آه ..!لو قدر لك أن تعرفت على ماريا وجالستها لحدثتك عن أغرب ليلة قضتها مع زبون.ماريا إمرأة آية في الحسن والجمال .طلقها زوجها وهي في بداية عقدها الرابع<الزين في الثلاثين>,لتجد المسكينة نفسها خارج بيت الزوجية بلا واجبات ولا حقوق.رغما عنها ولجت عالم الدعارة كملاذ وهروب من المهانة وشظف العيش.
كان لماريا زبناء كثر من مختلف الاعمار والشرائح الاجتماعية.وعملها"كمنشطة إجتماعية"حسب التوصيف الحكومي كان يدر عليها قسطا وفيرا من المال.إستطاعت أن تكتري لها شقة محترمة في حي أرقى حي بالمدينة.أحست ماريا حينها بالأمن وبإلإطمئنان بعد الخوف والتوتر لشهور عديدة.عزلة الحي وتركيبته البشرية المنغلقة جعلتاها بعيدة عن عيون الفضوليين وفي منآى عن كل الشبهات التي قد تثار حولها.كانت علاقاتها مع الجيران أكثر من طيبة وجميعهم يحترمونها ويباذلونها التحية بأحسن منها إلا صاحب الشقة المجاورة.كانت تشك فيه وترتاب من نظراته لها .عندها أيقنت إن كانت ثمة مشاكل مرتقبة,فستأتي من عند ذاك الجارالأب لثلاث بنات والذي تعودت ماريا أن تبتاع منه بعض المواد الغذائية من متجر له "للبقالة" عند مدخل العمارة.
عرف الرجل بالصلاح لدى جميع سكان الحي,وكان يجيب داعي الله ولا يتخلف عن الجماعة عند كل صلاة مفروضة, يلبي دعوة من دعاه إلى عرس أو وليمة اوعقيقة ولا يتوانى عن المشي خلف جنازة جارأو قريب,شديد الحرص على مظهره الخارجي,يكحل عينيه يوميا ويعتني كثيرا بشاربه ولحيته الكتة المخضبة بالحناء.كان محط ثقة وتقدير الجميع إلا ماريا كانت تعافه وتمقته وتتحاشى الخوض معه في أي حديث.أما هو كان لا يخفي إعجابه بها واشتهائه لها, لقد جن بها الرجل وتملكت كل جارحة من جوارحه,ما يكاد يراها حثى يهرع اليها محييا مؤانسا ملاطفا.ظل لشهور عدة يراودها عن نفسها بلا كلل ولا ملل .استنفذ فيها جميع سبل الاستغواء وطرق المراودة وهي في تمنع تام.ومع ذلك لم يزده تمنعها الا اصرارا وعزيمة.ذات يوم,تشاء الظروف أن تتعرض ماريا لظرف طارئ مع ضائقة مالية عسيرة فتخضع له وتقبل دعوته على مضض.يتم اللقاء بعد أن أخلى الرجل البيت من الزوجة والبنات ورتب كل شئ بإتقان, أعد ما طاب ولذ من المأكولات والمشروبات,عطر البيت بالطيب والمسك. كانت كل الترتيبات معدة سلفا وفق خطة محكمة ومحبوكة.
تقول ماريا عن تلك اللحظات الاولى من اللقاء:
[لحد الساعة كان كل شئ على ما يرام ,وان الرجل لم يمسسها ولم يصدر عنه فعل كذا او كذا...]
وبعد أن تناولا العشاء وتبادلا بعض الكلمات.تفاجئ ماريا بالرجل يسألها عن بطاقة التعريف الوطنية. فتقول له مارية مازحة :
"واش أنت بوليس ؟"
فيرد عليها بحزم :
[هات بطاقتك الوطنية إني اريد كتاب عقد النكاح..!]
استحضر ورقة وقلم.سألها عن إسم أبيها وعن إسم أمها,زمم كل تلك المعلومات وأمهرها بخمسمائة درهم منها مائتي درهم مؤخر صداق .وقع العقد أمامها ثم أمرها بتوقيع العقد ومارية في دهشة عارمة واستغراب من مجريات الامور مع ذلك الرجل ..!
حيرانة لا تكاد تصدق ما جرى تلك الليلة الفريدة من نوعها .تستطرد قائلة:
[قضيت ليلة حمراء مع ذاك الرجل...لم يغمض لي جفن ولم ارتاح ساعة حتى آذان الفجر ...]
إذ قام الرجل واغتسل وصلى صلاة الفجر في وقتها.أعد الفطور وتناولاه معا كعروسين في أول صبيحة العرس ثم أخذ الرجل العقد وقلم وبجرة قلم طلقها الثلاث وأمرها بالإنصراف بتأدب.
بدا لها أن تسأله عن مؤخر الصداق وتضيف مشهدا آخر لمسرحيته علها تجاريه في الاخراج والسناريو .لم يتوان في دفعه ولم يتقاعس وزاد عليه مائة درهم اخرى مجددا طلبه لها بالانصراف على وجه السرعة.
تعبر ماريا عن تلك اللحظات التي ودعت فيها الرجل وتقول :
[بقدر ما كنت سعيدة بالستمائة درهم بقدر ما كنت مستغربة من كل ما جرى تلك الليلة من أحداث مع ذاك الرجل غريب الأطوار..!]

من كتاب "ولد عصيان"