خطة ضرب ايران بمساعدة الولايات المتحدة. وبعد توقيع اتفاق التعاون العسكري بين تركيا واسرائيل أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي شيمون بيريز أن هذا الاتفاق وفر لاسرائيل فرصة للاقتراب من الحدود الايرانية مثلما تتواجد ايران على مقربة من حدود اسرائيل بواسطة (حزب الله) , ولذلك نددت ايران بالاتفاق الجوي بين تركيا وتل أبيب واعتبرته انتهاكا لأمن المنطقة.

(ب) جدوى الشراكة الاستراتيجية بين تركيا وإسرائيل

خرجت تركيا في عهد الرئيس السابق تورجوت اوزال عن كثير من ثوابت سياستها الخارجية منذ عهد أتاتورك, تمثل ذلك في تحركها نحو جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية والبلقان, ورعايتها للأقليات التركية, بجانب التحرك في اتجاه الخليج للتصدي للمد الإيراني. ووضع أوزال شعارا يسعى لوحدة الأمة التركية من الصين إلى المانيا, كما أيقظ المشاعر والتقاليد الإسلامية على نحو واسع..
تمثل ذلك في السماح بإقامة المدارس الإسلامية والتوسع في الحج وتطبيق الشعائر الإسلامية.
أما فيما يتعلق بالمسألة الكردية فقد الغى اوزال في عام 1993 العديد من القوانين, التي كانت تمنع الأكراد من التعبير عن ثقافتهم المميزة وابراز هويتهم العرقية المتميزة مما ساهم في تخفيف حدة التوتر. وكان اوزال في ذلك يعبر عن تفاعل في أوساط المجتمع والنخبة, ولم يكن ذلك غريبا على الرئيس اوزال, فقد كان أول رئيس أناضولي يحكم تركيا. والأناضول أقليم داخلى في تركيا يزخر بالتقاليد الإسلامية والمثل العثمانية الراسخة, فضلا عن التعصب القومي.
هل تساهم الشراكة مع إسرائيل في حل مشاكل تركيا المزمنة؟!
إلا أن تركيا بعد رحيل أوزال تغيرت توجهاتها السياسية بالنظر للظروف الإقليمية والدولية التي سادت التسعينات, وابرزها سقوط الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفييتي السابق, وبذلك توارى الدور التركي في الناتو نسبيا, كما ظهرت عدة تحولات مهمة في البيئة الاقليمية المحيطة بتركيا خاصة في آسيا الوسطى التي بدأت جمهورياتها الإسلامية تبحث عن حلفاء لها بعيدا عن النفوذ الروسي, فكان التنافس التركي والإيراني على مواقع النفوذ في هذه الجمهوريات وفي البلقان حيث ترتب على تفكك يوغوسلافيا الاتحادية نشوب الحرب البوسنية, ومن بعدها حرب كوسوفو, وقد فشلت تركيا في أن يكون لها دور تحمي من خلاله المسلمين هناك وقد كان ذلك دورها عبر التاريخ, ولكن انحصر الجهد التركي في الحيلولة دون امتداد تأثيراتها إلى داخل تركيا. هذا إلى جانب نشوب حرب الخليج الثانية التي أعقبت العدوان العراقي على الكويت, وما أفرزته من تأثيرات على الساحة الإقليمية بالنظر للأهمية الاقتصادية التي يمثلها العراق بالنسبة لتركيا.. سواء فيما يتعلق بأنبوب النفط الذي يمر عبر أراضيها ويوفر لها 300 مليون دولار سنويا, بجانب حصولها على 60 % من احتياجاتها النفطية من العراق, وقد حرمت منهما تركيا بسبب العقوبات الدولية التي فرضت على العراق. هذا بالإضافة إلى نكسات أخرى منيت بها السياسة الخارجية التركية تمثلت في نجاح اليونان في عزل تركيا عن أوروبا من خلال سياسة أثينا البلقانية, كما لم تنجح تركيا في تمرير مشروعها الهادف إلى اقامة منطقة تعاون اقتصادي مع بلدان منطقة البحر الأسود, وتصاعد الهزائم التي واجهتها إذربيجان حليف تركيا في صراعها المسلح مع أرمينيا حول اقليم ناجورنو كاراباخ, وفشل تركيا في الحصول على امتيازات لها في نقل نفط بحر قزوين, إلى جانب فشلها في حل المشكلة القبرصية حيث لم يعترف بحكومة قبرص التركية التي يرأسها فاروق دنكتاش سوى دولتين هما تركيا وبنجلاديش. ناهيك عن تصاعد عمليات العنف التي مارسها حزب العمال الكردستاني المطالب بالانفصال عن تركيا, مما ترتب عليه توريط ثلث الجيش التركي في عملية ضد ميليشيا هذا الحزب في جنوب تركيا وشمال العراق بجانب 6 فرق تركية متواجدة في شمال قبرص بصفة دائمة وما واكب ذلك من استنزاف اقتصادي, الأمر الذي دفع تركيا إلى اتخاذ اجراءات غاية في العنف ضد كوادر هذا الحزب مما أثار في أوروبا قضية حقوق الإنسان في تركيا, خاصة وأنها واكبت أعمال عنف أخرى أرتدت لباسا أصوليا, رافقت تنامي الحركة الإسلامية داخل تركيا, وتغلغل أفكار وقوى هدامة وسط العلويين الاتراك, مما فجر صراعا بين القوى الإسلامية والقوى العلمانية في تركيا, حيث أصبح العلمانيون ينظرون إلى أية زيادة في الشعور والممارسات الدينية حتى وأن كانت حضور صلاة الجمعة أو ارتداء حجاب كدليل على المد الأصولي الذي يهدد النظام العلماني القائم, وما صاحب ذلك من اتهامات لايران بأنها وراء هذا المد الأصولي مما أساء للعلاقات بين البلدين. وأن كان الكثير من العلمانيين وتركيا يرون غير ذلك, وأن الخطر الحقيقي الذي يهدد تركيا يأتي من التحولات السلبية التي أصابت الحياة التركية. وأبرزها التخلف الاقتصادي والاجتماعي, وانتشار البطالة, والانجراف وراء تيار التحلل الأخلاقي القادم من أوروبا, واضمحلال الإيديولوجيا, وسقوط الاحزاب التقليدية, وبذلك أصبح الإسلام الأصولي هو البديل الوحيد أمام الشعب للتعبير عن معارضة للوضع الحالي الذي يعاني منه, , وهو الأمر الذي استغلته المنظمات والأحزاب المتطرفة, كما يحدث في الجزائر اليوم. ويرى البعض أن الاغراق في القومية التركية يمكن أن يدفع بعض الكماليين والتحديثيين إلى التعاطف مع الأصوليين, خاصة وأن القومية ليست غائبة عن المشروع الأصولي ومن العلمانيين في تركيا من يرى أن إيران وراء المد الأصولي في تركيا وتمرد الحركة العلوية لزيادة تورط تركيا في مشاكلها الداخلية حتى تنفرد إيران بالخليج وآسيا الوسطى, وهو تحليل لا يقوم على قاعدة راسخة لأن الحركة الأصولية في تركيا فسيفسائية. فقد تولى حزب الرفاة الإسلامي الحكم عام 1995 في ظروف التمرد العلوي والكردي, واتهام حزب تانسوشيلر (الطريق القويم) بالفساد, وحزب مسعود يلماظ (الوطن الأم) بالتعاون مع المافيا, وما صاحب ذلك من إنهيار الائتلافات الحكومية الهشة, وتدهور اقتصادي تسبب في شيوع روح الاحباط العام بين الجماهير التركية وقد ترتب على ذلك سقوط أحزاب اليمين الوسط, وبالتالي فوز الحركة القومية بالمركز الثاني في الانتخابات (130 مقعداً) بعد الحزب اليساري (133 مقعداً).
