بسم الله الرحمن الرحيم
( تعالوا نؤمن ساعة ) متفكرين في ما يوحي به قوله تعالى :
( .... ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم و أخر ) . القيامة /13
والتفكير فريضة إسلامية

أفتتح هذا المقال بهذه الجملة ( تعالوا نؤمن ساعة ) الوجيزة في حروفها ومبانيها الكبيرة في دلالاتها ومعانيها تُرى هل خطر في بالك ( قارئي العزيز ) أن هذه العبارة كان يقولها أصحاب رسول الله – عليه الصلاة والسلام - إذا انشغلوا بأعمالهم الدنيوية التي كانت تنسيهم ذكر الله (أحيانا ) وهم على ما هم عليه من قوة الإيمان وصدق الإسلام وهذا ليس نقصاً فيهم فالإنسان نَسّاء بجبلته كما قال الشاعر :
وما سمي الإنسان إنساناً إلا لنسيه ولا القلب إلا أنه يتقلب
وفي حديث رواه ابن عباس ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )
فهذا القسم معفو عنه اتفاقاً , قال المحققون : ( قاعدة الفقهاء إن النسيان والجهل يسقطان الإثم مطلقاً ) .
فالصحابة بشر قد ينسى أحدهم ويغفل في لحظة من اللحظات لكنهم سرعان ما يعودون إلى اليقظة فهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فإذا استشعروا بنوع من التقصير الذي كانوا يعدونه ذنباً وغفلةً استغفروا الله منه لقوة إيمانهم وصدق إسلامهم حتى بلغ الأمر ببعضهم أن عد هذا نوعاً من النِفاق العملي كما فعل ( حنظلة ) حين رأى الفرق بين إيمانه وهو عند رسول الله وفي مجلسه فإذا غاب عنه نسي كثيراً .
ولندع ( حنظلة ) يحدث عن حالته هذه بنفسه , يقول: جئت إلى رسولا الله – عليه الصلاة والسلام – فقلت : ( يا رسول الله نافق حنظلة ) فقال – عليه الصلاة والسلام – ماذا بك يا حنظلة وما أمرك ؟ قلت يا رسول الله نكون عندك فتحدثنا عن الجنة والنار كأنا نراهما رأي العين فإذا غبنا عنك وعافسنا الزوجات والأولاد والضيعات نسينا كثيراً , ظن أن هذا نوع من النِفاق ...! .
فقال : – عليه الصلاة والسلام – يا حنظلة - والذي نفسي بيده لو تدومون كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة في الطرقات ولكن ساعة .... وساعة .. أي وقت تتفرغ فيه للعمل والكد والكدح في الدنيا ووقتٌ للطاعة والعبادة والذكر فارتاحت نفسه و اطمأن قلبه لكلام رسول الله – عليه الصلاة والسلام - .
كانوا يتذاكرون ويذكرون نعمة الإسلام عليهم وبعثة رسوله وفضله الذي أنقذهم الله به من النار وألف بين قلوبهم المتنافرة كما قال جل وعلا : (و ألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في أرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيزٌ حكيم ) . الأنفال / 63
وقال جل ثناؤه مبيناً نعمة الإسلام عليهم وتأليفه لقلوبهم وإنقاذهم من النار فقال : ( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبن الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) . آل عمران / 103
قد تستغرب ( قارئي العزيز ) هذا الكلام ... تعالوا نؤمن ساعة صادراً من أصحاب رسول الله – عليه الصلاة والسلام – لما تعلم من قوة إيمانهم وصدق يقينهم لكن لا استغراب إذا علمنا أن الإنسان نسّاء وقد نسي أبو البشر الأول آدم – عليه السلام – كما قال تعالى : ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً ) . طه / 115 , وقد علمنا أن النسيان لا إثم فيه لكن في حق الأنبياء هو خلاف الأولى ولذلك كان معصيةً .
و لما كان النسيان أمرا عارضاً للإنسان حذر الله تعالى المؤمنين من الوقوع في نسيان الله عز وجل قال تعالى : ( ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون )الحشر /19
فالآية تنهى المؤمنين عن نسيان الله أي عن ذكره أو تذكره لأنه سبب لفسوقه وعصيانه .
