لبَّيْـكَ يَا اللهُ !

بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي


الكعبـةُ الـغَـرَّاءُ بَيْن حجيجِهـا

نُـورٌ وتَحْـتَ ظـلاَلِهـا رُكْبَـانُ
تَتَقَطَّـعُ الأيَّـام مِـنْ أحـدَاثِهـا

وَحَجيجُهَـا مُـتـوَاصِـلٌ رَيَّـانُ
أجْـرَى لَهَا الرَّحْمَنُ زَمْـزَمَ آيّـةً

فَابتَلَّـتِ السَّـاحـاتُ والأزْمَـانُ
وَجَـرى بِكَلِّ عُرُوقهَا مِنْهُ هَـوَىً

وصَفَـتْ على جَنَبَاتِهـا الغُـدْرَانُ
رُدَّي عَليِّ مِـنَ الهَـوى وَحَنَانِـهِ

كَـمْ كَانَ يَحْلُو مِنْ هـواكِ حَنَـانُ
تَمْضـينَ وَالأيَّـام ُ تَنْثُـرُ وُدَّهـا

طِيبـاً فَتَنْفُـضُ عِطْرهَـا الأرْدَانُ
* * *

* * *
أمقَـامَ إبْرَاهِيمَ ، وَالبَيْـتُ العَتِيـ

ـقُ هُـدىً وآيـاتٌ لَـهُ وَبَيـانُ
الطَّائفُـون الـرَّاكعـون لِـرَبِّهِـمْ

خَفَقَـتْ قُلُوبُهُـمُ وَضَـجَّ لِسَـانُ
تَتَـزاحَـمُ الأقْـدَامُ في سَاحَاتِـه

وتَـرِفُّ بَيْـنَ ظِـلالِـهِ الأَبْـدانُ
وَمِنى صَدى رَبَواتِها التَّوحِيدُ والتْ

ـتَّكبيـرُ والإخْـبـاتُ والإذْعـانُ
عَرفَـاتُ سَاحَاتٌ تَضِـجُّ وَرَحمَـةٌ

تَغْشَـى وَدَمْـعٌ بَيْنَهَـا هَـتَّـانُ
لَبَّيْـكَ يَا اللهُ ! وَانْطَلَقَـتْ بِـهَـا

رُسُـلٌ وَفَوَّحَـتِ الرُّبَـى وَجِنَـانُ
لَبَّيـكَ والدُّنْيا صَدىً والأفْـقُ يَـرْ

جِعُهَـا نَـدىً يَبْتَـلُّ مَنْـهُ جَنَـانُ
لَبَّيْكَ وَحْدَكَ لا شَريكَ لَكَ ، الرِّضـا

والخيـرُ مِنْكَ ، بِبَابِـكَ الإحْسَـانُ
* * *

* * *
لَبَّيْـكَ ، والتَفَتَ الفُؤادُ وَدَارَت الْـ

ـعَيْنَـانِ وانْفَلَتَتْ لَهَـا الأشْجَـانُ
دَقَّـتْ قوَارِعُها الدِّيـارَ فَزُلْزِلَـتْ

تَحْـتَ الخُطَى الأرْبَاضُ والأرْكـانُ
جَمَعـتْ مَرَامِيـهِ البلادَ فَمَشْـرِقٌ

غَـافٍ وغَـرْبٌ لَـفَّـهُ النَّسْيـانُ
* * *

* * *
أيْـنَ الحَجِيجُ ! وكُلُّ قَلْبٍ ضَـارِعٍ

وَمَشَـارِفُ الـدُّنْـيَـا لَـهُ آذَانُ
نَزَعُوا على السَّاحَاتِ وانطَلَقَتْ بِهِمْ

سُبُـلٌ وَفَـرَّقَ جَمْعَهُـمْ بُـلْـدَانُ
وَطَوَتْهُـمُ الدُّنْيَا بِكُـلِّ ضَجيجِهـا

وَهَـوَىً يُمَزِّقُ شَمْلَهُـمْ وَهَـوَانُ
وَمَضَى الحَجِيـجُ كَأنَّهُ مَا ضَمَّهُـمْ

عَـرفَـاتُ أوْ حَـرَمٌ لَـهُ وَمَكَـانُ
بِالأمْـسِ كَمْ لَبَّـوْا عَلى سَاحَاتِـهِ

بِالأمْـسِ كم طَافُوا هُناك وَعَانُـوا
عَرَفَاتُ سَاحَاتٌ يَمُوتُ بَهَا الصَّدى

وتغِيـبُ خَلْـفَ بِطاحِهِ الوُدْيـانُ
لَـمْ يَبْـقَ في عَرفَـاتِ إلاّ دَمْعَـةٌ

سَقَطَـتْ فبَكَّتْ حَوْلَهـا الوُدْيَـانُ
هي دَمْعَـةُ الإسْلامِ يَلْمَعُ حَوْلَهـا

أمَـلٌ وتُهْـرَق بَيْنَهـا الأحـزَانُ
* * *

* * *
وتَلَفَّـتَ الأقْصَـى لِمكَّـةَ لَوْعَـةً

أخْتَـاهُ ! تَنْهَشُ أضْلُعِي الغِرْبَـانُ
أختَـاهُ ! أَيْنَ المُسْلمُونَ وَحشْدُهُمْ

أَيْـنَ الملايينُ الغُثَـاءُ ! أهَانُـوا؟
أُخْتَـاهُ ! وانْقَطَعَتْ حِبَـالُ نِدَائِـهِ

وَاغْرَوْرَقَـتْ مَنّ دَمْعِـهِ الأجْفَـانُ
وَهَـوَتْ معَاولُ كَيْ تَدُكَّ حِيَاضَـهُ

وَهَـوتْ على أمْجَـادِهِ الجُـدْرَانُ
* * *

* * *
القِبْلَتَـانِ مَرابِـعٌ مَـوْصُـوِلَـةٌ

دَرَجَـتْ عَلى سَاحَاتِهَـا الفِتْيَـانُ
القِبْلَتَـانِ يَمُوجُ بَيُنَهُمـا الهُـدَى

نُـوراً وَيَخْشَـعُ عِنْـدَهُ الإنسـانُ
القِبْلَتَـانِ وكُـلُّ رابِـيَـةٍ لَـهـا

حَـرَمٌ وكُـلُّ شِعَـابِـهِ أكْـنَـانُ
يُهْدي الحَمامُ إلى الشِّعَافِ هَدِيلَـهُ

وَيَـرُدُّ جُنْحَـيْـهِ رِضَـاً وأمَـانُ
وَيَضُـمُّ بَيْنَهُمـا ظِـلالَ نُـبُـوَّةٍ

وَالصَّاحِبَيْـنَ فَطَابَ مِنْـهُ مكـانُ
* * *

* * *
أكَتَائـبَ الرَّحْمـنِ أيْـنَ رِسالـةٌ

فَتَحَـتْ قُلـوبَ العَالَمينَ فَـدَانُـوا
هَـلاّ أعـدْت إلى القُلوبِ يقينَهَـا

وَالبُشْرَيـاتُ نَـوَاضِـرٌ وَجِنَـانُ
عَهْـدٌ مَعَ الرَّحْمَنِ أوفَى حَقَّهُ التْـ

ـتَـوْرَاةُ والإِنْجِيـلُ وَالـقُـرْآنُ
* * *

* * *
حَـرَمٌ يَبَارِكُـهُ الإلـه ! رَحِيقُـهُ

تَغْنَـى بِـهِ الـذُّرُوَاتُ والوُدْيَـانُ
حَـرَمٌ تَحنُّ لَهُ القُلـوبُ وَيَرتَـوِي

عِـنْـدَ اللِّقَـاءِ وَخَفْقِـهِ الظَّمْـانُ
* * *

* * *
يَـا أمَّـةَ القُـرْآنِ دَارُكِ حُـلْـوَةٌ

مَـا طَوَّفَـتْ ذِكْرَى وَهَاجَ حَنَـانُ
مَغْنَـاكِ مَنْثُـورُ الأزاهِـر كُلُّهـا

عَبَـقٌ إذا خَضرَتْ بِـهِ العِيـدَانُ
لا أنْتَقِي مَنْ غَرْسٍ رَوْضِكِ زَهْـرَةً

إلاَّ وَكَـانَ عَبيـرَهَـا الإيـمَـانُ
يَشكْوُ ! ويَشكْوُ كَلُّ مَنْ عَرَفَ الَهوى

أوْ هَاجَـهُ مِنْ طَرفِـكِ الحِرْمَـانُ
ذَبَلَـتْ أَزَاهِرُهُ وَصَـوَّح رَوضُـهُ

وَبَكَـى علـى أطْـلالِـهِ السُّكَّـانُ
* * *

* * *