بسم الله الرحمن الرحيم
(الدفاع مشروع والإيمان بالله فطرة ولكن ....!؟)
ليس كل دفاع ضعفاً :(1)
رداً على من يقول : إن دفاع الصوفية عن انفسهم إشعار بضعف موقفهم أقول :
إن دفاع (الصوفية)عن عقيدتهم السليمة ونفوسهم الزكية وأخلاقهم المرضية التي أولها (تطهير القلب)عما سوى الله تعالى وآخرها(الفناء في الله)أي أن العبد لا يرى لنفسه وجوداً مع ربه سبحانه وتعالى وولي نعمته – كما يقول الإمام الغزالي – رحمه الله تعالى . فإذا دافعوا عن موقفهم القوي وسلوكهم السوي(في الإخلاص والتجرد لله )عزوجل فهل يعني هذا ضعفاً..!؟ إنه من أقوى أساليب الحوار والإقناع للطرف الخصم لأن القرآن سلك هذا المسلك وهو حافل بالآيات التي تدافع عن الحق ورسوله الحق ودينه الحق كقوله تعالى(فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون)النمل14وقوله(وما هو بقول كاهن قليلاً ما تذكرون)الحاقة42 وقوله(وما صاحبكم بمجنون)التكوير22وقوله(إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور)لقمان18والدفاع في الآية المذكورة يعني دفاع الباطل ورده بكل أنواعه وألوانه وإثبات الحق وإقراره ابتداء من الوحي ومروراًبرسول الله الحق وانتهاء بأوليائه المتقين في كل زمان ومكان .قال تعالى(ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون ..)يونس62 وفي الحديث القدسي(من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب).
فهل الآيات الكريمة السابقة والتي فيها بيان الحق والدفاع عنه وإبطال الباطل ورده ضعف..!؟ أم هو أقوى أسلوب في المنطق والحوار ..!؟
الفطرة السليمة قد تنحرف وتمرض فما العلاج ؟
ورداً على من يقول إن الفطرة كافية للإنسان المزود بها منذ الولادة ولا داعي للمرشد أو الشيخ أقول:
أما أن الإيمان بالله فطرة بشرية يزود الإنسان بها منذ ولادته فهذا لا جدال فيه وبناء عليه فإن الكفار يعرفون الله ولا داعي (للشيخ)في طريق العبد إلى الله ..! وهذا منطق بعضهم وهو الذي نخالفه فيه ..! ويستشهد هذا البعض على مدعاه بالآية الكريمة وهي قوله تعالى(وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا...)الأعراف172.
أقول إذاً لا داعي لإرسال الأنبياء والرسل من الله لعباده ما دامت الفطرة ستعرفهم بالله وتأخذ بأيديهم إلى بر الأمان ...! نعم الإيمان بالله فطرة (لاشك فيها ولا ريب) لكن ألست معي أن هذه الفطرة السليمة الصافية عرضة لأن تنحرف أو تحرف بتأثير عدد من العوامل والأسباب .


(1):للمرحوم محمد الغزالي المصري كتاب موضوعه (دفاع عن العقيدة والشريعة) .
من هذه العوامل مثلاً :
1- دور الأبوين في تربية أولادهما كما جاء عن الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام إذ يقول (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه...)
لأن الأبوين الكافرين وكل كافر وإن كان إيمانهم بالله فطرة من حيث وجوده وكونه خالقاً لكنهم لا يعرفونه
كما يجب أن يعرفوه من صفاته تعالى العلية (كالوحدانية والقدرة والعلم والقدم والبقاء ...)إلخ
فمجرد الإيمان بالله وكونه تعالى موجوداًوخالقاً دون الإيمان بصفاته الأخرى لا يسلكه في صفوف المؤمنين العارفين تلك الصفات والأسماء الواجبة في حقه تعالى وهذا معلوم بالضرورة , وقد كان العرب قبل الإسلام مؤمنين بوجود الله وكونه خالقاً وذكر الله تعالى ذلك عنهم في آيات كثيرة من كتابه العزيز فقال (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله)الزخرف87 وقال جل ثناؤه (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم).الزخرف9
لكنهم مع هذا الاعتراف أو الإيمان بالله جعلوا له شركاء وأشركوا به آلهة أخرى (من البشر والكواكب والحجر ..)فلم يقبل الله تعالى إيمانهم هذا ورده عليهم واعتبرهم مشركين كما جاء في القرآن في آيات كثيرة . هذا من جهة ومن جهة أخرى كان إيمانهم( تقليداً )متوارثاًيرثونه عن آبائهم وأجدادهم كما قال تعالى عنهم (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون)البقرة170 والإيمان ينبغي أن يكون عن علم ويقين قال تعالى (فاعلم أنه لا إله إلا الله) .محمد19
2- ومن العوامل المحرفة أيضاًَ عن الفطرة السوية (الأصحاب ورفقاء السوء) .
