المَفْعُولبه:
-1 تعريفُه:
هو اسمٌ دلَّ على مَا وَقَعَ عليه فِعْلٌ الفَاعل، ولم يَتَغَيَّرْ لأجْلهِ صورةُ الفعلِ، نحو "يُحِبُّ اللَّهُ المُتْقِنَ عِمَلَه" ويَكُونُ ظَاهراً كما مُثِّل، وضَمِيراً مُتَّصِلاً نحو: "أَرْشَدَني الأُسْتاذُ" ومُنْفَصِلاً نحو: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} (الآية "4" من سورة الفاتحة "1" ).
-2 ذِكْرُ عَامِل المَفْعُولِ به وحَذْفُه:
الأَصْلُ في عَامِل المَفْعُولِ بِهِ أنْ يُذكر، وقدْ يُحذَف إمَّا جَوازاً، وذلك إذا دَلَّتْ عليهِ قَرِينَة نحو "صَدِيقَك" في جواب "مَنْ أَكْرَمْتَ؟".
وَهَذَا كَثِير، نحو قَوْلِكَ "هَلاَّ خَيْراً مِن ذلك" أيْ هَلاَّ تَفْعلُ خَيْراً من ذلك.
ومن ذلِكَ "ادْفَعِ الشَّرَّ ولو إصْبعاً" أي ولو دَفَعْته إصبِعا ومِثْلُهُ تَقُول لِمَن قَدِم: "خَيْرَ مَقْدَم" ويجوزُ فيه الرَّفْع، ومِثْلُه تقول "مَبْرُورَاً مَأْجُوراً". قَدْ يُحذَفُ الفِعلُ ويَبْفَى مَفْعُولُه لِكَثْرَته في كَلامِهم حتى صار بِمَنْزِلةِ المَثَل من ذلك قول ذي الرُّمة:
دِيَارَ مَية إذ مَيٌّ مُسَاعِفَةٌ * ولا يَرى مِثلَها عُجْمٌ ولا عَرَبُ
كأنه قال: اذْكُرْ دِيَارَ مَيَّة، ومن ذلِكَ قَولُ العرب "كِلَيْهما وتَمْراً" (وفي أمثال الميداني: كلاهما وتمراً، كلاهما: أي زَبَد وسَنَام) يُريدُ أعْطِني كِلَيْهما وَتَمْراً.
ومن ذَلِكَ قَوْلُهم: "كلَّ شَيْءٍ وَلاَ شَتِيمةَ حُرّ" أي ائْتِ كُلَّ شيءٍ، ولا تَرْتكِبْ شَتِيمَةَ حُرّ، ومن العَرَب من يقول: "كِلاهُما وتَمْراً" كأنَّه قال: كلاهما لي ثَابتان وزِدْني تمراً، وكلُّ شيء قد يقبل ولا تَرْتَكِبْ شَتِيمَةَ حُرٍّ.
ومما يَنْتَصِب في هذا الباب على إضمارِ الفِعْل المَتْرُوكِ إظهاره، قولُه تعالى: {انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ} (الآية "171" من سورة النساء "4" ) "وَرَاءَكَ أوْسَعَ لَك" والتقدير: انْتَهُوا وأْتُوا خَيْراً لكم، لأنَّك حينَ قلت: انتهِ فأنْتَ تُريدُ أنْ تُخْرجه مِن أمرٍ وتُدخِلَه في آخر، ويجوزُ في مِثل هذا إظهار الفعل، ومعنى "وَرَاءَك أوْسَعَ لك" تَأَخَّرْ تَجْدْ مَكاناً أَوْسَعْ لَكَ، ومثله قولُ ابنِ الرُّقَيَّات:
لَنْ تَرَاهَا ولو تَأَمَّلْتَ إلاَّ * وَلَها في مَفَارِق الرَّأْس طِيبَا
والمَعْنى: إلاَّ ورَأيْتَ لَها طِيباً.
ومثلُه قولُ ابنِ قَمِيئَة:
تذكَّرتْ أرْضاً بها أهْلُها * أخْوالها فيها وأعْمامَها
والمعنى: وتَذَكَّرْت أخْوالَها وأعْمَامَها.
وإمَّا وُجُوباً وذلِكَ في سبعةِ أنواع:
(1) الأَمْثالُ ونحوُها ممّا اشتُهر بحذفِ العَامِلِ نحو قولك للقادِمِ عليكَ "أَهْلاً وسَهْلاً" أي جِئْتَ أَهْلاً، ونَزَلْتَ مكاناً سَهْلاً، وفي المثل: "أمْرَ مُبْكِيَاتِكِ لا أمْرَ مُضْحِكَاتِكِ" (مثل يضرب لاسْتِماع النصيحة، ويصبح فيه - كما يقول سيبويه - الضم) تَقْدِيرُه: اقْبَلي أمْرَ مُبْكيَاتِكِ، وفي المثل: "الكلابَ على البَقَر" (مثلٌ، معناهُ: خلِّ الناس خَيرَهم وشرهم واغتنم طريق السلامة) أي أرسِلْ.
(2) النُّعوتُ المقطوعَة إلى النَّصْب للتَّعْظِيم، نحو "الحَمْدُ للَّهِ الحَمِيدَ" (=النعت).
(3) الاسمُ المشتغلُ عنه نحو: "محمَّداً سَامِحْهُ" (=الاشتغال).
(4) الاختصاصُ نحو "نَحْنُ العَربَ أسْخى مَنْ بَذَل" (=الاختصاص).
(5) التَّحْذِيرُ بشرْطِ العَطْفِ أو التكرارِ بغير "إِيَّا" نحو "رأسَكَ والسَّيفَ" و "الكَسَل الكَسَلَ" ونحو "إيَّاكَ والكذِبَ". (=التحذير).
(6) الإِغْراءُ بشَرْطِ العَطْفِ أو التَّكْرار أيضاً نحو "المُرُوءَةَ والنَّجْدَةَ" (=الإِغْراء).
(7) المُنَادَى نحو "يا سَيَّدَ القَوم" (الأَصْل في نَصْب المُنادى بـ "أدعو" المُقَدَّرة، فإذا قلت: "يا سيدَ القَوْم" فكأنك قلت: أَدْعو سَيِّدَ القوم) أيْ أَدْعُو سَيِّدَ القوم. (=النداء).
-3 حَذْفُ المفعولِ به:
الأصلُ في المَفْعُولِ به أنْ يُذْكَرَ، وقدْ يُحْذَفُ جَوازاً لِغَرَضٍ لَفْظي: كتناسُب الفَواصِل، نحو: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلى} (الآية "3" من سورة الضحى "93"). أيْ وَمَا قَلاَكَ، أو الإِيجازِ نحو: {فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا ولنْ تَفْعَلُوا} (الآية "24" من سورة البقرة "2" ). أو غَرَضٍ مَعْنَويٍ: كاحْتِقَارِه نحو: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ} (الآية "21" من سورة المجادلة "58") أيْ الكَافِرين، أوِ اسْتِهْجَانِهِ كقولِ عَائِشةَ "ما رَأى مِنِّي، ولا رَأَيْتُ مِنْه" أيْ العَوْرة.
ويُحْذَفُ وُجُوباً في بابِ التَّنازُعِ (=التنازع) إنْ أُعْمِلَ الثاني، نحو "قَصَدتُ وعَلَّمني أستاذي". ويَمتنعُ حذفُهُ في مَواضِعَ أشْهَرُها: المَفْعُولُ المسؤول عنه نحو "عَليّاً" في جَوَابِ "مَنْ أكرمتَ؟" والمَحْصُور فيه نحو "مَا أدَّبْتُ إلاَّ إبراهيمَ".