لمــــاذا نكتــــب ..؟
من بين الأسئلة المركزة، التي اتخذت في شأنها مواقف، ثمة سؤالين اثنين هما كالآتي:
السؤال الأول: لماذا نكتب ..؟
السؤال الثاني: كيف نكتب ..؟
أما عن السؤال الأول: لماذا نكتب ..؟ فذهب البعض إلى نعته بالعقيم، ولا أرى نفسي مشاطرا هذا الرأي، لأن ذكر الكتابة يستدعي ذكر الحياة، ولا معنى لإحديهما دون الأخرى .. الكتابة من العلم، و(العلم بغير علم جنون، والعلم بدون عمل لا يكون)، كما قال أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى، ونحن نقرأ قول الله تعالى: "إقرأ باسم ربك الذي خلق 1 خلق الإنسان من علق 2 إقرأ وربك الأكرم 3 الذي علم بالقلم 4 علم الإنسان ما لم يعلم 5"، وهذه شهادة قاطعة، تشهد للكتابة والقراءة معا بالمكانة السامية عنده سبحانه وتعالى.
وأما السؤال الثاني: كيف نكتب ..؟ فقد رأى فيه من وصفوا الأول بالعقيم الخصوبة في الطرح والنقاش، إذ يرمي إلى إثارة كيفية الكتابة، وهذا رأي سليم في ما نعتقد لا اعتراض لنا عليه، ومن شأن السؤالين معا أن يحيلان الباحث والمهتم على المعادلاث الثلاث الآتية:
الكتــــــابة = الحيـــــــــاة
لماذا نكتـب = لماذا نحيـــــــــا ..؟
كيف نكتب = كيف نحيـــــــــا ..؟
عندما نستقرئ هذه المعادلات الثلاث، نلاحظ مدى خصوبة السؤالين معا، إذ من خلال المعادلة الثانية والثالثة، نستحضر رسالة الإنسان الكاتب في هذه الحياة الدنيا، فلماذا فعل الكتابة ..؟ يدل على أهمية وضرورة تحديد المقصد والغاية من الكتابة/الحياة، وكيف فعل الكتابة ..؟ يشير إلى أهمية وضرورة تحديد طريقة واسلوب الكتابة/الحياة، بحيث ان كيفية الكتابة تعكس أسلوب الحياة، كما أن نظرته إلى الكتابة هي نفس نظرته إلى الحياة، ومن ثم فإن إدراك معنى الكتابة سيؤهل الكاتب لإدراك معنى الحياة بالضرورة.
لهذا السبب نجد أغلب الكتاب، غن لم نقل جميعهم، انتهوا إلى التصريح بحقيقة مؤداها: أنهم لا يستطيعون التمييز بين الكتابة والحياة، وهذا طبيعي جدا نظرا للتداخل والتطابق الحاصل بين ما تعنيه الحياة وما تعنيه الكتابة في العمق، فالكاتب لما يكتب يعكس جوانب معينة من واقع الحياة على صفحات كتابه، موظفا في ذلك الكلمة الصادقة المعبرة، والفكرة الواضحة الدقيقة، مستعينا بكل ما أوتي من فهم وإدراك للأمور.
نعم، إن فضاء الكتابة من شانه ان يذكرنا في ذات السياق بفضاء لا يقل عنه اهمية، وهو فضاء القراءة، الذي يكتسي أهمية بالغة، فالكاتب يكتب في الوقت نفسه لذاته وللآخرين، لكنه في آخر المطاف يوجه خطابه للقراء، أو بالأحرى يوجه خطابه لنخبة معينة من القراء، ثم غن الكاتب يتفاعل مع طبيعة الموضوع، وبقدر درجة استيعابه له، يكون فعل الكتابة اكثر انسجاما وتبليغا، وكلما كان استقراء الكاتب لتراكيب الموضوع، ومكوناته، وعناصره في درجة متقدمة، غلا واستطاع أن يوجه خطابا عن طريق الكتابة معبرا بعباراته وأسلوبه، يشد من خلاله انتباه القراء.
