(1)
في كتب من يقتفون الأثر أجد في نهاية مقدمات كتبهم، وفي الإجازات العلمية في الحديث والقراءات وغيرهما- نجد عبارة (وكتب فلان، أو "وكتبه فلان") ويكتب اسمه هو.
واستوقفتني هذه الواو، فحاولت استجلاء نوعها أو سبب مجيئها فلم أنجح ردحا.
ثم عرض لي نموذج صلح الشام في كتاب "تاريخ الإسلام" للذهبي، ووجدتها فيه في سياق الإشهاد، ويكون أحد الشهود هو كاتب العقد؛ فهي فيه مفسرة مبررة عاطفة. لكنني فقدته.
ثم عرض لي النموذجان الآتيان في مصنف ابن أبي شيبة الجزء الحادي عشر:
22269 - حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: حَدَّثَني ابْنُ سُرَاقَةَ: أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ كَتَبَ لِأَهْلِ دَيْرِ طَيَايَا: " إِنِّي أَمَّنْتُكُمْ عَلَى دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَكَنَائِسِكُمْ أَنْ تُخَرَّبَ أَوْ تُكَسَّرَ مَا لَمْ تُحْدِثُوا أَوْ تُؤْوُوا مُحْدِثَ مَغِيلَةٍ، فَإِنْ أَنْتُمْ أَحْدَثْتُمْ أَوْ آوَيْتُمْ مُحْدِثَ مَغِيلَةٍ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْكُمُ الذِّمَّةُ. وَإِنَّ عَلَيْكُمْ إِنْزَالَ الضَّيْفِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنَّ ذِمَّتَنَا بَرِيئَةٌ مِنْ مَعَرَّةِ الْجَيْشِ ".
شَهِدَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ، وَقُضَاعِيُّ بْنُ عَامِرٍ وَكَتَبَ.
22270 - حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِكَاتِبٍ يَكْتُبُ بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ يُشْهِدُ أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْنِ، فَنَهَاهُ. ثُمَّ مَرَّ به بَعْدُ، فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَطَعْتُ اللَّهَ، وَعَصَيْتُكَ!
وَكَانَ فِي صَدَقَةِ عُمَرَ: " شَهِدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ وَمُعَيْقِيبٌ "، وَكَانَ فِي صَدَقَةِ عَلِيٍّ: " شَهِدَ فُلَانٌ، وَفُلَانٌ وَكَتَبَ ".
(2)
ورد في قوله تعالى: (هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) [ص : 55]- حرف الواو استئنافا، لكن سبقها اسم الإشارة ذو الخبر المحذوف للدلالة على الفصل بين السابق واللاحق.
(3)
فوضح لي أن هذه الواو عاطفة في سياق الجمع بين الشهادة والكتابة تمييزا لمن شهد فقط عمن شهد وكتب، ومسبوقة بجملة ملفوظ أحد ركنيها في القرآن الكريم.
والسؤال: هل سياق مقدمة الكتب يمكن قياسها على هذا السياق الإشهادي؟ أو يحتوي على ما يشير إلى السابق كالقرآن الكريم؟
والجواب عندي: لا.
لذا أخطئ من يكتب بعد فراغه من مقدمة كتابه "وكتبه فلان"؛ لأن هذه الواو غير مفسرة في هذا السياق.
ولو حاولنا التمحل وقلنا: إنها عاطفة بتقدير: قاله وكتبه فلان- لكان التمحل بعيدا؛ لأن السياق سياق تحرير لا سياق قول أو قول وتحرير.
ولو قلنا: إنها استئناف مسبوق بمقدر: هذا، وكتبه فلان- لكان حذف "هذا" لا داعي له.
(4)
هذه كلمتي أنتظر بها من له بحث في هذه المسألة، ويكون عنده توضيح آخر مختلف!