النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: ليل حزين

  1. #1 ليل حزين 
    شاعر وقاص الصورة الرمزية محمد محضار
    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    89
    معدل تقييم المستوى
    14
    ليل مدلهم قاتل، وخطى شاردة على أرصفة الضياع.. وفراغ ..فراغ متناسل، وربما شعور بالعدمية، ليس هناك من قدرة على التفكير في شيء، بل بلبلة فكرية وتبدّد ذهنيٌّ مقيت، هكذا أحسَّ وهو سارح بين شوارع المدينة كالخفاش، يبحث عن أشياء يريدها أن تحدث، وأشياء حدثَت ولم يكتشفْها إلاّ بعد حدوثها..هذه المدينة العاهرة لم تمنحه قط ولو جزءً يسيراً من الفرحِ، فعلى أفاريزها تقام مشانقُ يومية لأَحلامه. ثم تدفن في عين المكان، " يا لطيف ألطفْ بعبدك من شر هذه المدينة اللئيمة... واحميه من ألسنة لهيبها، يا رحمة السماء ما هذا البؤس المتنامي الذي يتوالد كالفُطر حولي، فيشيع جوا من الكآبة واللاّمعنى".
    ليس هناك ما يَشدّه إلى هذا الليل المتعب الطويل، فغربته مستمرة وهَا مِشيّته تكاد تُلغى كل إحساس لديه بالوجود، "ليس هناك ما يُذكر ، إلا ليالي الألم وأيام الوخز، كل مرة اَستقبلُ أشكالا جديدة من الحزن، وأغرق في أزمات لا حدود لها من الأسى، يا زمن الفظاعة ..ما أبشعك ، قَهرتَني حطّمتني، أتلفتَ أعصابي، فلم أعد أدري من أنا".
    أخرج علبة سجائره، ووضع لفافة تبغ بين شفتيه ثم أشعلها ونفث دخانها بشراهة... وتابع سيره دون هدف أو غاية... أحس بالبرد يتسلل إلى جسده النحيف، رفع ياقة قميصه، فكر لحظة : قليلٌ من الجعة يمكن أن يمنحه بعض الدفء!!!، دخل أول حان صادفه، تسربت إلى خياشمه رائحة دخان السجائر، وصَمّتْ أذنيه أصواتْ السّكارى وقهقهاتهم المتداخلة مع أنغام اللحن الشعبي المجلجل في فضاء المكان، جلس بمواجهة الساقية السّمينة التي كانت تقف خلف الحاجز الخشبي، طلب ست جعات، فأسرعت تلبي طلبه، احتسى الأولى ثم الثانية، ومرت نشوة غريبة في أوصاله، وقال لنفسه "ليذهب المجتمع وقيوده إلى الجحيم" ثم واصل الاحتساء، حتى آتى على الزجاجات الست.. أشعل سيجارة نفت دخانها ببطء. وراح يمسح بعينيه المتعبتين فضاء القاعة.. كانت هناك وجوه مكدودة، فضل أصحابها ممارسة لعبة الهروب إلى الأمام، وكانت هناك ثرثرة وعربدة، ورؤوس تتمايل مع اللحن ،وجاءه صوت مبحوح من خلف ظهره:
    - هل أنت وحيد؟؟
    التفت نحو مصدر الصوت، فوجد أمامه مومسا ضامرة العود قد لطخت وجهها بالأصباع حتى صارت أشبه بمهرج سيرك وأجاب:
    - نعم وحيد، وأفضل أن أبقى وحيدا.
    - ابتعدت عنه، دون أن تعلق على كلامه.. طلب ست زجاجات أخرى، أقبل عليها بنهم مفرط، وأحس بعقدة لسانه تنفك، وانتابته رغبة قوية في الكلام، وقول أي شيء، وغابت كل المنغصات عن باله..
    التفت نحو جاره وكان شابا أنيقا، وقال بصوت عال؟
    جوع آخر
    عميق جدا وكاسر
    أكثر حمرة من الموت وأكثر صخب
    الجوع لامرأة أستطيع أن أضع وجهي بين نهديها
    وأعرف أنهما قد أُعطياني إلى الأبد
    وأنني لن أجوع أبدا
    ضحك الشاب وقال:
    - أنت تقول شعرا.
    رد عليه وهو يبتسم:
    - إنها أبيات من قصيدة مانفيستو للأديب الإنجليزي "لورنس"... لابد أنك سمعت عنه.
    إنه صاحب رواية "نساء في حب".
    ورد الشاب:
    - بكل صراحة أنا لا أعرف لورنس، لكن شعره جميل عرض عليه سيجارة... قبلها مبتسما، ثم مضى ينفث دخانها، وهو يضرب الأرض بكعب حذائه..
    مر الوقت سريعا.. وعندما غادر الحانة كان الليل في منتصفه.. وازددت رطوبة الجو.. أحس بمغص شديد في بطنه.. توقف فجأة ثم اتكأ على أحد الجدران وقذف ما في جوفه، شعر باختناق رهيب، وانسابت الدموع من عينيه.. حاول التماسك ووقف على الرصيف محاولا البحث عن سيارة تاكسي تنقله.. وفجأة غمرته أضواء كاشفة قوية.. تبين له فيما بعد أنها لسيارة كبيرة.. وسرعان ما وجد نفسه في مواجهة شرطين.. قاداه إلى داخلها.. وسمع أحدهما يصرخ به.
    - أنت في حالة سكر طافح
    فرد بصوت خافت
    - بل أنا مريض... أريد الذهاب إلى المستشفى..إنني أحتضر!!!




    محمد محضار خريبكة1991

    رد مع اقتباس  
     

  2. #2  
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    107
    معدل تقييم المستوى
    14
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد محضار مشاهدة المشاركة
    ليل مدلهم قاتل، وخطى شاردة على أرصفة الضياع.. وفراغ ..فراغ متناسل، وربما شعور بالعدمية، ليس هناك من قدرة على التفكير في شيء، بل بلبلة فكرية وتبدّد ذهنيٌّ مقيت، هكذا أحسَّ وهو سارح بين شوارع المدينة كالخفاش، يبحث عن أشياء يريدها أن تحدث، وأشياء حدثَت ولم يكتشفْها إلاّ بعد حدوثها..هذه المدينة العاهرة لم تمنحه قط ولو جزءً يسيراً من الفرحِ، فعلى أفاريزها تقام مشانقُ يومية لأَحلامه. ثم تدفن في عين المكان، " يا لطيف ألطفْ بعبدك من شر هذه المدينة اللئيمة... واحميه من ألسنة لهيبها، يا رحمة السماء ما هذا البؤس المتنامي الذي يتوالد كالفُطر حولي، فيشيع جوا من الكآبة واللاّمعنى".
    ليس هناك ما يَشدّه إلى هذا الليل المتعب الطويل، فغربته مستمرة وهَا مِشيّته تكاد تُلغى كل إحساس لديه بالوجود، "ليس هناك ما يُذكر ، إلا ليالي الألم وأيام الوخز، كل مرة اَستقبلُ أشكالا جديدة من الحزن، وأغرق في أزمات لا حدود لها من الأسى، يا زمن الفظاعة ..ما أبشعك ، قَهرتَني حطّمتني، أتلفتَ أعصابي، فلم أعد أدري من أنا".
    أخرج علبة سجائره، ووضع لفافة تبغ بين شفتيه ثم أشعلها ونفث دخانها بشراهة... وتابع سيره دون هدف أو غاية... أحس بالبرد يتسلل إلى جسده النحيف، رفع ياقة قميصه، فكر لحظة : قليلٌ من الجعة يمكن أن يمنحه بعض الدفء!!!، دخل أول حان صادفه، تسربت إلى خياشمه رائحة دخان السجائر، وصَمّتْ أذنيه أصواتْ السّكارى وقهقهاتهم المتداخلة مع أنغام اللحن الشعبي المجلجل في فضاء المكان، جلس بمواجهة الساقية السّمينة التي كانت تقف خلف الحاجز الخشبي، طلب ست جعات، فأسرعت تلبي طلبه، احتسى الأولى ثم الثانية، ومرت نشوة غريبة في أوصاله، وقال لنفسه "ليذهب المجتمع وقيوده إلى الجحيم" ثم واصل الاحتساء، حتى آتى على الزجاجات الست.. أشعل سيجارة نفت دخانها ببطء. وراح يمسح بعينيه المتعبتين فضاء القاعة.. كانت هناك وجوه مكدودة، فضل أصحابها ممارسة لعبة الهروب إلى الأمام، وكانت هناك ثرثرة وعربدة، ورؤوس تتمايل مع اللحن ،وجاءه صوت مبحوح من خلف ظهره:
