النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: مسألة استئجار الرحم

  1. #1 مسألة استئجار الرحم 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10


    مسألة استئجار الرحم

    عشير جيلالي

    تمهيد: إن الاكتشافات و التجارب العلمية الحديثة جعلت مسؤولية المرء عن جهازه التناسلي تتسع يوما بعد يوم متجاوزة دائرة الوطء الحلال، وعدم الوقوع في الفاحشة. لقد أضحى الرجل مسؤولا عن قطرة المني التي تخرج منه، وكذلك المرأة عن البويضة التي تخرج منها، أين يوضعان؟ وما مصيرهما، وهل التسامح و حسن النية أمر يرضاه الشرع لمن يذهب إلى مختبر التحاليل لتحليل ماءه، ثم يخرج دون معرفة مصير ذلك؟.

    نعم إن قطرة المني أصبح لها دور خطير، مع ضعف الوازع الديني لدى الناس، وصدق رسول اللٌه صلى اللٌه عليه و سلم ـ عندما استعاذ منها قائلا: « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ سَمعِي، وَ مِن شَرِّ لِسَانِي وَ مِن شَرِّ قَلبِي، وَ مِن شَرِّ مَنِيٌَ »
    و ظاهر الحديث يفسر شر المني بالوطء المحرم، إلا أن الشر متحقق أيضا بالاستعمال المحرم .
    إن من الظواهر الجديدة و الغريبة في نفس الوقت، التي ظهرت في عصرنا الحاضر، و التي باتت دخيلة على الأمة الإسلامية، و هي ظاهرة (استئجار الرحم)

    المبحث الأول : تصّور المسألة و تحرير محل النزاع.


    اتفق المعاصرون من أهل العلم، الذين بنوا أحكامهم وفق النصوص و مقاصدها، و وفق التقارير الطبية التي صدرت من أطباء ثقات، على أن التلقيح الاصطناعي بشقيه الداخلي و الخارجي جائز إذا كان بماء الزوج و بويضة الزوجة ، ضمن شروط و ضوابط معينة، ومن هؤلاء د/ محمود شلتوت و الشيخ جاد الحق علي جاد الحق ، و د/علي الصوا، د/صالح فوزان وآخرين، و كانت آرائهم صادرة من انعقاد مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، و اللجنة الطبية الفقهية الدائمة في الأردن

    و في هذا الصدد يقول د/ يوسف القرضاوي : « إذا كان الإسلام قد حمى الأنساب بتحريم الزنا و تحريم التبني،... فإنه يحرم التلقيح الصناعي، إذا كان التلقيح بغير نطفة الزوج، بل يكون في هذه الحالة ، كما يقول د/ شلتوت: « جريمة منكرة ، وإثما عظيما، يلتقي مع الزنا »
    و في هذا إشارة بطريق مفهوم المخالفة إلى جوازه إذا كان بنطفة الزوج، على نحو ما ذهب إليه العلماء المعاصرون.
    صورة المسألة: هي أن يتفق الزوجان على استئجار رحم امرأة أخرى لتحضن نطفة الزوج و بويضة الزوجة، و تتولى هذه المرأة الحمل و الوضع، ثم تقدم الطفل بعد ولادته لأبويه لقاء أجر معلوم .

    الأولى : أن يجري تلقيح خارجي في وعاء اختبار بين بذرتي زوجين، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة تتطوع بحملها.

    الثانية : هي ذاتها الصورة السابقة، و لكن تكون المتطوعة هي زوجة ثانية للزوج صاحب النطفة لها ضرتها التي تحمل اللقيحة عنها .
    و تتم هذه العملية من خلال شفط البويضة بمنوي من الزوج يلتحم بها ليكونا بويضة تشرع في الانقسام إلى عدد من الخلايا ( و قد تمت هذه الخطوة أيضا) ثم إيداع هذه الكتلة من الخلايا، أي الجنين الباكر، رحم امرأة أخرى بعد إعداده هرمونيا، فيكمل الجنين نماءه في رحم هذه المرأة المضيفة حتى تلده و تسلمه لوالديه اللذين منهما تكون .

    المبحث الثاني : الأسباب الداعية إلى هذه العملية.


    إن مثل هذه العمليات التي يلجأ الأطباء إليها، حين تكون الزوجة غير قادرة على الحمل لسبب في رحمها، و لكن مبيضها سليم منتج، أي عدم ملائمة رحم الزوجة على الإخصاب، كانسداد قناة فالوب، أو تكون غير راغبة في الحمل ترفها، فتتطوع امرأة أخرى بالحمل عنها .


    المبحث الثالث : اختيار جنس الجنين.


    هناك نوعان من كروموزومات الجنس، أما الذي في بويضة المرأة فهو دائما من النوع المسمى x و أما منويات الرجل فبعضها يحمل x و الآخر يحمل y فإن قدر أن يلقح البويضة منوي يحمل x كان كروموزوما الجنس في الجنين الناتج xx و هذا الجنس أنثى، و إلا فهما xy و هذا الجنس ذكر.

    فإذا كانت أم البنات، تريد أن تحدد عدد أطفالها تزيد و تزيد في انتظار الذكر المنشود، فإن استطاعت من البدء إنجاب الذكر ، أفضى ذلك إلى تقليل التناسل؟


    و هل ينتج الأغنياء إلى إنجاب الذكور حرصا على الثروة أن تخرج من الأسرة إن ورثت البنت و انضمت بما تملك إلى زوج غريب يحمل أولاده منها اسمه و اسم أسرته ثم تؤول إليهم أملاك أمهم بالوارثة


    المبحث الرابع : آراء العلماء في المسألة.


    لاشك أن مثل هذه المسائل المستجدة يتعذر الوفاق في كون الاجتهاد فيها متسعا، و آراء العلماء تختلف لاختلاف مشاربهم و مناهجهم. ولكن الذي ينبغي التنبيه عليه هو أن هذا الاجتهاد ليس مبناه التشهي و القول في دين اللٌه تعالى بغير دليل، فله ضوابطه و قواعده، لاسيما إذا ربطناه بمقاصد الشريعة الإسلامية، و هذه المسألة كان النظر إليها باعتبار مآلات الأفعال.


    المطلب الأول : حجج المانعين.


    في الصورة الثانية من مسألتنا ، ذهب هذا الفريق في بداية الأمر إلى الجواز، و لكن لما نظروا إلى مآل الفعل قالوا بحظره، و عللوا ذلك بأن الزوجة الثانية التي زرعت فيها لقيحة بويضة الزوجة الأولى قد تحمل ثانية قبل انسداد رحمها على حمل اللقيحة من معاشرة الزوج، كما قد تموت علقة أو مضغة أحد الحملين، و لا تسقط إلا مع ولادة الحمل الآخر الذي لا يعلم أيضا أهو ولد اللقيحة أم حمل المعاشرة الزوجية، و يوجب ذلك اختلاط الأنساب لجهة الأم الحقيقة لكل من الحملين، و التباس ما يترتب على ذلك من أحكام.

    أما حكم الصورة الأولى فهو التحريم، كما أفتى به المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة ، و بالتالي اللجنة الدائمة الطبية الفقهية بالأردن .
    و يقول الدكتور عبد المنعم عبد العال : « طالما اشترك الزوجان ، الرجل بمنيه و المرأة ببويضتها وحدهما دون أي شريك ثالث، اشتركا في عملية الإخصاب فهو حلال أيا كانت الطريقة المستخدمة أما إذا اشترك بشر آخر سواء كان رجلا بمنيه أو امرأة ببويضتها أو رحمها، فهو حرام حرمة بينة، يصبح الجنين المولود كولد الزنا تماما » .

    و كما يظهر، أن هذه العملية فيها شبهة الزنا و إن لم يتحقق معناه من حيث اختلاط الأنساب، و لا صورته من حيث الإيلاج في الفرج المحرم، و بالتالي فإن هذا التعاقد بين الزوجين و الأجنبية باطل شرعا، لأنه إيجار على منفعة محرمة .

    قال ابن رشد الحفيد: « فما اجتمعوا على إبطال إجارته، كل منفعة كانت لشيء محرم العين كذلك كل منفعة كانت محرمة بالشرع، مثل أجر النوائِح و المغنيات » .
    و على هذا الأساس فالعملية محرمة لا ترتاح إليها الشريعة الإسلامية، و التعاقد عليها يعد عقدا فاسدا، وأما تترتُّبُ أثاره بعد الفسخ، فسيأتي الكلام عليه لاحقا. فالعملية ابتدءا و أصالة محرمة، ومما يؤكد هذا أنه يعضدها جملة من القواعد ، منها أن الأصل في الفروج و الأبضاع التحريم، وكذلك إذا تعارض التحريم و الحظر مع الإباحة، فالحرمة مقدمة عند الجمهور، لتمام إفضاء الحرمة إلى مقصودها، لأنه يكفي فيها مجرد الترك.

    المطلب الثاني :ذكر شبه المخالفين و الرد عليها.


    إن ما سماه الطبيب العام الأديب الدكتور حسان حتحوت (شتل الجنين) فهو قضية في غاية الغرابة والإثارة، و إطلاقه بهذا اللفظ و بغيره، " كالرحم المستعار"، فيه إيهام و تلبيس على السامع، أنها مسألة كغيرها من مسائل التلقيح الاصطناعي ،فليس فيها خلط للأنساب، لأن البويضة ملقحة بماء الزوج نفسه.

    لقد حصر الدكتور حتحوت الصورة المسؤولة عنها في امرأة ذات مبيض سليم، و لكن لا رحم لها و هي مشوقة للأولاد، راغبة في الإنجاب، كأنه بهذا يثير الشفقة عليها، و يستدر العطف من أجلها.

    الجواب عليه يقول الدكتور القرضاوي: و لكن من هذا الباب إذا فتح، مالذي يمنع أن تدخله كل ذات مال من ربات الجمال و الدلال، ممن تريد أن تحافظ على رشاقتها، وأن يظل قوامها كغصن البان لا يغير خصرها و صدرها الحمل و الوضع و الإرضاع، فما أيسر عليها أن تستأجر مضيفة، تحمل لها، و تلد عنها، و ترضع بدلها، و تسلم لها بعد ذلك ولدا طاهرا، تأخذه بيضة مقشورة، و لقمة سائغة، لم يعرق لها جبين، ولا تعبت لها يمين، ولا انتفض لها عرق.

    قالوا : لنوفر للمرأة من الولد، لفقدها الرحم الصالح للحمل، ما تشتاق إليه من الأطفال عن طريق أخرى صالحة للحمل.

    الجواب عليه يجيب دائما الدكتور القرضاوي: نود أن نقول هنا: إن الشريعة تقرر قاعدتين مهمتين، تكمل إحداهما الأخرى:

    الأولى: إن الضرر يزال بقدر الإمكان.
    الثانية : إن الضرر لا يزال بالضرر .
    و نحن إذا أسقطنا القاعدتين على الواقعة التي معنا، نجد أننا نزيل ضرر امرأة هي محرومة من الحمل بضرر امرأة أخرى هي التي تحمل و تلد، ثم لا تتمتع بثمرة حملها و ولادتها و عنائها، فنحن نحل مشكلة بخلق أخرى.
    إن على العلم أن يتواضع، و لا يحسب أن بإمكانه أن يحل كل مشكلات البشر، فإنها لا تنتهي ولن تنتهي، و لو فرض أنه حل مشكلة المرأة التي ليس لها رحم صالح، فكيف يحل مشكلة التي ليس لها مبيض صالح .
    قالوا : هل هذه الطريقة الوحيدة في نظر العلم لإزالة ضرر المرأة المحرومة من الإنجاب لعدم الرحم؟.
    الجواب عليه: يقول د/ القرضاوي: « إن العلم الحديث نفسه بإمكانه و تطلعاته ـ فيما حدثني بعض الإخوة الثقات المشتغلين بالعلوم و المطلعين على أحدث تطوراتها و توقعاتها يفتح أمامنا باب الأمل لوسيلة أخرى أسلم و أفضل من الطريقة المطروحة.
    هذه الوسيلة هي زرع الرحم نفسه في المرأة التي عدمته، تتمة لما بدأ به العلم و نجح فيه من زرع الكلية و القرنية و غيرها، بل زرع القلب ذاته في تجارب معروفة و منشورة.
    و إذا كان مبيض الأنثى يفرز في كل شهر بويضة صالحة ـ بعد التلقيح ـ يكون منها طفل،فليت شعري ما يمنع المرأة الثرية أو زوجة الثري أن تنجب في كل شهر طفلا مادام الإنجاب لا يكلفها حملا و لا يجشمها ولادة !! .
    و معنى هذا أن المرأة الغنية تستطيع أن تكون أما لأثني عشر ولدا في كل سنة، مادامت الأمومة هينة لينة لا تكلف أكثر من إنتاج بويضة، و البركة في الحاضنات أو المضيفات الفقيرات اللاتي يقمن بدور الأمومة و متاعبها لقاء دريهمات معدودة، و يستطيع الرجل الثري أن يكون له جيش من الأولاد بعد أن يتزوج من النساء مثنى و ثلاث و رباع » .
    المبحث الخامس : معكرات هذه المسألة.

    الفقه الإسلامي يعرفنا على الأم في الرضاع و أحكام الإخوة في الرضاعة، الآن أدركنا أن للمرء بأمه صلتان، صلة تكوين و وراثة أصلها المبيض ، و صلة حمل و حضانة أصلها الرحم، و حتى الآن كانت صلة الرحم تطلق مجازا على الجميع ، و لكن ماذا إذا تشعبت الأمور ، فكان التكوين من المرأة و الحضانة في أخرى و أين تقف صلة الرحم من بنوة المبيض.. و ما حقوق هذه الحاضن و ماذا يترتب على ذلك من أحكام ؟


    المطلب الأول : إفساد معنى الأمومة .


    أول هذه النتائج و أبرزها أنه يفسد معنى الأمومة، كما فطرها اللٌه تعالى. و كما عرفها الناس، هذا المعنى الذي ليس في الحياة أجمل و أنبل منه، فالأم الحقيقية في التصور المعروف للسؤال هي صاحبة البويضة الملقحة التي منها يتكون الجنين ، هي التي ينتسب إليها الطفل و هي الأحق بحضانته، و هي التي تناط بها أحكام الأمومة و حقوقها من الحرمة و البر و النفقة و الميراث و غيرها، و دور هذه الأم في صلتها بالطفل أنها أنتجت يوما ما بويضة أفرزتها بغير اختيارها و بغير مكابدة و لا مشقة عانتها في إفرازها.

    أما المرأة التي حملت الجنين في أحشائها و غذته من دم قلبها أشهرا طوالا،حتى غدا بضعة منها، و جزءا من كيانها، و احتملت في ذلك مشتقات الحمل و أوجاع الوحم و آلام الوضع و متاعب النفاس، فهذه مجرد مضيفة أو حاضنة، تحمل و تتألم و تلد فتأتي صاحبة البويضة، فتنتزع مولود ها من بين يديها، دون مراعاة لما عانته من آلام، وما تكوّن لديها من مشاعر، كأنها مجرد أنبوب من الأنابيب التي تحدثوا عنها برهة من الزمان، لا إنسان ذو عواطف و أحاسيس .

    المطلب الثاني : حقيقة الأمومة.


    و لنا أن نتساءل هنا عن ماهية الأمومة التي عظمتها كتب السماء، و نوه بها الحكماء و العلماء، و تغنى بها الأدباء و الشعراء، و ناطت بها الشرائع أحكاما و حقوقا عديدة، الأمومة التي هي أرقى عواطف البشر و أخلدها و أبقاها.

    و هل تتكون هذه الأمومة الشريفة من مجرد بويضة أفرزها مبيض أنثى و لقحها حيوان منوي من رجل.
    إن الذي يثبته الدين و العلم و الواقع أن هذه الأمومة إنما تتكون مقوماتها و تستكمل خصائصها من شيء آخر بعد إنتاج البويضة حاملة عوامل الوراثة، إنه المعاناة والمعايشة للحمل أو الجنين، تسعة أشهر كاملة يتغير فيها كيان المرأة البدني كله، تغيرا يقلب نظام حياتها رأسا على عقب، و يحرمها لذة الطعام و الشراب و الراحة و الهدوء، إنه الوحم و الغثيان، و الوهن طوال مدة الحمل، و هو التوتر و القلق، و الوجع و التأوه و الطلق عند الولادة، و هو الضعف و التعب و الهبوط بعد الولادة، إن هذه الصحبة الطويلة ـ المؤلمة المحببة ـ للجنين بالجسم و النفس و الأعصاب و المشاعر، هي التي تولد الأمومة و تفجر نبعها السخي الفياض بالعطف و الحب .
    هذا هو جوهر الأمومة بذل و عطاء، و صبر و احتمال، و مكابدة و معاناة، و لولا هذه المكابدة و المعاناة، ما كان للأمومة فضلها و امتيازها، و ما كان ثمة معنى لاعتبار حق الأم أوكد من حق الأب.
    إن أعباء العمل، و متاعب الوضع، هي التي جعلت للأمومة فضلا أي فضل، و حقا أي حق، و هي التي نوه بها القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى اللٌه عليه و سلم.
    فلقد جاء في قوله تعالى : ﴿ وَوَصَّينَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيهِ إِحسَانًا حَمَلتُهُ أُمُّهُ كُرهًا وَوَضَعَتهُ كُرهًا وَ حَملُهُ وَ فِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهرًا ﴾ ، و قال أيضا : ﴿ وَوَصَّينَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيهِ حَمَلَتهُ أُمُّهُ وَهنًا عَلَى وَهنٍ وَ فِصَالُهُ فِي عَامَينِ ﴾ . و معنى وَهْناً على وَهن، أي جهدا على جهد، و مشقة على مشقة.
    و هذه المعاناة التي تتحمل الأم آلامها و أوصابها راضية قريرة العين، هي السر وراء تأكيد القرآن على حق الأم و مكانتها، و هي السر كذلك وراء تكرار الرسول صلى اللٌه عليه و سلم الوصية بها. وتأكيد الأمر ببرها، و تحريم عقوقها، و جعل الجنة تحت أقدامها.

    من مثل: « إن اللٌه يوصكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بآبائكم، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب » .

    وفي الحديث المشهور في إجابة من سأل: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ « أمك...ثم أمك... ثم أمك... ثم أبوك » .

    المطلب الثالث : أحقية الأم بالحضانة.


    عن عبد اللٌه بن عمر أن امرأة قالت: يا رسول اللٌه، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، و ثدي له سقاء، و إن أباه طلقني و زعم أنه ينتزعه مني، فقال صلى اللٌه عليه و سلم : « أنَتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لمَ تَنكِحِي » .

    هكذا أعطى الشرع حق الحضانة للأم و قدمها على الأب و جعلها أحق بطفلها منه، فما تقول هذه الأم المستحدثة إذا اختلفت مع زوجها في حضانة الولد، و بأي منطق تستحقه و تقدم على أبيه و لم يكن بطنها له وعاء، و لا ثديها له سقاء؟
    إن قالت إنها صاحبة البويضة التي منها خلق، فالأب كذلك صاحب الحيوان المنوي الذي لولاه ما صلحت البويضة لشيء، بل لعله هو العنصر الإيجابي النشيط المحرك في هذه العملية، حتى إن القرآن نسب تكوين الإنسان إليه في قوله تعالى: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّا خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرَائِبِ ﴾ ، فالماء الدافق هو ماء الرجل.
    و قوله تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الِإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُن نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنىَ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزّّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الأُنْثَى ﴾ .

    المطلب الرابع : نسبة المولود.


    و لا شك أن خير وصف يعبر عن الأم و عن حقيقة صلتها بطفلها في لغة العرب هو (الوالدة) و سمي الأب (الوالد) مشاكلة للأم، و سميا معا( الوالدين) على سبيل التغليب للأم الوالدة الحقيقية، أما الأب فهو في الحقيقة لم يلد، و إنما ولدت امرأته.


    و على هذا الأساس سمي ابن المرأة (ولدا) لها، لأنها ولدته، ولدا لأبيه كذلك، لأنها ولدته له .

    إلا أن الذي يعكر صفو هذا المفهوم النبيل، هو مدى نسبة المولود بهذه الطريقة في حال وقوعها.
    كما ذكر آنفا، أن هذه العملية لها صورتان:
    ففي الصورة الثانية، في حالة ما إذا كانت العملية تتم في رحم الزوجة الثانية، فينسب المولود إلى أبيه، صاحب الحيوان المنوي، لأن الولد ناشئ من فراش الزوجة لقوله صلى اللٌه عليه و سلم : « الوَلَدُ لِلفِرَاشِ وَ لِلعَاهِرِ الحَجْرُ» ، إلا إذا قامت أدلة قطعية تدل على أن الولد ليس له، و إلا فإنا نحكم بالظاهر و هو الولادة .
    و في الصورة الأولى، ما إذا كانت التي حملت اللقيحة امرأة أجنبية عن صاحب الحيوان المنوي، فإنه ينظر، فإن كانت ذات زوج، فإن المولود ينسب لزوجها، لأنه صاحب الفراش، و له أن ينفيه عنه باللعان.
    و أما إذا كانت غير ذات زوج، فإن مولودها لا ينسب إلى أب، و إنما يأخذ حكم ابن الزنا، و ينسب الولد حينئذ إلى أمه لأنه لا يوجد فراش صحيح ينسب الولد إليه.
    و إما ما يتعلق بنسب المولود بالنسبة للأم، هل هي صاحبة البويضة أم صاحبة الرحم التي حملت وولدت؟.
    لقد ذهبت طائفة من فقهاء العصر ، إلى القول بأن نسب المولود بالنسبة للأم ، هو لصاحب الرحم التي حملت و ولدت.
    و ذلك للأدلة التالية:
    أ – قوله تعالى في تخطئة المظاهرين: ﴿ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ ﴾ .
    وجه الدلالة: الآية الكريمة نص على أن الأم هي التي تلد، و قد أكد هذا المعنى الصريح بالحصر، فلا أم نسبا بحكم القرآن إلا التي تلد .
    و إذا كانت بهذا المعنى، فكيف نسمي الأم التي لا تحمل ولا تلد (أما) أم (والدة) ، و كيف تتمتع بمزايا الأمومة دون أن تحمل أعبائها؟
    ب ـ قوله تعالى : ﴿ وَ الوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ .
    وجه الدلالة: أن اللٌه تبارك و تعالى نسب المولود للوالدات بقوله: ﴿ أَوْلاَدَهُنَّ ﴾ وأعطى الوالدات حق الرضاعة من ولدهن، ثم إن اللٌه تعالى أطلق على الأم اسم الوالدة، و ليس حاضنة بقوله: ﴿ لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ﴾ و الوالدة، اسم فاعل بمعنى التي تلد، فمن تلد هي التي منع اللٌه تعالى أن يضرها أحد بمولودها، أما صاحبة البويضة فإنها لم تلد، و بالتالي لا تسمى والدة، فهي إذن ليست أما نسبية للمولود .

    الخاتمة:

    بعد عرضنا لهذا البحث المستجد في وقتنا الحاضر، و الذي يعد من أهم المسائل المطروحة للنقاش، والأخذ و الرد بين علماء العصر ـ و هذه هي طبيعة المسائل المستجدة ـ إلا أنه يبدو لنا من خلال استدلالات المانعين، أنها قوية وواضحة، كونها مبنية على القواعد و الأصول ـ كما ذكرنا ذلك سابقا ـ و لا يعكر علينا البتة ما ذهب إليه المجيزون، و نقصد بذلك الدكتور حتحوت، فأدلته لا تقوى على معارضة أدلة المانعين و توجيهاتهم، فإنهم نظروا في المسألة إلى مآلاتها، فوجدوا أن مفاسدها أعظم من مصالحها، كون هذه المصالح خاصة تتعلق بطائفة قليلة ممن فقدن الرحم الخصب، ولكن المفسدة تتعدى إلى غيرهن.
    ومن نتائج العملية، اختلاط الأنساب، و كثرة التهم على أولئك المستأجرات أو الحاضنات، و لقد جاءت مقاصد الشريعة الإسلامية بحفظ الأنساب من جانبي الوجود و العدم، فغلق باب هذه العملية أولى سدا للذريعة، و المصلحة العامة تقتضي الحفظ أو المحافظة على الأنساب من اختلاطها، كما تقرر في علم المقاصد ، فإذا تعارضت مع المصلحة الخاصة فالعامة مقدمة عليها.
    ـ و اللٌه تعالى أعلم ـ
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2  
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    107
    معدل تقييم المستوى
    14
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق شفيق حقي مشاهدة المشاركة


    مسألة استئجار الرحم

    عشير جيلالي

    تمهيد: إن الاكتشافات و التجارب العلمية الحديثة جعلت مسؤولية المرء عن جهازه التناسلي تتسع يوما بعد يوم متجاوزة دائرة الوطء الحلال، وعدم الوقوع في الفاحشة. لقد أضحى الرجل مسؤولا عن قطرة المني التي تخرج منه، وكذلك المرأة عن البويضة التي تخرج منها، أين يوضعان؟ وما مصيرهما، وهل التسامح و حسن النية أمر يرضاه الشرع لمن يذهب إلى مختبر التحاليل لتحليل ماءه، ثم يخرج دون معرفة مصير ذلك؟.

    نعم إن قطرة المني أصبح لها دور خطير، مع ضعف الوازع الديني لدى الناس، وصدق رسول اللٌه صلى اللٌه عليه و سلم ـ عندما استعاذ منها قائلا: « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ سَمعِي، وَ مِن شَرِّ لِسَانِي وَ مِن شَرِّ قَلبِي، وَ مِن شَرِّ مَنِيٌَ »
    و ظاهر الحديث يفسر شر المني بالوطء المحرم، إلا أن الشر متحقق أيضا بالاستعمال المحرم .
    إن من الظواهر الجديدة و الغريبة في نفس الوقت، التي ظهرت في عصرنا الحاضر، و التي باتت دخيلة على الأمة الإسلامية، و هي ظاهرة (استئجار الرحم)

    المبحث الأول : تصّور المسألة و تحرير محل النزاع.


    اتفق المعاصرون من أهل العلم، الذين بنوا أحكامهم وفق النصوص و مقاصدها، و وفق التقارير الطبية التي صدرت من أطباء ثقات، على أن التلقيح الاصطناعي بشقيه الداخلي و الخارجي جائز إذا كان بماء الزوج و بويضة الزوجة ، ضمن شروط و ضوابط معينة، ومن هؤلاء د/ محمود شلتوت و الشيخ جاد الحق علي جاد الحق ، و د/علي الصوا، د/صالح فوزان وآخرين، و كانت آرائهم صادرة من انعقاد مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، و اللجنة الطبية الفقهية الدائمة في الأردن

    و في هذا الصدد يقول د/ يوسف القرضاوي : « إذا كان الإسلام قد حمى الأنساب بتحريم الزنا و تحريم التبني،... فإنه يحرم التلقيح الصناعي، إذا كان التلقيح بغير نطفة الزوج، بل يكون في هذه الحالة ، كما يقول د/ شلتوت: « جريمة منكرة ، وإثما عظيما، يلتقي مع الزنا »
    و في هذا إشارة بطريق مفهوم المخالفة إلى جوازه إذا كان بنطفة الزوج، على نحو ما ذهب إليه العلماء المعاصرون.
    صورة المسألة: هي أن يتفق الزوجان على استئجار رحم امرأة أخرى لتحضن نطفة الزوج و بويضة الزوجة، و تتولى هذه المرأة الحمل و الوضع، ثم تقدم الطفل بعد ولادته لأبويه لقاء أجر معلوم .

    الأولى : أن يجري تلقيح خارجي في وعاء اختبار بين بذرتي زوجين، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة تتطوع بحملها.

    الثانية : هي ذاتها الصورة السابقة، و لكن تكون المتطوعة هي زوجة ثانية للزوج صاحب النطفة لها ضرتها التي تحمل اللقيحة عنها .
    و تتم هذه العملية من خلال شفط البويضة بمنوي من الزوج يلتحم بها ليكونا بويضة تشرع في الانقسام إلى عدد من الخلايا ( و قد تمت هذه الخطوة أيضا) ثم إيداع هذه الكتلة من الخلايا، أي الجنين الباكر، رحم امرأة أخرى بعد إعداده هرمونيا، فيكمل الجنين نماءه في رحم هذه المرأة المضيفة حتى تلده و تسلمه لوالديه اللذين منهما تكون .

    المبحث الثاني : الأسباب الداعية إلى هذه العملية.


    إن مثل هذه العمليات التي يلجأ الأطباء إليها، حين تكون الزوجة غير قادرة على الحمل لسبب في رحمها، و لكن مبيضها سليم منتج، أي عدم ملائمة رحم الزوجة على الإخصاب، كانسداد قناة فالوب، أو تكون غير راغبة في الحمل ترفها، فتتطوع امرأة أخرى بالحمل عنها .


    المبحث الثالث : اختيار جنس الجنين.


    هناك نوعان من كروموزومات الجنس، أما الذي في بويضة المرأة فهو دائما من النوع المسمى x و أما منويات الرجل فبعضها يحمل x و الآخر يحمل y فإن قدر أن يلقح البويضة منوي يحمل x كان كروموزوما الجنس في الجنين الناتج xx و هذا الجنس أنثى، و إلا فهما xy و هذا الجنس ذكر.

    فإذا كانت أم البنات، تريد أن تحدد عدد أطفالها تزيد و تزيد في انتظار الذكر المنشود، فإن استطاعت من البدء إنجاب الذكر ، أفضى ذلك إلى تقليل التناسل؟


    و هل ينتج الأغنياء إلى إنجاب الذكور حرصا على الثروة أن تخرج من الأسرة إن ورثت البنت و انضمت بما تملك إلى زوج غريب يحمل أولاده منها اسمه و اسم أسرته ثم تؤول إليهم أملاك أمهم بالوارثة


    المبحث الرابع : آراء العلماء في المسألة.


    لاشك أن مثل هذه المسائل المستجدة يتعذر الوفاق في كون الاجتهاد فيها متسعا، و آراء العلماء تختلف لاختلاف مشاربهم و مناهجهم. ولكن الذي ينبغي التنبيه عليه هو أن هذا الاجتهاد ليس مبناه التشهي و القول في دين اللٌه تعالى بغير دليل، فله ضوابطه و قواعده، لاسيما إذا ربطناه بمقاصد الشريعة الإسلامية، و هذه المسألة كان النظر إليها باعتبار مآلات الأفعال.


    المطلب الأول : حجج المانعين.


    في الصورة الثانية من مسألتنا ، ذهب هذا الفريق في بداية الأمر إلى الجواز، و لكن لما نظروا إلى مآل الفعل قالوا بحظره، و عللوا ذلك بأن الزوجة الثانية التي زرعت فيها لقيحة بويضة الزوجة الأولى قد تحمل ثانية قبل انسداد رحمها على حمل اللقيحة من معاشرة الزوج، كما قد تموت علقة أو مضغة أحد الحملين، و لا تسقط إلا مع ولادة الحمل الآخر الذي لا يعلم أيضا أهو ولد اللقيحة أم حمل المعاشرة الزوجية، و يوجب ذلك اختلاط الأنساب لجهة الأم الحقيقة لكل من الحملين، و التباس ما يترتب على ذلك من أحكام.

    أما حكم الصورة الأولى فهو التحريم، كما أفتى به المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة ، و بالتالي اللجنة الدائمة الطبية الفقهية بالأردن .
    و يقول الدكتور عبد المنعم عبد العال : « طالما اشترك الزوجان ، الرجل بمنيه و المرأة ببويضتها وحدهما دون أي شريك ثالث، اشتركا في عملية الإخصاب فهو حلال أيا كانت الطريقة المستخدمة أما إذا اشترك بشر آخر سواء كان رجلا بمنيه أو امرأة ببويضتها أو رحمها، فهو حرام حرمة بينة، يصبح الجنين المولود كولد الزنا تماما » .

    و كما يظهر، أن هذه العملية فيها شبهة الزنا و إن لم يتحقق معناه من حيث اختلاط الأنساب، و لا صورته من حيث الإيلاج في الفرج المحرم، و بالتالي فإن هذا التعاقد بين الزوجين و الأجنبية باطل شرعا، لأنه إيجار على منفعة محرمة .

    قال ابن رشد الحفيد: « فما اجتمعوا على إبطال إجارته، كل منفعة كانت لشيء محرم العين كذلك كل منفعة كانت محرمة بالشرع، مثل أجر النوائِح و المغنيات » .
    و على هذا الأساس فالعملية محرمة لا ترتاح إليها الشريعة الإسلامية، و التعاقد عليها يعد عقدا فاسدا، وأما تترتُّبُ أثاره بعد الفسخ، فسيأتي الكلام عليه لاحقا. فالعملية ابتدءا و أصالة محرمة، ومما يؤكد هذا أنه يعضدها جملة من القواعد ، منها أن الأصل في الفروج و الأبضاع التحريم، وكذلك إذا تعارض التحريم و الحظر مع الإباحة، فالحرمة مقدمة عند الجمهور، لتمام إفضاء الحرمة إلى مقصودها، لأنه يكفي فيها مجرد الترك.

    المطلب الثاني :ذكر شبه المخالفين و الرد عليها.


    إن ما سماه الطبيب العام الأديب الدكتور حسان حتحوت (شتل الجنين) فهو قضية في غاية الغرابة والإثارة، و إطلاقه بهذا اللفظ و بغيره، " كالرحم المستعار"، فيه إيهام و تلبيس على السامع، أنها مسألة كغيرها من مسائل التلقيح الاصطناعي ،فليس فيها خلط للأنساب، لأن البويضة ملقحة بماء الزوج نفسه.

    لقد حصر الدكتور حتحوت الصورة المسؤولة عنها في امرأة ذات مبيض سليم، و لكن لا رحم لها و هي مشوقة للأولاد، راغبة في الإنجاب، كأنه بهذا يثير الشفقة عليها، و يستدر العطف من أجلها.

    الجواب عليه يقول الدكتور القرضاوي: و لكن من هذا الباب إذا فتح، مالذي يمنع أن تدخله كل ذات مال من ربات الجمال و الدلال، ممن تريد أن تحافظ على رشاقتها، وأن يظل قوامها كغصن البان لا يغير خصرها و صدرها الحمل و الوضع و الإرضاع، فما أيسر عليها أن تستأجر مضيفة، تحمل لها، و تلد عنها، و ترضع بدلها، و تسلم لها بعد ذلك ولدا طاهرا، تأخذه بيضة مقشورة، و لقمة سائغة، لم يعرق لها جبين، ولا تعبت لها يمين، ولا انتفض لها عرق.

    قالوا : لنوفر للمرأة من الولد، لفقدها الرحم الصالح للحمل، ما تشتاق إليه من الأطفال عن طريق أخرى صالحة للحمل.

    الجواب عليه يجيب دائما الدكتور القرضاوي: نود أن نقول هنا: إن الشريعة تقرر قاعدتين مهمتين، تكمل إحداهما الأخرى:

    الأولى: إن الضرر يزال بقدر الإمكان.
    الثانية : إن الضرر لا يزال بالضرر .
    و نحن إذا أسقطنا القاعدتين على الواقعة التي معنا، نجد أننا نزيل ضرر امرأة هي محرومة من الحمل بضرر امرأة أخرى هي التي تحمل و تلد، ثم لا تتمتع بثمرة حملها و ولادتها و عنائها، فنحن نحل مشكلة بخلق أخرى.
    إن على العلم أن يتواضع، و لا يحسب أن بإمكانه أن يحل كل مشكلات البشر، فإنها لا تنتهي ولن تنتهي، و لو فرض أنه حل مشكلة المرأة التي ليس لها رحم صالح، فكيف يحل مشكلة التي ليس لها مبيض صالح .
    قالوا : هل هذه الطريقة الوحيدة في نظر العلم لإزالة ضرر المرأة المحرومة من الإنجاب لعدم الرحم؟.
    الجواب عليه: يقول د/ القرضاوي: « إن العلم الحديث نفسه بإمكانه و تطلعاته ـ فيما حدثني بعض الإخوة الثقات المشتغلين بالعلوم و المطلعين على أحدث تطوراتها و توقعاتها يفتح أمامنا باب الأمل لوسيلة أخرى أسلم و أفضل من الطريقة المطروحة.
    هذه الوسيلة هي زرع الرحم نفسه في المرأة التي عدمته، تتمة لما بدأ به العلم و نجح فيه من زرع الكلية و القرنية و غيرها، بل زرع القلب ذاته في تجارب معروفة و منشورة.
    و إذا كان مبيض الأنثى يفرز في كل شهر بويضة صالحة ـ بعد التلقيح ـ يكون منها طفل،فليت شعري ما يمنع المرأة الثرية أو زوجة الثري أن تنجب في كل شهر طفلا مادام الإنجاب لا يكلفها حملا و لا يجشمها ولادة !! .
    و معنى هذا أن المرأة الغنية تستطيع أن تكون أما لأثني عشر ولدا في كل سنة، مادامت الأمومة هينة لينة لا تكلف أكثر من إنتاج بويضة، و البركة في الحاضنات أو المضيفات الفقيرات اللاتي يقمن بدور الأمومة و متاعبها لقاء دريهمات معدودة، و يستطيع الرجل الثري أن يكون له جيش من الأولاد بعد أن يتزوج من النساء مثنى و ثلاث و رباع » .
    المبحث الخامس : معكرات هذه المسألة.

    الفقه الإسلامي يعرفنا على الأم في الرضاع و أحكام الإخوة في الرضاعة، الآن أدركنا أن للمرء بأمه صلتان، صلة تكوين و وراثة أصلها المبيض ، و صلة حمل و حضانة أصلها الرحم، و حتى الآن كانت صلة الرحم تطلق مجازا على الجميع ، و لكن ماذا إذا تشعبت الأمور ، فكان التكوين من المرأة و الحضانة في أخرى و أين تقف صلة الرحم من بنوة المبيض.. و ما حقوق هذه الحاضن و ماذا يترتب على ذلك من أحكام ؟


    المطلب الأول : إفساد معنى الأمومة .


    أول هذه النتائج و أبرزها أنه يفسد معنى الأمومة، كما فطرها اللٌه تعالى. و كما عرفها الناس، هذا المعنى الذي ليس في الحياة أجمل و أنبل منه، فالأم الحقيقية في التصور المعروف للسؤال هي صاحبة البويضة الملقحة التي منها يتكون الجنين ، هي التي ينتسب إليها الطفل و هي الأحق بحضانته، و هي التي تناط بها أحكام الأمومة و حقوقها من الحرمة و البر و النفقة و الميراث و غيرها، و دور هذه الأم في صلتها بالطفل أنها أنتجت يوما ما بويضة أفرزتها بغير اختيارها و بغير مكابدة و لا مشقة عانتها في إفرازها.

    أما المرأة التي حملت الجنين في أحشائها و غذته من دم قلبها أشهرا طوالا،حتى غدا بضعة منها، و جزءا من كيانها، و احتملت في ذلك مشتقات الحمل و أوجاع الوحم و آلام الوضع و متاعب النفاس، فهذه مجرد مضيفة أو حاضنة، تحمل و تتألم و تلد فتأتي صاحبة البويضة، فتنتزع مولود ها من بين يديها، دون مراعاة لما عانته من آلام، وما تكوّن لديها من مشاعر، كأنها مجرد أنبوب من الأنابيب التي تحدثوا عنها برهة من الزمان، لا إنسان ذو عواطف و أحاسيس .

    المطلب الثاني : حقيقة الأمومة.


    و لنا أن نتساءل هنا عن ماهية الأمومة التي عظمتها كتب السماء، و نوه بها الحكماء و العلماء، و تغنى بها الأدباء و الشعراء، و ناطت بها الشرائع أحكاما و حقوقا عديدة، الأمومة التي هي أرقى عواطف البشر و أخلدها و أبقاها.

    و هل تتكون هذه الأمومة الشريفة من مجرد بويضة أفرزها مبيض أنثى و لقحها حيوان منوي من رجل.
    إن الذي يثبته الدين و العلم و الواقع أن هذه الأمومة إنما تتكون مقوماتها و تستكمل خصائصها من شيء آخر بعد إنتاج البويضة حاملة عوامل الوراثة، إنه المعاناة والمعايشة للحمل أو الجنين، تسعة أشهر كاملة يتغير فيها كيان المرأة البدني كله، تغيرا يقلب نظام حياتها رأسا على عقب، و يحرمها لذة الطعام و الشراب و الراحة و الهدوء، إنه الوحم و الغثيان، و الوهن طوال مدة الحمل، و هو التوتر و القلق، و الوجع و التأوه و الطلق عند الولادة، و هو الضعف و التعب و الهبوط بعد الولادة، إن هذه الصحبة الطويلة ـ المؤلمة المحببة ـ للجنين بالجسم و النفس و الأعصاب و المشاعر، هي التي تولد الأمومة و تفجر نبعها السخي الفياض بالعطف و الحب .
    هذا هو جوهر الأمومة بذل و عطاء، و صبر و احتمال، و مكابدة و معاناة، و لولا هذه المكابدة و المعاناة، ما كان للأمومة فضلها و امتيازها، و ما كان ثمة معنى لاعتبار حق الأم أوكد من حق الأب.
    إن أعباء العمل، و متاعب الوضع، هي التي جعلت للأمومة فضلا أي فضل، و حقا أي حق، و هي التي نوه بها القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى اللٌه عليه و سلم.
    فلقد جاء في قوله تعالى : ﴿ وَوَصَّينَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيهِ إِحسَانًا حَمَلتُهُ أُمُّهُ كُرهًا وَوَضَعَتهُ كُرهًا وَ حَملُهُ وَ فِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهرًا ﴾ ، و قال أيضا : ﴿ وَوَصَّينَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيهِ حَمَلَتهُ أُمُّهُ وَهنًا عَلَى وَهنٍ وَ فِصَالُهُ فِي عَامَينِ ﴾ . و معنى وَهْناً على وَهن، أي جهدا على جهد، و مشقة على مشقة.
    و هذه المعاناة التي تتحمل الأم آلامها و أوصابها راضية قريرة العين، هي السر وراء تأكيد القرآن على حق الأم و مكانتها، و هي السر كذلك وراء تكرار الرسول صلى اللٌه عليه و سلم الوصية بها. وتأكيد الأمر ببرها، و تحريم عقوقها، و جعل الجنة تحت أقدامها.

    من مثل: « إن اللٌه يوصكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بآبائكم، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب » .

    وفي الحديث المشهور في إجابة من سأل: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ « أمك...ثم أمك... ثم أمك... ثم أبوك » .

    المطلب الثالث : أحقية الأم بالحضانة.


    عن عبد اللٌه بن عمر أن امرأة قالت: يا رسول اللٌه، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، و ثدي له سقاء، و إن أباه طلقني و زعم أنه ينتزعه مني، فقال صلى اللٌه عليه و سلم : « أنَتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لمَ تَنكِحِي » .

    هكذا أعطى الشرع حق الحضانة للأم و قدمها على الأب و جعلها أحق بطفلها منه، فما تقول هذه الأم المستحدثة إذا اختلفت مع زوجها في حضانة الولد، و بأي منطق تستحقه و تقدم على أبيه و لم يكن بطنها له وعاء، و لا ثديها له سقاء؟
    إن قالت إنها صاحبة البويضة التي منها خلق، فالأب كذلك صاحب الحيوان المنوي الذي لولاه ما صلحت البويضة لشيء، بل لعله هو العنصر الإيجابي النشيط المحرك في هذه العملية، حتى إن القرآن نسب تكوين الإنسان إليه في قوله تعالى: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّا خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرَائِبِ ﴾ ، فالماء الدافق هو ماء الرجل.
    و قوله تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الِإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُن نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنىَ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزّّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الأُنْثَى ﴾ .

    المطلب الرابع : نسبة المولود.


    و لا شك أن خير وصف يعبر عن الأم و عن حقيقة صلتها بطفلها في لغة العرب هو (الوالدة) و سمي الأب (الوالد) مشاكلة للأم، و سميا معا( الوالدين) على سبيل التغليب للأم الوالدة الحقيقية، أما الأب فهو في الحقيقة لم يلد، و إنما ولدت امرأته.


    و على هذا الأساس سمي ابن المرأة (ولدا) لها، لأنها ولدته، ولدا لأبيه كذلك، لأنها ولدته له .

    إلا أن الذي يعكر صفو هذا المفهوم النبيل، هو مدى نسبة المولود بهذه الطريقة في حال وقوعها.
    كما ذكر آنفا، أن هذه العملية لها صورتان:
    ففي الصورة الثانية، في حالة ما إذا كانت العملية تتم في رحم الزوجة الثانية، فينسب المولود إلى أبيه، صاحب الحيوان المنوي، لأن الولد ناشئ من فراش الزوجة لقوله صلى اللٌه عليه و سلم : « الوَلَدُ لِلفِرَاشِ وَ لِلعَاهِرِ الحَجْرُ» ، إلا إذا قامت أدلة قطعية تدل على أن الولد ليس له، و إلا فإنا نحكم بالظاهر و هو الولادة .
    و في الصورة الأولى، ما إذا كانت التي حملت اللقيحة امرأة أجنبية عن صاحب الحيوان المنوي، فإنه ينظر، فإن كانت ذات زوج، فإن المولود ينسب لزوجها، لأنه صاحب الفراش، و له أن ينفيه عنه باللعان.
    و أما إذا كانت غير ذات زوج، فإن مولودها لا ينسب إلى أب، و إنما يأخذ حكم ابن الزنا، و ينسب الولد حينئذ إلى أمه لأنه لا يوجد فراش صحيح ينسب الولد إليه.
    و إما ما يتعلق بنسب المولود بالنسبة للأم، هل هي صاحبة البويضة أم صاحبة الرحم التي حملت وولدت؟.
    لقد ذهبت طائفة من فقهاء العصر ، إلى القول بأن نسب المولود بالنسبة للأم ، هو لصاحب الرحم التي حملت و ولدت.
    و ذلك للأدلة التالية:
    أ – قوله تعالى في تخطئة المظاهرين: ﴿ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ ﴾ .
    وجه الدلالة: الآية الكريمة نص على أن الأم هي التي تلد، و قد أكد هذا المعنى الصريح بالحصر، فلا أم نسبا بحكم القرآن إلا التي تلد .
    و إذا كانت بهذا المعنى، فكيف نسمي الأم التي لا تحمل ولا تلد (أما) أم (والدة) ، و كيف تتمتع بمزايا الأمومة دون أن تحمل أعبائها؟
    ب ـ قوله تعالى : ﴿ وَ الوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ .
    وجه الدلالة: أن اللٌه تبارك و تعالى نسب المولود للوالدات بقوله: ﴿ أَوْلاَدَهُنَّ ﴾ وأعطى الوالدات حق الرضاعة من ولدهن، ثم إن اللٌه تعالى أطلق على الأم اسم الوالدة، و ليس حاضنة بقوله: ﴿ لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ﴾ و الوالدة، اسم فاعل بمعنى التي تلد، فمن تلد هي التي منع اللٌه تعالى أن يضرها أحد بمولودها، أما صاحبة البويضة فإنها لم تلد، و بالتالي لا تسمى والدة، فهي إذن ليست أما نسبية للمولود .

    الخاتمة:

    بعد عرضنا لهذا البحث المستجد في وقتنا الحاضر، و الذي يعد من أهم المسائل المطروحة للنقاش، والأخذ و الرد بين علماء العصر ـ و هذه هي طبيعة المسائل المستجدة ـ إلا أنه يبدو لنا من خلال استدلالات المانعين، أنها قوية وواضحة، كونها مبنية على القواعد و الأصول ـ كما ذكرنا ذلك سابقا ـ و لا يعكر علينا البتة ما ذهب إليه المجيزون، و نقصد بذلك الدكتور حتحوت، فأدلته لا تقوى على معارضة أدلة المانعين و توجيهاتهم، فإنهم نظروا في المسألة إلى مآلاتها، فوجدوا أن مفاسدها أعظم من مصالحها، كون هذه المصالح خاصة تتعلق بطائفة قليلة ممن فقدن الرحم الخصب، ولكن المفسدة تتعدى إلى غيرهن.
    ومن نتائج العملية، اختلاط الأنساب، و كثرة التهم على أولئك المستأجرات أو الحاضنات، و لقد جاءت مقاصد الشريعة الإسلامية بحفظ الأنساب من جانبي الوجود و العدم، فغلق باب هذه العملية أولى سدا للذريعة، و المصلحة العامة تقتضي الحفظ أو المحافظة على الأنساب من اختلاطها، كما تقرر في علم المقاصد ، فإذا تعارضت مع المصلحة الخاصة فالعامة مقدمة عليها.
    ـ و اللٌه تعالى أعلم ـ
    لم أكمل قراءة النص بعد لضيق الوقت ولكن من بدايته اتضح لي أنه موضوع مهم
    وطرح متزن

    جزآلله كاتبه كل خير
    سأعود للقراءة بتفحص وتأني
    مع أزكى تحية
    ليس الصلاح في القوة ولكن القوة في الصلاح
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. مسألة استئجار الرحم - عشير جيلالي
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى إسلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 30/10/2010, 09:02 PM
  2. مسلمة........
    بواسطة فطيمة عزوني في المنتدى أدب الجملة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 14/05/2010, 02:43 PM
  3. مسألة اختلاف المطالع
    بواسطة بشير صابري في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 16/04/2008, 10:25 AM
  4. ملكة جمال مسلمة
    بواسطة محمود الحسن في المنتدى إسلام
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 08/11/2007, 05:35 AM
  5. مسألة الصدق في الأدب
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10/10/2006, 11:52 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •