مهرجان العجيلي السادس للرواية العربية في يومه الأول

28 December, 2010 05:37:00
حجم الخط:



من اليمين :أيمن ناصر
يليه نصر محسن
يليه:خليل الجيزاوي
يليه : الحبيب السالمي


محمد جاسم الحميدي ـ فراس الهكار

المحظورات في الكتابة الروائية العربية
موسم الهجرة إلى الشمال عروس الروايات العربية
المحظور الوحيد هو أن يساء للوطن، وما عداه ليس محظوراً...!
الجنس هو الوحيـد بين المحرمات الكبرى الذي اخترق بجـرأة...!
بدأت الجلسات العلمية في مهرجان الدكتور عبد السلام العجيلي للرواية العربية بعد افتتاح المهرجان والمعارض المرافقة له فانعقدت الجلسة العلمية الأولى الساعة الواحدة ظهراً، وترأسها الروائي والناقد نبيل سليمان، وشارك فيها آدم حسب النبي السوداني، ونصر محسن، وإبراهيم العلوش.
د.آدم: عروس الروايات العربية
الدكتور آدم قاص يكتب للأطفال والكبار، وهو معجب بالطيب صالح شأنه شأن كل مثقف عربي، وفيه يقول: امتاز الطيب صالح بمهارته في تفجير طاقات اللغة إلى أقصى مدى، حتى يلازم الشكل المضمون، وهذا أحد أسرار إبداعه، لقد استخدم المفردات اللهجية بذكاء فجاءت تشبيهاته من الواقع نفسه، وبنفس العفوية دلق كل مشكلات السودان في قصصه، ومنها الموضوعات المؤرقة في مسألة الفروق العرقية، مؤكداً أن الصوفية هي الملاذ الوحيد لتذويب الفوارق في وطن تعددت فيه الثقافات والأعراق.
ومع أنه قطف قصصه من رحم ثقافة محلية شديدة التميز، إلّا أنه تجاوز سودانيته إلى فضاء أرحب.. الرواية عند الطيب أغنية ذات إيقاع سلس، تضم التضاد والتناقض، وشخوصه وحدات مرتبطة بمرجعيتها الحضارية والوجدانية تمشياً مع مجريات النص.
صوّر في روايته موسم الهجرة إلى الشمال التقابل بين الحضارة السودانية والانكليزية، فمصطفى سعيد يعيش المأزق الوجودي للإنسان ككل، فهو من طينة غير طينة السودانيين القرويين، وكان على موعد مع الموت دائماً، وهو نموذج لا منتمٍ للحياة ذاتها، فهو شخصية غربية تجاوزت الإحساس المباشر بالأشياء والمشاعر القوية، وهو بالتالي صاحب شخصية متعددة ومركبة، ولعل ذلك ما جعله يدمر نفسه.. وهو بالتالي إنسان موجود في كل إنسان بيننا...!
وإذا تجاوزنا الشخصية وتحدثنا عن المحظورات في كتاباته، نقول: ليس هناك مقياس ثابت يناسب الإبداع الفني، إلّا المعايير الجمالية والفنية المستقاة من السياق الثقافي الخاص بمجتمع معين... والإبداع الفني لا يتأثر بفعل الجنوح، فالأقدمون متسامحون، ويقدّرون النبوغ الفني، ومن ذلك أنهم يقولون: إن شعر حسان بن ثابت الجاهلي أجود من شعره الإسلامي.
لقد اتهم الطيب في روايته موسم الهجرة بالجنوح إلى ترديد العبارات المكشوفة أو الفاضحة، وتصوير الحوارات والمشاهد الجنسية (بنت مجذوب، مصطفى سعيد) والاتهامات الأخرى مثل اتهامات السيدة صافيناز كاظم من المنظور الأخلاقي والتطهري، وقد رد الدكتور الفاتح إبراهيم على السيدة صافيناز قائلاً: إنها قرأت الرواية نصاً ولكنها لم تلامس روحها، ونظرت إليها بعين المصلح الديني وليس بعين الناقد الأدبي... إن مصطفى سعيد لم يكن سفاح نساء، وأدب الطيّب ليس بعضاً من مسيرة الهوس الجنسي، وغزوات مصطفى لا هي تعبير عن فحولة، ولا عن خصومة حضارية مع الغرب، بل هي حالة وجودية تتصارع فيها القيم بشتى السبل والأشكال لا لكسب المعركة بل لإثبات الوجود أياً كانت الوسائل...
نصر محسن: الرقيب الإيجابي...!
قدم الروائي والقاص السوري نصر محسن شهادة تحدث فيها عن الرقيب الذي يسكننا جميعاً، سواء أكنّا فرداً أو مجتمعاً كاملاً، والرقيب أياً كان يحرضك دافعاً إياك إلى واقع محبط، يجعلك مفردة متمردة، أو لبنة نافرة، وإن بدأت الكتابة فأنت تتلفت حولك، وكأنك تمارس فعلاً محرماً عليك...
يجعلك الهم مغواراً مشاغباً، يقودك رقيبك الجميل نحو عالم ممتلئ بالرقباء غير الجميلين، ينظرون إليك بازدراء، ويرون في شغبك تطاولاً، وفي جرأتك محاولة للفوضى، لك عينان حادتا النظر، ولك لسان أخشن من مبرد...
تطمح لرؤية وطن جميل، فتحاول المساهمة في بنائه، ولكن المحظور يقف دائماً في وجهك، فبناء الوطن هو عمل السياسي وليس عملك، فإما أن نؤيد ما يُطرح وإما أن نتنحّى....
إذا كان صوتك مصادراً فأنت ستحاول إيجاد منفذ له محاولاً كسر ما هو سائد ومألوف، كيف تجد المنفذ: هل يكفي تضمين نصوصك بالرموز الموحية، والكلمات النادرة؟ أما زالت الديكة توقظ الناس؟
يساعدك رقيبك الجميل، يساعدك، يكشف لك المستور يعريه، يعترض عليه ويرفضه، محرضاً إياك على الابتكار، لم يبق اعتماد الرمزية هروباً من الرقابة، وإنما غدت مدرسة بحد ذاتها، ماذا يمكنك أن تضيف أيضاً لنتجاوز ما اعتاده الكتاب للهروب من الرقابة أثناء الصدام مع المحظور؟
تعود إلى طفولتك وتلجأ إلى الفعل الغرائبي، وللموقف المنافق، الجملة المنافقة الحاملة لأكثر من وجه...ولأننا نريد النهوض بوطننا ومجتمعنا وإنساننا يحق لنا الإكثار من المواقف الموحية في ملامسة المحظورات من القيم، كما يحق لنا أن نسمي شخصياتنا كما نريد، علّنا بذلك نعيد الوظيفة الحقيقية للديكة والجياد والعصافير.
يستخدم الكاتب الرقيب لأداء عملين متضادين، فالرقيب إيجابي حين يحرضك على التمرد وتجاوز المألوف، لكن هناك رقباء غير جميلين يريدونك أن تبقى تحت سقف المسموح وحده...!
لقد تحدث عن رقيب داخلي فقط دون الحديث عن الرقيب الخارجي، فقال باختصار: لا أرى محظوراً أبداً إلا فيما يُساء فيه إلى الوطن، أما الباقي فهو غير محظور.
إبراهيم العلوش: هموم المكان المحيط بنا..
تشكو الروايات العربية السورية من غياب المكان فيها، إلا أن الحال هذه تغيرت مع الروايات السورية الحديثة، بل لقد أصبحت تلك الروايات تحتفل بالمكان وبمسمياته... فلماذا لم يكن الروائي يهتم بالمكان، وما الجديد الذي جعله يهتم به الآن؟!!
منذ الستينات انشغلنا بالهموم القومية والاشتراكية، وهما معاً يبتعدان عن المحدد، أو عن المحلي لمصلحة ما هو أوسع، إن الايدولوجيا، كل أيديولوجيا تعمم، وهذا التعميم يتناقض مع الإبداع الفني، ومع الرواية التي يجب أن تكون خاصة، بأشخاصها، وبأمكنتها وبلغتها أيضاً...
يعتبر الكاتب أن زكريا تامر اشتغل خارج هذا المجال، ولم يهتم باللحاق بالقطارات الكبيرة، بل اهتم بشخوص فريدة ومهمشة، وبأمكنة وأزقة عتيقة، ومقابر للغابرين وقد عانينا لكي نكون زكريا تامر، وعانينا أكثر لكي نخرج منه أيضاً، ولا نظل داخل معطفه، وعلينا الآن أن نجد أبطالنا الجدد، أفكارنا الجديدة، وأمكنتنا الحيوية...!
يبدو التعميم في غير مكانه، فليست الأيديولوجية، هي التي غيبت المكان حتى لو كانت بعض أسباب غيابه حقاً، ذلك الغياب سببه الأكبر أن ليس ثمة روايات قبل الستينات في سورية، وقليلها لا يمكن القياس عليه...!
الجلسة العلمية الثانية (اليوم الأول): برئاسة الدكتورة شهلا العجيلي، ومشاركة الروائي والناقد المغربي أحمد المديني، والروائية مي خالد من مصر، والدكتور هايل الطالب من سورية.
أحمد المديني : مغامرة الشكل
يتحدث الدكتور المديني المغربي عن عمل الروائي أمجد ناصر، وهو شاعر يسعى إلى إشهار نفسه ونصه أمام القراء عامة والقراء المحترفين خاصة من خلال روايته (حيث لا تسقط الأمطار، دار الآداب 2010).
وأمجد ناصر يبحث عن نموذج جديد للكتابة، ربما من خلال الخلط بين الأجناس، لكنه يظل مرتبكاً بعدم اليقين، وأمجد ناصر، هو واحد من أدباء مختلفين ينزعون إلى إعلاء الصوت الذاتي على هيمنة المقرب والعمومي الموصوف بالموضوعية، وإلى تذويت منتظم لما هو واقعي صرف.
تبدو الشعرية هي المنجاة والأداة الوحيدة للكاتب للإفلات من قهر الماضي، والقصاص منه، وللبوح على منوال للسرد والتطهر...
واليوم يحاول أمجد ناصر تفادياً للمنع ولتجنب متاعب نظن أنه في غنى عنها، وربما لتوفير بعض تغريب ينسجم مع مقاربته لتاريخه الشخصي، لذلك لا يجد مناصاً من التحايل على أحد أطراف المثلث المحظور الذي يصفه بالشراسة ليكتب روايته، ويقيم صرح نص يحلم أن يجد طريقه للوجود.
ويقول الباحث: ليكن مسموحاً لنا القول في خاتمة هذه القراءة، أولاً: بأن رغبة التجديد والاختراق هي من صميم الأدب والفن عموماً، وابتغاؤها هو توسيع لدائرته، وليكن مسموحاً لنا القول ثانياً، بأن مغامرة الشكل ليست شكلية وحدها، بل تنجم عن وعي بأسباب انبثاقها ودواعي تشغيلها في الكتابة، المسماة دائماً موضوعية، وحينئذ تؤلف بنية متآلفة تخدمها جميع عناصرها.
د. هايل الطالب: موت المحظور الجنسي
بعد أن تحدث الدكتور هايل الطالب عن موت المحظور الجنسي عند عدد من الروائيات السوريات، طرح أسئلته التي تلم بقضايا المحظور الجنسي ثقافياً وفنياً، ومنها ثقافياً: لماذا تثير كتابة الروائيات عن الجنس الزوابع الإعلامية في حين يكون الصخب أقل عند كتابات الروائيين؟ هل صارت الكتابة عن الجسد بجرأة موضة للوصول السريع؟ هل ما زال المحظور الجنسي حاضراً أم أنه تلاشى؟ هل تخلت الكتابة عن ثقافة تجميل الواقع وهي تسعى الآن لفضح المخبوء؟ لماذا بدأت الروايات العالمية تبحث عن بؤر دلالية قائمة على الإدهاش في حين ما زالت الرواية العربية قابعة في البحث عن التابو؟ أما زالت هذه المحظورات تدهشنا في عصر الفضائيات؟ وهل فقد التابو قيمته، وعلينا البحث عن فنيات أخرى للرواية؟
ومنها فنياً: هل كانت الكتابة عن الجسد حاجة بنيوية للرواية؟ هل كان اعتماد المفردات الجنسية الصريحة مسوغاً فنياً؟ هل ما زال موضوع الجسد كما عرض في الروايات المدروسة من الموضوعات التي ما زالت تحقق إدهاشاً فنياً؟
وما مدى الاختلاف في طرق المعالجة؟ أليست الكتابة الروائية في العالم الآن تبحث عن المدهش غير المطروق بأساليب تعبير جديدة؟
ومن خلال الروايات التالية يحاول الإجابة عن الأسئلة المطروحة، وهذه الروايات هي: قبو العباسيين، لهيفاء بيطار، وبرهان العسل، لسلوى النعيمي، رائحة القرفة لسمر يزبك، وقارب عشتار لفوزية المرعي.
مي خالد : صناديقهم السوداء
الروائية مي خالد المصرية وتحت عنوان: المحظور في الرواية العربية، قدمت شهادتها وعلاقتها بالأدب وبأعمالها، وهي تقول: في صباح أحد الأيام وجدت دميتي مكسورة الرقبة، وكانت عاجزة عن البوح لي باسم قاتلها، فكرهت عجزها، وبحثت عن متعة خاصة لي، بحيث أكون دمية نفسي، ولكن دون عجز الدمى، وهكذا رحت أغزل الحكايات الشيقة... وصولاً إلى اكتمال عدتي في الخلق والابتكار.
لن أتطرق إلا إلى محظوري الخاص، أما المحظور التقليدي في الثالوث المحرم المكون من الدين والجنس والسياسة فقد تغلبت عليها باللغة التي هي أداة مراوغة، وطيعة في يد المبدع الذي كلما تمكن من أدواته الأسلوبية، ازداد دهاءً وتحايلاً لتوصيل المعنى دون أن يُمسك عليه دليل.
ومع أن الخوف هو الذي دفعنا لإتباع هذا الأسلوب في الكتابة، فقد وجدت القراء والنقاد يصفقون لي لأنني لم أقع في فخ المباشرة، وهم لا يعرفون أنهم صفقوا لضعفي وخوفي..!
أما محظوري الشخصي الذي تحول إلى فوبيا أو هاجس مرضي، فهو ليس الخوف من أن يمسك بي رقيب من أمن الدولة، أو أحد المتعصبين دينياً، بل رعبي الحقيقي من أن يطّلع أبطالي على المخبوء من حياتهم وشخصياتهم التي كانوا يظنون أنها ستظل بعيدة عن الناس، غافية في صناديقهم السوداء.
في قلب السكون الدامس تظهر نداهة الحكي، فتدس قلمها بين أصابعي، وتملي علي الحكايات، فأغيب حتى مطلع الفجر في تدوين نقائض وتسجيل خيبات...!
الجلسة الثالثة: في اليوم الأول، برئاسة الروائي جمال ناجي الأردني، شارك فيها الروائي خليل الجيزاوي المصري، والروائي التونسي الحبيب السالمي، والروائي السوري أيمن الناصر.
الحبيب السالمي: روايات مكتوبة بماء الورد
تجاوزت الرواية العربية بالرغم من قصر عمرها الكثير من المحظورات، وخاصة المحظورات الجنسية لقد استطاعت الرواية العربية أن تقارب الجنس أحد المحرمات الكبرى في ثقافتنا بجرأة لافتة، بل واخترقته محولة إياه إلى ثيمة مثل بقية الثيمات، ولا يعود الاختراق إلى تحولات المجتمعات العربية فقط، وإنما أيضاً إلى وعي الفرد لذاته.
الرواية العربية في السبعينيات التي قاربت موضوع الحب والجنس رواية مكتوبة بماء الورد، كما يقول الفرنسيون، وهذا طبيعي في تلك المرحلة، لذلك فقد تم ضخ شيء من الوقاحة والفجور، ويظهر هذا في أعمال روائية عربية كثيرة، منها رواية بيضة النعامة لرؤوف مسعد.
ويحضر الجنس أيضاً في الكتابة الروائية العربية الجديدة كتعبير عن التحرر، تحرر الرجل والمرأة، ويظهر هذا في الشخصيات النسائية، سواء في الروايات التي كتبها روائيون، أو تلك التي كتبتها روائيات، المرأة تمتلك جسدها وهي حرة التصرف فيه، من حقها أن تتحدث عنه كما يتحدث الرجل عن جسده، وهي تفعل ذلك دون حياء أو خوف...
ويتحدث الكاتب عن اللغة في الرواية الجديدة، قائلاً: كلما ابتعد الكاتب عن البلاغة بالمعنى الشائع والإنشاء اقترب من الكتابة، أحرص بشدة على أن تكون اللغة في رواياتي مقتصدة ودقيقة، وأنفر من كل زخرف فجمالية اللغة لا تعني بالنسبة لي البذخ اللغوي، وما يهمني هو جمالية التقشف...
ويشير أيضاً إلى أن "شعرية الرواية" لا تخدم الرواية حقاً، وكثيراً ما تكون عائقاً دون تحقيق السرد الجميل، ذلك أن سلوك اللغة في السرد يختلف عنه في الشعر والبون واسع بينهما...!
أيمن الناصر: تجربتي الروائية الأولى
يقدم أيمن الناصر الرقي السوري شهادة عن تجربته الروائية الأولى قائلاً: كنت أحلم بكتابة رواية تشكيلية آسرة، بلغة نظيفة، ساعياً إلى مزيد من الصدق والعفوية محولاً الهدف من إغراء العين وإمتاعها في التشكيل إلى كشف أغوار النفس البشرية التي لا تلمح فيها الألوان الصريحة المباشرة، ولا تلمس كتلاً قادرة على البروز بل أفكاراً وهواجس رابضة في اللاوعي.
منذ مرحلة الطفولة والمراهقة التي عشتها على شاطئ الفرات كنت مشدوداً إلى الحياة الطبيعية العفوية البعيدة عن التعقيدات الاجتماعية في كنف أبٍ مديني انخرط في شبابه بفن الرسم وكتابة القصة.. مبتعداً عن السياسة ومتطهراً منها بالفن والأدب.
في الثلاثين الأخيرة التي مرت من عمري كنت ألجأ إلى الطين أصادقه، وأكسب ثقته خاصة ـ حين كنت أغضب أو أحزن أو أفرح ـ وأمنحه الحياة، فيمنح روحي الدفء...ومهما كان نوع المادة التي أتعامل معها، الورق والقلم، أو الصلصال أو العدسة فإنني أتساءل ماذا أريد من هذا كله؟ هل أنشد المتعة أم أبحث عن الدهشة في عيون الآخرين؟ أم أن الطفولة التي تسكنني هي التي تدفعني لهذا الفضول المتجدد في أن أكون..؟
كتبت قصة قصيرة بعنوان: اللحاف، وأطلعت عليها صديقاً أثق به كثيراً، فاستغرب قائلاً: أين ذاكرة الفنان؟ أين خيالك ومخزونك البصري فيها؟ تحتمل قصتك أن تكون رواية لو تركت أفكارك فيها تتوارد عفو الخاطر... أخذت بكلامه واشتغلت عليها معيداً ترتيب أثاث ذاكرتي من جديد، وقد نالت الشخصيات الرئيسة في الرواية اهتماماً بالغاً من الكاتب، وهذه الشخصيات هي: الفنان حمزة الحمداني، وسيد عثمان مدرس الانكليزية السوداني الوافد إلى اليمن، وزياد مدرس التاريخ، وعائشة زوجة سيد.
ويقول الكاتب في التشكيل لست مجبراً على التفاصيل والشبه الفائق، فالمتلقي يشاهدها ويجسدها حسب ثقافته بينما في الأدب أنت معني بالكثير من التفاصيل والجزئيات لإقناع القارئ لذا ما كنت أقنع بشخصية أكتبها إن لم تكن مجسمة كما لو أنني أراها بين السطور بلحمها ودمها تتحرك أمامي...!
ويضيف الكاتب في شهادته: لعلي وفقت في أن تكون اللحاف رواية تشكيلية كما كنت أحلم، أو لعلي في نظر البعض بدوت كمن يحاول أن يتلذذ بطعم القهوة في كوب من الشاي.
خليل الجيزاوي : يوميات مدرس البنات
في شهادة خليل الجيزاوي المصري التي جاءت تحت عنوان: الكتابة بين المنع والقمع: رواية يوميات مدرس البنات أنموذجاً، يحاول الجيزاوي أن يصوغ المحطات الفاصلة في حياته، حتى أن شهادته تكاد تتحول إلى سيرة ذاتية...
في عزبة صغيرة، لا يتجاوز عدد منازلها أصابع اليدين ولدت، وقد تناثرت المنازل القليلة حول ماكينة عملاقة لرفع المياه الجوفية إلى الترع الصغيرة لتروي الأرض...كان جدي لأمي شيخاً بدوياً يرعى الغنم، نزح من صعيد مصر مع أخوته فوجد الأرض الخالية بجوار ماكينة المياه، وهكذا نبتت البيوت فجأة، وسماها الناس عزبة العرب، وقيدتها دفاتر الحكومة باسم عزبة الشيخ خليل، ونزح جدي لأبي من صعيد مصر، واختار مدينة الجيزة ليعيش بالقرب من أقربائه، دخل أبي المدرسة الثانوية الصناعية وتزوجت عمتي، وتم تكليف أبي بالعمل على تشغيل ماكينة المياه، أنجب جدي ثلاثة أولاد وابنة واحدة في عام 1960 وضع الزعيم جمال عبد الناصر حجر الأساس لبناء السد العالي، وفي عام 1961 ولدت بعد وفاة جدي خليل، فحملت اسمه وفي يوم من أيام عام 1964 تم تحويل مجرى نهر النيل إلى بحيرة ناصر، وفي بداية عام 1970 بدأ إهمال تفتيش الري للماكينة الألمانية العملاقة، وبدلاً من سبع ساعات عمل يومياً أصبحت تشتغل ساعتين كل ثلاثة أيام...
كان راديو جدي هو النافذة الوحيدة التي نعرف بها أخبار العالم، سمعنا منه أخبار النكسة 1967، وسمعنا الحناجر التي خرجت كالطوفان تردد بأنهم سيحاربون مع عبد الناصر، وفي عام 1970 سمعنا الخبر الأسود، ومات عبد الناصر، وبكى أبي بصوت عال وبكيت معه.
جدتي كانت حكاءة من الدرجة الأولى ومعظم حكاياتها عن جدي خليل أبو صالح، الذي امتطى ظهر العفريت عندما ظهر له في صورة حمار...
معظم ما كتبته من قصص كنت سمعته من جدتي التي تحفظ السيرة الهلالية وتعيش مع أبطالها وبطلاتها...
عرفت مكتبة المدرسة وقرأت فيها مئات الكتب وتواصلت مع قراءاتي في الثانوية، وفي الصف الثاني الثانوي كتبت الشعر، وعرفت السينما لأول مرة عن طريق المدرسة الثانوية.. وحين انتقلت إلى القاهرة لأكمل تعليمي الجامعي عرفت القاص النوبي إبراهيم فهمي، وعلمني في كلية الآداب الدكتور عبد القادر القط، والدكتور محمد عبد المطلب، والدكتور صلاح فضل.
استفدت كثيراً من تقنيات السرد الحديثة خاصة تكنيك رواية الأصوات، وجاءت فكرة رواية (يوميات مدرس البنات) خلال عملي كمدرس للغة العربية في ثانوية في حي من أحياء القاهرة.
نشرت روايتي وبعد أكثر من 25 عاماً على نشرها أجد من يحاكمني على بعض مفرداتها وبعض المشاهد في الرواية، وينسبون تلك المشاهد لي، أي أنني من اقترف المشاهد... وهكذا وجدت نفسي أتحمل أخطاء أبطال الرواية، وعانيت كثيراً من تدخلات الرقيب...
فهذا لا يقبل بنشرها وآخر لا ينشرها إلا إذا حذف ما يريد حذفه...! والحل الأخير كان بالبحث عن ناشر عربي وهكذا صدرت الطبعة الثانية والثالثة من يوميات مدرس ونشر معها أيضاً روايتي الرابعة "مواقيت الصمت"...!