    - هل أنت وحيد؟؟
    التفت نحو مصدر الصوت، فوجد أمامه مومسا ضامرة العود قد لطخت وجهها بالأصباع حتى صارت أشبه بمهرج سيرك وأجاب:
    - نعم وحيد، وأفضل أن أبقى وحيدا.
    - ابتعدت عنه، دون أن تعلق على كلامه.. طلب ست زجاجات أخرى، أقبل عليها بنهم مفرط، وأحس بعقدة لسانه تنفك، وانتابته رغبة قوية في الكلام، وقول أي شيء، وغابت كل المنغصات عن باله..
    التفت نحو جاره وكان شابا أنيقا، وقال بصوت عال؟
    جوع آخر
    عميق جدا وكاسر
    أكثر حمرة من الموت وأكثر صخب
    الجوع لامرأة أستطيع أن أضع وجهي بين نهديها
    وأعرف أنهما قد أُعطياني إلى الأبد
    وأنني لن أجوع أبدا
    ضحك الشاب وقال:
    - أنت تقول شعرا.
    رد عليه وهو يبتسم:
    - إنها أبيات من قصيدة مانفيستو للأديب الإنجليزي "لورنس"... لابد أنك سمعت عنه.
    إنه صاحب رواية "نساء في حب".
    ورد الشاب:
    - بكل صراحة أنا لا أعرف لورنس، لكن شعره جميل عرض عليه سيجارة... قبلها مبتسما، ثم مضى ينفث دخانها، وهو يضرب الأرض بكعب حذائه..
    مر الوقت سريعا.. وعندما غادر الحانة كان الليل في منتصفه.. وازددت رطوبة الجو.. أحس بمغص شديد في بطنه.. توقف فجأة ثم اتكأ على أحد الجدران وقذف ما في جوفه، شعر باختناق رهيب، وانسابت الدموع من عينيه.. حاول التماسك ووقف على الرصيف محاولا البحث عن سيارة تاكسي تنقله.. وفجأة غمرته أضواء كاشفة قوية.. تبين له فيما بعد أنها لسيارة كبيرة.. وسرعان ما وجد نفسه في مواجهة شرطين.. قاداه إلى داخلها.. وسمع أحدهما يصرخ به.
    - أنت في حالة سكر طافح
    فرد بصوت خافت
    - بل أنا مريض... أريد الذهاب إلى المستشفى..إنني أحتضر!!!
    أخي محضار سلام الله عليك
    لقد غبت مدة عن هذا الموقع فلم أنتبه لانضمامك إلى أحضانه سوى الآن فمرحبا بك في أرض خصبة يتهاطل عليها الغيث من سماء حنون
    جميل ماخطته أناملك وجادت به نفسك التي نكاد نشم عطرها الفواح
    معاني راقية صيغت بلغة مبدعة جميلة
    سلمت أخي وأسأل الله أن ينور بصائرنا ويشغلنا بالحق عن الباطل ويعفو عن أبناءنا وينقدهم من الضياع
    دمت مبدعا متألقا كريما
    مع تحيات أختك في الله نجلاء نور



