المرأة في الهدي النبوي
بقلم: د. محمد ياسر القضماني
عن موسى بن عمران بن أبي أنس عن جدته أم أنس أنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: جعلك الله في الرفيق الأعلى من الجنة، وأنا معك، قال: "أقيمي الصلاة فإنها أفضل الجهاد، واهجري المعاصي فإنها أفضل الهجرة، واذكر الله كثيراً، فإنه أحب الأعمال إلى الله" ([1]).
لا ينقضي عَجَبُ الناس من هِمَمِ خيرة الناس الصحابة!
امرأة شُحنت مع الأيام محبة لخير الأنام، لم يكن من رجائها في ابتداء اللقاء إلا الدعاء.
الدعاء بماذا؟!
تدعو لسيد الأولين والآخرين بدعوة عجيبة اجعلك الله في الرفيق الأعلى، هكذا الهمم العليَّة لا تطمح إلا للمعالي! ومن الرفيق الأعلى؟!
هم سادة الملائكة المقربين؛ فقد جاءت رواية: أسأل الله الرفيق الأعلى الأسعد، مع جبريل وميكائيل وإسرافيل. قالت عائشة رضي الله عنها فقلت إذاً لا يختارنا، وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به وهو صحيح، فكانت تلك آخر كلمة تكلم بها صلى الله عليه وسلم اللهم الرفيق الأعلى ([2]).
فهم رضي الله عنهم يسمعونه عليه الصلاة والسلام يشتهي ذلك، وهم يعرفون أن الدعاء بذلك يسعده، وأفضل الأعمال سرور تدخله على قلب مسلم؛ فكيف إذا كان هذا القلب هو أنقى وأطهر وأزكى قلب عرفه الوجود؟!
ما وقف الأمر عند هذا؛ إذ اللاّفت للنَّظر قولها: (وأنا معك)! ولو قلت لأم أنس هذه – أنس بن مالك أو غيره رضي الله عنهما – من أنتِ حتى تطمعين بهذا المقام الكبير؟!!
فلسوف تسمع منها ما ينفخ فيك روح الاعتزاز بالنسبة لأشرف إنسان!
وكأني بها تقول: سمعناه يقول: (أنت مع من أحببت؟!) ألا يحق لي أن أطمع وبخاصة إن كانت أم أنس الذي أهدته وتشرف بالخدمة عشر سنين.
إن الكرام إن خُدموا أكرموا، ولنبيِّنا كرامات وكرامات ورُتبٌ عليّات يوم القيامة، وعلمه مرفوع وقوله مسموع.
ورجاءه مشفوع، وعدوّه مدفوع فلماذا لا نطمع؟!
طمعي في مكانه، غير عابثة، أعرف أين أضع رجائي؟!
إن مقام الرجاء هذا سيؤهلّها لمرتبة عليّة؛ وبخاصة إن عملت – وهذا الظن بها – بهذه الوصايا!
كيف ستكون صلاتها بعد ذلك وقد جعلها إمام المصلين والخاشعين والمجاهدين أفضل الجهاد؟!
نخاطب الرجال والنساء: ما قال: صَلُّوا، ولا القرآن، قال: صلوا قال: أقيموا الصلاة! فكيف ترون؟!
وكيف لا يكون أمر قيامها بحق أفضل الجهاد؟!
إنها تتكرر ويتكرر الأمر بشروطها وأركانها وهيأتها وآدابها الكثيرة، ويتطاول الأمر في كل يوم وليلة والجهاد مع العدو بالسلاح إن طال فهو بضعة أيام!
والهجرة لا تظني بأنها انتهت؟! اهجري المعاصي فهي الهجرة بحق! إنَّ ترك بلد إلى بلد مجاهدة ومخالفة تنقضي ساعاتها، أما هجرة المخالفات والمنكرات يلازمنا حتى الممات!
كيف سيكون قلب ولسان أمّ أنس بعد هذه الوصية؟! هل سيشغلان بغفلة ولغو أم سيعمر القلب ويترطَّب اللسان بذكر الرحمن؟! والله لقد ذهبت هذه الوصية بالخير كله، والسعادة كلها!!


[1] أخرجه الطبراني في الكبير (25/149 ، رقم 359). قال الهيثمي (10/75): رواه الطبراني في الكبير والأوسط وقال أم أنس هذه ليست أم أنس بن مالك من طريق محمد بن إسماعيل الأنصاري عن يونس بن عمران بن أبي أنس، و كلاهما ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحًا، وبقية رجاله ثقات.

[2]الإيمان بالملائكة عليهم السلام للشيخ عبد الله سراج الدين ص 111 – 112.

عن نسيم الشام