فكثيراً ما يجعل الإنسان ينحرف عن فطرته السليمة مرافقته لأصحاب السوء ورفقاء الفساد والضلال وقد أوضح الله عز وجل ذلك في محكم كتابه فقال (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا).الفرقان28
ولذلك فإن المرء على دين خليله , والطبع من الطبع سراق وهذا ما جاء أيضافي الحديث الشريف (في الجليس الصالح والجليس السوء) ورحم الله من قال:
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدى.
3- ومن عوامل التحريف أيضاً . الثقافة التي يتلقاها الطالب في المدرسة والجامعة والمحيط الذي يعيش فيه الإنسان . كما هو شأن كثيرين خلال التاريخ وإلى اليوم فالكتاب والمعلم لهما دور كبيرفي حياة المتلقي إذ إن المعلومات التي يتلقاها الطالب خلال مسيرته الثقافية والعلمية ومن أساتذة ومدرسين مختلفي الاتجاهات والعقائد لا بد أن يتأثر بها سلباً أوإيجاباً . وهذا هو المشاهد .
أكتفي بهذه العوامل الثلاثة التي تبين لنا بوضوح ما لها من تأثير على الإنسان لا ينكرها عاقل .وأترك العوامل الأخرى وهي كثيرة .
ولنأت إلى دور (الأسباب) التي تجعل الشرك يتسرب إلى الفطرة السوية .
إذ من المعلوم أن الفطرة قد تمرض فيصيب الداء (قلب الإنسان) الذي به صلاح الجسد وفساده كماجاء في الحديث الشريف .
أجل يمرض القلب كما يمرض الجسد إذا لم يحافظ صاحبه على أسباب الصحة والعافية وعرضة لأن يتمكن منه المرض ويستفحل إذا لم يأخذ الإنسان بأسباب (العلاج) .
والنفس الإنسانية كذلك , الأصل فيها السلامة التي هي (الفطرة) ولكنها عرضة للإصابة بالمرض إذا غفل الإنسان عن ذكر الله تعالى فوسوس له الشيطان وأبعده عن الطريق. وهي عرضة كذلك لأن يتمكن منه المرض ويستفحل إذا لم يسارع الإنسان إلى التوبة لله والإنابة إليه والعودة إلى الطريق الصحيح كما قال تعالى :(إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) .الأعراف201
فإن لم يعالج نفسه بذكر الله والإنابة إليه والتوبة له يصبح ممن قال الله تعالى عنهم (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً...)البقرة10
وهذا المرض الذي يصيب القلب له جملة أسباب ودوافع بينتها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية نستعرض جانباً منها فيما يلي ذاكرين عناوينها بإيجاز دون الدخول في تفاصيلها إذ يأخذ ذلك منا وقتاً طويلاً وكتابة كثيرة (واللبيب تكفيه الإشارة).
أول هذه الأسباب : الاعجاب والتعظيم بالبطولة والعظمة والأشياء الفخمة والأمور الخارقة . والانحراف أوالمرض ينشأ من زيادة التعظيم حتى يصل إلى حد التقديس فهنا يدخل في دائرة الشرك . وهذا الإعجاب وما ينشأ عنه من التعظيم ليس عيباً في ذاته ولا ينشأ منه ضرر في النفس السوية بل إنه مطلوب في أحيان كثيرة فإعجاب الابن بوالديه وتعظيمهما أمر مطلوب وتعظيم العلماء والصالحين من الأمة واجب على ألا يصل إلى حد التقديس .
ثانياً : الميل إلى المحسوس والغفلة عن غير المحسوس . لأن الإنسان تتنازعه فطرتان متكاملتان إحداهما تنزع إلى الإيمان بالمحسوس (أي ما يقع تحت حس من حواس الإنسان) ويمكن للحواس أن تدرك وجوده بالنظر أو السمع أو الشم أو الذوق أو اللمس .
والأخرى تنزع إلى الإيمان بالغيب أي ما لا يقع تحت الحس أو في دائرته ولا يمكن للحواس أن تدرك وجوده بشكل مباشر (وهو محك الابتلاء من الله لعباده) وهو الفارق بين الإيماني والمادي وإذا كان الإنسان يشترك في النزعة الأولى مع بعض المخلوقات الأخرى فقد خصه الله بالنزعة الثانية وهي (الإيمان بالغيب) وكرمه بها وفضله بها على كثير ممن خلق . قال تعالى (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)الإسراء70 ولكن فطرة الإنسان عرضة للمرض (كما قلنا) إذا لم يداوم على رعايتها وتقديم الغذاء الصالح لها (من ذكر لله تعالى وتقرب إليه بالأعمال الصالحة وحضور مجالس العلم والاتصال بالعلماء) فإن لم يفعل ذلك يرين عندئذ على القلب ما يرين من ظلمات كما قال تعالى عن الكافرين : (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) المطففين 14.
ثالثاً : الهوى والشهوات :
ومن الأمراض التي تصيب الفطرة كذلك وتوقعها في الشرك (غلبة الهوى والشهوات) ذلك أن دين الله المنزل يشمل دائماً أحكاماً إلهية يطلب الله من البشر أن يلتزموا بها وينفذوها لتستقيم حياتهم وتتوازن قال تعالى (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) الحديد 25
وحين تكون الفطرة سليمة ومستقيمة فإنها تتقبل ما فرضه الله عليها بالرضى وتجتهد في تنفيذه تعبداً لله وطمعاً في رضاه , ولكن حين يغلب عليها الهوى وحب الشهوات فإنها تضيق بما أنزل الله وتحب أن تتبع شهواتها وفي ذلك يقول القرآن العظيم (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا)مريم 59 وغيرها من الأسباب وهي كثيرة , كما كان الشأن في عوامل الانحراف . (1)
وجود الشيخ أو المرشد ضرورة :
هذه مقدمة بين يدي الإجابة عن أن الإنسان لا يستغني عن (الشيخ أو المرشد أو الدلال) سمه ما شئت (فلا مشاحة في الاصطلاح) .
ومحبة الشيخ هنا ضرورة بعد أن عرفه السالك في الطريق ووثق به وأخذ عنه ثم عرف الله تعالى عن طريقه معرفة صحيحة , وهذه المحبة تمهيد وتوطئة لمعرفة العبد ربه ثم حبه إياه ثم طاعته له كما قال تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)آل عمران3 فالآية الكريمة صريحة في أن المحبة تسبق الطاعة .ترى من الذي عرَف المشركين بالله حتى أحبوه ثم أطاعوه ؟ أليس رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي عرفه المشركون أولاً وأحبوه ثانياً وأطاعوه ثالثاً قبل أن يعرفوا الله وصفاته الجمالية والجلالية , فلا محبة بلا معرفة ولا طاعة بلا محبة هذه الثلاثة مرتبة هكذا : (معرفة + محبة + طاعة) .ولهذا أرسل الله عز وجل الرسل والأنبياء , ليعرفوه كما قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)الذاريات57 أي يعرفون . فلو كان الإنسان يستغني بفطرته عن المرشد أو الدلال أو الشيخ لما أرسل الله كواكب من الأنبياء والرسل ابتداءً من آدم وانتهاءً بخاتمهم محمد عليهم الصلاة والسلام . قال تعالى (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ..)البقرة213 وتعني الآية (والله أعلم) أن الناس كانوا أمة واحدة مؤمنين بالله إيماناً صحيحاً (على الفطرة) فانحرفوا فأرسل الله الأنبياء والمرسلين لإعادتهم إلى الجادة المستقيمة كما قال تعالى (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل)النساء165 والعلماء ورثة الأنبياء , والكفار لا يعرفون الله وإن آمنوا بوجوده لذلك كانوا كفاراً ...! وهنا يأتي دور (الشيخ) أو (رجال التصوف وشيوخه) الذين يهتمون بقلب الإنسان ويفرغون جهدهم لإصلاحه فإنه(المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله)

(1): انظر كتاب مقرر(علم التوحيد) للصف الثاني الثانوي وزارة المعارف السعودية لمحمد قطب 1396ه /1976م . بتصرف
- كما جاء في الحديث ويقدمون له الغذاء الصالح والدواء الناجع لإبلائه من مرضه فهم أطباء القلوب
ومعالجو النفوس والدلالون على الطريق الذي فيه نجاة العباد (من ذكر لله تعالى وتقرب إليه بالأعمال الصالحة وبيانها له وهو (أي الشيخ) قدوة لهم , فكما أن أطباء الأجسام يطيبون الأبدان فالعلماء والأولياء يطيبون النفوس ويداوون القلوب , نطقهم ذكر وصمتهم فكر هم الصفوة الذين إذا رآهم الناس ذكروا الله وإذا نطقوا زادوهم في علمهم ورغبوا الناس في الآخرة بأعمالهم .
تصفح كلامهم فتجد في مجموع أقاويلهم ومتفرقاتها ما يجعلك بتأمله تثق بأن القوم لم يقصروا في التحقيق عن شأو ولم يعرجوا في الطلب على تقصير .
وهذا لا يعني أنهم (معصومون) بل قد يكون للولي الزلة والزلات والهفوة والهفوات وغلبة الأقدار كما أشار إليه (الجنيد) رحمه الله تعالى بقوله (وكان قدراً مقدورا) في جواب من سأله : هل يعصي الولي ؟
والأمة في درجاتها متفاوتة وينقسمون إلى (أصحاب اليمين وإلى المقربين) دل عليه الكتاب العزيز في قول الله تبارك وتعالى (فأما إن كان من المقربين فروح و ريحان وجنة نعيم وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين...) الواقعة 89-91
فمن صح إيمانه وعمل بما أمر به شرعاً وانتهى عما نهى عنه فهو من أصحاب اليمين , ومن قلت غفلاته وتوالت منه نوافله وطاعاته وتوالى على قلبه ذكره ودعواته فهو المقرب المحسن وهو الذي يعبر عنه (بالصوفي) الذي يكون على نهج الحق أمثال (الجنيد ومعروف الكرخي وبشر الحافي وابراهيم بن أدهم) رضي الله عنهم وأمثالهم من الدالين على الله تعالى ومن جاء بعدهم وسلك مسلكهم باتباع الكتاب والسنة .
(فالصوفي) الذي صفا عن الأخلاق المذمومة وتخلق بالأخلاق المحمودة حتى أحبه الله وحفظه في جميع حركاته وسكناته كما جاء في الخبر(... ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ...) أي أحفظه في تصرفاته (بدايته ونهايته) حيث سبقت عنايته تعالى به فسبق العناية لا يؤثر فيه حدوث جناية ولا يحط عن رتبة الولاية . وفي خبر آخر (احفظ الله يحفظك ...) فبي يسمع وبي يبصر إن دعا ني أجبته وإن سألني أعطيته ..!
ثم لما ظهرت البدع وحصل التداعي بين الفرق فكل طريق ادعوا أن فيهم زهاداً وانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفاسهم مع الله تعالى الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة (بالتصوف) واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر .. فهل في هذا من غضاضة ..!؟
وأنهي كتابتي هذه بما شهد به (حجة الإسلام الإمام الغزالي) رحمه الله تعالى في الصوفية ورجالها بعد أن ذكر أدوار حياته في مسيرته العلمية والعبادية وانتقاله من حال إلى حال إلى أن انتهى به التطواف إلى حال (الصوفية) وأجعل هذه الشهادة منه مسك الختام . يقول رحمه الله تعالى :
(والقدر الذي ينبغي أن نذكره لينتفع به أني علمت (يقيناً) أن الصوفية هم السالكون الطريق إلى الله خاصة وأن سيرتهم أحسن السير وطريقهم أصوب طريق وأخلاقهم أزكى الأخلاق , بل لو جمع عقل العقلاء وحكمة الحكماء وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ليغيروا من سيرتهم وأخلاقهم ويبدلوه
بما هو خير منه لم يجدوا إلى ذلك سبيلا , فإن جميع حركاتهم وسكناتهم في ظواهرهم وبواطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به .
وبالجملة : ماذا يقول القائل في طريقة أول شروطها (تطهير القلب بالكلية عما سوى الله تعالى ومفتاحها الجاري منها كجري التحرم في الصلاة استغراق القلب بذكر الله وآخرها الفناء في الله بالكلية وهي أقواها ) .
وبهذه الخاتمة أقول (قطعت جهيزة قول كل خطيب) كما جاء في المثل .
وهؤلاء المعترضون على (التصوف) الصحيح النقي من الدخل والزغل والدس والعلل , ورجاله الأعلام لا يبلغون كعب الإمام الغزالي الذي شهد له القاصي والداني بغزارة العلم ودقة الفهم وقوة العقل ونور البصيرة وكان له القدح المعلى في الجوانب العلمية والأخلاقية كلها حتى أخذ هذا اللقب (حجة الإسلام) بجدارة وحاز عليه من معاصريه وممن جاؤوا بعدهم خلال العصور الطويلة والأزمان المختلفة وإلى اليوم .
أسأل الله تعالى أن يبصرنا بديننا ويثبتنا على الحق والدعوة إليه ويجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد إمام الأولياء وسيد الأتقياء والمقتدى به إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .
خاشع ابن شيخ إبراهيم حقي