سوسيولجيا النقد العربي القديم
(دراسة العلاقة بين الناقد والمجتمع )
المؤلف :الأستاذ الدكتور داود سلوم
نقد الكتاب : طارق شفيق حقي


ينقسم الكتاب إلى :

1- المقدمة .
2- المنهج النقدي العربي القديم بين النشوء والارتقاء.
3- سوسيولجيا النقد العربي القديم وأثر السلطة في القاعدة النقدية.
4- شعر النسيب وسلطة الخلافة ( دراسة سوسيولجيا النقد العربي القديم).
5- نقد المرأة الشعر في الحجاز في القرن الأول وأثر الظاهرة الاجتماعية التي ساعدت على ظهوره.

المنهج النقدي العربي القديم بين النشوء والارتقاء

1- أثر الإسلام في ظهور المنهج النقدي العربي :
يقول ص9 " إن رحلة البدوي وراء الكلام والماء والغزوات والأسواق والأشهر الحرم لا تنبع من فكر منظم يخضع لفكر اجتماعي ناضج مرتبط بصيرورة المجتمع وتنظيم مختلف جوانب الحياة فيه "
يرجع المؤلف عدم ظهور منهج نقدي في العصر الجاهلي إلى أن طبيعة الترحل العربي لم تسمح بتشكل مناهج نقدية , بحكم طبيعة العربي المتأثر برتابة الصحراء فهو لذلك يعيد الصور في شعره فكل ما كان المدح وجدنا صورة مطاردة الكلاب للثور ثم يتغلب الثور, وكلما كان الرثاء وجدنا الكلاب هي التي تتغلب على الثور.
يؤكد المؤلف امتلاك الشاعر لأدواته الفنية كالوزن , لكن التزامه بالقافية الرتيبة كما يقول ومحدودية البحار الشعرية ربطته بشكل مباشر برتابة البيئة.
ولعل ظهور الإسلام كان الشرارة الأولى التي أطلقت القوى الكامنة العربية. نقطة الانطلاق كانت في بعث الرسول لفكرة التجريد في العقيدة والانتقال من المحسوسات للمجردات والذي حرك الذهن العربي في التساؤل ونضج ذلك لدى الفكر المعتزلي كما يقول المؤلف هم قادة الفكر الإسلامي الجدلي المتحرر.
ولعل تنظيم الإسلام لحياة الفكر في العبادات والعلاقات الاجتماعية وفي الأخلاق وفي الاقتصاد . وهنا بدأ المجتمع الذي كان يستجيب غريزياً لحاجاته ومتطلبات الحياة يخرج إلى الخضوع إلى نشاط حياتي منظم يمس كل جانب من جوانب الحياة.
فما هي مرتكزات هذا المنهج الذي نعده أول منهج فني في الفكر العربي الإسلامي صدر عن حاجة العرب إلى تنظيم حياتهم وما أثر الفكر الإسلامي فيه؟
المنهج الإسلامي وخصائصه:
كان القران الكريم بداية تشكل هذا المنهج النقدي , من سورة الشعراء وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وتفسير الخلفاء الراشدين لنشاط الشعراء .
آ . توصيف الفن الشعري:
يحدد القران الكريم النشاط الشعري بأنه نشاط يصف ولا يحقق وأن الشعر نشاط الشاعر يقول ما يشاء وفي أي موضوع دون تحديد وأن النشاط قد يغري ويغوي. فالشعر في هذه الآية يعرف بأنه فن خيالي قد يكون له تأثير على مسامعه أو قارئه وقد يكون هذا التأثير لا علاقة له بالانضباط الخلقي.
قال تعالى " والشعراء............. " الشعراء 224 – 227
اعترف القران الكريم بالشعر نشاط انساني لكنه قد ينحرف لطرق الغواية أو طرق التوجيه وبذلك اكتسب الشعر مشروعيته .
ب – الترابط بين النفس الإنسانية والإبداع الفني :
قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " لاتترك العرب الشعر حتى تترك الإبل الحنين"
فالشعر نشاط إنساني مرتبط بالنفس الإنسانية لا غنى لها عنه .
ج – المفاضلة في النتاج الأدبي :
يقول الأمام علي رضي الله عنه " كل شعرائكم محسن ولو جمعهم زمان واحد , وغاية واحدة , ومذهب واحد في القول لعلمنا أيهم أسبق إلى ذلك . وكلهم قد أصاب الذي أراد وأحسن فيه وأن يكن أحد فضلهم فالذي لم يقل رغبة ولا رهبة امرؤ القيس بن حجر فإنه كان أصحهم بادرة وأجودهم نادرة "
د – الصدق الواقعي وسهولة الأسلوب:
والذي وضع هذا الجزء من المنهج عمر بن الخطاب في جملته المشهورة لزهير:أنه لا يعاضل بين الكلامين ولا يتتبع وحشي الكلام ولا يمدح امرءاً بغير ما فيه"
وهذا بداية النكوص بالفكر النقدي الجاهلي وأخذه نحو الصدق الواقعي , واعتبار القول الشعري قولاً محتسب وكان عقاب الخليفة مضاعفاً للشاعر أبو المحجن حين قال "ولست عن الصهباء يوماً بصابر"
ويقول هنا المؤلف " ولعل محاولة عمر تضييق المنهج المفتوح كان بسبب فترة الفتوح والجهاد حيث أراد أن يوجه الأمة إلى البناء , وأن يغير في خصائصها الفنية فلم يفلح بذلك , لأن الطبيعة أقوى من القانون".
2- المنهج الاجتماعي وأثر البداوة في الصياغة النقدية:
يسمى المؤلف القيم النقدية بالقيم البدوية ولا يعتبرها قيماً فنياً.
أ – التخصص النقدي :
ضرورة التخصص النقدي ووجوب توفر الناقد الرواية لفرز المنحول من الشعر الأصل كما قرر ابن سلام الجمحي ودافع عن ضرورة قيام الناقد الأدبي المتميز للفصل بين منحول الشعر وأصيله , وعده شخصاً قد تخصص عالياً أصبح مؤهلاً للحكم على الشعر يقول في طبقات فحول الشعراء:" وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف اعلم والصناعات."
ب- الدراسة النقدية للنص:
أشار ابن سلام لضرورة تثبيت النص من خلال دراسة التاريخ.
ورفض كل الشعر المنقول عن الأمم البائدة فقال" من حمل هذا الشعر ؟ ومن أداه منذ آلاف السنين."
وذلك يدل أن ابن سلام أدرك اختلاف اللغات المنتسبة إلى العائلة السامية وافترض أن لغات الأقوام البائدة قبل الإسلام هي غير اللغة العربية التي نزل بها القران الكريم.