والحركة القومية تمثل أقصى اليمين المتطرف, وخلفيتها التاريخية الحقيقية فاشية, فهي اسم آخر لحزب العمل التركي الذي أشاع موجة عنيفة من أعمال العنف في تركيا في السبعينات في شرق الأناضول وقع بسببها مئات الضحايا من العلويين والأكراد على أيدي ميليشيات (الذئاب الرمادية). لذلك كان غريبا أن يتحالف أقصى اليمين مع أقصى اليسار في تشكيل الحكومة الحالية في تركيا. وخطورة الأمر في هذا التحالف الذي يستقطب قطاعا ليس بصغير من التيار الإسلامي, والفئات الفقيرة التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية أنه يعبر عن موجة شاملة يطلق عليها (البحث عن الهوية) والسعي إلى (أمة تركية متميزة).. وكلها شعارات تتعلق بأمجاد تركية تكاد تكون ذات مرجع واحد, تحظى بمظلة المؤسسة العسكرية التركية, وأن كانت الحركة القومية التركية في دفاعها عن الهوية التركية تختلف مع الجنرالات الذين يفضلون التوجه نحو الغرب, بينما يطالب القوميون بالتوجه نحو التكامل مع آسيا الوسطى والقوقاز, لاسيما وأن أوروبا ترفض حتى اليوم قبول تركيا عضوا في الاتحاد الأوروبي رغم استجابتها للكثير من شروط هذا الاتحاد, لاسيما في التوجه العلماني السياسي والاجتماعي و الاقتصادي, كما تنتقد أوروبا موقف تركيا من محاكمة أوجلان وقضية حقوق الإنسان وكلا التياران اليساري واليميني القومي يدعو إلى مزيد من الشراكة والتحالف مع إسرائيل.
وخطورة الأمر في هذا التحالف اليساري واليميني القومي التركي, بمباركة المؤسسة العسكرية التركية , ودعم إسرائيل, سيدفع تركيا المنبوذة أوروبيا, والباحثة عن أمجادها القديمة, قد تجر المنطقة إلى أزمات إذا ما أظهرت تشددا مع إيران وسوريا واليونان, وهو ما تدفع إسرائيل إليه تركيا بزعم أن ذلك سيعزر موقعها في الناتو ويقنع الاتحاد الأوروبي بقبولها عضوا فيه . فإذا ما وضعنا في الاعتبار أنه بعد البلقان تعتبر مناطق بحر قزوين والشرق الأوسط والخليج هي المناطق المرشحة للأزمات في العصر المقبل. فإن قيام تركيا بتعزيز منطقة الحزام الأمني الذي تحاول إنشاءه من خلال عملياتها العسكرية في شمال العراق, كذلك تبني الحركة التركمانية في شمال العراق وإيران (منهم نصف مليون تركماني في العراق) والذي وصل إلى حد تدريب مجموعات منهم في مخيمات حزب العمل القومي التركي برعاية المخابرات التركية, وتطالب تركيا بحقوقهم السياسية والاقتصادية, كل ذلك أثار إيران ضد تركيا, خاصة وأن مسألة التعامل مع أكراد وتركمان إيران أصعب بكثير من التعامل مع قرنائهم في العراق, كما أن معسكرات حزب العمال الكردستاني في إيران تتمتع بالحماية الإيرانية على عكس الوضع في شمال العراق حيث تفتقد السلطة المركزية في بغداد السيطرة على هذه المناطق, فإذا أضفنا إلى ذلك أن حزب العمل القومي التركي والذي تمثله حاليا الحركة القومية التركية التي تتمتع بـ 130 مقعداً في البرلمان تطالب بضم كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وأذربيجان وجنوب قبرص إلى تركيا الأم وهو ما أعلنه الكولونيل (الباأرسلان نوركيسي) مؤسس فصائل (الذئاب الرمادية) والذي يسعى لإثارة خيال الشعب التركي برسم عدائيات وهمية خارجية زاعما أنها تتربص بتركيا, إلى جانب اعادة التذكير بالصراع التاريخي مع الغرب وخريطة (سيفر) لتقسيم الأناضول.
ومازالت هذه هي شعارات حز ب الحركة القومية والمتضامن مع حزب اليسار.. لأدركنا حجم المخاطر التي ستتعرض لها تركيا في المستقبل وبالتالي المنطقة من وراء اتخاذ المنطلق القومي المتطرف سبيلا لحل مشاكل تركيا مع جيرانها, ذلك لأن أندفاع القيادة التركية إلى مغامرات سياسية وعسكرية لتحقيق هذه الأهداف, سيتسبب في حدوث مجازر دموية رهيبة أشد بكثير مما تعرضت له البوسنة وكوسوفو في التسعينات, ناهيك عما يمكن أن يسببه ذلك من تعميق عزلة تركيا اقليميا ودوليا, ويبعدها كثيرا عن أملها في الإنضمام للإتحاد الأوروبي.