وهذا معنى الحديث ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ... ) , إذ لو كان مستذكراً مراقبة الله له ما وقع في المعصية وهذا النسيان هو الذي جعل كثيراً من ذرية آدم يقعون في الذنوب الصغيرة والكبيرة لأنهم بشر وكل بني آدم خطاء لكن الله فتح أمامهم باب التوبة واسعاً فإذا أذنوا رجعوا إلى الله وتابوا وأنابوا حتى المتقين منهم كما قال تعالى : ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) . الأعراف / 201
ونحن اليوم بأمس الحاجة وأشدها إلى أن يقول بعضنا لبعضٍ ( تعالوا نؤمن ساعة ) إذ ما أكثر غفلاتنا وما أبعد المسافة بيننا وبين ذكر الله وما أشد حرصنا وتهالكنا على الدنيا والجري وراء زينتها ومشتهياتها , كما قال الله تعالى : ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع حياة الدنيا والله عنده حسن المآب ) آل عمران / 14 حتى كدنا ننسى أنا مسلمون في هذا الخضم الهائل والبحر المتلاطم من الملهيات الصارفة عن ذكر الله تعالى والتي تعج بها بيوتنا وتحيط بنا من كل جانب فأنستنا ذكر الله كثيراً وقد قال تعالى : ( واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون ) الجمعة /10 وما أبعد الفرق بين أن تنسينا الدنيا ذكر الله كثيراً وبين قوله تعالى : ( واذكروا الله كثيراً ) .
لذلك أحببت في هذه العجالة ( ونحن في عصر السرعة ) أن أذكّر إخواني المؤمنين وأخواتي المؤمنات في كلمة قصيرة ومقال موجز ( بدلاً من كتابٍ مسهب يعجز عن قراءته ) اُذكرهم بحاضرهم وما هم فيه من غفلة ومستقبلهم الآيلين إليه إن عاجلاً أو أجلاً , وقد قال تعالى : (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) الذاريات / 55وقال جل شأنه : ( فذكر إن نفعت الذكرى سيذَّكر من يخشى ) . الأعلى / 9
تقول إحدى الحكم : ( مسكين ابن آدم لو أنه خاف النار كما يخاف الفقر لنجا منهما جميعاً , ولو أنه رغب في الآخرة كما يرغب في الدنيا لربحهما جميعاً , ولو أنه خاف الله كما يخاف الخلق لسعد في الدارين ) .
عود على الآية ( قارئي العزيز ) لاشك أنك قرأت الآية الكريمة : ( ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ) مرات كثيرة في القرآن الكريم , وقرأها غيرك أيضا لكنكم لم تتدبروها كما يجب ولو أنكم فكرتم فيها لكانت فاتحة خير وخاتمة سلام وقارب نجاة في هذا البحر المتلاطم بالشهوات والمغريات و الصوارف والملهيات .
والقرآن كله آيات بينات ومحطات تعبئة إيمانية في طريق العبد إلى الله تعالى يتزود منها ضرورات حياته وحاجاته التي لا حد لها في دنياه وآخرته , وقد قال تعالى : ( كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ ليدبروا آياته ) ص / 29 , وقال جل في علاه : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) محمد / 24 .
فتعال قارئي الكريم نطوف حول هذه الآية أو هذه الزهرة الفواحة وبين جنباتها نستشم أريجها ونستمتع بعبقها وما توحي من دلالاتٍ ومعاني علّنا ( نؤمن ساعة) على حد قول الشاعر :
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح
الآية صرخة في وجوه الغافلين وصيحة قوية في آذان النائمين وإنذار للمخدرين وصحوةٌ للمخدوعين بترهات الحياة وزينتها الفانية التي قال الله تعالى عنها : ( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعبٌ ولهوٌ وزينةٌ وتفاخرٌ بينكم وتكاثرٌ في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذابٌ شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) الحديد / 20 .
إنها تنبئهم عن غيب قادم ووقفة طويلة مؤلمة مخجلة وموقف رهيب لا مفر منه إنها تنذر الناس اليوم أن أفيقوا واستيقظوا قبل فوات الآوان وحصول الخذلان وهلاك الأبدان ولا تكونوا من الغافلين اللاهين فأقوالكم وأفعالكم من حركات وسكنات ما دق منها وما جل محصية عليكم في سجل محفوظ منذ بلوغكم إلى موتكم ساعة ساعة ولحظة لحظة في ( كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحدا )
وهذا معلوم لدى كل مؤمن قارئٍ كتاب الله عز وجل يقول تعالى : ( وكلَّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) الإسراء / 13 .
إنه عدلٌ ما بعده عدل إذ يقال لك ( اقرأ كتابك ) أي سجل أقوالك وأفعالك اقرأ أنت لا نحن قائمة طويلة طول عمرك فيها حسناتك وسيئاتك , خيرك وشرك , إيمانك وكفرك , طاعتك ومعصيتك , وهذا معلوم ضرورة ولا أريد أن استرسل فيه فأول الآية تصرح بهذه الحقيقة وهي ( ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم ) , وكذلك : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ) الزلزلة / 7
لكن الذي يغفل عنه الكثيرون ولا يتنبهون إليه هو ( ..... وأخر ) , وهذا ما أريد التوسع فيه قليلاً فإذا كان ما قدمه الإنسان معلوماً حسابه ولا مفر منه ( في يوم الحساب ) فما معنى( ... وأخر )
إنه يعني من جملة ما يعني أن الإنسان يلاحق بأعماله التي عملها في الدنيا بعد الموت أي مات لكن أعماله الباقية وآثاره شاهدة تلاحقه بعد الموت من خير أو شر فليس ما قدم من أعمال هي الوحيدة ولا شيء غيرها إنما ( .... ما أخر ) أيضا تلحقه وتضاف إلى ما قدمه فإن كانت خيراً استمر خيرها دون انقطاع و الحقت به يوم القيامة الذي هو آخر يوم من الدنيا بمعنى أنه يتنعم بخيراته في ( عالم البرزخ ) الذي هو العالم الوسط بين عالمي الدنيا والآخرة , ومن هذه الاعمال على سبيل المثال : ( الصدقات الجارية كبناء المساجد ودور العلم و المشافي و المياتم ودور العجزة و المبرات الأخرى وهي كثيرة ) .
وكذلك ينتفع بعمل ولده الصالح إذا دعا لوالده ومثلهما ( علم ينتفع به ) كما جاء في الحديث الصحيح : ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) رواه أبو هريرة
فهذه الآثار التي هي ثمرات أعماله الخيرة لا ينتهي أجرها إلى يوم القيامة ليس هذا فقط وإنما يزداد ثوابه بها أضعاف ما تصدق به فهي تنمو عند الله عز وجل حتى تكون كالجبال فيقول صاحبها حين يراها أي رب إنما قدمته من صدقات لا يبلغ هذا المقدار فيقول الله تعالى له كنا نربيها لك وفي الحديث ( إن الله يربي صدقة عبده كما يربي أحدكم فُلْوه ) وهو الحيوان الصغير لهذا كان – عليه الصلاة والسلام- يقول لبعض أصحابه : ( تصدق ولو بشق من تمرة ) وجاء عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وعن أبيها أنها تصدقت بتمرة فقالت لها خادمتها ماذا تصنع له تمرة قالت ترى كم ذرة فيها والله يقول : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ) ومثل الصدقات ( علم ينتفع به ) أي ما يورّثه العلماء من بعدهم من العلوم النافعة التي ينتفع بها الناس تعلماً وتعليماً وكتابةً ونشراً وتأليفاً ودعوةً إلى الله عز وجل وإلى دينه وشريعته وسنة نبييه عليه الصلاة والسلام ومكارم الأخلاق , فيكتبون ويؤلفون وينشرون ويدعون بقولهم و قالهم وكتاباتهم ومقالاتهم .
جاء في الأثر : ( إن الله وملائكته وأهل سماواته وأهل أرضه حتى الطير في الهواء والسمك في الماء ليصلون على معلم الناس الخير ) , وكل من يقرأ لهؤلاء مما كتبوه أو نشروه ودعوا إليه وسار عليه من بعدهم ممن تأثروا به لهم بذلك أجر ففي الحديث الصحيح ( من سنَّ سنةً حسنةً فله أجره وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) .
فهذه الأصناف الثلاثة ومن شابههم تلحقهم أجورهم وثواب أعمالهم وثمرا ت جهودهم وجهادهم بعد موتهم وهي مستمرة إلى يوم القيامة .
هذا باختصار معنى ( ... وأخر ) , في الجانب الإيجابي منه
وقسم أخر من شياطين الإنس وأتباعهم ( يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) الأنعام / 112
هؤلاء يسلكون مسلكاً أخر يضاد المسلك الأول وهم أيضاً تلحقهم تبعات أعمالهم الفاسدة بعد موتهم لا مفر منها ولا مخلص لأن ما فعلوه أو كتبوه أو سعوا إلى نشره من أباطيل بين الناس تظل آثارها السيئة بعدهم من الدعاة إلى رذائل الأخلاق والفساد في الأرض كالذين يؤلفون المسرحيات الفاسدة ويخرجون التمثليات الهابطة والمسلسلات الداعية إلى فساد الأخلاق في المجتمع ( من سرقة وقتل وخيانات زوجية أو وطنية ونشرٍ للرذائل ) وغيرها كثير فكل هؤلاء ومن يقوم بأداء الأدوار فيها من رجال ونساء ويتسببون في إشاعة القبائح والرذائل والأخلاق الفاسدة تلحقهم آثارها بعد موتهم استثني من ذلك ( التمثليات الهادفة للإصلاح الاجتماعي والأسري التي تدعوا إلى مكارم الأخلاق ونشر الفضائل والقيم الإنسانية الرفيعة )
فهؤلاء يندرجون في القسم الأول ولهم أجرهم حسب نياتهم وأدوارهم , فنحن لسنا ضد الفن ولا ننقص منه فالفن مرغوب فيه إذا قام بدوره الإيجابي وهو تراث قديم ورثته الأجيال , والفنانون الواعون المدركون لواجبهم الملقى على عواتقهم قادرون على نشر القيم الأصيلة التي تحقق لأمتهم العزة والرفعة والمجد عن طريق فنهم الأصيل والمبدع من أغنية هادفة ولحن جميل وأداء جيد لشرح قضايا أمتهم المصيرية وحقها في الحياة الكريمة الآمنة والمعيشة الطيبة والعزة والرفعة وبيان وجهة نظرها سواء في السلم أو في الحرب بالأغنية المعبرة واللحن المسموع والأداء الرصين على ألا يكون الهدف الوصول إلى الفن ... والفن فقط !
وإنما يكون ذلك وسيلة إلى غايات نبيلة وقيم رفيعة وأخلاق فاضلة كريمة ترنو إليها أمتهم وهي تشق طريقها إلى الحياة الآمنة والمعيشة الهنية والعزة والرفعة , الآية صرخة في وجوه أهل الضلال والشهوات المحرمة والظالمين لأنفسهم ولغيرهم كما قال تعالى ( وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ) , فقوله تعالى : ( ... و أخر ) يعني أن يلحق هؤلاء وأمثالهم من الآثام والذنوب من الكتّاب والمؤلفين الداعين إلى الفساد والإفساد والإلحاد والله لا يحب المفسدين يَقْدمُون قومهم ممن تأثروا بكتاباتهم وأفكارهم إلى النار وتأكيداً لهذه الحقيقة أي في الجانبين الإيجابي والسلبي للآية يقول – عليه الصلاة والسلام – من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً ) رواه أحمد في مسنده عن أبي هريرة – رضي الله عنه -فكما يترتب الثواب والعقاب على ما يباشره الإنسان ويزاوله يترتب كل منهما على ما هو سبب فعله كالإرشاد إليه والحث عليه فأعظمه هدى من دعا إلى الله وأدناه هدى من دعا إلى إماطة الأذى .
وحديث ( إذا مات الإنسان .... ) لا يعارض من دعا إلى هدى لأنه نبه بتلك الثلاثعلى ما في معناها من كل ما يدوم النفع به للغير, ويقول تعالى عن المضلين وأمثالهم ممن سبقوهم وكانوا سبباً في الضلالة لغيرهم : ( واتُبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود ) هود / 99
وبعد : تذكروا ساعة رحيلكم عن هذا العالم وقدومكم إلى العالم الآخر إلى ( .... وأخر ) ورحم الله من قال : دقات قلب المرء قائلة لـه إن الحياة دقائق وثواني
فارفع لنفسك عملاً تذكر بعده فالذكر للإنسان عمر ثاني
وللمزيد من التأكيد على اغتنام فرصة الحياة هذه فلتعلموا أن الساعات التي تمضي من حياتكم محسوبة لكم أو عليكم كما صرحت به الآية الكريمة ( ينبأ يومئذ بما قدم وأخر )
ولئلا يقول أحدكم حين يرى العذاب كما قال تعالى : ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربِّ ارجعون لعلي أعمل صالحاً ) المؤمنون / 99 .... و صالحاً فقط أو يقول : ( ليتني قدمت لحياتي ) الفجر / 26
لكن ليت لا تفيده شيئا وإنما هي مجرد تمنٍ لمستحيل ( فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد ) .
وأخيراً حبذا فكر أحدكم فيما كتبت وما هو فيه وما هو مقبل عليه في جلسة هادئة وحاسب نفسه بصدق وأمانة رحم الله عمر حيث قال : ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ) ثم تاب وأناب إلى الله الذي يعلم السر وأخفى فالندم توبة إن كان من قلب خالص والرجوع إلى الحق فضيلة وشجاعة قال الله تعالى : ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى) طه/ 82 والله يقول وهو يهدي إلى سواء السبيل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . والحمد لله رب العالمين
القامشلي في : 27/11/1423هـــــ
المـوافـق لـ : 25/10/ 2011 م خاشع ابن شيخ إبراهيم حقي