3 – خصائص المنهج الاجتماعي:
اعتبر الكاتب تفضيل ابن سلام في طبقات فحول الشعراء والأصمعي في فحولة الشعراء تفضيلهم للشعراء البدو نزعة بدوية من خلال المرتكزات التي بني عليها هذا المنهج:
أ – تفضيل طبقات الشعراء البدو وعدهم النموذج الأعلى.
ب- احتساب شعراء الحواضر طبقة متدنية, والحواضر مكة والمدينة والطائف.
ج- احتساب شعراء اليهود مرتبة ثالثة في التسلسل البدوي.
د- احتساب شعر الرثاء غرضاً متدنياً , لأنه يعبر عن ضعف الرجولة وهو أليق بالنساء.
أما من حيث الجزئيات التي تتحكم في الكثرة والقلة والمثل الأخلاقية فيمكن أن نجعل منها ما يحكم هذا المنهج وعدها المؤلف كذلك جزئيات فرضت نفسها من خلال المقياس الاجتماعي البدوي:
أ‌- تنوع الإنتاج: ولذلك قدم الأعشى وقال :"أنه قال في كل عروض وركب كل قافية".
ب‌- وفرة الإنتاج: واشترك الأصمعي وابن سلام في هذا المقياس.قال الأصمعي عن الحويدرة:" لو قال مثل قصيدته خمس قصائد كان فحلاً". وطالب الأصمعي أوس بن غلفاء بعشرين قصيدة ليكون فحلاً.
ت‌- الأخلاق الحميدة : وقد يمنع الهجاء الشاعر من الفحولة قال عن مزرد:"أفسد شعره بما يهجو به الناس".
ث‌- العقيدة الدينية والمذهبية: رغم أن الأصمعي تساهل من شعراء الوثنية إلا أنه وقف بالمرصاد للشعراء المسلمين من الخوارج والشيعة فحجب الفحولة عن الطرماح والكميت.
يقول المؤلف أن ابن سلام لم يتسق في طبقاته ولم يكن ثابتاً وذلك من خلال:
1- اختلف العدد بين شعراء الطبقات وجعل كل طبقة أربعة شعراء وبين شعراء القرى حيث اختلف معهم العدد.
2- نظر إلى الشعراء على أساس " الزمان" في طبقات الجاهلين والإسلاميين ونظر على أساس " المكان" في شعراء القرى.
3- نظر للشعراء على أساس " الغرض" حيث جعل للرثاء طبقة وللرجز طبقة.
4- نظر إلى الشعراء أحياناً على أساس الدم والقبيلة كما ذكر ذلك في الطبقة السابعة والثامنة.
ومن المقاييس التي أخذها عن الأصمعي وهي مقاييس بدوية في الحكم تقوم على الشرف والمجد و النتاج , وقوله في بعض الشعراء :"أخل بهم قلة شعرهم بأيدي الرواة".
وقال عن عمرو بن شاس :" كان ذا قدر ومنزلة في قومه".