ومما لاشك فيه أن إسرائيل لن تستطيع أن تساهم في حل كل هذه المشكلات الداخلية والخارجية التي تتعرض لها تركيا, بل على العكس من ذلك ستسعى إلى استغلال التوجه القومي اليميني المتطرف في تركيا في سكب مزيد من الوقود على النار التي سيشعلها القوميون الأتراك. لأن ذلك سيورط تركيا في المزيد من النزاعات والصراعات التي في محصلتها تركيا مهما حدث فهي منذ البداية وحتى النهاية دولة إسلامية كبرى, ينبغي في الرؤية الإسرائيلية بعيدة المدى أن يتم تعزيمها حتى لا تشكل أدنى مقاومة في المستقبل (للكومنولث العبري) التي تسعى إسرائيل لاقامته في منطقة الشرق الأوسط, تكون هي المهيمنة فيه سياسيا واقتصاديا وعسكريا على باقي دول المنطقة.
مشكلة انضمام تركيا للإتحاد الأوروبي
أما فيما تعلقه تركيا من آمال على إسرائيل لتساعدها في الانضمام للإتحاد الأوروبي, فذلك على عكس ما تخطط وتسعى إليه إسرائيل والولايات المتحدة معا. ذلك لأن كلاهما يستهدف أبعاد تركيا عن أوروبا, واقحامها في مشاكل الشرق الأوسط المستقبلية, بالنظر لما يعلقونه على تركيا من آمال عريضة في حل مشاكل المياه التي ستتعرض لها المنطقة في العقد المقبل, والتي ستكون محور النزاع العربي الإسرائيلي مستقبلا. وبالتالي سيظل مستقبل تركيا اقليميا رهنا بمصير انضمامها للإتحاد الأوروبي, وطالما بقي هذا الطلب معلقا, فسيستمر التشتت بين الهوية الغربية والشرقية يسود المجتمع التركي. وهو تشتت ليس ناجما عن صراع داخلي كما حدث في عام 1997 وأدى بالعلمانيين والمؤسسة العسكرية إلى إزاحة اربكان زعيم حزب الرفاة الإسلامي عن الحكم وحل الحزب ولكنه تشتت يمثل انعكاسا لما تعانيه تركيا منذ أربعين سنة بحثا عن هويتها, بالنظر لصعوبة إزالة جذور الإسلام العميقة والكامنة في نفوس أغلبية الشعب التركي على مدار القرون ولن تستطيع إسرائيل أن تسهل من الشروط التي يضعها الإتحاد الأوروبي لإنضمام تركيا له, وهي شروط عديدة وصعبة تتعلق بالديمقراطية والتعددية الحزبية وحقوق ومشاركة الأقليات في الحكم وتقرير مصيرهم وأساليب التعامل معهم, إلى جانب ابعاد المؤسسة العسكرية عن الحكم, وأن الدولة التركية ينبغي أن تقوم على سيادة القانون, قادرة على حل مشكلاتها على أساس المعرفة التكنولوجية, واقتصاد السوق, واحترام حقوق الإنسان, والتوافق مع القوانين والقواعد الدولية, وحماية البيئة الخ.
وهي شروط كثيرة وطريق طويل ليس قاصرا فقط على تحقيق معدلات نمو اقتصادي عال أو فتح بورصة أو إيقاف اعدام اوجلان, بل إن الأمر يتطلب تغييرات جذرية ينبغي على تركيا إدخالها في قوانينها السياسية والمدنية والاقتصادية وحتى الصحية. خاصة ما يتعلق منها بالأقليات لاسيما الكردية, ووضع المرأة في أقصى الأناضول, والموقف من الأحزاب الإسلامية وهي مخالفة للثوابت الأوروبية إلى جانب قضية توحيد قبرص واعتراف تركيا بها, والمشكلة التاريخية الخاصة بالمذابح التي تتهم أوروبا تركيا بإرتكابها ضد نصف مليون أرميني في عام ,1915 وضرورة تعويضهم. وهو القانون الذي تبنته الجمعية الوطنية الفرنسية أخيرا والذي سجلت فيه فرنسا تأييدها لحقوق الأرمن وضرورة تعويضهم.لذلك أصبح انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي مسألة تؤرق النخبة الحاكمة هناك وحالة عاطفية تتعلق بشرف الأمة التركية وتأكيد هويتها. في حين أن الكثير من الأتراك يختلفون مع هذا المفهوم, ويرون أن تركيا لو بذلك نصف الجهد الذي تبذله في محاولة الإنضمام للإتحاد الأوروبي قد بذلته في العمل على توجهها نحو جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية الغنية بمواردها, والتي تبحث عن قيادة لها لكان أجدى لتركيا, خاصة وأن بإمكانها إقامة تجمع اقتصادي مؤثر يؤهلها لتبؤ مركز قيادي في منطقة القوقاز, ويكون له انعكاسا على مركز تركيا على الساحتين الإقليمية والدولية, ناهيك عما تشكله هذه الدول من سوق واسعة للصادرات التركية التي يمكن أن يتضاعف حجمها بعد إنجاز مشروع جنوب شرق الأناضول الزراعي والصناعي الضخم. في حين ترى القوى المعارضة في تركيا والتي تضم الأكراد والمنضمون للتيار الإسلامي والعلويين أن انضمام تركيا للإتحاد الأوروبي سيكون خيرا لهم, لما يضمنه لهم الاتحاد من الحصول على حقوقهم الإنسانية, خاصة وأن حجم الأكراد في بلدان أوروبا والبالغ عددهم 4 مليون كردي يمكن لهم أن يشكلوا من خلال حكوماتهم ضغوطا على تركيا من داخل الاتحاد الأوروبي.
دور إسرائيل في إفساد علاقة تركيا بسوريا والعرب
عندما تأزم الموقف بين تركيا وسوريا في أواخر سبتمبر وأوائل أكتوبر 1998 بسبب حشد تركيا قواتها على حدود سوريا, وتهديدها بتوجيه ضربة عسكرية ضدها بزعم دعمها لحزب العمال الكردستاني الانفصالي الذي يثير الارهاب في ربوع تركيا سعى الرئيس المصري حسني مبارك إلى نزع فتيل الأزمة من خلال المهمة المكوكية التي قام بها آنذاك خلال أربعة أيام زار فيها كل من دمشق وأنقره عدة مرات حتى توصل إلى اتفاق مع الطرفين يقضي بخروج أوجلان زعيم الحزب الكردستاني من سوريا, واغلاق قواعد هذا الحزب في سوريا والبقاع اللبناني. وهو ما أكده فارس بويز وزير خارجية لبنان في 5/10/1998 خاصة ما يتعلق بمعسكر الأكراد في قرية حلوة المتواجدة على مسافة 2 كم من الحدود السورية.وقد اعترف بذلك أيضا وزير دفاع تركيا عصمت سيزوجين في 13 /10/ 1998 عندما صرح بأن بلاده تأكدت من أن سوريا قد أغلقت كل المعسكرات الإرهابية.
وتم بعد ذلك عقد اجتماع امني في قرية (أضنة) على الجانب التركي من الحدود مع سوريا في 19/10/1998 تم فيه توقيع الاتفاق الذي عرف بـ (اتفاق أضنة) والذي نص على ابعاد عناصر حزب العمال الكرستادني من الأراضي السورية والتي تسيطر عليها في لبنان, ومنعهم من عبور الحدود من سوريا إلى تركيا, وتبادل ممثلين أمنيين, واقامة خط ساخن بين البلدين. وقد ذكر وزير خارجية سوريا فاروق الشرع في هذا الصدد (إننا لا نريد أن تتحول تركيا إلى عدو للعرب). وبعد توقيع هذا الاتفاق حدث تعاون أمني اقتصادي ملموس بين البلدين تمثل في اجتماع لجنة أمنية مشتركة لأول مرة منذ 12 عاما, وزيادة حجم التبادل التجاري من 540 مليون دولار إلى مليار دولار, وتوقيع اتفاقيات لمنع الإزدواج الضريبي وتسهيل النقل والمواصلات وفتح الطريق للمستثمرين وحماية الاستثمارات المشتركة, وهو ما اعتبره المراقبون شهر عسل جديد بين البلدين أعقب طي ملف حزب العمال الكردستاني وتشكيل لجنة عمل مشتركة برئاسة وزير خارجية البلدين لوضع اعلان مبادئ ينظم العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية والمائية والحدودية بين البلدين, ووضع حد نهائي للخلافات بينهما. وقد تأكد التحسن في العلاقات بمشاركة الرئيس التركي (أحمد نجدت) في تشييع جنازة الرئيس الراحل حافظ الأسد.
وقد أزعج هذا التحول الإيجابي في العلاقات التركية السورية إسرائيل, لذلك سعت لافساد هذه العلاقات بدس معلومات بين البلدين تخدم أهدافها. فبينما كان نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام يستعد لزيارة أنقرة في نوفمبر عام ,2000 أوعزت الموساد إلى رئيس وزراء إسرائيل (يهود باراك) أن طائرة مدنية إيرانية قادمة من طهران في طريقها إلى دمشق تحمل أسلحة إلى حزب الله. فإتصل باراك بأجاويد رئيس وزراء تركيا وطلب منه اعتراض هذه الطائرة قبل هبوطها في دمشق.وبالفعل قامت طائرتان تركيتان من طراز (ف-16) باعتراض الطائرة الإيرانية المدنية في أول نوفمبر ,2000 وأجبرتها على الهبوط في القاعدة الجوية التركية في (ديار بكر), وتم تفتيش الطائرة ولم يجدوا شيئا من الأسلحة المزعومة, وكانت فضيحة مدوية داخل تركيا. وقد تبين بعد ذلك أن مجلس الأمن القومي التركي كان قد عقد جلسة في 27 /10/2000 لبحث استغلال زيارة خدام لحسم مستقبل العلاقات السورية التركية إزاء القضايا المعلقة بين البلدين, ففاجأت تركيا سوريا بتصعيد شروطها لتطبيع العلاقات, وذلك بوضع كافة القضايا الحساسة على رأس قائمة جدول أعمال زيارة خدام لأنقرة, مثل قضية لواء الاسكندرونة وضرورة اعتراف سوريا بأنه جزء من تركيا, وليس له حق المطالبة به مستقبلا, كما طالب مجلس الأمن القومي التركي الذي يسيطر عليه الجنرالات بإتفاق أمني جديد بديل عن اتفاق أضنة.
ولأن تركيا وجدت صعوبة في وقف عمليات حزب العمال الكردستاني, عادت مرة أخرى لإتهام دمشق وطهران بإيواء عناصر هذا الحزب وعرضت معلومات مدسوسة حصلت عليها من الموساد عن إعادة فتح معسكرات للحزب في لبنان, مع الإصرار على تبرير استخدام تركيا للسدود المقامة على نهري دجلة والفرات. وفي ذلك يقول أحد خبراء حلف الناتو: (لقد أعاد الجنرالات الأتراك في اجتماعهم الأخر رسم استراتيجيتهم الإقليمية على أساس قرار اتخذوه بأن يكون لتركيا دور ومشاركة في سيناريوهات الحرب المتوقعة بالتعاون الوثيق مع إسرائيل. وتزداد التهديدات التركية لسوريا مع تزايد التعاون بين دمشق وبغداد, خاصة وأن العراق أصبح محط تنافس بين دول المنطقة للحصول على عائدات النفط العراقي, إضافة إلى مؤشرات الإنفتاح الإيراني على العراق, حيث تنظر الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل إلى محور (دمشق بغداد طهران) باعتباره خط أحمر وكأنه اعلان حرب.. خاصة في ضوء اتفاق إسرائيل وتركيا على ضرورة المواجهة المشتركة لمشكلة الصواريخ الإيرانية (شهاب 4,3), والصواريخ السورية (سكود سي) التي طورت سوريا مداها إلى 500كم, وذلك بتدمير جميع المنشآت المتعلقة بهذه المشروعات, ومشروعات أخرى تزعم تركيا وإسرائيل أنها تتعلق بإنتاج أسلحة كيميائية وأخر ذات دمار شامل, ثم يضيف خبير الناتو قائلا: أن تصعيد الجنرالات الأتراك لمطالبتهم من سوريا في رفع سقفها إلى هذا المستوى, هو أمر غير معقول ويعكس حجم المؤامرة والمخاطر التي تحيق بسوريا, ووضع الرئيس السوري الجديد بشار الأسد موضع الاختيار.
وحقيقة الأمر أن هناك فئة ذات نفوذ قوي في تركيا تسعى لافساد علاقة تركيا بالدول العربية والإسلامية, وفي المقابل تحسين العلاقات التركية الإسرائيلية وهذه الفئة تعرف باسم (يهود الدونمة) الذين يتظاهرون بالإسلام في حين أنهم في حقيقتهم يدينون باليهودية, ولكل واحد منهم اسمان أحدهما مسلم والآخر يهودي. ويرجع أصول هذه الفئة إلى القرن الثامن عشر وما بعده عندما كان اليهود الأتراك يخشون بطش الدولة العثمانية بهم فأخفوا حقيقة يهوديتهم بإظهار إسلامهم, وقد تمكنت هذه الفئة شأنها في ذلك شأن باقي تجمعات اليهود في مختلف بلدان العالم من احكام سيطرتها على قطاعات عريضة في المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاعلامية في تركيا. وهي وراء حملات الكراهية التي تشنها تركيا ضد العالمين العربي والإسلامي, وهي المسئولة أيضا عن التناقض الظاهر في السياسة التركية بين الحفاظ على شبكة تحالفاتها التقليدية مع الناتو وإسرائيل والولايات المتحدة, وبين رغبتها في الإنفتاح على العالم العربي والإسلامي.

(ج) جدوى الشراكة الاستراتيجية بين تركيا وإسرائيل

تناولنا في الحلقة السابقة طبيعة التحالف أو الشراكة الإسرائيلية التركية وأهداف كل من الطرفين منها, وطموح تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي بمساعدة إسرائيل والشروط الصعبة التي وضعتها أوروبا لكي تنال تركيا ما تلهث وراءه منذ سنوات طوال.
وفي هذه الحلقة نتناول طبيعة الشروط الأوروبية ودور الكيان الصهيوني في افساد العلاقات العربية التركية خاصة في ظل سيطرة جنرالات الجيش التركي المعروفين بانحيازهم للصهيونية ومعاداة العرب.
شروط أوروبية
إن الشروط الأوروبية لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي كثيرة ومتعددة وليست فقط قاصرة على تحقيق معدلات نمو اقتصادي عال أو فتح بورصة أو إيقاف اعدام اوجلان, بل إن الأمر يتطلب تغييرات جذرية ينبغي على تركيا إدخالها في قوانينها السياسية والمدنية والاقتصادية وحتى الصحية. خاصة ما يتعلق منها بالأقليات لاسيما الكردية, ووضع المرأة في أقصى الأناضول, والموقف من الأحزاب الإسلامية وهي مخالفة للثوابت الأوروبية إلى جانب قضية توحيد قبرص واعتراف تركيا بها, والمشكلة التاريخية الخاصة بالمذابح التي تتهم أوروبا تركيا بارتكابها ضد نصف مليون أرميني في عام ,1915 وضرورة تعويضهم. وهو القانون الذي تبنته الجمعية الوطنية الفرنسية أخيرا والذي سجلت فيه فرنسا تأييدها لحقوق الأرمن وضرورة تعويضهم.لذلك أصبح انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي مسألة تؤرق النخبة الحاكمة هناك وحالة عاطفية تتعلق بشرف الأمة التركية وتأكيد هويتها. في حين أن الكثير من الأتراك يختلفون مع هذا المفهوم, ويرون أن تركيا لو بذلت نصف الجهد الذي تبذله في محاولة الإنضمام للإتحاد الأوروبي قد بذلته في العمل على توجهها نحو جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية الغنية بمواردها, والتي تبحث عن قيادة لها لكان أجدى لتركيا, خاصة وأن بإمكانها إقامة تجمع اقتصادي مؤثر يؤهلها لتبوؤ مركز قيادي في منطقة القوقاز, ويكون له انعكاس على مركز تركيا على الساحتين الإقليمية والدولية, ناهيك عما تشكله هذه الدول من سوق واسعة للصادرات التركية التي يمكن أن يتضاعف حجمها بعد إنجاز مشروع جنوب شرق الأناضول الزراعي والصناعي الضخم. في حين ترى القوى المعارضة في تركيا والتي تضم الأكراد والمنضمين للتيار الإسلامي والعلويين أن انضمام تركيا للإتحاد الأوروبي سيكون خيرا لهم, لما يضمنه لهم الاتحاد من الحصول على حقوقهم الإنسانية, خاصة وأن حجم الأكراد في بلدان أوروبا والبالغ عددهم 4 ملايين كردي يمكن لهم أن يشكلوا من خلال حكوماتهم ضغوطا على تركيا من داخل الاتحاد الأوروبي.
الدور الإسرائيلي
عندما تأزم الموقف بين تركيا وسوريا في أواخر سبتمبر وأوائل أكتوبر 1998 بسبب حشد تركيا قواتها على حدود سوريا, وتهديدها بتوجيه ضربة عسكرية ضدها بزعم دعمها لحزب العمال الكردستاني الانفصالي الذي يثير الارهاب في ربوع تركيا سعى الرئيس المصري حسني مبارك إلى نزع فتيل الأزمة من خلال المهمة المكوكية التي قام بها آنذاك خلال أربعة أيام زار فيها كلاً من دمشق وأنقرة عدة مرات حتى توصل إلى اتفاق مع الطرفين يقضي بخروج أوجلان زعيم الحزب الكردستاني من سوريا, واغلاق قواعد هذا الحزب في سوريا والبقاع اللبناني. وهو ما أكده فارس بويز وزير خارجية لبنان في 5/10/1998 خاصة ما يتعلق بمعسكر الأكراد في قرية حلوة المتواجدة على مسافة 2 كلم من الحدود السورية.وقد اعترف بذلك أيضا وزير دفاع تركيا عصمت سيزجين في 13 /10/ 1998 عندما صرح بأن بلاده تأكدت من أن سوريا قد أغلقت كل المعسكرات الإرهابية.
وتم بعد ذلك عقد اجتماع امني في قرية (أضنة) على الجانب التركي من الحدود مع سوريا في 19/10/1998 تم فيه توقيع الاتفاق الذي عرف بـ (اتفاق أضنة) والذي نص على ابعاد عناصر حزب العمال الكردستاني من الأراضي السورية والتي تسيطر عليها في لبنان, ومنعهم من عبور الحدود من سوريا إلى تركيا, وتبادل ممثلين أمنيين, واقامة خط ساخن بين البلدين. وقد ذكر وزير خارجية سوريا فاروق الشرع في هذا الصدد (إننا لا نريد أن تتحول تركيا إلى عدو للعرب). وبعد توقيع هذا الاتفاق حدث تعاون أمني اقتصادي ملموس بين البلدين تمثل في اجتماع لجنة أمنية مشتركة لأول مرة منذ 12 عاما, وزيادة حجم التبادل التجاري من 540 مليون دولار إلى مليار دولار, وتوقيع اتفاقيات لمنع الإزدواج الضريبي وتسهيل النقل والمواصلات وفتح الطريق للمستثمرين وحماية الاستثمارات المشتركة, وهو ما اعتبره المراقبون شهر عسل جديداً بين البلدين أعقب طي ملف حزب العمال الكردستاني وتشكيل لجنة عمل مشتركة برئاسة وزير خارجية البلدين لوضع اعلان مبادئ ينظم العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية والمائية والحدودية بين البلدين, ووضع حد نهائي للخلافات بينهما. وقد تأكد التحسن في العلاقات بمشاركة الرئيس التركي أحمد نجدت سيزار في تشييع جنازة الرئيس الراحل حافظ الأسد.
أكذوبة الموساد
وقد أزعج هذا التحول الإيجابي في العلاقات التركية السورية إسرائيل, لذلك سعت لافساد هذه العلاقات بدس معلومات بين البلدين تخدم أهدافها. فبينما كان نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام يستعد لزيارة أنقرة في نوفمبر عام 2000, أوعزت الموساد إلى رئيس وزراء إسرائيل (ايهود باراك) أن طائرة مدنية إيرانية قادمة من طهران في طريقها إلى دمشق تحمل أسلحة إلى حزب الله. فاتصل باراك بأجاويد رئيس وزراء تركيا وطلب منه اعتراض هذه الطائرة قبل هبوطها في دمشق.وبالفعل قامت طائرتان تركيتان من طراز (اف 16) باعتراض الطائرة الإيرانية المدنية في أول نوفمبر 2000, وأجبرتها على الهبوط في القاعدة الجوية التركية في (ديار بكر), وتم تفتيش الطائرة ولم يجدوا شيئا من الأسلحة المزعومة, وكانت فضيحة مدوية داخل تركيا. وقد تبين بعد ذلك أن مجلس الأمن القومي التركي كان قد عقد جلسة في 27/10/2000 لبحث استغلال زيارة خدام لحسم مستقبل العلاقات السورية التركية إزاء القضايا المعلقة بين البلدين, ففاجأت تركيا سوريا بتصعيد شروطها لتطبيع العلاقات, وذلك بوضع كافة القضايا الحساسة على رأس قائمة جدول أعمال زيارة خدام لأنقرة, مثل قضية لواء الاسكندرونة وضرورة اعتراف سوريا بأنه جزء من تركيا, وليس له حق المطالبة به مستقبلا, كما طالب مجلس الأمن القومي التركي الذي يسيطر عليه الجنرالات بإتفاق أمني جديد بديل عن اتفاق أضنة. ولأن تركيا وجدت صعوبة في وقف عمليات حزب العمال الكردستاني, عادت مرة أخرى لإتهام دمشق وطهران بإيواء عناصر هذا الحزب وعرضت معلومات مدسوسة حصلت عليها من الموساد عن إعادة فتح معسكرات للحزب في لبنان, مع الإصرار على تبرير استخدام تركيا للسدود المقامة على نهري دجلة والفرات. وفي ذلك يقول أحد خبراء حلف الناتو: لقد أعاد الجنرالات الأتراك في اجتماعهم رسم استراتيجيتهم الإقليمية على أساس قرار اتخذوه بأن يكون لتركيا دور ومشاركة في سيناريوهات الحرب المتوقعة بالتعاون الوثيق مع إسرائيل. وتزداد التهديدات التركية لسوريا مع تزايد التعاون بين دمشق وبغداد, خاصة وأن العراق أصبح محط تنافس بين دول المنطقة للحصول على عائدات النفط العراقي, إضافة إلى مؤشرات الإنفتاح الإيراني على العراق.
دمشق بغداد طهران وتنظر الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل إلى محور (دمشق بغداد طهران) باعتباره خطاً أحمر وكأنه اعلان حرب.. خاصة في ضوء اتفاق إسرائيل وتركيا على ضرورة المواجهة المشتركة لمشكلة الصواريخ الإيرانية (شهاب 4,3), والصواريخ السورية (سكود سي) التي طورت سوريا مداها إلى 500 كلم, وذلك بتدمير جميع المنشآت المتعلقة بهذه المشروعات, ومشروعات أخرى تزعم تركيا وإسرائيل أنها تتعلق بإنتاج أسلحة كيميائية وأخرى ذات دمار شامل, ثم يضيف خبير الناتو قائلا: ان تصعيد الجنرالات الأتراك لمطالبتهم من سوريا في رفع سقفها إلى هذا المستوى, هو أمر غير معقول ويعكس حجم المؤامرة والمخاطر التي تحيق بسوريا, ووضع الرئيس السوري بشار الأسد موضع الاختبار. وحقيقة الأمر أن هناك فئة ذات نفوذ قوي في تركيا تسعى لافساد علاقة تركيا بالدول العربية والإسلامية, وفي المقابل تحسين العلاقات التركية الإسرائيلية وهذه الفئة تعرف باسم (يهود الدونمة) الذين يتظاهرون بالإسلام في حين أنهم في حقيقتهم يدينون باليهودية, ولكل واحد منهم اسمان أحدهما مسلم والآخر يهودي. ويرجع أصول هذه الفئة إلى القرن الثامن عشر وما بعده عندما كان اليهود الأتراك يخشون بطش الدولة العثمانية بهم فأخفوا حقيقة يهوديتهم بإظهار إسلامهم, وقد تمكنت هذه الفئة شأنها في ذلك شأن باقي تجمعات اليهود في مختلف بلدان العالم من احكام سيطرتها على قطاعات عريضة في المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاعلامية في تركيا. وهي وراء حملات الكراهية التي تشنها تركيا ضد العالمين العربي والإسلامي, وهي المسئولة أيضا عن التناقض الظاهر في السياسة التركية بين الحفاظ على شبكة تحالفاتها التقليدية مع الناتو وإسرائيل والولايات المتحدة, وبين رغبتها في الانفتاح على العالم العربي والإسلامي.

(د) مصالح تركيا الحقيقية مع العرب أم مع إسرائيل؟

تتمحور مشاكل تركيا مع سوريا في ثلاثة اتجاهات: المياه، الحدود، حزب العمال الكردستاني. وقد أغلقت سوريا ملف حزب العمال الكردستاني بابعاد أوجلان عن سوريا واغلاق معسكرات الحزب في البقاع. أما مشكلة الحدود والمتعلقة باقليم الاسكندرونة الذي كان في الماضي جزءاً من سوريا ثم انتزعته منها تركيا، فإن سوريا لم تعد تطالب به،
وإن كانت تربط التسليم بذلك رسميا والاعتراف بالحدود التركية الحالية كما تريد أنقرة بابرام اتفاق نهائي تقر فيه تركيا بحقوق سوريا في مياه الفرات. حيث تطالب سوريا بضخ 750 متراً مكعباً في الثانية من مياه الفرات اليها بالنظر لاحتياجاته سوريا المتزايدة من المياه مع تزايد عدد سكانها، إلا أن تركيا تصر على ضخ 500 متر مكعب في الثانية فقط، كما ترفض توقيع اتفاق نهائي لتوزيع مياه الفرات، وتطرح في المقابل فكرة توزيع المياه على أساس (الاستخدام الأمثل) أي الحاجات الفعلية لكل شعب، وقدرته على الاستفادة من المياه، ولكن المشكلة في هذا من وجهة نظر سوريا هي: في الجهة المنوط بها تحديد الاستخدام الأمثل للمياه ناهيك عن قيام تركيا بتقليل ضخ المياه عدة مرات الى سوريا، ووصول المياه اليها ملوثة. وتحاول تركيا طمأنة سوريا على أساس أن هناك استحالة مادية في حجز المياه تحت أي ظرف من الناحية التقنية، ذلك لأن المنشآت التركية مضطرة لتصريف ما لا يقل عن 350 متراً مكعباً/ثانية أي ثلث موارد الفرات. ولكن سوريا تجادل بأن ذلك مؤقتا، ولكن عند اكتمال السدود التركية سيتغير هذا الموقف، ومع انجاز قنوات التصريف والتي ستربط بين منطقة السدود وعمق الأناضول لري مئات الآلاف من الأفدنة بواسطة الخزانات المحيطة بالسدود، ستقل بالضرورة المياه التي ستسمح تركيا بمرورها لكل من العراق وسوريا. وقد سبق أن حجزت تركيا مياه الفرات شهرا كاملا عن العراق وسوريا، بدعوى ملء سد أتاتورك، ورفضت الطلب السوري بتقليص الفترة الى أسبوعين مما سبب أضرارا بالغة للزراعة في كل من العراق وسوريا، خاصة مع تكرار تخفيض حصة سوريا من المياه عدة مرات.
فإذا وضعنا في الاعتبار التهديدات التي أطلقها الرئيس التركي سليمان ديميريل في عام 1992 عند تدشين سد أتاتورك، والتي قال فيها: (إن سوريا والعراق لا يستطيعان المطالبة بحصة من النهرين التركيين بقدر يزيد على حصة تركيا من بترولهما).
وهو ما كرره مسعود يلماظ بعد ذلك معتبرا أن المياه هي (بترول بلاده)، لادركنا حجم التهديد التركي للبلدين العربيين والناتج عن استخدام تركيا للمياه كسلاح ضغط عليهما، خاصة وأن سد (ايلزوغ) على نهر دجلة والذي يقع على مسافة 65كم من الأراضي السورية ويهدد باغراق 52 قرية كردية و12 بلدة وتشريد 20 ألف نسمة، يمكنه أن يحرم سوريا نهائيا من هذه المياه لعدة أشهر.
وقد أثارت تركيا في المقابل مشكلة مياه نهر العاصي الذي ينبع من لبنان ويصب في تركيا عبر سوريا، ولا يزيد تصريفه على 459 مليون م مكعب تشكل 1.8% من إجمالي تدفق مياه نهر الفرات. ولن يضير سوريا الاتفاق على توزيع مياهه اذا ما تم ذلك في اطار اتفاق أشمل يتم فيه أيضا توزيع مياه الفرات ودجلة، بل ويشمل تسوية قضايا الحدود كذلك.
وتزداد حاجة تركيا الى تطبيع علاقاتها مع سوريا مستقبلا، بالنظر لما تشير اليه التقديرات حول وجود مخزون ضخم من الغاز الطبيعي في سوريا، في ذات الوقت الذي تزداد فيه حاجة تركيا من الغاز بأكثر من الصفقة التي عقدتها مع إيران في أواخر عام 1996، حيث يزداد الطلب التركي الى نحو 25 مليار متر مكعب في عام 2010 في مقابل 10 مليارات متر مكعب في عام 1998، في حين أن الصفقة مع إيران توفر في المتوسط 4 مليارات متر مكعب فقط سنويا.
مستقبل العلاقات التركية الإيرانية
تتغير العلاقات التركية الإيرانية صعودا وهبوطا ارتباطا بعدة قضايا، أبرزها ما توجهه تركيا من اتهامات لإيران بتصدير عوامل التطرف الديني اليها، ودعم التيارات الدينية السلفية في تركيا ذات التوجه السياسي (حزبي الرفاه والفضيلة) بالاضافة الى تشكيل فرع لحزب الله يعمل داخل تركيا. كذلك دعم حزب العمال الكردستاني والطائفة العلوية المتواجدة في تركيا. في مواجهة ذلك تدعم تركيا المعارضة الإيرانية والمتمثلة في منظمة (مجاهدي خلق) والتي تشن من وقت لآخر هجمات ضد السلطات الإيرانية في داخل إيران. كما توجه إيران اتهامات لتركيا بأنها تسمح للطائرات الإسرائيلية ومحطات التنصت الإسرائيلي المتواجدة بالأراضي التركية بالتجسس على إيران، بل وتشير طهران لوجود اتفاق بين إسرائيل وتركيا يسمح للأولى باستخدام الأجواء التركية من أجل توجيه ضربة جوية ضد المنشآت الصاروخية والنووية والعسكرية والاستراتيجية الأخرى في إيران.
وقد تصاعدت حدة التوتر بين البلدين في يوليو 1999 عندما قصفت المقاتلات التركية قرية (بيراتشين) الإيرانية القريبة من الحدود مع تركيا. ثم جرت بعد ذلك مفاوضات أمنية في 28 يوليو 1999 انتهت بتوقيع اتفاق أمني في 13 أغسطس من نفس العام نص على التنسيق في مكافحة أعمال الارهاب. ولم تستطع تركيا اقناع إيران بملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي الإيرانية كما تفعل مع العراق، أو حتى اجراء عمليات تفتيش مشتركة. ولكن تأزمت العلاقات مرة أخرى بين البلدين في نوفمبر 2000 عندما أجبرت طائرتان تركيتان (اف16) طائرة مدنية إيرانية على الهبوط في قاعدة جوية تركية في ديار بكر، وقامت بتفتيشها بحثا عن أسلحة متوجهة الى حزب الله في لبنان ولم تجد شيئا.
إلا أن هذا التوتر في العلاقات بين البلدين لم يمنعهما من توقيع ما أطلق عليه (صفقة العصر) بواسطة نجم الدين أربكان رئيس وزراء تركيا في طهران عام 1995، والتي تسمح لإيران بتصدير 90 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الى تركيا خلال 20 عاما مقابل 23 مليار دولار. تبدأ بتصدير 3 مليارات متر مكعب سنويا اعتبارا من عام 1998، تزيد الى 10 مليارات متر مكعب في عام 2005 وحتى نهاية مدة الاتفاق. والغريب أن هذا الاتفاق تم توقيعه رغم مشاركة تركيا للولايات المتحدة في تنفيذ استراتيجية (الاحتواء المزدوج) التي تحاصر كلاً من العراق وإيران، ورغم (قانون داماتو) الذي أصدره الكونجرس كعقاب على إيران.
وما كان لأربكان أن يوقع هذه الصفقة لو كانت العلاقات عدائية بين البلدين، والدليل على ذلك أن اتهامات جنرالات تركيا لإيران بدعم التطرف الديني انخفضت بعد ازاحة أربكان، مما يعزز القول بأن هذه الحملة كانت جزءا من الحملة على أربكان نفسه.
خلاصة القول
ينبغي على تركيا أن تدرك حقيقة مهمة وهي أنه رغم مظاهر القوة التي تتمتع بها إسرائيل حاليا، فإن هذه الدولة الى زوال. وهو ما يتنبأ به حاخامات إسرائيل وقادتها، وآخرهم المفكر اليهودي (يعقوب شاريت) ابن موسى شاريت أول وزير خارجية لإسرائيل، وثاني رئيس وزراء لها في كتابه (دولة إسرائيل زائلة). حيث خلص الى حقيقة مهمة مفادها حتمية زوال إسرائيل، وأنها دولة مرحلية، أيامها معدودة. ويعزو شاريت زوال إسرائيل الى أسباب وعوامل كثيرة منها عدم امكان محو فلسطين من عقول وقلوب سكانها الأصليين الذي يتحينون الفرص لاستعادتها من جديد، الى جانب تراجع عملية التسوية مع العرب بسبب عجرفة القيادات الإسرائيلية، ويتنبأ بأن الحرب مع العرب قادمة لا محالة وستكون في صالحهم، كما يصف البرنامج النووي الإسرائيل بـ(العبثية) لأن الرد العربي سواء كان بأسلحة كيميائية أو بيولوجية فيه نهاية إسرائيل. هذا بالاضافة لسيطرة ما أسماهم (هواة الخراب والتدمير وسفك الدماء) على النخبة الحاكمة في إسرائيل، ناهيك عن الزيادة المتعاظمة في معدل النمو السكاني لدى العرب، خاصة الفلسطينيين، والتي ستجعل إسرائيل في النهاية بمثابة جزيرة صغيرة منعزلة وسط بحر متلاطم من العرب.
ويستدعي الكثيرون من الإسرائيليين شبه العاقلين من ذاكرة التاريخ دولة الصليبيين التي قامت في فلسطين في القرن الثاني عشر ودامت 192 سنة، ثم انتهت وعادت الأرض لأصحابها العرب، ورجعت فلول المنهزمين الصليبيين تجرجر أذيال الخيبة والفشل الى بلدانها في أوروبا. فاذا كان هؤلاء الصليبيون قد وجدوا مأوى لهم في بلدانهم بعد عودتهم لها، فمن سيأوي الإسرائيليين عندما تطيح بهم الغضبة العربية العارمة والقادمة لا محالة؟ أغلب الظن أنه سينفذ فيهم سيناريو (الماسادا) عندما انتحر اليهود في قلعتهم بعد حصارها بالرومان في عام 450م.
إذن على ماذا تراهن تركيا في شراكتها الاستراتيجية مع إسرائيل؟ لاشك أنها تراهن على حصان خاسر، حتى ولو كان هذا الحصان يلقى دعما ومساندة من أمريكا، خاصة وأن أصواتا في الولايات المتحدة ارتفعت تشكك في جدوى التحالف الأمريكي الإسرائيلي، وأن إسرائيل أصبحت عبئا على الولايات المتحدة وليست رصيدا استراتيجيا لها، لاسيما بعد أن أظهرت ميولا عدوانية كثيرة تجاه أمريكا، تمثلت في عمليات التجسس الإسرائيلي المتلاحقة على أسرار الأمن القومي الأمريكي، وبيع تكنولوجيا الأسلحة الإسرائيلية ذات الأصل الأمريكي لدول معادية للولايات المتحدة مثل الصين.
وبالتالي على تركيا أن تدرك أن مصالحها الحقيقية مع العرب وأن أول خطوة ستخطوها تركيا في ابتعادها عن إسرائيل ستقابل بخطوات كثيرة من جانب العرب ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، ولكن أيضا في قضايا أخرى تهم تركيا مثل مشاكلها مع اليونان وقبرص وأرمينيا وروسيا ودول بحر قزوين ستجد مساندة العرب لها في كل هذه القضايا.