    محمد محضار خريبكة1991

    أخي محضار سلام الله عليك
    لقد غبت مدة عن هذا الموقع فلم أنتبه لانضمامك إلى أحضانه سوى الآن فمرحبا بك في أرض خصبة يتهاطل عليها الغيث من سماء حنون
    جميل ماخطته أناملك وجادت به نفسك التي نكاد نشم عطرها الفواح
    معاني راقية صيغت بلغة مبدعة جميلة
    سلمت أخي وأسأل الله أن ينور بصائرنا ويشغلنا بالحق عن الباطل ويعفو عن أبناءنا وينقدهم من الضياع
    دمت مبدعا متألقا كريما
    مع تحيات أختك في الله نجلاء نور
    ليس الصلاح في القوة ولكن القوة في الصلاح
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3  
    شاعر وقاص الصورة الرمزية محمد محضار
    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    89
    معدل تقييم المستوى
    14
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نجلاء نور مشاهدة المشاركة
    أخي محضار سلام الله عليك
    لقد غبت مدة عن هذا الموقع فلم أنتبه لانضمامك إلى أحضانه سوى الآن فمرحبا بك في أرض خصبة يتهاطل عليها الغيث من سماء حنون
    جميل ماخطته أناملك وجادت به نفسك التي نكاد نشم عطرها الفواح
    معاني راقية صيغت بلغة مبدعة جميلة
    سلمت أخي وأسأل الله أن ينور بصائرنا ويشغلنا بالحق عن الباطل ويعفو عن أبناءنا وينقدهم من الضياع
    دمت مبدعا متألقا كريما
    مع تحيات أختك في الله نجلاء نور
    شكرا لك أختي نجلاء على هذا الترحيب ، وأتمنى أن أكون عند حسن الظن ، أتمنى من الله أن يحفظك أنت وذويك ويجنب كل البلاد العربية الفتن والدمار
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4  
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    107
    معدل تقييم المستوى
    14
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد محضار مشاهدة المشاركة
    شكرا لك أختي نجلاء على هذا الترحيب ، وأتمنى أن أكون عند حسن الظن ، أتمنى من الله أن يحفظك أنت وذويك ويجنب كل البلاد العربية الفتن والدمار
    عذرا أخي لمألتفت لكلمتك إلا الآن
    مرحبا بك مجددا
    وجزاك الله خير على دعائك
    حفظنا الله وإياك والمسلمين جميعا
    ونجتمع بإذن الله على الخير والفائدة
    لك التحية والتقدير
    ليس الصلاح في القوة ولكن القوة في الصلاح
    رد مع اقتباس  
     

  5. #5  
    شاعر وقاص الصورة الرمزية محمد محضار
    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    89
    معدل تقييم المستوى
    14
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نجلاء نور مشاهدة المشاركة
    أخي محضار سلام الله عليك
    لقد غبت مدة عن هذا الموقع فلم أنتبه لانضمامك إلى أحضانه سوى الآن فمرحبا بك في أرض خصبة يتهاطل عليها الغيث من سماء حنون
    جميل ماخطته أناملك وجادت به نفسك التي نكاد نشم عطرها الفواح
    معاني راقية صيغت بلغة مبدعة جميلة
    سلمت أخي وأسأل الله أن ينور بصائرنا ويشغلنا بالحق عن الباطل ويعفو عن أبناءنا وينقدهم من الضياع
    دمت مبدعا متألقا كريما
    مع تحيات أختك في الله نجلاء نور
    أختي نجلاء حفظك الله ، وهدانا جميعا إلى ما فيه خيرنا ، شكرا لك على بصمتك الراقية ، النص الذي بين يديك عمره عشرون سنة، وهو يرصد معاناة إنسان ضائع ومسلتلب ن يعيش لحظات غربة عن الذات في زمن يسير عكس طموحاته ، السلوكات الصادرة عنه هي نتاج لعلاقات مجتمعية مهزوزة وغير واضحة
    رد مع اقتباس  
     

  6. #6  
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Aug 2011
    المشاركات
    25
    معدل تقييم المستوى
    0
    الكلمات الجميلة لا تهرم بتقادمها نص راع وراقي ومتكامل تداخل فيه كثير من الومضات القصصية استطعت أن تصور خلالها مايدور في وجدان الراوي وما يدور حوله
    بقصصية رائعة صورت حال كثير من الشباب وما يعانيه من التيه وقلة الحيلة التي تشنق حتى الحلم فيهم ومن كانت هذه حاله فانه ليس سكران بل بقايا انسان

    تحياتي
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. ليل حزين..................محمد محضار
    بواسطة محمد محضار في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 20/04/2011, 10:11 AM
  2. من مفكرة رجل حزين
    بواسطة الأمير نزار في المنتدى الشعر
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 14/10/2008, 10:19 AM
  3. رسائل طه حسين ...
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى الرسائل الأدبية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 25/05/2008, 07:38 AM
  4. مفاجأة صدام حسين.....
    بواسطة ابو مريم في المنتدى فسيفساء المربد
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 15/01/2008, 07:04 PM
  5. رســائل طه حسين .. كتــاب ...
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى الرسائل الأدبية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05/08/2007, 09:34 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •