الموضوع حين يغالب الشكل الفني



جدل حول (حدود المحظور) و(آليات اختراقه) في (العجيلي السادس)



(المحظور في المجتمع ليس هو المحظور في الكتابة )





2010/12/25
يدخل المقدس في حالة توتر مع الخيال والرواية
الرقة - العرب اليوم - محمود منير
تواصل الجدل حول محظورات الرواية العربية في مهرجان عبد السلام العجيلي السادس في مدينة الرقة السورية, الذي اختتم أمس, وتعددت الرؤى حول حدود المسموح به وتوظيف الاختراقات للمحظور فنياً, كما أثيرت الأسئلة إن كان اختراق التابو استطاع أن يحرر الرواية والروائي في المنطقة العربية, أم أصبح أسير الاختراق ذاته.
جلستان صباحيتان وأخريان مسائيتان بحثتا في فضاء يحتمل معظم القراءات, سواء في تأطير المحظور في مرجعياته التاريخية أو حضوره الراهن أو نسبيته من مجتمع إلى آخر أو من ظرف إلى آخر, وكان الحوار يراوح بين منطق تأكيد الخصوصية في مسألة اختراق المحظورات متمثلة بعدم انتهاك أو إيذاء القيم الإنسانية, وبين الحاجة الماسة إلى مزيد من الاختراق لتحطيم يقينيات ما تزال مؤثرة بشكل أو بآخر في مجتمعاتنا العربية.
المقدس في حالة توتر مع الخيال
الروائي عبد الحميد الربيعي اعتمد مثالاً ذكياً في الجلسة الأولى ينظر إلى أن الدم له حرمته وقدسيته في الأعراف المحلية والدولية, لكنه يراق الآن في العراق مجانا وبعبثية, وبناء عليه فإن الوعي الجمعي السائد يختلف جذريا عما كان عليه في عقد السبعينيات لهذا اتسعت قائمة المحظورات هنالك في الوجدان الجمعي, فأصبح الفرح محرماً والحرب محرمة والأرملة العانس محرمة وهكذا انفلت معيار الوعي الجمعي وبالضرورة اضمحل وخرب الوعي الفردي.
من دم بغداد إلى قلق مكة حيث قدّم الأكاديمي السوري د. لؤي خليل ورقة اختار نموذجين روائيين هما الحفائر تتنفس للروائي السعودي عبد الله التعزي و سيدي وحدانه لمواطنته رجاء عالم, مؤشراً أن اختيار مكة فضاء للحركة والأحداث في هذين العملين هو اختيار إشكالي; لأنه يجبرهما على التعامل معها من حيث هي نسق ثقافي, واختيار مكة هو اختيار لنسق المقدس بسطوته ومعياريته.
في تجاور مع دراسته التطبيقية على النموذجين الروائيين الذي اشتغل عليهما, يرى خليل أن اختيار المقدس بوصفه نسقاً ثقافياً يمثل قوة مؤثرة ومحصنة وغير قابلة للاختبار أو التشكيك, وقد تتحول إلى قوة ضاغطة تبعاً للظرف التاريخي, وكل ما يقع ضمن نسق المقدس يكتسب هذه الصفة والتأثير كاللغة والسلوك والمكان.
ويمسك خليل على أنه بهذا المعنى يدخل المقدس في حالة توتر مع الخيال والرواية; ومكمن ذلك معيارية النص ووصفية الخيال, المقدس قيمة معيارية غير حيادية أما الخيال فحركة حرة ومساحة مفتوحة على المطلق.
الروائي والناقد السوري نبيل سليمان كان أكثر وضوحاً في ورقته المعنونة ب¯ الرواية والحرام سواء بإشاراته السريعة إلى الحرام العربي الكثير متجسداً باتحاد المحظورات الدينية والأخلاقية بالمخلوقات السياسية والفنية منذ فجر التاريخ, وإلى الحرام العربي الإسلامي الراهن.
سليمان انتقد تطوير الفلاسفة والمتصوفة وعلماء الأخلاق بالتأسيس على الفلسفة اليونانية للحرام الإسلامي وما تمثله من الحرام المسيحي واليهودي بفصلهم بين الجيد والروح, مقابل ارتباطهما الدائم في النص القرآني على حد قوله.
منحازاً إلى هامش الرواية العربية لا إلى مركزها, كما عادته, اختار سليمان روايات للجزائريين رشيد بو جدرة وواسيني الأعرج إضافة للعراقية سميرة المانع والسورية غادة السمان كنماذج تطبيقية.
ربحت القضايا وخسر الفن
في الجلسة الثانية, شكّلت تساؤلات الروائية السورية عبير اسبر عن تحرر الفن من المحظورات, مؤكدة أنه في لعبة الفن ربحت القضايا وخسر الفن, وخسر الجمال وخسرت الذائقة في لعبة غير متكافئة مع ثقل القضايا التي كتبت فقط كي تحترق المحظورات.. وتكون جريئة ومختلفة وكل تلك الصفات المهددة للسلم الفني.
الروائي الأردني جمال ناجي قدم ورقة بعنوان تأملات جديدة في المحظورات الروائية, أشار في خلاصته أن المشكلة الأكبر التي تكاد تتسيد لوائح المحظورات الروائية الآن, هي تلك التي تنشب بين الحين والآخر مع متعهدي الدفاع عما يسمى الحياء العام و الأخلاقيات والمقدس, وهم المتعهدون الذين باتوا يمثلون سلطات من نوع جديد, إنها السلطات الروحية والاجتماعية التي تستمد قوتها من القوانين النافدة, ومن الأعراف والتقاليد السائدة.
هيئات محلفين روائية دعا ناجي إلى استحداثها, على أن تتشكل من ذوي الخبرات الإبداعية والفنية والقدرات الفكرية واللغوية, لأن الأشكال الرقابية الجديدة التي باتت تتحكم في مقاصد الروائيين ومصائرهم, إنما تستند إلى معادلات غريبة تطالب الكاتب بإخضاع روايته لعمليات تخسيس قاسية, أو إنقاص وزن سياسي أو روحي أو اجتماعي قبل نشرها, وبالمجمل, فإن تلك المعادلات تحاول جر الكاتب إلى خيار الانضمام إلى جوقة الروائيين التائبين..
المحظور.. وجهة نظر أخرى
يبدو تاريخ الفن عموماً تاريخ المحظور بذاته, بهذه العبارة استهلت الروائية السورية د. شهلا العجيلي ورقتها المعنونة ب¯ المرتكز النظري وتحولات المحظور في الرواية العربية, مشيرة على ملحمة جلجامش حيث نجد أن الإنسان بفضوله قد اكتشف المحظور, وذلك حين قالت العرافة: اترك سر الخلود للآلهة, واستمتع بحياتك, بزوجتك وبأطفالك, وأضافت أن تحول الربوبية من المرأة إلى الرجل هي بداية اكتشاف المرء المحظور الجسدي.
العجيلي عرجت على حدث مفصلي في الثقافة العربية يتمثل في فصل السياسي عن الثقافي والديني, حين تحولت الخلافة إلى ملك مع ولاية معاوية فراح العوام ينازع السلطان, فتجلى هنا محظور سياسي خطير.
وأكدت صاحبة عين الهر أن نظرية الرواية تقوم أصلاً على كسر فرد إشكالي لثقافة نسق غير متصالح معه, كما فعلت البرجوازية حينما اخترقت محظورات الأرستقراطية, وكما يفعل كل نسق ناشئ بالنسق الأسبق.
وفي إعادة تعريفها ل¯ مفهوم المحظور, ميزّت العجيلي بين المحظورات بأنها غير الثوابت, فالثوابت محظورات لكن ليس كل محظور ثابت, وأن المحظور في المجتمع ليس هو المحظور في الكتابة, ذلك أن الروائيين يمارسون حالة ليبرالية ذهنية عالية يتناولون فيها المحظورات جميعاً في حين يموت أبناء مجتمعاتهم نتيجة جرائم الشرف والاستبداد والقهر.
الروائي السوري.
وكان قد تحدث في اليوم الثاني مشاركون آخرون هم: د. فؤاد مرعي من سورية, د. عمار أحمد من العراق, الروائية المصرية هالة البدري, الروائي المصري محمد صلاح عزب, الروائي اللبناني د. عيد المجيد زراقط, الشاعر والروائي السوري عادل محمود, الروائيتان السوريتان سوسن جميل حسن ونجاح إبراهيم والروائي العراقي علي بدر.0